الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قَالَ: {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا} (1)، فبين أن (التآلف)(2) إِنَّمَا/ يَحْصُلُ عِنْدَ الِائْتِلَافِ عَلَى التَّعَلُّقِ بِمَعْنًى واحد، وأما إذا تعلق كُلُّ شِيعَةٍ بِحَبْلٍ غَيْرِ مَا تَعَلَّقَتْ بِهِ الْأُخْرَى فَلَا بُدَّ مِنَ التَّفَرُّقِ، وَهُوَ مَعْنَى قوله تعالى:{وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ} (3).
وإذا (تبين هذا تنزل)(4) عَلَيْهِ لَفْظُ الْحَدِيثِ وَاسْتَقَامَ مَعْنَاهُ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.
الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:
إِنَّ هَذِهِ الْفِرَقَ إِنْ كَانَتِ/ افترقت بسببٍ مُوقِعٍ في العداوة وَالْبَغْضَاءِ، فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ رَاجِعًا (إِلَى أَمْرٍ)(5) هُوَ مَعْصِيَةٌ غَيْرُ بِدْعَةٍ (وَمِثَالُهُ أَنْ يَقَعَ بين أهل الإسلام افتراق بسبب دنياوي)(6)، كَمَا يَخْتَلِفُ/ مَثَلًا أَهْلُ قَرْيَةٍ مَعَ قَرْيَةٍ أُخْرَى بِسَبَبِ تَعَدٍّ فِي مَالٍ أَوْ دَمٍ، حتى تقع بينهم العداوة فَيَصِيرُوا حِزْبَيْنِ، أَوْ يَخْتَلِفُونَ فِي تَقْدِيمِ والٍ (أو عزل وَالٍ)(7) أَوْ غَيْرِ ذَلِكَ (فَيَفْتَرِقُونَ)(8)، وَمِثْلُ هَذَا مُحْتَمَلٌ، وَقَدْ يُشْعَرُ بِهِ (مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيد شبر (فمات)(9) فَمِيتَتُهُ جَاهِلِيَّةٌ) (10)، وَفِي مِثْلِ (هَذَا) (11) جَاءَ فِي الحديث:(إذا بويع الخليفتين)(12) فَاقْتُلُوا الْآخَرَ مِنْهُمَا) (13)، وَجَاءَ فِي الْقُرْآنِ الْكَرِيمِ: {وَإِنْ
(1) سورة آل عمران: الآية (103).
(2)
في (م) و (خ): "التأليف".
(3)
سورة الأنعام: الآية (153).
(4)
في سائر النسخ ما عدا (غ): "ثبت هذا نزل".
(5)
في (ت): "لأمر".
(6)
ساقط من (غ) و (ر).
(7)
زيادة من (غ) و (ر).
(8)
في (ت) و (غ) و (ر): "فيتفرقون".
(9)
زيادة من (غ) و (ر).
(10)
أخرجه البخاري (7054 و7143)، ومسلم (1849)، وأبو داود الطيالسي في مسنده (1162)، وأحمد في مسنده (2 133)(3 445 و446)(5 180)، والدارمي (2519)، والترمذي (2862)، وأبو يعلى (1571 و7203)، وابن خزيمة في الصحيح (1895)، والطبراني في الكبير (3427)، وابن حبان في الصحيح (6233)، والحاكم (401 و408 و1534)، والقضاعي في المسند (448 و450)، والبيهقي في السنن الكبرى (16391).
(11)
في (غ) و (ر): "ذلك".
(12)
في (ط) و (خ) و (ت): "الخليفتان".
(13)
أخرجه مسلم (1853)، والحاكم (2665)، والبيهقي في السنن الكبرى (16324).
طَائِفَتَانِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ اقْتَتَلُوا فَأَصْلِحُوا بَيْنَهُمَا} (1) إِلَى آخِرِ الْقِصَّةِ.
