المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌ ‌فصل فإن قيل: أفليس في (بعض) (1) الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى - الاعتصام للشاطبي ت الشقير والحميد والصيني - جـ ٣

[الشاطبي الأصولي النحوي]

فهرس الكتاب

- ‌الْبَابُ الثَّامِنُفِي الْفَرْقِ بَيْنَ الْبِدَعِ وَالْمَصَالِحِ المرسلة والاستحسان

- ‌فَصْلٌ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌ الْبَابُ التَّاسِعُفِي السَّبَبِ الَّذِي لِأَجْلِهِ افْتَرَقَتْ فرق المبتدعةعن (جماعة المسلمين)

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌المسألة الأولى

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ:

- ‌المسألة الثالثة:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةُ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:

- ‌المسألة العاشرة:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ (عَشْرَةَ)

- ‌المسألة الثانية عشرة

- ‌المسألة/ الثالثة/ عشرة

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌المسألة الخامسة عشرة

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ

- ‌الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ

- ‌المسألة العشرون:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌المسألة الثانية والعشرون:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ وَالْعِشْرُونَ:

- ‌المسألة السادسة والعشرون:

- ‌الباب العاشرفِي بَيَانِ مَعْنَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ الَّذِي انْحَرَفَتْ عنه سبل أَهْلِ الِابْتِدَاعِ فضلَّت عَنِ الْهُدَى بَعْدَ الْبَيَانِ

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌فصل

- ‌الملاحقتعريف الفرق الواردة في الباب التاسع في المسألة السابعة

الفصل: ‌ ‌فصل فإن قيل: أفليس في (بعض) (1) الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى

‌فصل

فإن قيل: أفليس في (بعض)(1) الْأَحَادِيثِ مَا يَدُلُّ عَلَى الرُّجُوعِ إِلَى مَا يَقَعُ فِي الْقَلْبِ (وَيَحِيكُ)(2) فِي النَّفْسِ، وَإِنْ لَمْ/ يَكُنْ ثَمَّ دَلِيلٌ صَرِيحٌ عَلَى حُكْمٍ مِنْ أَحْكَامِ الشَّرْعِ وَلَا غَيْرُ صَرِيحٍ؟ فَقَدْ جَاءَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ:"دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَإِنَّ الصِّدْقَ طُمَأْنِينَةٌ، وَالْكَذِبَ رِيبَةٌ"(3).

وخرَّج مُسْلِمٌ عَنِ النَّوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ: "الْبِرُّ (حُسْنُ) (4) الْخُلُقِ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي صَدْرِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ الناس عليه"(5).

(1) زيادة من (غ) و (ر).

(2)

في (ط): "ويجري".

(3)

قول الشاطبي: فقد جاء في الصحيح. لعله يقصد به صحيح ابن حبان وابن خزيمة لأن الحديث ليس في الصحيحين، ولا أحدهما، وإنما أخرج الحديث أبو داود الطيالسي في مسنده (1178)، وأحمد في المسند (1 200) و (3 112)، والدارمي في سننه (2532 و2789)، والترمذي (2518)، وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي، وابن أبي عاصم في الآحاد والمثاني (416)، والنسائي (8 327)، وفي الكبرى (5220)، وأبو يعلى في مسنده (6762 و7492)، وابن خزيمة في الصحيح (2348)، والطبراني في الصغير (284)، وفي الكبير (2708 و2711) و (22 81 برقم 197) و (22 147 برقم 399)، وأبو الشيخ في طبقات أصبهان (1 191) و (4 91)، والحاكم في المستدرك (2169)، وصححه الذهبي، وبرقم (2170)، وبرقم (7046)، وقال الذهبي:"سنده قوي". وأخرجه ابن حبان (722)، والخطيب في تاريخ بغداد (2 220 و386)، (6 385)، والبيهقي في السنن الكبرى (10601).

(4)

في (م): "خلق".

(5)

أخرجه مسلم برقم (2553)، وأحمد في المسند (4 82)، والبخاري في الأدب المفرد (295 و302)، والترمذي (2389)، والطبراني في مسند الشاميين (980)، وابن حبان=

ص: 70

وَعَنْ أَبِي أُمَامَةَ (1) رضي الله عنه قَالَ: قَالَ رَجُلٌ: يَا رَسُولَ اللَّهِ/ مَا الْإِيمَانُ؟ قال: "إذا سرتك (حسناتك) (2) وساءتك (سيئاتك) (3) فأنت مؤمن قال: يا رسول الله، فما الإثم؟ قَالَ: إِذَا حَاكَ شَيْءٌ فِي صَدْرِكَ فَدَعْهُ"(4).

وَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رضي الله عنه قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ"(5).

وَعَنْ وَابِصَةَ (6) رضي الله عنه قَالَ: سَأَلْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنِ الْبِرِّ وَالْإِثْمِ فَقَالَ: "يَا وَابِصَةُ، اسْتَفْتِ قَلْبَكَ، وَاسْتَفْتِ نَفْسَكَ، الْبِرُّ مَا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ النَّفْسُ وَاطْمَأَنَّ إِلَيْهِ الْقَلْبُ، وَالْإِثْمُ مَا حَاكَ فِي النَّفْسِ وَتَرَدَّدَ فِي الصَّدْرِ، وَإِنْ أَفْتَاكَ النَّاسُ وَأَفْتَوْكَ"(7).

