الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَالَّذِي يَدُلُّ عَلَى الثَّانِي قَوْلُهُ: فَقُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ اجْعَلْ لَنَا ذَاتَ أَنْوَاطٍ. فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "هَذَا كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا" الْحَدِيثَ، فَإِنَّ اتِّخَاذَ ذَاتِ أَنْوَاطٍ يُشْبِهُ اتِّخَاذَ الْآلِهَةِ مِنْ دُونِ اللَّهِ، لَا أَنَّهُ هو (بعينه)(1) فلذلك/ لا يلزم (في)(2) الاعتبار (بالمنصوص)(3) عليه (أن يكون)(4) مَا لَمْ يَنُصَّ عَلَيْهِ/ مِثْلُهُ مِنْ كُلِّ وجه، والله أعلم.
المسألة الثانية عشرة
(5):
أنه صلى الله عليه وسلم أَخْبَرَ أَنَّهَا كُلَّهَا فِي النَّارِ، وَهَذَا وَعِيدٌ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ تِلْكَ الْفِرَقَ قَدِ ارْتَكَبَتْ كُلُّ وَاحِدَةٍ مِنْهَا مَعْصِيَةً كَبِيرَةً أَوْ ذَنْبًا عَظِيمًا، إِذْ قَدْ تَقَرَّرَ فِي الْأُصُولِ أَنَّ ما يتوعد (الشرع)(6) عليه (لخصوصه)(7)(فهو)(8) كَبِيرَةٌ، إِذْ لَمْ يَقُلْ: كُلُّهَا فِي النَّارِ، إِلَّا مِنْ جِهَةِ الْوَصْفِ (الَّذِي)(9) افْتَرَقَتْ بِسَبَبِهِ عَنِ السَّوَادِ الْأَعْظَمِ وَعَنْ (جَمَاعَتِهِ)(10) وَلَيْسَ ذَلِكَ إلا البدعة الْمُفَرِّقَةِ، إِلَّا أَنَّهُ يُنْظَرُ فِي هَذَا الْوَعِيدِ هَلْ هُوَ أَبَدِيٌّ أَمْ لَا؟ وَإِذَا قُلْنَا إِنَّهُ غَيْرُ أَبَدِيٍّ: هَلْ هُوَ نَافِذٌ أَمْ فِي الْمَشِيئَةِ.
أَمَّا الْمَطْلَبُ الْأَوَّلُ فَيَنْبَنِي عَلَى أَنَّ بَعْضَ الْبِدَعِ مُخْرِجَةٌ مِنَ الْإِسْلَامِ، أَوْ ليست (بمخرجة)(11)، وَالْخِلَافُ فِي الْخَوَارِجِ وَغَيْرِهِمْ مِنَ الْمُخَالِفِينَ فِي الْعَقَائِدِ مَوْجُودٌ ـ وَقَدْ تَقَدَّمَ ذِكْرُهُ قَبْلَ هَذِهِ ـ فحيث نقول بالتكفير (يلزم)(12)
(1) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "بنفسه".
(2)
زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(3)
في (غ) و (ر): "المنصوص".
(4)
زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(5)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "عشر".
(6)
في (ط) و (ت): "الشر".
(7)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فخصوصيته".
(8)
زيادة من (غ) و (ر).
(9)
ما بين القوسين ساقط من (م).
(10)
في (غ) و (ر): "الجماعة".
(11)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "مخرجة".
(12)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لزم".
منه تأبيد (التعذيب بناءً)(1) عَلَى الْقَاعِدَةِ (إِنَّ الْكُفْرَ وَالشِّرْكَ)(2) لَا يَغْفِرُهُ الله سبحانه.
//وَإِذَا قُلْنَا بِعَدَمِ التَّكْفِيرِ فَيَحْتَمِلُ ـ عَلَى مَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ ـ أَمْرَيْنِ:
أَحَدُهُمَا: نُفُوذُ الْوَعِيدِ مِنْ غَيْرِ غُفْرَانٍ، وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ ظَوَاهِرُ الْأَحَادِيثِ، وَقَوْلُهُ هُنَا:"كُلُّهَا فِي النَّارِ" أَيْ مُسْتَقِرَّةٌ ثابتة فيها.
