الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْعَمَلِ (بِهِ)(1) ـ وَنَقُولُ: إِنَّ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الأخبار (عام)(2)، وهذا يفيد الخصوص كما (تقدم تفسيره)(3) أَوْ يُفِيدُ/ مَعْنًى يُفْهَمُ مِنْهُ الْخُصُوصُ، وَهُوَ الإشراب في أعلى المراتب مسوقاً مساق (التبعيض)(4)، لِقَوْلِهِ:"وَإِنَّهُ سَيَخْرُجُ فِي أُمَّتِي أَقْوَامٌ" إِلَى آخره، فدل (على)(5) أَنَّ ثَمَّ أَقْوَامًا أُخَرَ لَا تَتَجَارَى بِهِمْ تلك الأهواء على ما قال، بل (على)(6) أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ لَا تَتَجَارَى بِهِمْ ذَلِكَ.
وَهَذَا التَّفْسِيرُ بِحَسَبِ مَا أَعْطَاهُ/ الْمَوْضِعُ، وَتَمَامُ الْمَسْأَلَةِ قَدْ مَرَّ فِي الْبَابِ الثَّانِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، لَكِنْ عَلَى وَجْهٍ لَا يَكُونُ في الأحاديث كلها تخصيص، وبالله التوفيق.
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ:
أَنَّهُ جَاءَ فِي بَعْضِ رِوَايَاتِ الْحَدِيثِ: (أَعْظَمُهَا فِتْنَةً الَّذِينَ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُحِلُّونَ الْحَرَامَ وَيُحَرِّمُونَ الْحَلَالَ)(7)، فَجَعَلَ أَعْظَمَ تِلْكَ الْفِرَقِ فِتْنَةً عَلَى الْأُمَّةِ أَهْلَ الْقِيَاسِ، وَلَا كُلَّ قِيَاسٍ، بَلِ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ أَصْلٍ، (فَإِنَّ أَهْلَ الْقِيَاسِ مُتَّفِقُونَ عَلَى أَنَّهُ على غير أصل لا يَصِحُّ، وَإِنَّمَا يَكُونُ عَلَى أَصْلٍ)(8) مِنْ كِتَابٍ أَوْ سُنَّةٍ/ صَحِيحَةٍ أَوْ إِجْمَاعٍ مُعْتَبَرٍ، فَإِذَا لَمْ يَكُنْ لِلْقِيَاسِ أَصْلٌ ـ وَهُوَ الْقِيَاسُ الْفَاسِدُ ـ/ فَهُوَ الَّذِي لَا يَصِحُّ أَنْ يُوضَعَ فِي الدِّينِ، فَإِنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى مُخَالَفَةِ الشَّرْعِ، وَأَنْ يَصِيرَ الْحَلَالُ بِالشَّرْعِ حَرَامًا بِذَلِكَ الْقِيَاسِ، وَالْحَرَامُ حَلَالًا، فَإِنَّ الرَّأْيَ مِنْ حَيْثُ هُوَ رَأْيٌ لَا يَنْضَبِطُ إِلَى قَانُونٍ شَرْعِيٍّ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ أَصْلٌ شَرْعِيٌّ، فَإِنَّ الْعُقُولَ تَسْتَحْسِنُ ما لا يستحسن شرعاً،
(1) ساقط من (غ) و (ر).
(2)
في (ط) و (م) و (خ) و (غ) و (ر): "عامة".
(3)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): تفيده.
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "التبغيض".
(5)
زيادة من (غ) و (ر).
(6)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "هي".
(7)
تقدم تخريجه (3/ 123).
(8)
ما بين () ساقط من (غ) و (ر).
وَتَسْتَقْبِحُ مَا لَا يُسْتَقْبَحُ شَرْعًا، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ صَارَ الْقِيَاسُ عَلَى غَيْرِ أَصْلِ فِتْنَةً عَلَى النَّاسِ.
