الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:
إِنَّا إِذَا قُلْنَا بِأَنَّ هَذِهِ الفرق (كلها)(1) كُفَّارٌ ـ عَلَى قَوْلِ مَنْ قَالَ بِهِ ـ أَوْ يَنْقَسِمُونَ إِلَى كَافِرٍ وَغَيْرِهِ فَكَيْفَ يُعَدُّونَ مِنَ الْأُمَّةِ؟ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَقْتَضِي أَنَّ ذَلِكَ الِافْتِرَاقَ إِنَّمَا هُوَ مَعَ كَوْنِهِمْ مِنَ الْأُمَّةِ، وَإِلَّا فَلَوْ خَرَجُوا مِنَ الْأُمَّةِ/ إِلَى الْكُفْرِ لَمْ يُعَدُّوا مِنْهَا أَلْبَتَّةَ ـ كَمَا تَبَيَّنَ ـ وَكَذَلِكَ الظَّاهِرُ فِي فِرَقِ الْيَهُودِ/ وَالنَّصَارَى، أَنَّ التَّفَرُّقَ فِيهِمْ حَاصِلٌ مَعَ كَوْنِهِمْ هُودًا وَنَصَارَى؟
فَيُقَالُ فِي الْجَوَابِ عَنْ هَذَا السُّؤَالِ: إِنَّهُ يَحْتَمِلُ أَمْرَيْنِ:
أحدهما: (أن)(2) نَأْخُذُ الْحَدِيثَ عَلَى ظَاهِرِهِ فِي كَوْنِ هَذِهِ الْفِرَقِ مِنَ الْأُمَّةِ، وَمِنْ أَهْلِ الْقِبْلَةِ، وَمَنْ قيل بكفره منهم، فإما أن (نسلم)(3) فيهم هذا القول فلا (نجعلهم)(4) مِنَ الْأُمَّةِ أَصْلًا وَلَا أَنَّهُمْ/ مِمَّا يُعَدُّونَ في الفرق، وإنما نعد منهم من (لم)(5) تُخْرِجُهُ بِدَعَتُهُ إِلَى كُفْرٍ، فَإِنْ قَالَ بِتَكْفِيرِهِمْ جميعاً، فلا (نسلم)(6) أَنَّهُمُ (الْمُرَادُونَ)(7) بِالْحَدِيثِ عَلَى ذَلِكَ التَّقْدِيرِ، وَلَيْسَ فِي حَدِيثِ الْخَوَارِجِ نَصٌّ عَلَى أَنَّهُمْ مِنَ الْفِرَقِ (الدَّاخِلَةِ)(8) فِي الْحَدِيثِ، بَلْ نَقُولُ: الْمُرَادُ بِالْحَدِيثِ فِرَقٌ لَا تُخْرِجُهُمْ بِدَعُهُمْ عَنِ الْإِسْلَامِ، فَلْيُبْحَثْ عَنْهُمْ.
وَإِمَّا أَنْ (لَا نَتَّبِعَ)(9) الْمُكَفِّرَ فِي إِطْلَاقِ الْقَوْلِ بِالتَّكْفِيرِ، وَنُفَصِّلَ الْأَمْرَ إِلَى نحو مما فصله صاحب القول الثالث (ونخرج)(10) مِنَ الْعَدَدِ مِنْ حَكَمْنَا بِكُفْرِهِ، وَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ عُمُومِهِ إِلَّا مَا سَوَّاهُ مَعَ غَيْرِهِ ممن لم (يذكر)(11) في تلك العدة.
(1) زيادة من (غ) و (ر).
(2)
في (ط): "أنا".
(3)
في (ط) و (م) و (خ): "يسلم".
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "يجعلهم".
(5)
ساقطة من (م). وفي (ط) و (خ) و (ت): "لا".
(6)
في (ط) و (م) و (خ): "يسلم".
(7)
في (م): "المرودون".
(8)
في (غ) و (ر): "الداخلين".
