المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الباب العاشرفي بيان معنى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فضلت عن الهدى بعد البيان - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - جـ ٣

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَابُ الثَّامِنُفِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ المرسلة والاستحسان

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ الْبَابُ التَّاسِعُفِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَتْ فرق المبتدعةعن (جماعة المسلمين)

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌المسألة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ (عَشْرَةَ)

- ‌المسألة الثانية عشرة

- ‌المسألة/ الثالثة/ عشرة

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌المسألة الخامسة عشرة

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌المسألة العشرون:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌المسألة الثانية والعشرون:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌المسألة السادسة والعشرون:

- ‌الباب العاشرفِي بَيَانِ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْ عنه سبل أَهْلِ الِابْتِدَاعِ فضلَّت عَنِ الْهُدَى بَعْدَ الْبَيَانِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الملاحقتعريف الفرق الواردة في الباب التاسع في المسألة السابعة

الفصل: ‌الباب العاشرفي بيان معنى الصراط المستقيم الذي انحرفت عنه سبل أهل الابتداع فضلت عن الهدى بعد البيان

/‌

‌الباب العاشر

فِي بَيَانِ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْ عنه سبل أَهْلِ الِابْتِدَاعِ فضلَّت عَنِ الْهُدَى بَعْدَ الْبَيَانِ

قَدْ تَقَدَّمَ قَبْلَ هَذَا أَنَّ كُلَّ فِرْقَةٍ وَكُلَّ طَائِفَةٍ تَدَّعِي أَنَّهَا عَلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ وَأَنَّ مَا سِوَاهَا مُنْحَرِفٌ عَنِ الْجَادَّةِ وَرَاكِبٌ بنيات الطريق، فوقع (الاختلاف بينهم إِذًا)(1) فِي تَعْيِينِهِ وَبَيَانِهِ، حَتَّى أَشْكَلَتِ الْمَسْأَلَةُ عَلَى كُلِّ مَنْ نَظَرَ فِيهَا، حَتَّى قَالَ مَنْ قَالَ: كُلُّ مُجْتَهِدٍ فِي الْعَقْلِيَّاتِ أَوِ النقليات مصيب. فعدد الأقوال (إذاً)(2) فِي تَعْيِينِ هَذَا الْمَطْلَبِ عَلَى عَدَدِ الْفِرَقِ، وَذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الِاخْتِلَافِ، إِذْ لَا (تَكَادُ)(3) تَجِدُ فِي الشَّرِيعَةِ مَسْأَلَةً/ يَخْتَلِفُ الْعُلَمَاءُ (فِيهَا)(4) عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ قَوْلًا إِلَّا هَذِهِ الْمَسْأَلَةَ، فَتَحْرِيرُ النَّظَرِ حَتَّى تَتَّضِحَ الْفِرْقَةُ النَّاجِيَةُ الَّتِي كان (عليها)(5) النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم (وَأَصْحَابُهُ)(6) مِنْ أغمض المسائل.

ووجه ثان (7): أن الطريق الْمُسْتَقِيمَ لَوْ تعيَّن بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَنْ بَعْدَ الصحابة رضي الله عنهم لَمْ يَقَعِ اخْتِلَافٌ أَصْلًا، لَأَنَّ الِاخْتِلَافَ مَعَ تَعْيِينِ مَحَلِّهِ مُحال، وَالْفَرْضُ أَنَّ الْخِلَافَ لَيْسَ بِقَصْدِ الْعِنَادِ، لِأَنَّهُ عَلَى ذَلِكَ الْوَجْهِ مُخْرِجٌ عن الإسلام، وكلامنا في الفرق (الإسلامية)(8).

(1) في (ط) و (م) و (خ): "بينهم الاختلاف هذا"، وفي (غ) و (ر):"بينهم الاختلاف إذاً".

(2)

زيادة من (غ) و (ر).

(3)

ساقط من (غ) و (ر).

(4)

ساقط من (غ) و (ر).

(5)

في (ط) و (م) و (خ): عليه.

(6)

ما بين القوسين زيادة من (ت).

(7)

الوجه الأول هو ما سبق من الكلام قبل قوله (ووجه ثان).

(8)

زيادة من (غ) و (ر).

ص: 249

وَوَجْهٌ ثَالِثٌ: أَنَّهُ قَدْ تَقَدَّمَ أَنَّ الْبِدَعَ لَا تَقَعُ مِنْ رَاسِخٍ فِي الْعِلْمِ، وَإِنَّمَا تَقَعُ مِمَّنْ لَمْ يَبْلُغْ مَبْلَغَ أَهْلِ الشَّرِيعَةِ الْمُتَصَرِّفِينَ فِي أَدِلَّتِهَا، وَالشَّهَادَةُ بِأَنَّ فُلَانًا رَاسِخٌ فِي الْعِلْمِ وَفُلَانًا غَيْرُ رَاسِخٍ، فِي غَايَةِ الصُّعُوبَةِ، فَإِنَّ كُلَّ مَنْ خَالَفَ وَانْحَازَ (إِلَى فرقة)(1) يزعم أنه الراسخ، (وغيره)(2) قاصر النظر (لم ترسخ قدمه في العلم)(3)، فَإِنْ فُرِضَ عَلَى ذَلِكَ الْمَطْلَبِ عَلَامَةٌ وَقَعَ النِّزَاعُ إِمَّا فِي الْعَلَامَةِ، وَإِمَّا فِي مَنَاطِهَا.

/ومثال ذلك أن (من علامات)(4) الخروج/ (عن)(5) الْجَمَاعَةِ الْفُرْقَةُ الْمُنَبِّهُ عَلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا} (6).

/والفرقة بشهادة الجميع (إضافية)(7) فَكُلُّ طَائِفَةٍ تَزْعُمُ أَنَّهَا هِيَ الْجَمَاعَةُ وَمَنْ سِوَاهَا مُفَارِقٌ لِلْجَمَاعَةِ.

وَمِنَ الْعَلَامَاتِ/ اتِّبَاعُ مَا تشابه من الأدلة، وكل (فرقة)(8) تَرْمِي صَاحِبَتَهَا بِذَلِكَ (وَأَنَّهَا)(9) هِيَ الَّتِي اتَّبَعَتْ أُمَّ الْكِتَابِ دُونَ الْأُخْرَى فَتَجْعَلُ دَلِيلَهَا عُمْدَةً (وَتَرُدُّ)(10) إِلَيْهِ سَائِرَ الْمَوَاضِعِ بِالتَّأْوِيلِ عَلَى عَكْسِ/ الأخرى.

ومنها اتباع الهوى (وهو)(11) الَّذِي تَرْمِي بِهِ كُلُّ فِرْقَةٍ صَاحِبَتَهَا وَتُبَرِّئُ نَفْسَهَا مِنْهُ، فَلَا يُمْكِنُ فِي الظَّاهِرِ مَعَ هَذَا أَنَّ يَتَّفِقُوا عَلَى مَنَاطِ هَذِهِ الْعَلَامَاتِ، وَإِذَا لَمْ يَتَّفِقُوا عَلَيْهَا لَمْ يُمْكِنْ ضَبْطُهُمْ بها بحيث (يشار)(12)(إليهم)(13) بتلك

(1) في (غ) و (ر): "لفرقة".

(2)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وغير".

(3)

زيادة من (غ) و (ر).

(4)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "علامة".

(5)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "من".

(6)

سورة آل عمران: الآية (105).

(7)

في (ط) و (خ): وإضافية.

(8)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "طائفة".

(9)

في (غ) و (ر): "وإنما".

(10)

في (م) و (غ) و (ر): وإما ترد.

(11)

زيادة من (م) و (غ) و (ر).

(12)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "يشير".

(13)

في (غ) و (ر): "إليها".