/وَأَمَّا أَنْ يَرْجِعَ إِلَى أَمْرٍ هُوَ بِدْعَةٌ، كَمَا افْتَرَقَ الْخَوَارِجُ (مِنَ)(2) الْأُمَّةِ (بِبِدَعِهِمُ)(3) الَّتِي بَنَوْا عَلَيْهَا فِي الْفِرْقَةِ، وكالمهدي المغربي (4) الخارج (على)(5) الْأُمَّةِ نَصْرًا لِلْحَقِّ فِي زَعْمِهِ، فَابْتَدَعَ أُمُورًا سِيَاسِيَّةً وَغَيْرَهَا خَرَجَ بِهَا عَنِ السُّنَّةِ ـ كَمَا تَقَدَّمَتِ الْإِشَارَةُ إِلَيْهِ/ قَبْلُ ـ وَهَذَا هُوَ الَّذِي تُشِيرُ إِلَيْهِ الْآيَاتُ الْمُتَقَدِّمَةُ وَالْأَحَادِيثُ، لِمُطَابَقَتِهَا لِمَعْنَى الْحَدِيثِ، وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَيَانِ مَعًا.
فَأَمَّا الْأَوَّلُ فَلَا أَعْلَمُ قَائِلًا بِهِ، وَإِنْ كَانَ (مُمْكِنًا فِي نَفْسِهِ)(6) إِذْ لَمْ أَرَ أَحَدًا خص هذه (الفرقة)(7) بِمَا إِذَا افْتَرَقَتِ الْأُمَّةُ بِسَبَبِ أَمْرٍ (دُنْيَوِيٍّ)(8) لَا بِسَبَبِ (بِدْعَةٍ)(9)، وَلَيْسَ ثَمَّ دَلِيلٌ يَدُلُّ على التخصيص، لأن قوله صلى الله عليه وسلم:"مَنْ فَارَقَ الْجَمَاعَةَ قِيد شِبْرٍ"(10) الْحَدِيثَ، لَا يَدُلُّ عَلَى الْحَصْرِ، وكذلك (إذا بويع (لخليفتين) فاقتلوا الآخر منهما) (11)، وقد اختلف العلماء فِي الْمُرَادِ بِالْجَمَاعَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْحَدِيثِ حَسْبَمَا يَأْتِي، فَلَمْ يَكُنْ (مِنْهُمْ قَائِلٌ)(12) بِأَنَّ الْفِرْقَةَ الْمُضَادَّةَ لِلْجَمَاعَةِ هِيَ فِرْقَةُ الْمَعَاصِي غَيْرُ الْبِدَعِ على الخصوص.
وأما الثالث، وَهُوَ أَنْ يُرَادَ الْمَعْنَيَانِ مَعًا، فَذَلِكَ أَيْضًا مُمْكِنٌ، إِذِ الْفِرْقَةُ الْمُنَبَّهُ عَلَيْهَا قَدْ تَحْصُلُ بسبب (أمور دنيوية)(13) لَا مَدْخَلَ فِيهَا لِلْبِدَعِ وَإِنَّمَا (هِيَ)(14) مَعَاصٍ وَمُخَالَفَاتٌ/ كَسَائِرِ الْمَعَاصِي، وَإِلَى هَذَا الْمَعْنَى يُرْشِدُ قول
(1) سورة الحجرات: الآية (9).
(2)
في (غ) و (ر): "عن".
(3)
في (م) و (خ): "ببدعتهم". و (غ) و (ر).
(4)
هو محمد بن عبد الله بن تومرت المصمودي، ادعى أنه هو المهدي المنتظر، وسمى أتباعه بالموحدين. تقدمت ترجمته 1 312.
(5)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "عن".
(6)
في (غ) و (ر): "في نفسه ممكناً".
(7)
زيادة من (غ) و (ر).
(8)
في (ط) و (م) و (خ): "دنياوي".
(9)
في (غ) و (ر): "البدعة".
(10)
تقدم تخريجه (3/ 126).
(11)
في (خ) و (غ) و (ر): "الخليفتين".
(12)
تقدم تخريجه (3/ 126).
(13)
في (ت): "قائل منهم".
(14)
في (ط) و (م) و (خ): "أمر دنياوي". وفي (ت): "أمر دينوي".