ثُمَّ أَخْبَرَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّ (المُعْمِلين)(1) لِهَذَا الْقِيَاسِ أَضَرُّ عَلَى النَّاسِ مِنْ سَائِرِ أَهْلِ الْفِرَقِ، وَأَشَدُّ فِتْنَةً، وَبَيَانُهُ:((2) أَنَّ مَذَاهِبَ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ قَدِ اشْتَهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الَّتِي تَرُدُّهَا وَاسْتَفَاضَتْ، وَأَهْلُ الْأَهْوَاءِ مَقْمُوعُونَ فِي الْأَمْرِ الْغَالِبِ عِنْدَ الْخَاصَّةِ وَالْعَامَّةِ، بِخِلَافِ/ الْفُتْيَا، فَإِنَّ أَدِلَّتَهَا من الكتاب والسنة (قد)(3) لَا يَعْرِفُهَا إِلَّا الْأَفْرَادُ، وَلَا يُمَيِّزُ (ضَعِيفَهَا مِنْ قَوِيِّهَا)(4) إِلَّا الْخَاصَّةُ، وَقَدْ يَنْتَصِبُ لَلْفُتْيَا وَالْقَضَاءِ (مِمَّنْ)(5) يُخَالِفُهَا كَثِيرٌ.
وَقَدْ جَاءَ مِثْلُ مَعْنَاهُ مَحْفُوظًا مِنْ حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ عَامٌ إِلَّا وَالَّذِي بَعْدَهُ شَرٌّ مِنْهُ، لَا أَقُولُ: عَامٌ أَمْطَرُ مِنْ عَامٍ، وَلَا عَامٌ/ أَخْصَبُ مِنْ عَامٍ، وَلَا أَمِيرٌ/ خير من أمير، ولكن: ذهاب خياركم وعلماؤكم، ثُمَّ يُحْدِثُ قَوْمٌ يَقِيسُونَ الْأُمُورَ بِرَأْيِهِمْ، فَيُهْدَمُ الْإِسْلَامُ وَيُثْلَمُ (6).
وَهَذَا الَّذِي فِي حَدِيثِ ابْنِ مَسْعُودٍ مَوْجُودٌ فِي (الْحَدِيثِ)(7) الصَّحِيحِ، حَيْثُ قَالَ عليه الصلاة والسلام:"وَلَكِنْ يَنْتَزِعُهُ مِنْهُمْ مَعَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ بِعِلْمِهِمْ فَيَبْقَى نَاسٌ جُهَّالٌ يُستفتون (فَيُفْتُونَ) (8) بِرَأْيِهِمْ، فَيَضِلُّونَ وَيُضِلُّونَ"(9).
/وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي ذَمِّ الرَّأْيِ آثَارٌ مَشْهُورَةٌ عَنِ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم وَالتَّابِعِينَ تَبَيَّنَ فِيهَا أَنَّ الْأَخْذَ بِالرَّأْيِ يُحِلُّ الْحَرَامَ ويحرم الحلال.
(1) في (غ) و (ر): "المعلمين".
(2)
من بداية هذا القوس إلى قوله: ( .. بنوع تأويل وهذا بينٌ) من (3/ 234)، نقله الشاطبي من شيخ الإسلام ابن تيمية من كتاب بيان الدليل على بطلان التحليل (ص296 ـ 299) بنصه، إلا أنه تصرّف في بعض المواطن ببعض الاختصار، وهناك اختلاف يسير في بعض الألفاظ، يظهر أنه ناشئ من اختلاف النسخة التي نقل منها الشاطبي.
(3)
زيادة من (غ) و (ر).
(4)
في (ت): "قويها من ضعيفها".
(5)
في (ت): "من".
(6)
تقدم تخريجه (1 130).
(7)
ساقط من (غ) و (ر).
(8)
زيادة من (غ) و (ر).
(9)
تقدم تخريجه (3/ 99).
