الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ابْنَ مَعِينٍ قَالَ: إِنَّهُ حَدِيثٌ بَاطِلٌ لَا أَصْلَ لَهُ، (شُبّه فِيهِ)(1) عَلَى نُعَيْمِ بْنِ حَمَّادٍ (2)، قَالَ بَعْضُ الْمُتَأَخِّرِينَ: إِنَّ الْحَدِيثَ قَدْ رُوِيَ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ الثِّقَاتِ، ثُمَّ تُكُلِّمَ فِي إِسْنَادِهِ بِمَا يَقْتَضِي أَنَّهُ لَيْسَ كَمَا قَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ، ثُمَّ قَالَ:(وَفِي الْجُمْلَةِ)(3) فَإِسْنَادُهُ فِي الظَّاهِرِ جَيِّدٌ إِلَّا أَنْ يَكُونَ ـ يَعْنِي ابْنَ مَعِينٍ ـ قَدِ اطَّلَعَ مِنْهُ عَلَى عِلَّةٍ خَفِيَّةٍ (4).
وَأَغْرَبُ مِنْ (هَذَا)(5) كُلِّهِ رِوَايَةٌ رَأَيْتُهَا فِي جَامِعِ ابْنِ وَهْبٍ: (إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ/ تَفَرَّقَتْ (إِحْدَى)(6) وَثَمَانِينَ مِلَّةً وَسَتَفْتَرِقُ أُمَّتِي عَلَى اثْنَتَيْنِ وَثَمَانِينَ مِلَّةً، (كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً)(7)، قَالُوا:((وَمَا هِيَ)(8) يَا رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قال: الْجَمَاعَةُ) (9).
فَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا، تَصَدَّى النَّظَرُ فِي الحديث في مسائل:
(إحداها)(10): في حقيقة هذا/ الافتراق.
(1) في (ت): "بياض بمقدار كلمتين".
(2)
هو نعيم بن حماد بن معاوية الخزاعي المروزي، توفي سنة 228هـ في السجن، وذلك بسبب فتنة خلق القرآن، وقد تكلم فيه بعض أهل العلم في جهة الجرح والتعديل، وقد توسع المعلمي ـ رحمه الله تعالى ـ في ترجمته في التنكيل بكلام مهم (1 493 ـ 500)، وانظر كذلك: الجرح والتعديل (8 462)، وطبقات ابن سعد (7 519)، وتاريخ بغداد (13 306 ـ 314)، والسير (10 595)، وميزان الاعتدال (4 267 ـ 270)، وتهذيب التهذيب (10 458).
(3)
في (غ) و (ر): "وبالجملة".
(4)
هذا كلام ابن تيمية في بيان الدليل (ص295 ـ 296)، والفتاوى الكبرى (6/ 143). وانظر كلاماً مهماً للمعلمي في التنكيل (1/ 496 ـ 497) عن هذا الحديث، وانظر دراسة جيدة للحديث في كتاب "ذم الكلام وأهله" للهروي ـ ت الأنصاري ـ (2/ 188 ـ 193) تعليق رقم (5).
(5)
في (غ) و (ر): "ذلك".
(6)
في (غ) و (ر): "واحدة".
(7)
في (غ) و (ر): "كلها واحدة إلا ملة في النار إلا ملة واحدة؟! ".
(8)
في (غ) و (ر): "وأية ملّة".
(9)
في (م): "وإنه ملة رسول الله صلى الله عليه وسلم".
(10)
لم أجده، في الجزء المطبوع، ولفظ الحديث مخالف للرواية المشهورة المتواترة وهي لفظ (السبعين).
(11)
في (ط): "
المسألة الأولى
".