ص: 250

العلامات، (نعم هم)(1) فِي التَّحْصِيلِ/ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهَا، وَبِذَلِكَ صَارَتْ عَلَامَاتٌ، فَكَيْفَ يُمْكِنُ (مَعَ)(2) اخْتِلَافِهِمْ فِي الْمَنَاطِ (الضَّبْطُ)(3) بِالْعَلَامَاتِ.

وَوَجْهٌ رَابِعٌ: وَهُوَ مَا تَقْدَمُ مِنْ فَهْمِنَا مِنْ مَقَاصِدِ الشَّرْعِ فِي السَّتْرِ عَلَى هذه الأمة (فإنه)(4) وَإِنْ حَصَلَ التَّعْيِينُ بِالِاجْتِهَادِ، فَالِاجْتِهَادُ لَا يَقْتَضِي الاتفاق على محله.

ألا ترى أن (العقلاء)(5) جزموا القول بأن (النظريات)(6) لا يمكن الاتفاق (عليها)(7) عَادَةً، فَلَوْ تَعَيَّنُوا بِالنَّصِّ لَمْ يَبْقَ إِشْكَالٌ. بل (قد)(8)(أصرَّ)(9) الْخَوَارِجِ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ وَإِنْ كَانَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم قَدْ عَيَّنَهُمْ، وعين علامتهم في المخدج حيث قال ـ (مثلاً) (10) ـ:"آيَتُهُمْ/ رَجُلٌ أَسْوَدُ إِحْدَى عَضُدَيْهِ مِثْلُ ثَدْيِ المرأة، أو مثل الْبَضْعَةِ تَدَرْدَرُ"(11) الْحَدِيثَ (12). وَهُمُ الَّذِينَ قَاتَلَهُمْ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه، إِذْ لَمْ يَرْجِعُوا عَمَّا كَانُوا عَلَيْهِ وَلَمْ يَنْتَهُوا، فما الظن بمن ليس له في النقل تَعْيِينٌ؟

وَوَجْهٌ خَامِسٌ: وَهُوَ مَا تَقَدَّمَ تَقْرِيرُهُ فِي قَوْلِهِ سبحانه وتعالى: {وَلَوْ شَاءَ رَبُّكَ لَجَعَلَ النَّاسَ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَا يَزَالُونَ مُخْتَلِفِينَ *إِلَاّ مَنْ رَحِمَ رَبُّكَ وَلِذَلِكَ خَلَقَهُمْ} (13)(فالآية)(14)(تشعر)(15) في هذا المطلوب أن الخلاف

(1) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وأنهم".

(2)

زيادة من (غ) و (ر).

(3)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "المنضبط".

(4)

زيادة من (ر).

(5)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "العلماء".

(6)

في (ط) و (خ) و (ت): النظريات وفي (م): النظريان.

(7)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): عليهما.

(8)

زيادة من (م) و (غ) و (ر).

(9)

في (ط) و (خ): أمر وفي (م) و (ت): أقر.

(10)

زيادة من (غ) و (ر).

(11)

تدردر: أي تضطرب وتترجرج. انظر: المعجم الوسيط، مادة (تدردر).

(12)

تقدم تخريجه (ص114).

(13)

سورة هود: الآية (118).

(14)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الآية".

(15)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "يشعر".

ص: 251

لا يرتفع، مع ما يعضده من (الجواب)(1) الَّذِي فَرَغْنَا مِنْ بَيَانِهِ، وَهُوَ حَدِيثُ الْفِرَقِ، إِذِ الْآيَةُ لَا تُشْعِرُ بِخُصُوصِ مَوَاضِعِ الْخِلَافِ، لِإِمْكَانِ أَنْ يَبْقَى الْخِلَافُ فِي الْأَدْيَانِ دُونَ دِينِ الْإِسْلَامِ، لَكِنَّ الْحَدِيثَ بَيَّنَ أَنَّهُ وَاقِعٌ فِي الْأُمَّةِ أَيْضًا، فَانْتَظَمَتْهُ الْآيَةُ بِلَا إِشْكَالٍ.

فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا ظَهَرَ بِهِ أَنَّ التَّعْيِينَ للفرقة الناجية بالنسبة (إلينا)(2) اجْتِهَادِيٌّ لَا/ يَنْقَطِعُ الْخِلَافُ فِيهِ، وَإِنِ ادُّعِيَ فِيهِ الْقَطْعُ دُونَ الظَّنِّ فَهُوَ نَظَرِيٌّ لَا ضَرُورِيٌّ، وَلَكُنَّا مَعَ ذَلِكَ نَسْلُكُ فِي الْمَسْأَلَةِ ـ بحول الله تعالى ـ مسلكاً وسطاً يذعن إلى قبوله (عقل)(3)(المنصف)(4) ويقر بصحته الْعَالِمُ/ بِكُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ وَجُزْئِيَّاتِهَا، وَاللَّهُ الْمُوَفِّقُ (لِلصَّوَابِ)(5).

فنقول:/ لا بد مِنْ تَقْدِيمِ مُقَدِّمَةٍ قَبْلَ الشُّرُوعِ فِي الْمَطْلُوبِ، وذلك أن الإحداث في الشريعة يقع إما مِنْ جِهَةِ الْجَهْلِ وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ تَحْسِينِ/ الظَّنِّ (بِالْعَقْلِ)(6)، وَإِمَّا مِنْ جِهَةِ اتِّبَاعِ الْهَوَى فِي طَلَبِ الْحَقِّ وَهَذَا الْحَصْرُ بِحَسَبِ الِاسْتِقْرَاءِ مِنَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَقَدْ مَرَّ فِي ذَلِكَ مَا يُؤْخَذُ مِنْهُ/ شَوَاهِدُ الْمَسْأَلَةِ، إِلَّا أَنَّ الجهات الثلاث قد تنفرد وقد تجتمع، (وإذا)(7) اجْتَمَعَتْ فَتَارَةً تَجْتَمِعُ مِنْهَا (اثْنَتَانِ)(8) وَتَارَةً تَجْتَمِعُ (الثَّلَاثُ)(9) فَأَمَّا جِهَةُ الْجَهْلِ فَتَارَةً تَتَعَلَّقُ بِالْأَدَوَاتِ الَّتِي بِهَا تُفْهَمُ الْمَقَاصِدُ، وَتَارَةً تَتَعَلَّقُ بِالْمَقَاصِدِ، وأما جهة تحسين الظن (بالعقل)(10) فَتَارَةً يُشْرَكُ فِي التَّشْرِيعِ مَعَ الشَّرْعِ، وَتَارَةً يُقَدَّمُ عَلَيْهِ، وَهَذَانَ النَّوْعَانِ يَرْجِعَانِ إِلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ، وَأَمَّا جِهَةُ اتِّبَاعِ الْهَوَى، فَمِنْ شَأْنِهِ أن يغلب الفهم حتى (يغالب)(11) صاحبه الأدلة أو يستند إلى غير/

(1) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الحديث".

(2)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "إليها".

(3)

ساقط من (غ) و (ر).

(4)

في (ط) و (خ): النمو.

(5)

ساقط من (غ) و (ر).

(6)

ساقط من (غ) و (ر).

(7)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فإذا".

(8)

في (غ) و (ر): اثنان.

(9)

في (م) و (ت): الثلاثة.

(10)

زيادة من (غ) و (ر).

(11)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "يقلب".

ص: 252

دليل وهذان النوعان (أيضاً)(1) يَرْجِعَانِ إِلَى نَوْعٍ وَاحِدٍ، فَالْجَمِيعُ أَرْبَعَةُ أَنْوَاعٍ؛ وَهِيَ: الْجَهْلُ بِأَدَوَاتِ الْفَهْمِ، وَالْجَهْلُ بِالْمَقَاصِدِ، وَتَحْسِينُ الظَّنِّ بِالْعَقْلِ، وَاتِّبَاعُ الْهَوَى. فَلْنَتَكَلَّمْ عَلَى كُلِّ واحد منها وبالله التوفيق.