(9)
في (م): "اتباع". وفي (غ) و (ر): "ننازع".
(10)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "ويخرج".
(11)
في (غ) و (ر): "نذكر".
وَالِاحْتِمَالُ الثَّانِي: أَنْ نَعُدَّهُمْ مِنَ الْأُمَّةِ عَلَى (طريقة)(1) لعلها تتمشى في الموضع، وذلك أن كل فرقة (من الفرق)(2)(تدعي)(3) الشريعة، (وأنها)(4) على صوبها وأنها (المتبعة لَهَا)(5) وَتَتَمَسَّكُ بِأَدِلَّتِهَا، وَتَعْمَلُ عَلَى مَا ظَهَرَ لها من (طريقها)(6)، و (هي)(7) تناصب العداوة من (نسبها)(8) إِلَى الْخُرُوجِ عَنْهَا، وَتُرْمَى بِالْجَهْلِ وَعَدَمِ الْعِلْمِ مِنْ نَاقِضِهَا، لِأَنَّهَا تَدَّعِي أَنَّ مَا ذَهَبَتْ إِلَيْهِ هُوَ الصِّرَاطُ الْمُسْتَقِيمُ دُونَ غَيْرِهِ، وَبِذَلِكَ يُخَالِفُونَ مَنْ خَرَجَ عَنِ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّ الْمُرْتَدَّ إِذَا نَسَبْتَهُ إِلَى الِارْتِدَادِ أقرَّ بهِ وَرَضِيَهُ ولم يسخطه، ولم يعادك (لِتِلْكَ)(9)(النِّسْبَةِ)(10)، كَسَائِرِ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَأَرْبَابِ النِّحَلِ الْمُخَالِفَةِ لِلْإِسْلَامِ.
بِخِلَافِ هَؤُلَاءِ الْفِرَقِ فَإِنَّهُمْ مدَّعون// (المؤالفة)(11) للشارع والرسوخ في اتباع شريعة محمد صلى الله عليه وسلم، فَإِنَّمَا وَقَعَتِ الْعَدَاوَةُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ أَهْلِ السُّنَّةِ بِسَبَبِ ادِّعَاءِ بَعْضِهِمْ عَلَى بَعْضٍ الْخُرُوجَ عَنِ السُّنَّةِ، وَلِذَلِكَ تَجِدُهُمْ مبالغين في العمل والعبادة، حتى (قال بعض الناس) (12): أَشَدِّ النَّاسِ عِبَادَةً مَفتون.
وَالشَّاهِدُ لِهَذَا كُلِّهِ ـ مَعَ اعْتِبَارِ الْوَاقِعِ ـ حَدِيثُ الْخَوَارِجِ،/ فَإِنَّهُ قَالَ عليه الصلاة والسلام:"تُحَقِّرُونَ صَلَاتَكُمْ مَعَ صَلَاتِهِمْ، وَصِيَامَكُمْ/ مَعَ صِيَامِهِمْ، وَأَعْمَالَكُمْ/ مَعَ أَعْمَالِهِمْ"(13)،/ وَفِي رواية:(يخرج من أمتي قوم يقرأون القرآن، ليس قِرَاءَتُكُمْ مِنْ قِرَاءَتِهِمْ بِشَيْءٍ وَلَا صَلَاتُكُمْ (مِنْ)(14) صلاتهم بشيء، (ولا صيامكم (من)(15) صيامهم بشيء) (16)، وهذه شدة
(1) في (غ) و (ر): "طريقتهم".
(2)
زيادة من (غ).
(3)
في (غ) و (ر): "تعدى".
(4)
في (غ) و (ر): "أنها".
(5)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "المتبعة للمتبعة لها".
(6)
في (غ) و (ر): "طريقها".
(7)
ساقط من (غ) و (ر).
(8)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "نسبتها".
(9)
في (غ) و (ر): "لأجل تلك".
(10)
في (خ): "الشبه".