وَهُوَ يَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ افْتِرَاقًا عَلَى مَا يُعْطِيهِ مُقْتَضَى اللَّفْظِ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ مَعَ زِيَادَةِ قَيْدٍ لَا يَقْتَضِيهِ اللَّفْظُ بِإِطْلَاقِهِ وَلَكِنْ يحتمله، كما كان لفظ الرقبة (يشعر)(1) بمطلقها ولا يُشْعِرُ بِكَوْنِهَا مُؤْمِنَةً أَوْ غَيْرَ مُؤْمِنَةٍ، لَكِنَّ اللَّفْظَ يَقْبَلُهُ فَلَا يَصِحُّ أَنْ يُرَادَ مُطْلَقُ الافتراق، بحيث يطلق صور (هذا)(2) الِاخْتِلَافِ عَلَى مَعْنًى وَاحِدٍ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُ أَنْ يَكُونَ (الْمُخْتَلِفُونَ)(3) فِي مَسَائِلِ الْفُرُوعِ دَاخِلِينَ تَحْتَ إِطْلَاقِ اللَّفْظِ، وَذَلِكَ بَاطِلٌ بِالْإِجْمَاعِ، فَإِنَّ الْخِلَافَ (من زَمَانِ)(4) الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم إِلَى الْآنِ وَاقِعٌ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ، وَأَوَّلُ مَا وَقَعَ الْخِلَافُ فِي زَمَانِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، ثُمَّ في سائر/ الصحابة، ثم في التَّابِعِينَ وَلَمْ يَعِبْ أَحَدٌ ذَلِكَ مِنْهُمْ، وَبِالصَّحَابَةِ اقتدى من بعدهم في (تسويغ)(5) الخلاف، فكيف يمكن أَنْ يَكُونَ الِافْتِرَاقُ فِي الْمَذَاهِبِ مِمَّا يَقْتَضِيهِ (إطلاق)(6) الْحَدِيثُ؟ وَإِنَّمَا/ يُرَادُ افْتِرَاقٌ/ مُقَيَّدٌ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِي الْحَدِيثِ نَصٌّ عَلَيْهِ، فَفِي الْآيَاتِ ما يَدُلُّ عَلَيْهِ قَوْلُهُ تَعَالَى:({وَلَا تَكُونُوا مِنَ الْمُشْرِكِينَ *مِنَ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا} (7)، وقوله تعالى:{إِنَّ الَّذِينَ فَرَّقُوا دِينَهُمْ وَكَانُوا شِيَعًا (8) لَسْتَ مِنْهُمْ فِي شَيْءٍ} (9)، وما أشبه ذلك من/ الْآيَاتِ الدَّالَّةَ عَلَى التَّفَرُّقِ الَّذِي صَارُوا بِهِ شِيَعًا، وَمَعْنَى: صَارُوا شِيَعًا؛ أَيْ جَمَاعَاتٍ بَعْضُهُمْ قَدْ فَارَقَ الْبَعْضَ، لَيْسُوا عَلَى تَآلُفٍ (وَلَا تَعَاضُدٍ وَلَا تَنَاصُرٍ)(10)، بَلْ عَلَى ضِدِّ ذَلِكَ، فَإِنَّ الْإِسْلَامَ وَاحِدٌ وَأَمْرُهُ وَاحِدٌ، فَاقْتَضَى أَنْ يَكُونَ حُكْمُهُ عَلَى الِائْتِلَافِ التَّامِّ لَا عَلَى الِاخْتِلَافِ.
وَهَذِهِ الْفِرْقَةُ مُشْعِرَةٌ بِتَفَرُّقِ الْقُلُوبِ الْمُشْعِرِ بالعداوة والبغضاء، ولذلك
(1) زيادة من (غ) و (ر).
(2)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "لفظ".
(3)
في (م): "المختلفين".
(4)
في (ت): "مذ زمن". وفي (غ) و (ر): "مذ زمان".
(5)
في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "توسيع".
(6)
زيادة من (غ) و (ر).
(7)
سورة الروم: الآيتان (31، 32).
(8)
ما بين () ساقط من (خ).
(9)
سورة الأنعام: الآية (159)
(10)
في (غ) و (ر): "ولا على تعاضد وتناصر".