المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

وكل من (لا يهتدي) (1) بِهَدْيِهِ وَلَا يَسْتَنُّ بسنَّته فَإِمَّا - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - جـ ٣

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَابُ الثَّامِنُفِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ المرسلة والاستحسان

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ الْبَابُ التَّاسِعُفِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَتْ فرق المبتدعةعن (جماعة المسلمين)

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌المسألة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ (عَشْرَةَ)

- ‌المسألة الثانية عشرة

- ‌المسألة/ الثالثة/ عشرة

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌المسألة الخامسة عشرة

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌المسألة العشرون:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌المسألة الثانية والعشرون:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌المسألة السادسة والعشرون:

- ‌الباب العاشرفِي بَيَانِ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْ عنه سبل أَهْلِ الِابْتِدَاعِ فضلَّت عَنِ الْهُدَى بَعْدَ الْبَيَانِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الملاحقتعريف الفرق الواردة في الباب التاسع في المسألة السابعة

الفصل: وكل من (لا يهتدي) (1) بِهَدْيِهِ وَلَا يَسْتَنُّ بسنَّته فَإِمَّا

وكل من (لا يهتدي)(1) بِهَدْيِهِ وَلَا يَسْتَنُّ بسنَّته فَإِمَّا إِلَى بِدْعَةٍ أَوْ مَعْصِيَةٍ، فَلَا اخْتِصَاصَ بِأَحَدِهِمَا، غَيْرَ أَنَّ الْأَكْثَرَ فِي نَقْلِ أَرْبَابِ الْكَلَامِ وَغَيْرِهِمْ أَنَّ الْفِرْقَةَ الْمَذْكُورَةَ إِنَّمَا هِيَ بِسَبَبِ الِابْتِدَاعِ/ فِي الشَّرْعِ عَلَى الْخُصُوصِ، وَعَلَى ذَلِكَ حُمِلَ الْحَدِيثُ مَنْ تَكَلَّمَ عَلَيْهِ مِنَ الْعُلَمَاءِ، وَلَمْ يعدُّوا منها المفترقين بسبب المعاصي التي ليست ببدع، وَعَلَى ذَلِكَ يَقَعُ التَّفْرِيعُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ.

‌المسألة الثالثة:

إن هذه الفرق (تحتمل)(2) مِنْ جِهَةِ النَّظَرِ أَنْ يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْمِلَّةِ بِسَبَبِ مَا أَحْدَثُوا، فَهُمْ قَدْ فَارَقُوا أهل الإسلام بإطلاق، وليس ذلك إلا (إلى)(3) الكفر، إِذْ لَيْسَ بَيْنَ الْمَنْزِلَتَيْنِ مَنْزِلَةٌ/ ثَالِثَةٌ تُتَصَوَّرُ.

/وَيَدُلُّ (عَلَى)(4) هَذَا الِاحْتِمَالِ ظَوَاهِرُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (5)، وهي آية أنزلت ـ عند المفسرين ـ في أهل البدع، ويوضحه (قراءة) (6) من قرأ:"إن الذين فارقوا دينهم"(7)، وَالْمُفَارَقَةُ لِلدِّينِ بِحَسَبِ الظَّاهِرِ إِنَّمَا هِيَ الْخُرُوجُ عَنْهُ، وَقَوْلُهُ:{فَأَمَّا الَّذِينَ اسْوَدَّتْ وُجُوهُهُمْ أَكَفَرْتُمْ بَعْدَ إِيمَانِكُمْ} (8) الآية، وهي عند

=و298 و309 و310 و345 و354 و361)، وابن حبان في الصحيح (282 و283 و285)، وأخرجه من حديث ابن عمر: أحمد في المسند (2 95)، وأخرجه من حديث خباب بن الأرت: الطبراني في الكبير (3627)، وابن حبان (284)، وأخرجه من حديث أبي سعيد الخدري: الطيالسي (2223)، وأبو يعلى (1187 و1286)، وابن حبان (286)، وأخرجه من حديث عبد الرحمن بن سمرة: الحاكم (7162)، وأخرجه من حديث حذيفة بن اليمان: الطبراني في الكبير (3020).

(1)

في (ط) و (خ) و (ت): "لم يهتد".

(2)

في (غ) و (ر): "يحتمل".

(3)

زيادة من (غ) و (ر).

(4)

زيادة من (غ) و (ر).