فَإِنْ قِيلَ: لَيْسَ إِنْفَاذُ الْوَعِيدِ بِمَذْهَبِ أَهْلِ السُّنَّةِ. قِيلَ: بَلَى قَدْ قَالَ بِهِ طَائِفَةٌ منهم في بعض الكبائر (كقتل النفس عمداً، وأشياء أُخر وإن كانوا قائلين بأن أهل الْكَبَائِرِ)(3) فِي مَشِيئَةِ اللَّهِ تَعَالَى، لَكِنْ/ دَلَّهُمُ الدَّلِيلُ فِي خُصُوصِ كَبَائِرَ عَلَى أَنَّهَا خَارِجَةٌ عن ذلك الحكم (4)، ولا (بُعْدَ)(5)(في)(6) ذَلِكَ، فَإِنَّ الْمُتَّبَعَ هُوَ الدَّلِيلُ، فَكَمَا دَلَّهُمْ عَلَى أَنَّ أَهْلَ الْكَبَائِرِ عَلَى الْجُمْلَةِ فِي الْمَشِيئَةِ كَذَلِكَ دَلَّهُمْ عَلَى تَخْصِيصِ ذَلِكَ الْعُمُومِ الَّذِي فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (7) فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} (8) فأخبر أولاً أن جزاؤه جهنم، وبالغ في ذلك بقوله تعالى:
(1) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "التحريم".
(2)
في (غ) و (ر): "على أن الشرك والكفر".
(3)
ما بين () زيادة من (غ) و (ر).
(4)
مسألة القاتل عمداً، ذهب فيها بعض السلف إلى أن القاتل عمداً لا توبة له، وممن ذهب إلى هذا القول: زيد بن ثابت وأبو هريرة وعبد الله بن عمر وأبو سلمة بن عبد الرحمن والحسن وقتادة والضحاك بن مزاحم، والذي عليه الجمهور أن القاتل له توبة فيما بينه وبين الله عز وجل، والأدلة على ذلك كثيرة، ومنها عموم قوله تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} وهذا الذي رجحه ابن جرير وابن تيمية وابن كثير وغيرهم من أهل العلم. انظر: تفسير ابن جرير (9 57 ـ 70)، وتفسير ابن كثير (1 535 ـ 539)، وفتح القدير للشوكاني (1 497 ـ 499)، وزاد المسير لابن الجوزي (2 93)، والجامع لأحكام القرآن للقرطبي (5 213 ـ 215)، ومجموع الفتاوى (16 25).
(5)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "بد".
(6)
في (ط): "من".
(7)
سورة النساء: الآية (48).
(8)
سورة النساء: الآية (93).
{خَالِدًا فِيهَا} عِبَارَةٌ عَنْ طُولِ الْمُكْثِ فِيهَا، ثُمَّ عَطَفَ بالغضب (عليه)(1)، ثُمَّ بِلَعْنَتِهِ، ثُمَّ خَتَمَ ذَلِكَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{وَأَعَدَّ لَهُ عَذَابًا عَظِيمًا} ، وَالْإِعْدَادُ قَبْلَ الْبُلُوغِ إِلَى المُعد مِمَّا يَدُلُّ عَلَى حُصُولِهِ لِلْمُعَدِّ لَهُ، وَلِأَنَّ الْقَتْلَ اجْتَمَعَ فِيهِ حَقُّ اللَّهِ وَحَقُّ الْمَخْلُوقِ وَهُوَ الْمَقْتُولُ.
قَالَ ابْنُ رُشْدٍ: وَمِنْ شَرْطِ صِحَّةِ/ التَّوْبَةِ من مظالم العباد تحللهم أو رد/ (التبعات)(2) إليهم. وهذا (مما لا سبيل)(3)(للقاتل)(4) إِلَيْهِ إِلَّا بِأَنْ يُدْرِكَ الْمَقْتُولَ حَيًّا فَيَعْفُوَ عنه (بطيب)(5) نفسه، (كذلك قال)(6).
وَأَوْلَى مِنْ هَذِهِ الْعِبَارَةِ أَنْ نَقُولَ: وَمِنْ شَرْطِ خُرُوجِهِ مِنْ تِبَاعَةِ الْقَتْلِ مَعَ التَّوْبَةِ (لله)(7) استدراك ما (فوّت)(8) على المجني عليه (إما بالتحلل منه)(9)، وإما بِبَذْلِ الْقِيمَةِ لَهُ، وَهُوَ أَمْرٌ لَا يُمْكِنُ (بعد)(10) فوت المقتول. فكذلك (يُمْكِنُ)(11) فِي صَاحِبِ الْبِدْعَةِ مِنْ جِهَةِ الْأَدِلَّةِ، فَرَاجِعْ مَا تَقَدَّمَ فِي الْبَابِ الثَّانِي تَجِدُ فِيهِ كَثِيرًا مِنَ التَّهْدِيدِ وَالْوَعِيدِ الْمُخَوِّفِ جِدًّا.