(11)
في (م) و (غ) و (ر): "للموافقة".
(12)
في (ت): "بياض بمقدار كلمة". وفي (ط) و (خ): "بعض". وفي (م): "بعض الناس".
(13)
تقدم تخريجه ص114.
(14)
في (غ) و (ر): "إلى".
(15)
في (غ) و (ر): "إلى".
(16)
ما بين القوسين زيادة من (م)(غ) و (ر).
الْمُثَابَرَةِ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ، وَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ كَيْفَ يُحَكِّمُ الرِّجَالَ وَاللَّهُ يَقُولُ:{إِنِ الْحُكْمُ إِلَاّ لِلَّهِ} (1)، فَفِي ظَنِّهِمْ أَنَّ الرِّجَالَ لَا يُحَكَّمُونَ بِهَذَا الدَّلِيلِ، ثُمَّ قَالَ عليه الصلاة والسلام: يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ يَحْسَبُونَ أَنَّهُ لَهُمْ وَهُوَ عَلَيْهِمْ لَا تجاوز (صلاتهم)(2) تراقيهم) (3).
فقوله صلى الله عليه وسلم: "يحسبون أنه لهم" واضح فيما قلنا، (من)(4) إِنَّهُمْ يَطْلُبُونَ اتِّبَاعَهُ بِتِلْكَ الْأَعْمَالِ لِيَكُونُوا مِنْ أهله، وليكون حجة (لهم)(5)، فحين (حرَّفوا)(6) تأويله وخرجوا عن الجادة (فيه)(7) كَانَ عَلَيْهِمْ لَا لَهُمْ.
وَفِي مَعْنَى ذَلِكَ من قول ابن مسعود رضي الله عنه قَالَ: (وَسَتَجِدُونَ أَقْوَامًا يَزْعُمُونَ أَنَّهُمْ يَدْعُونَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَقَدْ نَبَذُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ، عَلَيْكُمْ بالعلم وإياكم (والتبدع)(8) والتعمق، وعليكم بِالْعَتِيقِ) (9)، فَقَوْلُهُ: يَزْعُمُونَ كَذَا، دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُمْ عَلَى الشَّرْعِ فِيمَا يَزْعُمُونَ.
وَمِنَ الشَّوَاهِدِ أَيْضًا حديث أبي هريرة رضي الله عنه: أن رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم خَرَجَ إِلَى الْمَقْبَرَةِ فَقَالَ: (السَّلَامُ عَلَيْكُمْ دَارَ قَوْمٍ مُؤْمِنِينَ، وَإِنَّا إِنْ شَاءَ اللَّهُ بِكُمْ لَاحِقُونَ، وَدِدْتُ أَنِّي قَدْ رَأَيْتُ إِخْوَانَنَا ـ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ/ أَلَسْنَا (إِخْوَانَكَ)(10)؟ / قَالَ: بَلْ أَنْتُمْ أَصْحَابِي وَإِخْوَانُنَا الَّذِينَ لَمْ يَأْتُوا بَعْدُ، وَأَنَا
(1) سورة يوسف: الآية (40).
(2)
في (ت): "بياض بمقدار كلمة".
(3)
تقدم تخريجه (3/ 114).
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "ثم".
(5)
ساقط من (م).
(6)
في (ط) و (خ): "سرفوا". وفي (غ) و (ر): "تحرفوا".
(7)
زيادة من (م) و (خ) و (غ) و (ر).
(8)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "والبدع".
(9)
أخرجه معمر بن راشد في جامعه (20465)، والدارمي في سننه (142 و143)، وابن وضاح في البدع والنهي عنها (25)، وابن نصر في السنة (85)، والطبراني في الكبير (8845)، والخطيب في الفقيه والمتفقه (1 43)، وابن عبد البر في جامع بيان العلم (2363)، واللالكائي (108)، كلهم من طريق أبي قلابة عن ابن مسعود، وهو منقطع. وأخرجه البيهقي في المدخل (388)، بسند صحيح متصل من طريق عائذ الله الخولاني عن ابن مسعود.