(5)

سورة الأنعام: الآية (159).

(6)

زيادة من (غ) و (ر).

(7)

قرأ حمزة والكسائي (فارقوا) وهي قراءة علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقرأ الباقون بالتشديد، وهي قراءة ابن مسعود، وقرأ النخعي بالتخفيف. انظر: جامع البيان (12 268)، والقرطبي (7 97)، وفتح القدير (2 183).

(8)

سورة آل عمران: الآية (106).

ص: 129

الْعُلَمَاءِ مُنَزَّلَةٌ فِي أَهْلِ الْقِبْلَةِ وَهُمْ أَهْلُ البدع (1)، وهذا كالنص (في الكفر)(2)، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْآيَاتِ.

وَأَمَّا الْحَدِيثُ فقوله صلى الله عليه وسلم: "لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بعض"(3)، وهذا نص (أيضاً)(4) في كفر من قيل ذلك فيه (5).

(1) اختلف المفسرون في تفسير هذه الآية على عدة أقوال:

(أ) فقيل أنها في اليهود والنصارى؛ وهو قول ابن عباس ومجاهد وقتادة والسدي والضحاك.

(ب) وقيل أنها نزلت في أهل البدع من هذه الأمة، وهو قول أبي هريرة.

(ج) وقيل: أنها في المشركين عامة؛ عبد بعضهم الصنم وبعضهم الملائكة، قاله الحسن. انظر: تفسير ابن جرير (12 269 ـ 271)، والقرطبي (7 97)، وزاد المسير (3 158 ـ 159).

وقال ابن كثير: والظاهر أن الآية عامة في كل من فارق دين الله وكان مخالفاً له؛ فإن الله بعث رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله، وشرعه واحد لا اختلاف فيه ولا افتراق، فمن اختلف فيه وكانوا شيعاً؛ أي فرقاً، كأهل الملل والنحل والأهواء والضلالات، فإن الله تعالى قد برأ رسوله صلى الله عليه وسلم مما هم فيه. انظر: ابن كثير (2 197).

(2)

زيادة من (غ) و (ر).

(3)

أخرجه البخاري (7077، 6868، 6166، 4403)، ومسلم (66)، والطيالسي (664 و859)، وأحمد (1 402) و (2 85 و87 و104) و (4 351 و358 و363 و366) و (5 44 و45)، والدارمي في السنن (1921)، وابن ماجه (3943)، والترمذي (2193)، وأبو داود برقم (4686)، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (1567)، والنسائي في المجتبى (4125 ـ 4132)، وفي السنن الكبرى (3590 ـ 3597) و (5882)، وأبو يعلى (1452 و3946 و5326 و5592 و6832 و7366 و7490)، والطبراني في الصغير (428) وفي الكبير (2277 و2402 و7414 و7619 و10301 و13121 و135340) وفي مسند الشاميين (546)، وابن حبان (187 و5940) والبيهقي في السنن الكبرى (9397 و16568).

(4)

زيادة من (غ) و (ر).

(5)

الكفر هنا مفسراً بقوله: يضرب بعضكم رقاب بعض. قال شيخ الإسلام ابن تيمية: وروى مسلم في صحيحه

عن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "اثنتان في الناس هما بهم كفر؛ الطعن في النسب، والنياحة على الميت)، فقوله:(هما بهم كفر) أي هاتان الخصلتان هما كفر قائم بالناس فنفس الخصلتين كفر، حيث كانتا في أعمال الكفار، وهما قائمتان بالناس، لكن ليس كل من قام به شعبة من شعب الكفر=

ص: 130

وفسره الحسن بما تقدم (1) في قوله: (يصبح مُؤْمِنًا وَيُمْسِي كَاَفِرًا، وَيُمْسِي مُؤْمِنًا وَيُصْبِحُ كَاَفِرًا)(2) الْحَدِيثَ، وَقَوْلِهِ عليه الصلاة والسلام فِي الْخَوَارِجِ:(دَعْهُ/ فَإِنَّ لَهُ (أَصْحَابًا)(3) يُحَقِّرُ أَحَدُكُمْ صَلَاتَهُ مع صلاتهم وصيامه مع صيامهم، يقرأون الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنِ الْإِسْلَامِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرميَّة، يَنْظُرُ إِلَى نَصْلِهِ (4) فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى رِصَافِهِ (4) فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ، ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى نَضِيِّهِ (4) فَلَا يُوجَدُ فِيهِ شَيْءٌ ـ وَهُوَ القِدْح (4) ـ ثُمَّ يَنْظُرُ إِلَى قُذَذِهِ (4) فَلَا يوجد فيه