/وَانْظُرْ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ *} فَهَذَا وَعِيدٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ وَتَسْوَدُّ وُجُوهٌ} وَتَسْوِيدُ الْوُجُوهِ عَلَامَةُ الْخِزْيِ وَدُخُولِ (النَّارِ)(12)، ثُمَّ قال تعالى:{أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} وَهُوَ تَقْرِيعٌ وَتَوْبِيخٌ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{فَذُوقُوا الْعَذَابَ} (13)، وهو تأكيد آخر.
(1) زيادة من (غ) و (ر).
(2)
في (ت) و (غ) و (ر): "التباعات".
(3)
في (م): "ما لسبيل".
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "إلى القاتل".
(5)
زيادة من (م) و (غ) و (ر).
(6)
زيادة من (غ) و (ر).
(7)
زيادة من (غ) و (ر).
(8)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فات".
(9)
ما بين القوسين ساقط من (ط) و (خ).
(10)
ساقط من (غ) و (ر).
(11)
هكذا في سائر النسخ ولعل الصواب: (لا يمكن).
(12)
في (ط): "النار النار".
(13)
سورة آل عمران: الآية (106).
وَكُلُّ هَذَا التَّقْرِيرِ بِنَاءً عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ بِالْآيَاتِ أَهْلُ (الْقِبْلَةِ)(1) مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ؛ لِأَنَّ الْمُبْتَدِعَ إِذَا اتُّبع فِي بِدْعَتِهِ لَمْ/ يُمْكِنْهُ التَّلَافِي ـ غَالِبًا ـ فِيهَا، وَلَمْ يَزَلْ أَثَرُهَا فِي الأرض (مستطيراً)(2) إلى (يوم القيامة)(3) قِيَامِ السَّاعَةِ، وَذَلِكَ كُلُّهُ بِسَبَبِهِ، فَهِيَ أَدْهَى مِنْ قَتْلِ النَّفْسِ.
قَالَ مَالِكٌ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ: إِنَّ الْعَبْدَ لَوِ ارْتَكَبَ جَمِيعَ الْكَبَائِرِ بعد أن لا يشرك بالله شيئاً (رجوت)(4) لَهُ أَرْفَعُ الْمَنَازِلِ، لِأَنَّ كُلَّ ذَنَبٍ بَيْنَ الْعَبْدِ وَرَبِّهِ هُوَ/ مِنْهُ عَلَى رَجَاءٍ، (وَصَاحِبُ الْبِدْعَةِ لَيْسَ هُوَ مِنْهَا عَلَى رَجَاءٍ)(5)، (إِنَّمَا)(6) يُهوى (بِهِ)(7) فِي نَارِ جَهَنَّمَ (8). فَهَذَا مِنْهُ نص (في إنفاذ)(9) الوعيد.
(والمطلب)(10) الثاني: أَنْ يَكُونَ مُقَيَّدًا بِأَنْ يَشَاءَ اللَّهُ تَعَالَى إصلاءهم (النَّارِ)(11)، وَإِنَّمَا (حُمِلَ) (12) قَوْلُهُ:(كُلُّهَا فِي النَّارِ)، أَيْ هِيَ مِمَّنْ يَسْتَحِقُّ النَّارَ، كَمَا قَالَتِ الطَّائِفَةُ الْأُخْرَى فِي قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَجَزَاؤُهُ جَهَنَّمُ خَالِدًا فِيهَا} (13) / أي ذلك جزاؤه (إن جازاه)(14)، فَإِنْ عَفَا عَنْهُ فَلَهُ الْعَفْوُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، لِقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ/ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ} (15)، فَكَمَا ذَهَبَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ وَمَنْ بَعْدَهُمْ إِلَى أَنَّ الْقَاتِلَ فِي الْمَشِيئَةِ (16) ـ وَإِنْ لَمْ يَكُنِ الِاسْتِدْرَاكُ كَذَلِكَ ـ يَصِحُّ أَنْ يُقَالَ هُنَا بمثله.
(1) في (غ) و (ر): "الغفلة".
(2)
في (ط): "مستطيل".
(3)
زيادة من (م).
(4)
في (ط) و (ت): "وجبت". وفي (ت) و (م): "رجيت".
(5)
ساقط من (غ) و (ر).
(6)
في (غ) و (ر): "إما".
(7)
في (غ) و (ر): "بها".
(8)
بنحوه في حلية الأولياء (6 325).
(9)
في (غ) و (ر): "بإنفاذ".
(10)
ما بين القوسين زيادة من (ت).
(11)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "في النار".
(12)
في (غ) و (ر): "يحمل".
(13)
سورة النساء: الآية (93).
(14)
ساقط من (ط).
(15)
سورة النساء: الآية (48).
(16)
تقدم الكلام على هذه المسألة (3/ 189).