الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَإِذَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ (مُسْتَنِدٌ)(1) إِلَى حجرة عائشة رضي الله عنها، وَإِذَا (نَاسٌ)(2) فِي الْمَسْجِدِ يُصَلُّونَ الضُّحَى، فَقُلْنَا: مَا هَذِهِ الصَّلَاةُ؟ فَقَالَ: بِدْعَةٌ (3).
قَالَ الطَّرْطُوشِيُّ: (محمله عندنا)(4) على أحد وجهين: إما (إنهم)(5)(كانوا)(6) يُصَلُّونَهَا جَمَاعَةً، (وَإِمَّا أَفْذَاذًا)(7) عَلَى هَيْئَةِ النَّوَافِلِ فِي أَعْقَابِ الْفَرَائِضِ (8).
وَذَكَرَ أَشْيَاءَ مِنَ الْبِدَعِ القولية (والفعلية)(9) مِمَّا نَصَّ الْعُلَمَاءُ عَلَى/ أَنَّهَا بِدَعٌ، فصحَّ أَنَّ الْبِدَعَ لَا تَخْتَصُّ بِالْعَقَائِدِ (10)، وَقَدْ تَقَرَّرَتْ هَذِهِ الْمَسْأَلَةُ فِي كِتَابِ الْمُوَافَقَاتِ (11) بِنَوْعٍ آخَرَ من التقرير.
نَعَمْ ثَمَّ مَعْنًى آخَرُ يَنْبَغِي أَنْ يُذْكَرَ هنا، وهي:
الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:
وَذَلِكَ/ أَنَّ هَذِهِ الْفِرَقَ إِنَّمَا تَصِيرُ فِرَقًا بِخِلَافِهَا لِلْفِرْقَةِ النَّاجِيَةِ فِي مَعْنًى كُلِّيٍّ فِي الدِّينِ وَقَاعِدَةٍ مِنْ قَوَاعِدِ الشَّرِيعَةِ، لَا فِي جُزْئِيٍّ مِنَ الْجُزْئِيَّاتِ، إِذِ الْجُزْئِيُّ وَالْفَرْعُ الشَّاذُّ لَا يَنْشَأُ عَنْهُ مُخَالَفَةٌ يَقَعُ بِسَبَبِهَا التَّفَرُّقُ شِيَعًا، وَإِنَّمَا يَنْشَأُ التَّفَرُّقُ عِنْدَ/ وُقُوعِ الْمُخَالَفَةِ فِي الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ، لِأَنَّ (الْكُلِّيَّاتِ)(12)
(1) في (غ) و (ر): "مسند".
(2)
في (غ) و (ر): "الناس".
(3)
أخرجه البخاري (1775، 4253)، ومسلم (1255)، وأحمد في المسند (2 128، 155)، وإسحاق بن راهويه في مسنده (1187)، وابن خزيمة في صحيحه (3070)، وابن حبان في صحيحه (3945)، والبيهقي في السنن الكبرى (8618)، وبنحوه مختصراً أخرجه ابن الجعد في مسنده (2136)، والطبراني في الكبير (13524، 13563).
(4)
في (ط): فحمله عندنا.
(5)
في (غ) و (ر): لأنهم.
(6)
زيادة من (م) و (غ) و (ر)، وهي كذلك في الحوادث والبدع ص118.
(7)
في كتاب الحوادث والبدع: (وإما أنهم كانوا يصلونها معاً أفراداً).
(8)
انظر: الحوادث والبدع (ص118).
(9)
زيادة من (غ) و (ر).
(10)
ذكر شيخ الإسلام رحمه الله تعالى أن البدع نوعان: نوع في الأقوال والاعتقادات، ونوع في الأفعال والعبادات. انظر: الفتاوى (20 195) و (22 306).
(11)
انظر: الموافقات (2 234 ـ 238).
(12)
في (م) و (غ) و (ر): "الكلية".