=يصير كافراً الكفر المطلق؛ حتى تقوم به حقيقة الكفر، كما أنه ليس كل من قام به شعبة من شعب الإيمان يصير مؤمناً حتى يقوم به أصل الإيمان، وفرق بين الكفر المعرّف باللام، كما في قوله صلى الله عليه وسلم: "ليس بين العبد وبين الكفر أو الشرك إلا ترك الصلاة)، وبين كفر منكر في الإثبات.

وفرق أيضاً بين معنى الاسم المطلق إذا قيل: كافر أو مؤمن، وبين المعنى المطلق للاسم في جميع موارده، كما في قوله:(لَا تَرْجِعُوا بَعْدِي كُفَّارًا يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بعض)، فقوله:(يضرب بعضكم رقاب بعض) تفسير الكفار في هذا الموضع، وهؤلاء يسمون كفاراً تسمية مقيدة، ولا يدخلون في الاسم المطلق إذا قيل كافر ومؤمن. انظر: اقتضاء الصراط المستقيم (1 207 ـ 209). وقد ذكر ابن حجر في تفسير لفظة كفار في هذا الحديث عشرة أقوال. انظر: فتح الباري (12 201 ـ 202)(13 30)، وانظر: شرح النووي على صحيح مسلم (2 55)، وشرح السنة للبغوي (10 221 ـ 222).

(1)

انظر: الاعتصام ـ طبعة رشيد رضا ـ (2 76).

(2)

أخرجه مسلم (118)، وأبو داود الطيالسي (803)، وأحمد (2 303 و372 و390 و523) و (4 272 و416)، والدارمي (338)، وابن ماجه (2954 و3961)، والترمذي (2195 و2197)، وأبو داود (4259 و4262)، وأبو يعلى (1523 و4260)، والطبراني في الكبير (1724 و7910 و8135 و11075) و (17 352 برقم 703)، وفي مسند الشاميين (1236)، وابن حبان (5962 و6704)، والحاكم (6234 و6263 و8354 و8355 و8360)، والبيهقي في السنن الكبرى (16577).

(3)

في (م): "أصحاب".

(4)

النصل: حديدة السهم. والرصاف: عقب يلوى على موضع الفوق، وعلى مدخل النصل من السهم. والنضي: ما بين النصل والريش من القِدْح. والقدح بكسر القاف وسكون الدال. والقذذ: الريش يراش به السهم. انظر: فتح الباري (6 715) وشرح السنة (10/ 226).

واختلف أهل العلم في قوله صلى الله عليه وسلم: "يمرقون من الدين" هل المقصود به الخروج من=

ص: 131

شيء (سبق)(1) الفرث والدم) (2)، فانظر إلى قوله:(سبق)(3) الْفَرْثِ وَالدَّمِ. فَهُوَ الشَّاهِدُ/ عَلَى أَنَّهُمْ دَخَلُوا في الإسلام (فلم)(4) يَتَعَلَّقُ بِهِمْ مِنْهُ شَيْءٌ.

وَفِي رِوَايَةِ أَبِي ذَرٍّ رضي الله عنه: ((سَيَكُونُ)(5) بَعْدِي مِنْ أُمَّتِي قَوْمٌ يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ حَلَاقِيمَهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الدِّينِ كَمَا يَخْرُجُ السَّهْمُ مِنَ الرميَّة ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ، هُمْ شَرُّ الْخَلْقِ وَالْخَلِيقَةِ) (6)، إِلَى/ غَيْرِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحَادِيثِ (التي ظاهرها الخروج من الإسلام جملة. ولا (تقولن)(7)(إن)(8) هذه الْأَحَادِيثِ) (9) إِنَّمَا هِيَ (فِي)(10) قَوْمٍ بِأَعْيَانِهِمْ/ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا عَلَى غَيْرِهِمْ، لِأَنَّ الْعُلَمَاءَ (اسْتَدَلُّوا/ بِهَا)(11) عَلَى جَمِيعِ أَهْلِ الْأَهْوَاءِ، كَمَا اسْتَدَلُّوا بِالْآيَاتِ.