وَمَعْلُومٌ/ أَنَّ هَذِهِ الْآثَارَ الذامَّة لِلرَّأْيِ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَكُونَ الْمَقْصُودُ بِهَا ذَمَّ الِاجْتِهَادِ عَلَى الْأُصُولِ فِي نَازِلَةٍ لَمْ تُوجَدْ فِي كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ، مِمَّنْ يَعْرِفُ الْأَشْبَاهَ وَالنَّظَائِرَ، وَيَفْهَمُ مَعَانِيَ/ الْأَحْكَامِ فَيَقِيسُ قِيَاسَ تشبيه أو تعليل (1)، قَيِاسًا لَمْ يُعَارِضْهُ مَا هُوَ أَوْلَى مِنْهُ، فإن هذا ليس فيه تحليل (الحرام)(2)(ولا العكس)(3)، وإنما القياس الهادم للإسلام ما عارض الكتاب والسنة، أو ما كان عَلَيْهِ سَلَفُ الْأُمَّةِ، أَوْ مَعَانِيهَا الْمُعْتَبَرَةَ.
ثُمَّ إِنَّ مُخَالَفَةَ هَذِهِ الْأُصُولِ عَلَى قِسْمَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: أَنْ يُخَالِفَ أَصْلًا مُخَالَفَةً ظَاهِرَةً مِنْ غَيْرِ اسْتِمْسَاكٍ بِأَصْلٍ آخَرَ، فَهَذَا لَا يَقَعُ مِنْ مُفْتٍ مَشْهُورٍ إِلَّا إِذَا كَانَ الْأَصْلُ لَمْ يَبْلُغْهُ، كَمَا وَقَعَ لِكَثِيرٍ مِنَ الْأَئِمَّةِ حَيْثُ لم (تبلغهم)(4) بَعْضُ السُّنَنِ فَخَالَفُوهَا خَطَأً، وَأَمَّا الْأُصُولُ الْمَشْهُورَةُ فَلَا يُخَالِفُهَا مُسْلِمٌ خِلَافًا ظَاهِرًا مِنْ غَيْرِ مُعَارَضَةٍ بِأَصْلٍ آخَرَ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُخَالِفَهَا بعض المشهورين بالفتيا.
/وَالثَّانِي: أَنْ يُخَالِفَ الْأَصْلَ بِنَوْعٍ مِنَ التَّأْوِيلِ هو فيه مخطئ، بأن
(1) القياس ينقسم عند الأصوليين إلى ثلاثة أقسام:
أـ قياس العلة: وهو ما كان الجمع فيه بين الأصل والفرع بنفس العلة كالإسكار.
ب ـ قياس الشبه ـ ويسمى قياس الدلالة ـ: وهو ما كان الجمع فيه بين الأصل والفرع بدليل العلة، كملزومها أو حكمها أو أثرها، ومثال ملزوم العلة: إلحاق النبيذ بالخمر في المنع بجامع الشدة المطربة؛ لأنها ملزومة الإسكار الذي هو العلة. ومثال أثر العلة: إلحاق القتل بالمثقل بالقتل بمحدد في القصاص بجامع الإثم، لأن الإثم أثر العلة التي هي القتل والعمد والعدوان، والمثال بحكم العلة: جواز رهن المشاع قياساً على جواز بيعه بجامع جواز البيع.
ج ـ وهو ما جمع فيه بنفي الفارق، وهو القياس في معنى الأصل، وهو مفهوم الموافقة، وتنقيح المناط، والأكثر على أنه ليس من القياس. انظر: مذكرة أصول الفقه للشنقيطي (ص270، 271)، ونزهة الخاطر العاطر (2 301، 302)،
(2)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وتحريم".
(3)
ما بين القوسين ساقط من ت.
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "يبلغهم".
يَضَعَ الِاسْمَ عَلَى غَيْرِ (مَوْضِعِهِ)(1) أَوْ عَلَى بَعْضِ (مَوَاضِعِهِ)(2) أَوْ يُرَاعِيَ فِيهِ مُجَرَّدَ اللَّفْظِ دُونَ اعْتِبَارِ الْمَقْصُودِ، أَوْ غَيْرُ ذَلِكَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّأْوِيلِ.