(15)
في (ت): "هو".
الطَّبَرِيِّ فِي تَفْسِيرِ الْجَمَاعَةِ ـ حَسْبَمَا يَأْتِي بِحَوْلِ اللَّهِ ـ وَيُعَضِّدُهُ حَدِيثُ التِّرْمِذِيِّ: (لَيَأْتِيَنَّ عَلَى أُمَّتِي (ما أتى على بني إسرائيل إلى أن قال: حَتَّى إِنْ كَانَ مِنْهُمْ مَنْ أَتَى أُمَّهُ عَلَانِيَةً لَكَانَ فِي أُمَّتِي)(1) مَنْ يَصْنَعُ ذَلِكَ) (2) فَجَعَلَ الْغَايَةَ فِي اتِّبَاعِهِمْ مَا هُوَ مَعْصِيَةٌ كما ترى.
/وكذلك (قوله)(3) فِي الْحَدِيثِ الْآخَرِ: (لَتَتَّبِعُنَّ سَنَنَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ ـ إِلَى قَوْلِهِ: ـ حَتَّى لَوْ دَخَلُوا جُحْرَ ضَبٍّ خَرِبٍ لَاتَّبَعْتُمُوهُمْ)(4)، فَجَعَلَ الْغَايَةَ مَا لَيْسَ بِبِدْعَةٍ.
/وَفِي مُعْجَمِ الْبَغَوِيِّ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِكَعْبِ بْنِ عُجْرَةَ (5) رضي الله عنه: (أَعَاذَكَ اللَّهُ يَا كَعْبُ بْنَ عُجْرَةَ (مِنْ)(6) إِمَارَةِ السُّفَهَاءِ ـ قَالَ: وَمَا إِمَارَةُ السُّفَهَاءِ؟ ـ قَالَ أُمَرَاءُ يَكُونُونَ بَعْدِي (لَا)(7) يَهْتَدُونَ بِهَدْيِي، وَلَا يَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِي، فَمَنْ صدَّقهم بِكَذِبِهِمْ، وَأَعَانَهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ،/ فَأُولَئِكَ لَيْسُوا مِنِّي (وَلَسْتُ)(8) مِنْهُمْ، وَلَا يَرِدُونَ عَلَيَّ (الْحَوْضَ)(9)، وَمَنْ لَمْ يُصَدِّقْهُمْ عَلَى كَذِبِهِمْ وَلَمْ يُعِنْهُمْ عَلَى ظُلْمِهِمْ فَأُولَئِكَ مني وأنا منهم، (وسيردون)(10) علي الحوض) (11) الحديث.
(1) ما بين () زيادة من (غ) و (ر).
(2)
تقدم تخريجه ص123 تعليق رقم (3).
(3)
زيادة من (غ) و (ر).
(4)
تقدم تخريجه (1 13).
(5)
هو كعب بن عجرة الأنصاري السلمي رضي الله عنه، من أهل بيعة الرضوان، توفي سنة 52هـ. انظر: أسد الغابة (4 243)، والإصابة برقم (7421).
(6)
في (غ) و (ر): "عن".
(7)
ساقط من (غ) و (ر).
(8)
في (م) و (خ) و (ت): "وأنا"، وهو خطأ معنى ورواية، والصواب من (غ) و (ر) و (ط) و (ر) وهو الموافق لما في كتب السنة.
(9)
في (م) و (خ) و (ت): "الحوض الحديث".
(10)
في (ط) و (خ): "ويردون".
(11)
أخرجه في حديث جابر: أحمد في المسند (3 399)، والترمذي برقم (614 و2259)، وصححه الألباني في صحيح الترمذي (1 189)، والحاكم (6030 و8302)، وقال الذهبي: صحيح. وأخرجه من حديث كعب بن عجرة: عبد بن حميد في المنتخب (370)، والنسائي في المجتبى (4207)، وفي السنن الكبرى (8658)، والطبراني في الصغير (430 و625)، وفي الكبير في المجلد (19) برقم (212 و294=