(النوع)(2) الأول: (3)(الجهل بأدوات الفهم، اعلم)(4) إِنَّ اللَّهَ عز وجل أَنْزَلَ الْقُرْآنَ عَرَبِيًّا لا عُجمة فيه، بمعنى أنه جار فِي أَلْفَاظِهِ وَمَعَانِيهِ وَأَسَالِيبِهِ عَلَى لِسَانِ الْعَرَبِ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:{إِنَّا جَعَلْنَاهُ قُرْآناً عَرَبِيًّا} (5)، وَقَالَ تَعَالَى:{قُرْآناً عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ} (6)، وَقَالَ تَعَالَى:{نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ *عَلَى قَلْبِكَ لِتَكُونَ مِنَ الْمُنْذِرِينَ *بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُبِينٍ *} (7)، وَكَانَ/ الْمُنَزَّلُ عَلَيْهِ الْقُرْآنُ عَرَبِيًّا أَفْصَحَ مَنْ نَطَقَ بِالضَّادِ وَهُوَ مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، وَكَانَ الَّذِينَ بُعِثَ فِيهِمْ عَرَبًا أَيْضًا، فَجَرَى الْخِطَابُ بِهِ عَلَى مُعْتَادِهِمْ فِي لِسَانِهِمْ، فَلَيْسَ فِيهِ شَيْءٌ مِنَ الْأَلْفَاظِ وَالْمَعَانِي إِلَّا وَهُوَ جَارٍ عَلَى مَا اعْتَادُوهُ، وَلَمْ يُدَاخِلْهُ (شَيْءٌ) (8) بَلْ نَفَى عَنْهُ أَنْ يَكُونَ فِيهِ شَيْءٌ أَعْجَمِيٌّ فَقَالَ تَعَالَى/:{وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ *} (9).

وَقَالَ تَعَالَى فِي مَوْضِعٍ آخَرَ: {وَلَوْ جَعَلْنَاهُ قُرْآناً أَعْجَمِيًّا لَقَالُوا لَوْلَا فُصِّلَتْ آيَاتُهُ أَأَعْجَمِيٌّ وَعَرَبِيٌّ} (10).

/هذا وإن كان (قد)(11) بُعث لِلنَّاسِ كَافَّةً فَإِنَّ اللَّهَ جَعَلَ جَمِيعَ الْأُمَمِ وَعَامَّةَ الْأَلْسِنَةِ فِي هَذَا الْأَمْرِ تَبَعًا لِلِسَانِ الْعَرَبِ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَلَا يُفْهَمُ كِتَابُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَّا مِنَ الطَّرِيقِ الَّذِي أنزل عليه وهو اعتبار ألفاظها ومعانيها وأساليبها.

(1) زيادة من (غ) و (ر).

(2)

في (غ): قبل كلمة: (النوع) كتب: فصل".

(3)

النوع الأول من أسباب الإحداث في الدين.

(4)

ما بين القوسين زيادة من (ت).

(5)

سورة الزخرف: الآية (3).

(6)

سورة الزمر: الآية (28).

(7)

سورة الشعراء: الآية (193 ـ 195).

(8)

في (غ) و (ر): "غيره".

(9)

سورة النحل: الآية (103).

(10)

سورة فصلت: الآية (44).

(11)

زيادة من (غ) و (ر).

ص: 253

أَمَّا أَلْفَاظُهَا فَظَاهِرَةٌ لِلْعِيَانِ، وَأَمَّا مَعَانِيهَا وَأَسَالِيبُهَا فَكَانَ مِمَّا/ يُعْرَفُ مِنْ مَعَانِيهَا اتِّسَاعُ لِسَانِهَا، وَأَنْ تُخَاطِبَ بِالشَّيْءِ مِنْهُ عَامًّا ظَاهِرًا يُرَادُ به (العام)(1) الظَّاهِرُ، (وَيُسْتَغْنَى بِأَوَّلِهِ عَنْ آخِرِهِ، وَعَامًّا ظَاهِرًّا يراد به العام ويدخله الخاص، ويستدل على هَذَا بِبَعْضِ الْكَلَامِ، وَعَامًّا ظَاهِرًا يُرَادُ بِهِ الْخَاصُّ)(2) وَظَاهِرًا (يُعْرَفُ)(3) فِي سِيَاقِهِ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ غَيْرُ ذَلِكَ الظَّاهِرِ، وَالْعِلْمُ بِهَذَا كُلِّهِ مَوْجُودٌ فِي أَوَّلِ الْكَلَامِ أَوْ وَسَطِهِ أَوْ آخره.

وتبتدئ الشيء من كلامها يبين أول اللفظ فيه عن آخره، أو (يبين)(4) / آخره عن أوله، وتتكلم بِالشَّيْءِ تَعْرِفُهُ بِالْمَعْنَى دُونَ اللَّفْظِ كَمَا تَعْرِفُ (بِالْإِشَارَةِ)(5)، وَهَذَا عِنْدَهَا مِنْ أَفْصَحِ كَلَامِهَا، لِانْفِرَادِهَا بِعِلْمِهِ دُونَ غَيْرِهَا مِمَّنْ يَجْهَلُهُ، وَتُسَمِّي الشَّيْءَ (الواحد)(6)(بالأسماء)(7) الكثيرة، (وتضع)(8) اللَّفْظَ الْوَاحِدَ لِلْمَعَانِي الْكَثِيرَةِ.

فَهَذِهِ كُلُّهَا مَعْرُوفَةٌ (عِنْدَهَا)(9) وَتُسْتَنْكَرُ عِنْدَ غَيْرِهَا،/ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّصَرُّفَاتِ الَّتِي يَعْرِفُهَا مَنْ زَاوَلَ كَلَامَهُمْ وَكَانَتْ لَهُ بِهِ مَعْرِفَةٌ وَثَبَتَ رُسُوخُهُ فِي عِلْمِ ذَلِكَ.

فَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءِ (وَكِيلٌ)(10)، وَقَالَ تَعَالَى:{وَمَا مِنْ دَآبَّةٍ فِي الأَرْضِ إِلَاّ عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا} (11) فَهَذَا مِنَ الْعَامِّ الظَّاهِرِ الَّذِي لَا خُصُوصَ (فِيهِ)(12) فَإِنَّ كُلَّ شَيْءٍ مِنْ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ وَذِي رُوحٍ وَشَجَرٍ وَغَيْرِ ذَلِكَ فَاللَّهُ خَالِقُهُ، وكل دابة على الله رزقها،

(1) زيادة من (غ) و (ر).

(2)

ما بين () ساقط من (غ) و (ر).

(3)

ساقط من (غ) و (ر).

(4)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): بين.

(5)

في (م) و (غ) و (ر): "الإشارة".

(6)

ساقط من (غ) و (ر).

(7)

في (م): "الأشياء".

(8)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "وتوقع".

(9)

ما بين القوسين زيادة من (ط) و (غ) و (ر).

(10)

في (ت): "قدير".

(11)

سورة هود: الآية (6).

(12)

ساقط من (غ) و (ر).

ص: 254

ويعلم مستقرها (ومستودعها)(1).

وَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {مَا كَانَ لأَِهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} (2)، فَقَوْلُهُ:{مَا كَانَ لأَِهْلِ الْمَدِينَةِ وَمَنْ حَوْلَهُمْ مِنَ الأَعْرَابِ أَنْ يَتَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ} إنما أريد به من (أطاق الجهاد دون من/ لم يطقه فهو خاص)(3) الْمَعْنَى، وَقَوْلُهُ:{وَلَا يَرْغَبُوا بِأَنْفُسِهِمْ عَنْ نَفْسِهِ} عَامٌّ فِيمَنْ أَطَاقَ وَمَنْ لَمْ يُطِقْ، فَهُوَ عَامُّ الْمَعْنَى.