(تضم)(1) من الجزئيات غير قليل، (وشأنها)(2) في الغالب أن لا (تختص)(3) بِمَحَلٍّ دُونَ (مَحَلٍّ)(4)، وَلَا بِبَابٍ دُونَ بَابٍ.
وَاعْتُبِرَ ذَلِكَ بِمَسْأَلَةِ التَّحْسِينِ الْعَقْلِيِّ، فَإِنَّ الْمُخَالَفَةَ فيها أنشأت بين المخالفين خلافاً في (الفروع)(5) لَا تَنْحَصِرُ، مَا بَيْنَ فُرُوعِ عَقَائِدَ وَفُرُوعِ أَعْمَالٍ.
وَيَجْرِي مَجْرَى الْقَاعِدَةِ الْكُلِّيَّةِ كَثْرَةُ الْجُزْئِيَّاتِ، فَإِنَّ الْمُبْتَدِعَ إِذَا (أَكْثَرَ)(6) مِنْ إِنْشَاءِ الْفُرُوعِ الْمُخْتَرَعَةِ عَادَ ذَلِكَ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ بِالْمُعَارَضَةِ، كَمَا تَصِيرُ الْقَاعِدَةُ الْكُلِّيَّةُ مُعَارَضَةً أَيْضًا،/ وَأَمَّا الْجُزْئِيُّ فَبِخِلَافِ ذَلِكَ، بَلْ يُعَدُّ (وُقُوعُ)(7) ذَلِكَ مِنَ الْمُبْتَدِعِ لَهُ كَالزَّلَّةِ وَالْفَلْتَةِ، وَإِنْ كَانَتْ زَلَّةُ الْعَالِمِ مِمَّا يَهْدِمُ الدِّينَ، حَيْثُ قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ/ رضي الله عنه: ثلاث (يهدمن)(8) الدين: زلة عالم، وَجِدَالُ مُنَافِقٍ بِالْقُرْآنِ، وَأَئِمَّةٌ مُضِلُّونَ (9).
وَلَكِنْ إِذَا قَرُبَ مُوقِعُ الزَّلَّةِ لَمْ يَحْصُلْ بِسَبَبِهَا تَفَرُّقٌ فِي الْغَالِبِ/ وَلَا هَدْمٌ لِلدِّينِ، بِخِلَافِ الْكُلِّيَّاتِ.
فَأَنْتَ تَرَى (مُوقِعُ)(10) اتِّبَاعِ الْمُتَشَابِهَاتِ كَيْفَ هُوَ في الدين إذا كان (اتباعها)(11) مُخِلًّا بِالْوَاضِحَاتِ ـ وَهِيَ أُمُّ الْكِتَابِ ـ وَكَذَلِكَ عَدَمُ تَفَهُّمِ الْقُرْآنِ مُوقِعٌ فِي الْإِخْلَالِ بِكُلِّيَّاتِهِ وَجُزْئِيَّاتِهِ (معاً)(12).
(1) في (ت): "بياض بمقدار كلمة". وفي (ط) و (م) و (خ): "نص".
(2)
في (ط) و (خ) و (ت): "وشاذها".
(3)
في (ط) و (ت): "يختص".
(4)
ساقطة من (م).
(5)
في (غ) و (ر): "فروع".
(6)
في (ر): "كثَّر".
(7)
في (ت): "بياض بمقدار كلمة".
(8)
في (م): "يهدم من". وفي (خ) و (ب): "تهدم من".
(9)
أخرجه ابن المبارك في الزهد (1475)، والدارمي في السنن (214)، والفريابي في صفة المنافق (29 ـ 31)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (1867 و1869 و1870)، وأبو نعيم في الحلية (4 196)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1 234)، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح (1 89).
(10)
في (غ) و (ر): "موضع".
(11)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "اتباعاً".
(12)
زيادة من (غ).