وَأَيْضًا فَالْآيَاتُ إِنْ دَلَّتْ بِصِيَغِ عُمُومِهَا فَالْأَحَادِيثُ تَدُلُّ بِمَعَانِيهَا لِاجْتِمَاعِ الْجَمِيعِ فِي الْعِلَّةِ.

فَإِنْ قِيلَ: الْحُكْمُ بِالْكُفْرِ وَالْإِيمَانِ رَاجِعٌ إِلَى (أحكام)(12) الْآخِرَةِ، وَالْقِيَاسُ لَا يَجْرِي فِيهَا. فَالْجَوَابُ: إِنَّ كَلَامَنَا فِي الْأَحْكَامِ (الدُّنْيَوِيَّةِ)(13) وَهَلْ (يُحكم)(14) لَهُمْ بِحُكْمِ الْمُرْتَدِّينَ أَمْ لَا؟ وَإِنَّمَا أَمْرُ الْآخِرَةِ لله، لقوله

=الإسلام، أم المقصود الخروج عن طاعة الأئمة. انظر تفصيل ذلك في: فتح الباري (6 714 ـ 716)(8 718 ـ 719)(12 301)، وشرح السنة للبغوي (10 224 ـ 226).

(1)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "من".

(2)

تقدم تخريجه (3/ 114).

(3)

في (ط) و (خ) و (ت): "من".

(4)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "فلا".

(5)

في (غ) و (ر): "وتكون".

(6)

تقدم تخريجه (3/ 114).

(7)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "يقولن".

(8)

زيادة من (غ) و (ر).

(9)

ما بين القوسين زيادة من (م) و (غ) و (ر).

(10)

ما بين القوسين ساقط من (ط).

(11)

في (ت) و (غ) و (ر): "بها استدلوا".

(12)

في (م): "أحدكم". وفي (ط) و (خ) و (ت): "حكم".

(13)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الدنياوية".

(14)

في (غ) و (ر): "تحكم".

ص: 132

تَعَالَى: {إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ إِنَّمَا أَمْرُهُمْ إِلَى اللَّهِ ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا كَانُوا يَفْعَلُونَ *} (1).

ويحتمل (ألا)(2) يَكُونُوا خَارِجِينَ عَنِ الْإِسْلَامِ جُمْلَةً، وَإِنْ كَانُوا قَدْ خَرَجُوا عَنْ جُمْلَةٍ مِنْ شَرَائِعِهِ وَأُصُولِهِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ جَمِيعُ مَا تَقَدَّمَ فِيمَا قَبْلَ هَذَا الْفَصْلِ، فَلَا فَائِدَةَ فِي الْإِعَادَةِ، وَيَحْتَمِلُ وَجْهًا ثَالِثًا، وَهُوَ أَنْ (يَكُونَ مِنْهُمْ من)(3) فارق الإسلام (لكون)(4) مقالته (كفراً)(5)(أو)(6) تؤدي معنى الكفر (الصراح)(7)، وَمِنْهُمْ مَنْ (لَمْ)(8) يُفَارِقْهُ، بَلِ انْسَحَبَ عَلَيْهِ حُكْمُ الْإِسْلَامِ وَإِنْ عَظُمَ مَقَالُهُ وَشُنِّعَ مَذْهَبُهُ، لَكِنَّهُ لَمْ يَبْلُغْ بِهِ مَبْلَغَ الْخُرُوجِ إِلَى الْكُفْرِ الْمَحْضِ وَالتَّبْدِيلِ/ الصَّرِيحِ.

وَيَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ الدَّلِيلُ بِحَسْبِ كُلِّ نَازِلَةٍ، وَبِحَسْبِ كُلِّ بِدْعَةٍ، إِذْ لَا (شَكَّ)(9) فِي أَنَّ الْبِدَعَ يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْهَا مَا هُوَ كُفْرٌ كَاتِّخَاذِ الْأَصْنَامِ لِتُقَرِّبَهُمْ إِلَى/ اللَّهِ زُلْفَى، وَمِنْهَا مَا لَيْسَ بِكُفْرٍ كَالْقَوْلِ بِالْجِهَةِ (10) عِنْدَ جَمَاعَةٍ، وَإِنْكَارِ (الإجماع وإنكار)(11) القياس (12) / وما أشبه ذلك.

(1) سورة الأنعام: الآية (159).