وَقَوْلُهُ تَعَالَى: {حَتَّى إِذَا أَتَيَا أَهْلَ قَرْيَةٍ اسْتَطْعَمَا أَهْلَهَا فَأَبَوْا أَنْ يُضَيِّفُوهُمَا} (4)، فَهَذَا مِنَ الْعَامِّ الْمُرَادِ بِهِ الْخَاصُّ، لِأَنَّهُمَا لَمْ يَسْتَطْعَمَا جَمِيعَ أَهْلِ الْقَرْيَةِ.

وَقَالَ تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا} (5)، فَهَذَا عَامٌّ لَمْ يَخْرُجْ عَنْهُ أَحَدٌ/ مِنَ الناس. وقال إثر هذا:{أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ} فَهَذَا خَاصٌّ، لِأَنَّ التَّقْوَى إِنَّمَا تَكُونُ عَلَى مَنْ عَقَلَهَا مِنَ الْبَالِغِينَ.

وَقَالَ تَعَالَى: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ} (6) فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ الثَّانِي الْخُصُوصُ لَا الْعُمُومُ، وَإِلَّا/ فَالْمَجْمُوعُ لَهُمُ النَّاسُ نَاسٌ أَيْضًا وَهُمْ قَدْ خرجوا (منهم)(7)، لَكِنَّ لَفْظَ النَّاسِ يَقَعُ عَلَى ثَلَاثَةٍ مِنْهُمْ، وَعَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، وَعَلَى مَا بَيْنَ ذَلِكَ، (فصح) (8) أنْ يُقَالُ: إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا (لَكُمْ)(9)، والناس الأول القائلون كانوا أربعة نفر (10).

(1) ما بين القوسين ساقط من (ت).

(2)

سورة التوبة: الآية (120).

(3)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "أطاق ومن لم يطق فهو عام".

(4)

سورة الكهف: الآية (77).

(5)

سورة الحجرات: الآية (13).

(6)

سورة آل عمران: الآية (173).

(7)

زيادة من (غ) و (ر).

(8)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): فيصح.

(9)

ساقط من (غ) و (ر).

(10)

لم أعرف من هم هؤلاء الأربعة، لكن ذكر المفسرون في المراد بالناس هنا ثلاثة أقوال: أحدها: أنهم ركب لقيهم أبو سفيان من بني عبد القيس، والثاني: أن المقصود هو=

ص: 255

وقال تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ ضُرِبَ مَثَلٌ فَاسْتَمِعُوا لَهُ} (1)، فَالْمُرَادُ بِالنَّاسِ هُنَا الَّذِينَ اتَّخَذُوا مَنْ دُونِ اللَّهِ إِلَهًا، دُونَ الْأَطْفَالِ وَالْمَجَانِينِ وَالْمُؤْمِنِينَ.

/وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلْهُمْ عَنِ الْقَرْيَةِ الَّتِي كَانَتْ حَاضِرَةَ الْبَحْرِ} (2)، فَظَاهِرُ السُّؤَالِ عَنِ/ الْقَرْيَةِ نَفْسِهَا، وَسِيَاقُ قَوْلِهِ تعالى:{إِذْ يَعْدُونَ فِي السَّبْتِ} إِلَى آخِرِ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُهَا لِأَنَّ الْقَرْيَةَ لَا تَعْدُو وَلَا تَفْسُقُ.

وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى: {وَكَمْ قَصَمْنَا مِنْ قَرْيَةٍ كَانَتْ ظَالِمَةً} (3) الْآيَةَ، فَإِنَّهُ لَمَّا قَالَ:{كَانَتْ ظَالِمَةً} دَلَّ (عَلَى)(4) أَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُهَا.

وَقَالَ تَعَالَى: {وَاسْأَلِ الْقَرْيَةَ الَّتِي كُنَّا فِيهَا} (5) الْآيَةَ، فَالْمَعْنَى بيَّن أَنَّ الْمُرَادَ أَهْلُ الْقَرْيَةِ، وَلَا يَخْتَلِفُ أَهْلُ الْعِلْمِ بِاللِّسَانِ فِي ذَلِكَ، لِأَنَّ الْقَرْيَةَ وَالْعِيرَ لَا يُخْبِرَانِ بِصِدْقِهِمْ.

هَذَا كُلُّهُ مَعْنَى تَقْرِيرِ/ الشَّافِعِيِّ رحمه الله (6) فِي هَذِهِ التَّصَرُّفَاتِ الثَّابِتَةِ لِلْعَرَبِ، وَهُوَ بِالْجُمْلَةِ مبيِّن أَنَّ الْقُرْآنَ لَا يُفْهَمُ إِلَّا عَلَيْهِ، وَإِنَّمَا أَتَى الشَّافِعِيُّ بِالنَّوْعِ الْأَغْمَضِ مِنْ طَرَائِقِ الْعَرَبِ، لِأَنَّ سَائِرَ أَنْوَاعِ التَّصَرُّفَاتِ الْعَرَبِيَّةِ قَدْ بَسَطَهَا أَهْلُهَا، وَهُمْ أَهْلُ النَّحْوِ وَالتَّصْرِيفِ، وَأَهْلُ الْمَعَانِي وَالْبَيَانِ، وَأَهْلُ الِاشْتِقَاقِ وَشَرْحِ مُفْرَدَاتِ اللُّغَةِ، وَأَهْلُ الأخبار المنقولة عن العرب (المبينة)(7) لِمُقْتَضَيَاتِ الْأَحْوَالِ، فَجَمِيعُهُ نَزَلَ (بِهِ)(8) الْقُرْآنُ، وَلِذَلِكَ أطلق عليه عبارة (العربي).

=نعيم بن مسعود الأشجعي، والثالث: أنهم المنافقون. انظر تفصيل الأقوال في: تفسير ابن جرير (7 404 ـ 413)، وابن كثير (1 431)، وزاد المسير (1 504 ـ 505)، والرسالة للشافعي (ص58 ـ 60)، والله تعالى أعلم.

(1)

سورة الحج: الآية (73).

(2)

سورة الأعراف: الآية (163).

(3)

سورة الأنبياء: الآية (11).

(4)

ساقط من (غ) و (ر).

(5)

سورة يوسف: الآية (82).

(6)

انظر: الرسالة للشافعي (ص41 ـ 64).

(7)

زيادة من (غ) و (ر).

(8)

ساقط من (غ) و (ر).

ص: 256

فَإِذَا ثَبَتَ/ هَذَا فَعَلَى النَّاظِرِ فِي الشَّرِيعَةِ وَالْمُتَكَلِّمِ فِيهَا أُصُولًا وَفُرُوعًا أَمْرَانِ:

أَحَدُهُمَا: أَنْ لَا يَتَكَلَّمَ فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ حَتَّى يَكُونَ عَرَبِيًّا، أَوْ كَالْعَرَبِيِّ فِي كَوْنِهِ عَارِفًا بِلِسَانِ الْعَرَبِ، بَالِغًا فِيهِ مَبَالِغَ الْعَرَبِ، أَوْ مَبَالِغَ الْأَئِمَّةِ الْمُتَقَدِّمِينَ كَالْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ وَالْكِسَائِيِّ وَالْفَرَّاءِ وَمَنْ أَشْبَهَهُمْ وَدَانَاهُمْ، وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنْ يَكُونَ حَافِظًا كَحِفْظِهِمْ وَجَامِعًا كَجَمْعِهِمْ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ أَنْ يَصِيرَ فَهْمُهُ عَرَبِيًّا فِي الْجُمْلَةِ/ وَبِذَلِكَ امْتَازَ الْمُتَقَدِّمُونَ مِنْ عُلَمَاءِ الْعَرَبِيَّةِ عَلَى الْمُتَأَخِّرِينَ، إِذْ بِهَذَا الْمَعْنَى أَخَذُوا أَنْفُسَهُمْ حَتَّى صَارُوا أَئِمَّةً، فَإِنْ لَمْ يَبْلُغْ ذَلِكَ فَحَسْبُهُ فِي فَهْمِ مَعَانِي الْقُرْآنِ التَّقْلِيدُ، (وَلَا يَحْسُنُ)(1) ظَنُّهُ بِفَهْمِهِ دُونَ أَنْ يَسْأَلَ فِيهِ أَهْلَ الْعِلْمِ/ بِهِ.