/وَقَدْ ثَبَتَ أَيْضًا لِلْكُفَّارِ بِدَعٌ فَرْعِيَّةٌ، وَلَكِنَّهَا فِي الضَّرُورِيَّاتِ وَمَا (قَارَبَهَا)(1)، كَجَعْلِهِمْ لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا، وَلِشُرَكَائِهِمْ نَصِيبًا، ثُمَّ فرَّعوا عَلَيْهِ أَنَّ مَا كَانَ لِشُرَكَائِهِمْ فَلَا يَصِلُ إِلَى اللَّهِ، وَمَا كَانَ لِلَّهِ وَصَلَ إِلَى شُرَكَائِهِمْ، وَتَحْرِيمِهِمُ البَحيرة وَالسَّائِبَةِ وَالْوَصِيلَةِ والحامي (2)، وَقَتْلِهِمْ أَوْلَادَهُمْ سَفَهًا بِغَيْرِ عِلْمٍ، وَتَرْكِ/ الْعَدْلِ فِي الْقِصَاصِ وَالْمِيرَاثِ، وَالْحَيْفِ فِي النِّكَاحِ وَالطَّلَاقِ، وَأَكْلِ مَالِ الْيَتِيمِ عَلَى نَوْعٍ مِنَ الْحِيَلِ، إِلَى أَشْبَاهِ ذَلِكَ مِمَّا نَبَّهَ عَلَيْهِ الشَّرْعُ وَذَكَرَهُ الْعُلَمَاءُ، حَتَّى صَارَ التَّشْرِيعُ دَيْدَنًا لَهُمْ، وَتَغْيِيرُ مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام سَهْلًا عَلَيْهِمْ، فَأَنْشَأَ ذَلِكَ أَصْلًا مُضَافًا إِلَيْهِمْ وَقَاعِدَةً رَضُوا بها، وهي التشريع المطلق (بالهوى)(3)، ولذلك لما نبههم الله تعالى على (قيام) (4) الْحُجَّةِ عَلَيْهِمْ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:{قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ} (5)، قَالَ فِيهَا:{نَبِّئُونِي بِعِلْمٍ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ} (6)، فَطَالَبَهُمْ بِالْعِلْمِ الَّذِي شَأْنُهُ أَنْ لَا يُشَرِّعَ إِلَّا حَقًّا، وَهُوَ عِلْمُ الشَّرِيعَةِ لَا غَيْرُهُ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى:{أَمْ كُنْتُمْ شُهَدَاءَ إِذْ وَصَّاكُمُ اللَّهُ بِهَذَا} (7)، تَنْبِيهًا (لَهُمْ)(8) عَلَى أَنَّ هَذَا لَيْسَ مِمَّا شَرَعَهُ فِي مِلَّةِ إِبْرَاهِيمَ، (ثُمَّ) (9) قَالَ:/ {فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ} (10)، (فثبت)(11) أن هذه الفرق إنما افترقت (بسبب)(12) أمور كلية اختلفوا فيها، والله أعلم.
(1) في (م) و (ت): "درابها". وفي (غ) و (ر): "داربها".
(2)
البحيرة: هي التي يمنع درها للطواغيت، فلا يحلبها أحد من الناس. والسائبة: هي التي يسيِّبونها لآلهتهم لا يحمل عليها شيء. والوصيلة: الناقة البكر تبكر في أول نتاج الإبل ثم تثني بعد بأنثى، وكانوا يسيبونها لطواغيتهم إن وصلت إحداهما بالأخرى ليس بينهما ذكر. والحام: فحل الإبل يضرب الضراب المعدود فإذا قضى ضرابه تركوه للطواغيت، ولا يحملون عليه شيء، وسموه الحامي. انظر: تفسير ابن كثير (2 108).
(3)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لا الهوى".
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "إقامة".
(5)
سورة الأنعام: الآية (144).
(6)
سورة الأنعام: الآية (143).
(7)
سورة الأنعام: الآية (144).
(8)
ساقط من (غ) و (ر).
(9)
ساقطة من (م) و (خ).
(10)
سورة الأنعام: الآية (144).
(11)
في (غ) و (ر): "فظهر".
(12)
في (ط) و (خ) و (ت): "بحسب".