(2)

ما بين القوسين ساقط من (م) و (خ) و (ت)، وفي (ط):"أن ألا".

(3)

في (ط) و (خ) و (ت): "يكونوا هم ممن". وفي (م): "يكونوا هم من".

(4)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لكن".

(5)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "كفر".

(6)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "و".

(7)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الصريح".

(8)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لا".

(9)

في (غ) و (ر): "يشك".

(10)

لفظ الجهة من الألفاظ المجملة، فيقال لمن قال: إن الله في جهة، أتريد بذلك أن الله عز وجل فوق العالم، أو تريد به أن الله داخل في شيء من المخلوقات. فإن أراد الأول فهو حق، وإن أراد الثاني فهو باطل. انظر: التدمرية (ص65 ـ 67).

(11)

ساقط من (غ) و (ر).

(12)

الذين أنكروا الإجماع هم: الشيعة والخوارج والنظَّام من المعتزلة. انظر: نشر البنود=

ص: 133

ولقد فصل بعض (متأخري الأصوليين)(1) فِي التَّكْفِيرِ تَفْصِيلًا فِي هَذِهِ الْفِرَقِ، فَقَالَ: مَا كَانَ مِنَ الْبِدَعِ رَاجِعًا إِلَى اعْتِقَادِ وجود إله مع الله، كقول السبائية (2) في علي رضي الله عنه: إنه (الإله)(3)، أو (حلول) (4) الْإِلَهِ فِي بَعْضِ أَشْخَاصِ النَّاسِ كَقَوْلِ (الْجَنَاحِيَّةِ) (5): إن (الإله تبارك وتعالى (6) لَهُ رُوحٌ يَحُلُّ فِي بَعْضِ بَنِي آدَمَ وَيَتَوَارَثُ، أَوْ (إِنْكَارِ رِسَالَةِ) (7) /مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم كَقَوْلِ الْغُرَابِيَّةِ (8): إِنَّ جِبْرِيلَ غَلِطَ فِي الرِّسَالَةِ فَأَدَّاهَا إِلَى مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وعلي

=لعبد الله الشنقيطي (2 101 ـ 102)، ومذكرة أصول الفقه للشنقيطي (ص151).

وأما إنكار القياس، فأول من أنكره إبراهيم بن سيار النظام المعتزلي، وتبعه على ذلك جعفر بن حرب، وجعفر بن مبشر، ومحمد بن عبد الله الإسكافي، وأنكره كذلك ابن حزم الظاهري، وأما داود الظاهري فهو لا ينكر القياس الجلي، وإنما ينكر القياس الخفي، انظر: جامع بيان العلم (2 77 ـ 78)، ورسالة: الإمام داود الظاهري وأثره في الفقه الإسلامي. لعارف أبو عيد (ص139 ـ 141).

(1)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "المتأخرين".

(2)

في (م) و (خ): "الينانية". وفي (ت): "الإمامية". والسبئية هم: أتباع عبد الله بن سبأ اليهودي، الذي غلا في علي رضي الله عنه، وادعى أن علياً كان نبياً ثم زعم أنه إله، وقال له: أنت أنت. يعني أنت الإله. وزعم أن علياً لم يمت وأنه يجيء في السحاب والرعد صوته، والبرق تبسمه، وأنه سيرجع إلى الأرض فيملؤها عدلاً كما ملئت جوراً. وهم أول فرقة قالت بالغيبة والرجعة، وبتناسخ الجزء الإلهي في الأئمة بعد علي رضي الله عنه. انظر: الفرق بين الفرق (ص233)، ومقالات الإسلاميين (ص15)، والملل والنحل (1 174).

(3)

في (ط) و (خ): "إله".

(4)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "خلق".

(5)

في (م) و (خ) و (ت): "الحماحمة". والصواب الجناحية: وهم أصحاب عبد الله بن معاوية بن عبد الله بن جعفر ذي الجناحين، من غلاة فرق الشيعة، يزعمون أن عبد الله بن معاوية كان يدعي أن العلم ينبت في قلبه كما تنبت الكمأة والعشب، وقالوا بالتناسخ، وهم يكفرون بالقيامة، ويستحلون المحارم. انظر: مقالات الإسلاميين (ص6)، والفرق بين الفرق (ص235 ـ 236).

(6)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الله تعالى".

(7)

في (غ) و (ر): "إنكاراً لرسالة".