قال الشافعي رحمه الله (2) لَمَّا قَرَّرَ مَعْنَى مَا تَقَدَّمَ:

(فَمَنْ)(3) جَهِلَ/ هَذَا مِنْ لِسَانِهَا ـ يَعْنِي لِسَانَ الْعَرَبِ ـ وَبِلِسَانِهَا نَزَلَ (الْقُرْآنُ)(4) وَجَاءَتِ (السُّنَّةُ بِهِ)(5) فَتَكَلَّفَ الْقَوْلَ في علمها تكلف ما يجهل (بعضه)(6)، ومن تكلف ما جهل وما لم (تثبته معرفته)(7) كَانَتْ مُوَافَقَتُهُ لِلصَّوَابِ ـ إِنْ وَافَقَهُ مِنْ حَيْثُ لا يعرفه ـ غير محمودة، وكان (بخطئه)(8) غير معذور، (إذا نطق)(9) فِيمَا لَا يُحِيطُ عِلْمُهُ بِالْفَرْقِ (بَيْنَ)(10) الصَّوَابِ وَالْخَطَإِ فِيهِ.

وَمَا قَالَهُ حَقٌّ، فَإِنَّ الْقَوْلَ في القرآن أو السنة بغير علم تكلف ـ وقد

(1) في (م): "ويحسن" وفي (غ) و (ر): "وأن لا يحسن".

(2)

انظر: الرسالة (ص53).

(3)

هكذا في جميع النسخ: وفي المطبوع من الرسالة: "ممن".

(4)

في (غ) و (ر): "الكتاب".

(5)

هكذا في جميع النسخ وفي الرسالة: "السنة".

(6)

في (ط) و (خ): لفظه.

(7)

في (ط) و (م) و (خ) و (غ) و (ر): يثبته معرفة.

(8)

في (ط) و (خ) و (ت): "في تخطئته". وفي (م): "في تخطيه".

(9)

في (ط) و (م) و (خ): "إذا نظر". وفي (ت) والرسالة: "إذا ما نطق".

(10)

في (م): "من".

ص: 257

نُهِينَا عَنِ التَّكَلُّفِ ـ وَدُخُولٌ تَحْتَ مَعْنَى الْحَدِيثِ، حَيْثُ قَالَ عليه الصلاة والسلام:"حَتَّى إِذَا لَمْ يَبْقَ عَالِمٌ اتَّخَذَ النَّاسُ رُؤَسَاءَ جُهَّالًا (فسئلوا فأفتوا بغير علم فضلُّوا وأضلوا) (1) "(2) الْحَدِيثَ، لِأَنَّهُمْ إِذَا لَمْ يَكُنْ لَهُمْ لِسَانٌ عَرَبِيٌّ يَرْجِعُونَ إِلَيْهِ فِي كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نبيه رجع إلى فهمه الأعجمي وعقله المجرد عن التمسك بدليل، (فيضل)(3) عَنِ الْجَادَّةِ.

/وَقَدْ خرَّج ابْنُ وَهْبٍ عَنِ الْحَسَنِ أَنَّهُ قِيلَ لَهُ: أَرَأَيْتَ (الرَّجُلَ)(4)(يَتَعَلَّمُ الْعَرَبِيَّةَ)(5)(لِيُقِيمَ بِهَا)(6) لِسَانَهُ،/ وَيُصْلِحَ بِهَا مَنْطِقَهُ؟ قال: نعم فليتعلمها، فإن الرجل يقرأ (الآية)(7) فَيَعِيَا بِوَجْهِهَا فَيَهْلِكُ (8).

وَعَنِ الْحَسَنِ قَالَ: (أَهْلَكَتْهُمُ)(9)(العجمة)(10)، يتأولون (القرآن)(11) على غير تأويله (12).

والأمر الثاني: (مما على الناظر في الشريعة والمتكلم فيها)(13): أَنَّهُ إِذَا أَشْكَلَ عَلَيْهِ فِي الْكِتَابِ أَوْ فِي السُّنَّةِ لَفْظٌ أَوْ مَعْنًى فَلَا يُقْدِمُ عَلَى الْقَوْلِ فِيهِ دُونَ أَنْ يَسْتَظْهِرَ بِغَيْرِهِ مِمَّنْ لَهُ عِلْمٌ بِالْعَرَبِيَّةِ فَقَدْ يَكُونُ إِمَامًا فِيهَا، وَلَكِنَّهُ يَخْفَى عَلَيْهِ الْأَمْرُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ. فَالْأَوْلَى/ فِي حَقِّهِ الِاحْتِيَاطُ، إِذْ قَدْ يَذْهَبُ/ عَلَى الْعَرَبِيِّ الْمَحْضِ بَعْضُ الْمَعَانِي الْخَاصَّةِ حتى يسأل عنها، وقد

(1) ما بين () زيادة من (غ) و (ر).

(2)

تقدم تخريجه (1/ 117).

(3)

في (ط) و (م) و (خ): "يضل"، وفي (غ) و (ر):"فضل" ..

(4)

ساقط من (غ) و (ر).

(5)

في (غ) و (ر): "يتكلم بالعربية".

(6)

في (ط) و (م) و (خ): "بها ليقيم". وفي هامش (ت): "ليقوّم بها".

(7)

زيادة من (م). وفي (غ) و (ر): بالآية.

(8)

أخرجه سعيد بن منصور في سننه (1/ 167) برقم (38)، والبيهقي في شعب الإيمان (2/ 260) برقم (1691).

(9)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): أهلكتكم.

(10)

في (غ) و (ر): العجمية.

(11)

زيادة من (غ) و (ر).

(12)

أخرجه البخاري في التاريخ الكبير (5/ 93)، وذكره في خلق أفعال العباد (ص75 و109)، وذكره الحكيم الترمذي في نوادر الأصول (4/ 26)، والمزي في تهذيب الكمال (10/ 122).

(13)

ما بين القوسين زيادة من (ت).

ص: 258

نقل من هذا عن الصحابة رضي الله عنهم وَهُمُ الْعَرَبُ ـ فَكَيْفَ بِغَيْرِهِمْ.

نُقِلَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما أَنَّهُ قَالَ: كُنْتُ لَا أَدْرِي مَا: {فَاطِرِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ} (1) حَتَّى أَتَانِي أَعْرَابِيَّانِ/ يَخْتَصِمَانِ فِي بِئْرٍ. فَقَالَ أَحَدُهُمَا: أَنَا فَطَرْتُهَا أَيْ: أَنَا ابْتَدَأْتُهَا (2).

/وَفِيمَا يُرْوَى عَنْ عُمَرَ (بْنِ الْخَطَّابِ) رضي الله عنه أَنَّهُ سَأَلَ وَهُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ عَنْ مَعْنَى قوله تعالى: {أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ} (3) فَأَخْبَرَهُ رَجُلٌ مِنْ هُذَيْلٍ أَنَّ التَّخَوُّفَ عِنْدَهُمْ (هو)(4) التنقص (5) وأشباه ذلك كثير.