(10)
ساقطة من (م) و (خ) و (ت). وفي (غ) و (ر): "بإخوانك".
(فرطهم)(1) عَلَى الْحَوْضِ. قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ كَيْفَ تَعْرِفُ مَنْ يَأْتِي بَعْدَكَ مِنْ أُمَّتِكَ؟ قَالَ: (أرأيت)(2) لو كان (لرجل)(3) خَيْلٌ غرٌّ مُحَجَّلَةٌ فِي خَيْلٍ دُهم بُهْمٍ، أَلَا يَعْرِفُ خَيْلَهُ؟ قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، قَالَ: فَإِنَّهُمْ يَأْتُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ غُرًّا مُحَجَّلِينَ مِنَ الْوُضُوءِ، وَأَنَا فَرَطُهُمْ عَلَى الْحَوْضِ، فليذادَنَّ رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي كَمَا يُذَادُ الْبَعِيرُ الضَّالُّ، أُنَادِيهِمْ: أَلَا هَلُمَّ أَلَا هَلُمَّ، فَيُقَالُ:(إِنَّهُمْ)(4) قَدْ بَدَّلُوا بَعْدَكَ، فَأَقُولُ: فَسُحْقًا فَسُحْقًا (5).
فَوَجْهُ الدَّلِيلِ مِنَ الْحَدِيثِ أَنَّ قَوْلَهُ: (فليذادَن رِجَالٌ عَنْ حَوْضِي) إِلَى قَوْلِهِ: (أُنَادِيهِمْ أَلَا هَلُمَّ) مُشْعِرٌ بِأَنَّهُمْ مِنْ أُمَّتِهِ، وَأَنَّهُ عَرَفَهُمْ، وقد بين (أنه يعرفهم)(6) / بِالْغُرَرِ وَالتَّحْجِيلِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ دعاهم ـ وقد كانوا بدَّلوا ـ ذو غُرَرٍ وَتَحْجِيلٍ وَذَلِكَ مِنْ خَاصِّيَّةِ هَذِهِ الْأُمَّةِ/ فَبَانَ أَنَّهُمْ مَعُدُودُونَ مِنَ الْأُمَّةِ، وَلَوْ حُكِمَ لَهُمْ بِالْخُرُوجِ مِنَ الْأُمَّةِ لَمْ يَعْرِفْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِغُرَّةٍ أَوْ تَحْجِيلٍ لِعَدَمِهِ عِنْدَهُمْ.
وَلَا عَلَيْنَا أَقُلْنَا: إِنَّهُمْ (قد)(7) خرجوا ببدعتهم عن الأمة أو لا، إذا أَثْبَتْنَا لَهُمْ وَصْفَ الِانْحِيَاشِ إِلَيْهَا.
وَفِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: ((فَيُؤْخَذُ)(8) بِقَوْمٍ مِنْكُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ، فَأَقُولُ: يا رب أصحابي. قَالَ: فَيُقَالُ: (إِنَّكَ)(9) لَا تَدْرِي مَا أَحْدَثُوا (بَعْدَكَ)(10)، فَأَقُولُ كَمَا قَالَ الْعَبْدُ الصَّالِحُ:{وَكُنْتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ} إلى قوله:
(1) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فرطكم".
(2)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "أرأيتم".
(3)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لأحدكم".
(4)
زيادة من (غ) و (ر).
(5)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فسحقاً فسحقاً فسحقاً"، والحديث تقدم تخريجه (1 124).
(6)
في (ط) و (خ): "أنهم". وفي (ت): "أنه عرفهم".
(7)
زيادة من (غ) و (ر).
(8)
في (غ) و (ر): "ثم يؤخذ".
(9)
زيادة من (غ) و (ر).
(10)
في (م): "بعدك إنهم".