(8)

الغرابية: هم القائلون بأن محمداً صلى الله عليه وسلم أشبه الناس بعلي من الغراب بالغراب، وهذه سبب تسميتهم بالغرابية، وأن جبريل بعث بالرسالة إلى علي فأخطأ بها إلى محمد صلى الله عليه وسلم، ثم افترقت عدة فرق بعد ذلك. انظر: البرهان للسكسكي (ص71 ـ 72).

ص: 134

كان صاحبها، أو استباحة (شيء من)(1) الْمُحَرَّمَاتِ وَإِسْقَاطِ الْوَاجِبَاتِ، وَإِنْكَارِ مَا جَاءَ بِهِ الرسول كأكثر الغلاة من/ الشيعة (2)، (فمما)(3) لَا يَخْتَلِفُ الْمُسْلِمُونَ فِي التَّكْفِيرِ بِهِ، وَمَا سِوَى ذَلِكَ مِنَ الْمَقَالَاتِ فَلَا يَبْعَدُ أَنْ يكون معتقدها (مبتدعاً) / غَيْرَ كَافِرٍ.

وَاسْتُدِلَّ عَلَى ذَلِكَ بِأُمُورٍ كَثِيرَةٍ لَا حَاجَةَ إِلَى إِيرَادِهَا، وَلَكِنَّ الَّذِي كُنَّا نَسْمَعُهُ مِنَ الشُّيُوخِ أَنَّ (مَذْهَبَ) (4) الْمُحَقِّقِينَ مِنْ أَهْلِ الْأُصُولِ: أَنَّ الْكُفْرَ بِالْمَآلِ لَيْسَ بِكُفْرٍ فِي الْحَالِ (5). كَيْفَ (وَالْكَافِرُ)(6) يُنْكِرُ ذَلِكَ الْمَآلَ أشد الإنكار ويرمي مخالفه به، (فلو)(7) تَبَيَّنَ لَهُ وَجْهُ (لُزُومِ)(8) الْكُفْرِ مِنْ مَقَالَتِهِ لَمْ يَقُلْ بِهَا عَلَى حَالٍ.

/وَإِذَا تَقَرَّرَ نَقْلُ الْخِلَافِ فَلْنَرْجِعْ إِلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْحَدِيثُ الذي نحن (بصدد شرحه)(9) مِنْ هَذِهِ (الْمَقَالَاتِ)(10).

أَمَّا مَا صَحَّ مِنْهُ فلا دليل (فيه)(11) عَلَى شَيْءٍ، لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ إِلَّا تَعْدِيدُ الفرق خاصة. وَأَمَّا عَلَى رِوَايَةِ مَنْ قَالَ فِي حَدِيثِهِ:(كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً)(12)، فَإِنَّمَا يَقْتَضِي إِنْفَاذَ الْوَعِيدِ ظَاهِرًا، وَيَبْقَى الْخُلُودُ وَعَدَمُهُ مَسْكُوتًا

(1) زيادة من (غ) و (ر).

(2)

غلاة الشيعة: هم الذين غلوا في حق أئمتهم حتى أخرجوهم من حدود الخليقية، وحكموا فيهم بأحكام الإلهية، وأخذوا شبههم من اليهود والنصارى والتناسخية والحلولية، وبدع الفرق الغالية تنحصر في أربع: التشبيه، والبداء، والرجعة، والتناسخ. وعدها الشهرستاني أحد عشر فرقة، أشهرها: السبئية، والمغيرية، والمنصورية والخطابية، والنعمانية. انظر: الملل والنحل (1 173 ـ 190)، والفرق بين الفرق (53 ـ 71)، ودراسات عن الفرق للدكتور أحمد جلي (ص163 ـ 177).

(3)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "مما".

(4)

زيادة من (م) و (غ) و (ر).

(5)

في (غ) و (ر): "مذاهب".

(6)

انظر حاشية رقم (4)(ص115).

(7)

في (م): "والكفر"، و (غ) و (ر):"المكفر".

(8)

زيادة من (م) و (خ) و (غ) و (ر).

(9)

ما بين القوسين ساقط من (ت).

(10)

في (ط) و (خ): "بصدده".

(11)

في (غ) و (ر): "المقالات الثلاث".

(12)

زيادة من (غ) و (ر).

(13)

تقدم تخريجه (3/ 122).

ص: 135