قَالَ الشَّافِعِيُّ: لِسَانُ الْعَرَبِ أَوْسَعُ الْأَلْسِنَةِ مَذْهَبًا، وَأَكْثَرُهَا أَلْفَاظًا، قَالَ: وَلَا نَعْلَمُهُ يُحِيطُ بِجَمِيعِ عِلْمِهِ إِنْسَانٌ غَيْرُ نَبِيٍّ وَلَكِنَّهُ لَا يَذْهَبُ منه شيء على عامتها حَتَّى (لَا)(6) يَكُونَ مَوْجُودًا/ فِيهَا مَنْ يَعْرِفُهُ، قَالَ: وَالْعِلْمُ بِهِ عِنْدَ الْعَرَبِ كَالْعِلْمِ بِالسُّنَّةِ عِنْدَ أَهْلِ (الْعِلْمِ)(7) لَا نَعْلَمُ رَجُلًا جَمَعَ السُّنَنَ فَلَمْ يَذْهَبْ مِنْهَا عَلَيْهِ شَيْءٌ، فَإِذَا جَمَعَ (عِلْمَ)(8) عَامَّةِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِهَا أَتَى على السنن (كلها)(9)، وإذا فرق (علم)(10) كُلَّ وَاحِدٍ (مِنْهُمْ)(11) ذَهَبَ عَلَيْهِ الشَّيْءُ مِنْهَا، ثُمَّ كَانَ مَا ذَهَبَ عَلَيْهِ مِنْهَا مَوْجُودًا عِنْدَ غَيْرِهِ (مِمَّنْ كَانَ فِي طَبَقَتِهِ وَأَهْلِ عِلْمِهِ، قَالَ:)(12) وَهَكَذَا لِسَانُ الْعَرَبِ عِنْدَ خَاصَّتِهَا وعامتها، لا

(1) سورة يوسف: الآية (101).

(2)

أخرجه أبو عبيد في فضائل القرآن (ص206).

(3)

سورة النحل: الآية (47).

(4)

ما بين القوسين ساقط من (م) و (غ) و (ر).

(5)

انظر: معاني القرآن للفراء (2 101).

(6)

ساقط من (غ) و (ر).

(7)

في المطبوع من الرسالة: الفقه.

(8)

ما بين القوسين ساقط من (ط) و (م) و (ت) و (غ) و (ر).

(9)

ما بين القوسين زيادة من (ت).

(10)

زيادة من (غ) و (ر).

(11)

ساقط من (غ) و (ر).

(12)

في المطبوع من الرسالة بدلاً من الجملة التي بين القوسين، النص التالي:(وهم في العلم طبقات: منهم الجامع لأكثره، وإن ذهب عليه بعضه، ومنهم الجامع لأقل مما جمع غيره، وليس قليل ما ذهب من السنن على من جمع أكثرها دليلاً على أن يطلب علمه عند غير طبقته من أهل العلم، بل يطلب عند نظرائه ما ذهب عليه، حتى يؤتى على جميع سنن رسول الله، بأبي هو وأمي، فيتفرد جملة العلماء بجمعها، وهم درجات فيما وعوا منها).

ص: 259

يَذْهَبُ مِنْهُ شَيْءٌ عَلَيْهَا، وَلَا يُطْلَبُ عِنْدَ غَيْرِهَا (وَلَا يَعْلَمُهُ)(1) إِلَّا مَنْ (نَقَلَهُ)(2) عَنْهَا، وَلَا يُشْرِكُهَا فِيهِ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَهَا فِي تَعَلُّمِهِ مِنْهَا، وَمَنْ قَبِلَهُ مِنْهَا فَهُوَ مِنْ أَهْلِ لِسَانِهَا، وَإِنَّمَا صَارَ غَيْرُهُمْ مِنْ غَيْرِ أهله (بتركه)(3) فَإِذَا صَارَ إِلَيْهِ صَارَ مِنْ أَهْلِهِ) (4).

/هَذَا مَا قَالَ وَلَا يُخَالِفُ فِيهِ أَحَدٌ، فَإِذَا كَانَ الْأَمْرُ عَلَى هَذَا لَزِمَ كُلُّ مَنْ أَرَادَ أَنْ يَنْظُرَ فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ أَنْ يَتَعَلَّمَ الْكَلَامَ الَّذِي بِهِ أُدِّيَتْ، وَأَنْ لَا يَحْسُنَ ظَنُّهُ بِنَفْسِهِ قَبْلَ الشَّهَادَةِ لَهُ مِنْ أهل علم العربية بأنه ممن يَسْتَحِقُّ النَّظَرَ، وَأَنْ لَا يَسْتَقِلَّ بِنَفْسِهِ فِي الْمَسَائِلِ الْمُشْكِلَةِ الَّتِي لَمْ يُحِطْ بِهَا عِلْمُهُ دُونَ أَنْ يَسْأَلَ عَنْهَا مَنْ هُوَ مِنْ أَهْلِهَا، فَإِنْ ثَبَتَ عَلَى هَذِهِ الْوَصَاةِ كَانَ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ مُوَافِقًا لِمَا كَانَ عَلَيْهِ رسول الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه الكرام.

روي عن عبد الله بن عمرو رضي الله/ عنهما أَنَّهُ قَالَ: قُلْنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَنْ خير الناس؟ قال:(ذو القلب (المخموم)(5)، وَاللِّسَانِ الصَّادِقِ. قُلْنَا: قَدْ عَرَفْنَا اللِّسَانَ الصَّادِقَ، فما ذو القلب/ (المخموم) (6)؟ قَالَ: هُوَ التَّقِيُّ النَّقِيُّ الَّذِي لَا إِثْمَ فِيهِ وَلَا حَسَدَ، قُلْنَا: فَمَنْ عَلَى أَثَرِهِ؟ قال: الذي (يشنأ)(7) الدُّنْيَا وَيُحِبُّ الْآخِرَةَ، قُلْنَا: مَا نَعْرِفُ هَذَا فِينَا إِلَّا رَافِعًا مَوْلَى رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، (قُلْنَا) (8): فَمَنْ عَلَى أَثَرِهِ؟ قَالَ: مُؤْمِنٌ فِي خُلُقٍ حَسَنٍ، قُلْنَا: أَمَّا هذا فإنه فينا) (9).

(1) ساقط من (غ) و (ر).

(2)

في (م) و (ت) و (غ) و (ر): "قبله".

(3)

في (ط) و (م) و (ت): "لتركه".

(4)

انظر: الرسالة (ص42 ـ 44).

(5)

(6) في (ط) و (خ): "المهموم"، وفي (ت):"المحموم"، وما أثبته هو الموافق لنص الحديث.

(7)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "ينسى".

(8)

ساقط من (غ) و (ر).

(9)

أخرجه ابن ماجه (4216)، والطبراني في مسند الشاميين (1218)، وأبو نعيم في الحلية (1 183)، و (6 69)، والبيهقي في شعب الإيمان (6604)، وذكر ابن حجر في الإصابة (2 447)، الخلاف في اسم الصحابي المذكور في الحديث، هل هو رافع أو أبو رافع؟ ورجح الأول، والحديث صححه الألباني في السلسلة الصحيحة برقم (948).

ص: 260

وَيُرْوَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم جَاءَهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَيُدَالِكُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ؟ قَالَ:"نَعَمْ إِذَا كَانَ مُلْفَجاً (1)، فَقَالَ لَهُ/ أَبُو بَكْرٍ رضي الله عنه: مَا قُلْتُ وَمَا قَالَ لَكَ (يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَلَّى اللَّهُ عَلَيْكَ وَسَلَّمَ) (2)؟ فَقَالَ: قَالَ: أَيُمَاطِلُ الرَّجُلُ امْرَأَتَهُ؟ قُلْتُ: نَعَمْ إِذَا كَانَ فَقِيرًا"، فَقَالَ أَبُو بَكْرٍ: مَا رَأَيْتُ (الَّذِي هُوَ)(3) أَفْصَحُ مِنْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فقال: وكيف لَا وَأَنَا مِنْ قُرَيْشٍ، وَأُرْضِعْتُ فِي بَنِي/ سَعْدٍ (4).