وَالدَّلِيلُ عَلَى أَنَّ هَذَا هُوَ الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ وَمَا فِي مَعْنَاهُ أَنَّ تَحْلِيلَ الشَّيْءِ إِذَا كَانَ مَشْهُورًا فحرَّمه بِغَيْرِ تَأْوِيلِ، أَوِ التَّحْرِيمَ/ مَشْهُورًا فحلَّله بِغَيْرِ تَأْوِيلٍ، كَانَ كُفْرًا وَعِنَادًا، وَمِثْلُ هَذَا لَا/ تَتَّخِذُهُ الْأُمَّةُ رَأْسًا قَطُّ، إِلَّا أَنْ تَكُونَ الْأُمَّةُ قَدْ كَفَرَتْ، وَالْأُمَّةُ لَا تَكْفُرُ أَبَدًا. وَإِذَا بَعَثَ اللَّهُ رِيحًا تَقْبِضُ أَرْوَاحَ الْمُؤْمِنِينَ لَمْ يَبْقَ حِينَئِذٍ مَنْ يَسْأَلُ عَنْ حَرَامٍ أَوْ حَلَالٍ. وَإِذَا كَانَ التَّحْلِيلُ أَوِ التَّحْرِيمُ غَيْرَ مَشْهُورٍ فَخَالَفَهُ/ مُخَالِفٌ لَمْ يَبْلُغْهُ دَلِيلُهُ، فَمِثْلُ هَذَا/ لَمْ يَزَلْ مَوْجُودًا مِنْ لَدُنْ زَمَانِ أَصْحَابِ رسول الله صلى الله عليه وسلم، (ثم هَذَا)(3) إِنَّمَا يَكُونُ فِي آحَادِ الْمَسَائِلِ، فَلَا تَضِلُّ الْأُمَّةُ وَلَا يَنْهَدِمُ الْإِسْلَامُ وَلَا يُقَالُ (لمثل هذا)(4) إِنَّهُ مُحْدَثٌ عِنْدَ قَبْضِ الْعُلَمَاءِ.
فَظَهَرَ أَنَّ الْمُرَادَ إِنَّمَا هُوَ اسْتِحْلَالُ الْمُحَرَّمَاتِ الظَّاهِرَةِ أَوِ الْمَعْلُومَةِ عِنْدَهُ بِنَوْعِ تَأْوِيلٍ، وَهَذَا بيِّن) (5) فِي المبتدعة الذين تركوا معظم الكتاب والذي تظافرت عَلَيْهِ أَدِلَّتُهُ، وَتَوَاطَأَتْ عَلَى مَعْنَاهُ شَوَاهِدُهُ، وَأَخَذُوا فِي اتِّبَاعِ بَعْضِ الْمُتَشَابِهَاتِ وَتَرْكِ أُمِّ الْكِتَابِ.
(فإن)(6) هَذَا ـ كَمَا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى ـ زَيْغٌ وَمَيْلٌ عن الصراط المستقيم، فإن تقدموا أئمةَ (7) يفتون ويقتدى (بأقوالهم وأفعالهم)(8) سَكَنَتْ إِلَيْهِمُ الدَّهْمَاءُ ظَنًّا أَنَّهُمْ بَالَغُوا لَهُمْ في الاحتياط على الدين، وهم يضلونهم بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَلَا شَيْءَ (أَعْظَمُ)(9) عَلَى (الْإِنْسَانِ)(10) مِنْ دَاهِيَةٍ تَقَعُ بِهِ مِنْ حَيْثُ لَا
(1) في ط: مواضعه.
(2)
في (غ) و (ر): موضعه.
(3)
في (ت): وهذا.
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): لهذا.
(5)
هنا ينتهي نقل الشاطبي من ابن تيمية.
(6)
في (م) و (خ) و (ت): "فإذا". وفي (ر): "فإنما".
(7)
(أئمة) حال منصوب، أي تقدموا حال كونهم أئمة، حيث جعلوا أنفسهم أئمة (نبه على ذلك رشيد رضا).
(8)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): بهم بأقوالهم وأعمالهم.
(9)
ما بين القوسين ساقط من (م). وفي (غ) و (ر): أعز.
(10)
في (غ) و (ر): الناس.