فَهَذِهِ أَدِلَّةٌ تَدَلُّ عَلَى أَنَّ بَعْضَ اللُّغَةِ يَعْزُبُ عَنْ عِلْمِ بَعْضِ الْعَرَبِ، فَالْوَاجِبُ السُّؤَالُ كَمَا سَأَلُوا فَيَكُونُ/ عَلَى مَا كَانُوا عَلَيْهِ، (وَإِلَّا زَلَّ) (5) فَقَالَ فِي الشَّرِيعَةِ بِرَأْيِهِ لَا (بِلِسَانِهَا) (6) وَلْنَذْكُرْ لِذَلِكَ سِتَّةَ أَمْثِلَةٍ:

أَحَدُهَا: قَوْلُ جَابِرٍ الْجُعْفِيِّ (7) فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: {فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} (8) أَنَّ تَأْوِيلَ هَذِهِ الْآيَةِ لَمْ يَجِئْ بَعْدُ، وَكَذَبَ فَإِنَّهُ أَرَادَ بِذَلِكَ مَذْهَبَ الرَّافِضَةِ، فَإِنَّهَا تَقُولُ: إِنَّ عَلِيًّا فِي السَّحَابِ فَلَا يَخْرُجُ مَعَ مَنْ خَرَجَ مِنْ وَلَدِهِ حَتَّى يُنَادِيَ عَلِيٌّ مِنَ السَّمَاءِ: اخْرُجُوا مَعَ فُلَانٍ، فَهَذَا مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:{فَلَنْ أَبْرَحَ الأَرْضَ حَتَّى يَأْذَنَ لِي أَبِي} الْآيَةَ، عِنْدَ جَابِرٍ حَسْبَمَا فَسَّرَهُ سُفْيَانُ مِنْ قوله: لم يجئ (تأويل هذه)(9)، (قال سفيان: وكذب) (10) كانت

(1) مُلْفَجاً بضم الميم وسكون اللام وفتح الفاء، هكذا ضبطه ابن منظور في لسان العرب، وهو هنا بمعنى: أن للرجل أن يماطل زوجته في المهر إذا كان فقيراً. انظر: لسان العرب لابن منظور، مادة (لفج).

(2)

ساقط من (غ) و (ر).

(3)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): هو الذي.

(4)

أخرجه بنحوه الجرجاني في تاريخه (1 187)، برقم (255)، وذكر العجلوني في كشف الخفاء (1 72)، أن ثابتاً السرقسطي أخرجه في الدلائل بسندٍ واهٍ، وضعفه الألباني في السلسلة الضعيفة (2185).

(5)

في (م): "وإذ لا زال".

(6)

في (م): "بلسانه".

(7)

هو جابر بن يزيد بن الحارث الجعفي الكوفي، ضعيف رافضي، التقريب (878).

(8)

سورة يوسف: الآية (80).

(9)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "بعد بل هذه الآية".

(10)

زيادة من (م) و (غ) و (ر)، وهي كذلك في صحيح مسلم.

ص: 261

الآية فِي إِخْوَةِ يُوسُفَ، وَقَعَ ذَلِكَ فِي مُقَدِّمَةِ كِتَابِ مُسْلِمٍ (1).

وَمَنْ كَانَ ذَا عَقْلٍ فَلَا يَرْتَابُ فِي أَنَّ سِيَاقَ الْقُرْآنِ دَالٌّ عَلَى مَا قَالَ سُفْيَانُ، وَأَنَّ مَا قَالَهُ جَابِرٌ لَا يَنْسَاقُ.

وَالثَّانِي: / قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يجوز للرجل نكاح تسع من (الحرائر)(2) مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ تَعَالَى: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ} (3) لِأَنَّ أَرْبَعًا إِلَى ثَلَاثٍ إِلَى اثْنَتَيْنِ تِسْعٌ (4)، وَلَمْ يَشْعُرْ بِمَعْنَى فُعَالٍ وَمَفْعَلٍ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ وَأَنَّ مَعْنَى الْآيَةِ، فَانْكِحُوا إِنْ شِئْتُمُ اثْنَتَيْنِ اثْنَتَيْنِ، أَوْ ثَلَاثًا (ثَلَاثًا)(5)، أَوْ أَرْبَعًا أَرْبَعًا عَلَى التَّفْصِيلِ لَا عَلَى مَا قَالُوا.

وَالثَّالِثُ: قَوْلُ مَنْ زَعَمَ أَنَّ الْمُحَرَّمَ مِنَ الْخِنْزِيرِ إِنَّمَا هُوَ اللَّحْمُ (6)، وَأَمَّا الشَّحْمُ/ فَحَلَالٌ لِأَنَّ الْقُرْآنَ إِنَّمَا حرَّم اللَّحْمَ دُونَ الشَّحْمِ، وَلَوْ عَرَفَ أَنَّ اللَّحْمَ يُطْلَقُ عَلَى الشَّحْمِ أَيْضًا ـ بِخِلَافِ الشَّحْمِ فَإِنَّهُ لَا يُطْلَقُ عَلَى اللَّحْمِ ـ لَمْ يَقُلْ مَا قَالَ.

وَالرَّابِعُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ: إِنَّ كُلَّ شَيْءً فَانٍ حَتَّى ذَاتِ الْبَارِي ـ تَعَالَى اللَّهُ/ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا ـ مَا عَدَا الْوَجْهَ (7) بِدَلِيلِ: {كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَاّ

(1) انظر: صحيح مسلم (1 20 ـ 21).

(2)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الحلائل".

(3)

سورة النساء: الآية (3).

(4)

الذين قالوا بجواز نكاح تسعة نساء هم الرافضة، وقد رد عليهم العلماء في تفسيرهم لهذه الآية وأن الإجماع منعقد على حرمة الجمع بين أكثر من أربع نساء. انظر: تفسير ابن جرير (7 546)، وابن كثير (1 451)، والقرطبي (5 13)، والشوكاني (1 420، 421)، وزاد المسير (2 7 ـ 8)، وأحكام القرآن للجصاص (2 55)، والمحلى لابن حزم (10 441).

(5)

ما بين القوسين ساقط من (ط).

(6)

ذكر ابن كثير أن الذين أباحوا شحم الخنزير دون لحمه هم بعض أهل الظاهر، وقد رد عليهم في تفسيره (2 8 ـ 9)، والشوكاني في فتح القدير (1 169)، وذكر القرطبي في الجامع لأحكام القرآن (2 150)، الإجماع على تحريم شحم الخنزير، وأطال ابن حزم في الرد على من أباح شيئاً من الخنزير في المحلى (7 388 ـ 392).

(7)

الذي قال هذه المقولة هو بيان بن سمعان، انظر: مقالات الإسلاميين (ص5)، والملل والنحل (1 152)، والفرق بين الفرق (ص236).

ص: 262

وَجْهَهُ} (1)، وإنما المراد بالوجه (ها)(2) هُنَا غَيْرُ مَا قَالَ، فَإِنَّ لِلْمُفَسِّرِينَ فِيهِ تأويلات، (وقصدُ)(3) هذا القائل لَا يَتَّجِهُ لُغَةً وَلَا (مَعْنًى)(4)، وَأَقْرَبُ قَوْلٍ لِقَصْدِ هَذَا الْمِسْكِينِ أَنْ يُرَادَ بِهِ ذُو الْوَجْهِ كَمَا تَقُولُ: فَعَلْتُ هَذَا لِوَجْهِ فُلَانٍ، أَيْ لِفُلَانٍ، فَكَانَ مَعْنَى الْآيَةِ: كُلُّ شَيْءٍ هالك إلا هو، و (نحوه) (5) قوله تعالى:{إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ} (6)، وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ تَعَالَى:{كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ *ذُو الْجَلَالِ وَالإِكْرَامِ} (7).

وَالْخَامِسُ: قَوْلُ مَنْ زَعَمَ، أَنَّ لِلَّهِ سبحانه وتعالى جَنْبًا (8) مُسْتَدِلًّا بِقَوْلِهِ:{أَنْ تَقُولَ نَفْسٌ يَاحَسْرَتَى عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ} (9)، وَهَذَا لَا مَعْنَى لِلْجَنْبِ فِيهِ لَا حَقِيقَةً وَلَا مَجَازًا، لِأَنَّ الْعَرَبَ/ تَقُولُ: هَذَا الْأَمْرُ يصغر في جنب هذا، أي (هذا)(10) يصغر بالإضافة إلى (هذا)(11) الآخر، فكذلك

(1) سورة القصص: الآية (88).

(2)

زيادة من (غ) و (ر).

(3)

في (غ) و (ر): "والذي قصد".

(4)

في (ط): "يعني".

(5)

زيادة من (غ) و (ر).

(6)

سورة الإنسان: الآية (9).

(7)

سورة الرحمن: الآيتان: (26، 27).

(8)

الصحيح في تفسير هذه الآية هو ما ذكره الشاطبي رحمه الله قال شيخ الإسلام ابن تيمية:

من أين في ظاهر القرآن إثبات جنب واحد صفة لله ومن المعلوم أن هذا لا يثبته جميع مثبتة الصفات الخبرية، بل كثير منهم ينفون ذلك بل ينفون قول أحد منهم بذلك

والتفريط فعل أو ترك فعل، وهذا لا يكون قائماً بذات الله لا في جنب، ولا في غيره، بل يكون منفصلاً عن الله، وهذا معلوم بالحس والمشاهدة، فظاهر القرآن يدل على أن قول القائل يَا حَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ الله ليس أنه جعل فعله أو تركه في جنب يكون من صفات الله تعالى

والصحيح أن المراد التقصير في طاعة الله تعالى، لأن التفريط لا يقع في جنب الصفة، وإنما يقع في الطاعة والعبادة، هذا مستعمل في كلامهم، فلان في جنب فلان، يريدون بذلك في طاعته وخدمته والتقرب منه، ويبين صحة هذا التأويل ما في سياق الآية: فأكون من المحسنين، فأكون من المتقين، وهذا كله راجع إلى الطاعات

وقد اعتبر أحمد القرائن في مثل هذا فقال في قوله: (ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم) قال: المراد به علم الله، لأن الله افتتح الآية بالعلم، وختمها بالعلم

) انظر: مخطوط نقض أساس التقديس (3 لوحة 6 ـ لوحة 9) باختصار.

(9)

سورة الزمر: الآية (56).

(10)

زيادة من (غ) و (ر).

(11)

ما بين القوسين زيادة من (ت).

ص: 263

الْآيَةُ مَعْنَاهَا يَا حَسْرَتَا عَلَى (مَا فَرَّطْتُ)(1) فيما بيني وبين الله، إذا أضفت تفريطي إلى أمره (لي)(2) وَنَهْيِهِ إِيَّايَ.

/وَالسَّادِسُ: قَوْلُ مَنْ قَالَ فِي قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الدَّهْرُ"(3) إِنَّ هَذَا/ الَّذِي فِي الْحَدِيثِ هُوَ مَذْهَبُ الدَّهْرِيَّةِ، وَلَمْ يَعْرِفْ أَنَّ الْمَعْنَى: لَا تَسُبُّوا الدَّهْرَ (إِذَا أَصَابَتْكُمُ الْمَصَائِبَ، وَلَا تَنْسُبُوهَا إِلَيْهِ، فَإِنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي أَصَابَكُمْ بِذَلِكَ لَا الدَّهْرُ)(4)، فَإِنَّكُمْ إِذَا سَبَبْتُمُ الدَّهْرَ وَقَعَ السَّبُّ عَلَى الفاعل (في الحقيقة)(5) لَا عَلَى الدَّهْرِ، لِأَنَّ الْعَرَبَ (كَانَ) (6) مِنْ عَادَتِهَا فِي الْجَاهِلِيَّةِ أَنْ تَنْسُبَ الْأَفْعَالَ إِلَى الدَّهْرِ فَتَقُولُ: أَصَابَهُ الدَّهْرُ فِي مَالِهِ، وَنَابَتْهُ قوارع الدهر ومصائبه. فينسبون (كُلِّ)(7) شَيْءٍ تَجْرِي بِهِ أَقْدَارُ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمْ إِلَى الدَّهْرِ، فَيَقُولُونَ: لَعَنَ اللَّهُ الدَّهْرَ، (ومحق)(8) اللَّهُ الدَّهْرَ، وَأَشْبَاهُ ذَلِكَ وَإِنَّمَا يَسُبُّونَهُ لِأَجْلِ (الْفِعَالِ الْمَنْسُوبَةِ)(9) إِلَيْهِ، فَكَأَنَّهُمْ إِنَّمَا سَبُّوا الْفَاعِلَ، و (إنما)(10) الفاعل هُوَ اللَّهُ وَحْدَهُ، فَكَأَنَّهُمْ يَسُبُّونَهُ سبحانه وتعالى.

فَقَدْ ظَهَرَ بِهَذِهِ الْأَمْثِلَةِ كَيْفَ يَقَعُ الْخَطَأُ فِي الْعَرَبِيَّةِ فِي كَلَامِ اللَّهِ سبحانه وتعالى وسنة نبيه (محمد)(11) صلى الله عليه وسلم، وأن ذلك (قد)(12) يُؤَدِّي إِلَى تَحْرِيفِ الْكَلِمِ عَنْ مَوَاضِعِهِ،/ وَالصَّحَابَةُ رِضْوَانُ اللَّهِ عَلَيْهِمْ بُرَآءٌ مِنْ ذَلِكَ؛ لِأَنَّهُمْ

(1) في (ط) و (خ): ما فرطت في جنب الله أي.

(2)

زيادة من (ت) و (غ) و (ر).

(3)

أخرجه البخاري (4826 و6181 و6182 و7491)، وفي الأدب المفرد (769)، ومسلم (2246)، والحميدي في مسنده (1096)، وأحمد (2 238 و272 و275)، وأبو داود (5274)، والنسائي في السنن الكبرى (11486 و11487)، وابن حبان (5715)، والحاكم (3690 و3692)، ومسند الشهاب (920 و921)، والبيهقي في السنن الكبرى (6285 و6286).

(4)

ما بين () ساقط من (غ) و (ر).

(5)

زيادة من (ت).

(6)

ساقط من (غ) و (ر).

(7)

في (ط) و (خ) و (ت): "إلى كل".

(8)

في (ط) و (م) و (خ): ومحا وفي (غ) و (ر): "ولحى".

(9)

في (غ) و (ر): "الفعل المنسوب".

(10)

زيادة من (غ) و (ر).

(11)

ما بين القوسين ساقط من (م) و (غ) و (ر).

(12)

زيادة من (غ) و (ر).

ص: 264

عَرَبٌ لَمْ يَحْتَاجُوا فِي فَهْمِ كَلَامِ اللَّهِ تَعَالَى إِلَى أَدَوَاتٍ وَلَا تَعَلُّمٍ، ثُمَّ مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ مِمَّنْ لَيْسَ بِعَرَبِيِّ اللِّسَانِ تَكَلَّفَ ذَلِكَ حَتَّى عَلِمَهُ، وَحِينَئِذٍ دَاخَلَ الْقَوْمَ فِي فَهْمِ الشَّرِيعَةِ/ (وَتَنْزِيلِهَا)(1) عَلَى مَا يَنْبَغِي فِيهَا كسلمان الفارسي رضي الله عنه وَغَيْرِهِ، فَكُلُّ مَنِ اقْتَدَى بِهِمْ فِي تَنْزِيلِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ عَلَى الْعَرَبِيَّةِ ـ إِنْ أَرَادَ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَهْلِ الِاجْتِهَادِ ـ فَهُوَ ـ إِنْ شَاءَ اللَّهُ ـ دَاخِلٌ فِي سَوَادِهِمُ الْأَعْظَمِ، كَائِنٌ عَلَى ما كانوا عليه، فانتظم في سلك (الفرقة)(2) الناجية.

(1) في (غ) و (ر): "وتنزلها".

(2)

زيادة من (غ) و (ر).

ص: 265