وَخَرَّجَ الْبَغَوِيُّ فِي مُعْجَمِهِ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مُعَاوِيَةَ أَنَّ رَجُلًا سأل

= (397)، والحاكم (2172)، والبيهقي في السنن الكبرى (20574)، والقضاعي في مسنده (53).

(1)

هو صُدي بن عجلان بن وهب بن عريب الباهلي، صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزيل حمص، توفي سنة 86هـ. انظر: السير (3 359)، وطبقات ابن سعد (7 411)، وأسد الغابة (3 16).

(2)

في (م) و (غ) و (ر): "حسنتك".

(3)

في (غ) و (ر): "سيئتك".

(4)

أخرجه معمر في الجامع (20104)، وابن المبارك في الزهد (825)، وأحمد في المسند (5 252 ـ 256)، والحارث في مسنده ـ بغية الباحث ـ (11)، والطبراني في الكبير (7539 و7540)، وفي مسند الشاميين (233)، وابن حبان في الصحيح (176)، والحاكم (33)، وقال الذهبي:"على شرطهما". وبرقم (34 و2171).

(5)

أخرجه الإمام أحمد (3/ 153) وأخرجه موقوفاً على أنس رضي الله عنه في المسند (3 112)، وتقدم تخريج الحديث بتوسع في الصفحة السابقة.

(6)

هو وابصة بن معبد بن عتبة بن الحارث الأسدي، وفد على رسول الله صلى الله عليه وسلم سنة تسع، وروى عن النبي صلى الله عليه وسلم وعبد الله بن مسعود رضي الله عنه وأم قيس بنت محصن وغيرهم. انظر: الإصابة (3 262).

(7)

أخرجه أحمد (4 228)، والدارمي في السنن (2533)، والحارث في مسنده ـ بغية الباحث ـ (260)، وأبو يعلى (1586 و1587)، والطبراني في الكبير (22 148 ـ 149).

ص: 71

رسول الله صلى الله عليه وسلم/ فقال: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا يَحِلُّ لِي مِمَّا يَحْرُمُ عَلَيَّ؟ فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ/ صلى الله عليه وسلم، فَرَدَّ عَلَيْهِ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، كُلُّ ذَلِكَ يَسْكُتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، ثُمَّ قَالَ: أَيْنَ السَّائِلُ؟ فَقَالَ: أَنَا ذَا يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ ـ وَنَقَرَ بِإِصْبَعِهِ ـ:"مَا أَنْكَرَ قَلْبُكَ فَدَعْهُ"(1).

وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: الْإِثْمُ (حُوَازُّ)(2) الْقُلُوبِ، فَمَا حَاكَ مِنْ شَيْءٍ فِي قَلْبِكَ فَدَعْهُ، وَكُلُّ شَيْءٍ فِيهِ نَظْرَةٌ فَإِنَّ لِلشَّيْطَانِ فِيهِ مَطْمَعًا (3).

وَقَالَ أَيْضًا: الْحَلَالُ بيِّن وَالْحَرَامُ بيِّن، وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ، فَدَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ (4).

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه: أَنَّ الْخَيْرَ طُمَأْنِينَةٌ، وَأَنَّ الشَّرَّ رِيبَةٌ، فَدَعْ مَا يريبك إلى ما لا يريبك (5).

(1) أخرجه ابن المبارك في الزهد (824 و1162) وقال الألباني في السلسلة الصحيحة (2230): (هذا إسناد مرسل صحيح، رجاله ثقات، فإن ابن لهيعة صحيح الحديث إذا روى عنه العبادلة، وابن المبارك أحدهم). وذكر الحديث ابن حجر في الإصابة (5 244) وبيّن أن عبد الرحمن بن معاوية تابعي.

(2)

في (م) و (خ): "خوار"، وفي (غ) و (ر):"حراز". والصواب حواز: وهي الأمور التي تحز في القلوب، أي تؤثر فيها، كما يؤثر الحز في الشيء. انظر مادة حوز من لسان العرب.

(3)

أخرجه الطبراني في الكبير (9 163) برقم (8749، 8748)، وقال الهيثمي في المجمع (1 176): رواه الطبراني كله بأسانيد رجالها ثقات. وذكره في كنز العمال (3 434)، برقم (7320)، وروي مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم وسيأتي تخريجه قريباً.

(4)

أخرجه موقوفاً على ابن مسعود النسائي في المجتبى (5397، 5398)، وفي السنن الكبرى (5945، 5946)، وقال النسائي عقبه:"هذا حديث جيد جيد". وأخرجه الدارمي (165، 168)، والطبراني في الكبير (8920)، والبيهقي في السنن الكبرى (20130).

والحديث أصله مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه البخاري من حديث النعمان بن بشير برقم (52)، ومسلم (1599)، وابن ماجه (3984)، والترمذي (1205)، وأبو داود (3329، 3330)، والنسائي (4453، 5710).

والحديث مرفوعاً إلى النبي صلى الله عليه وسلم مروي في غالب الكتب المسندة من رواية النعمان بن بشير وابن عمر وأنس بن مالك وجابر بن عبد الله.

(5)

أخرجه ابن جرير الطبري في تفسيره (29 7)، في تفسير سورة الملك: آية (15)،=

ص: 72

وقال شريح: دَعْ مَا يَرِيبُكَ إِلَى مَا لَا يَرِيبُكَ، فَوَاللَّهِ مَا وَجَدْتُ فَقْدَ شَيْءٍ تَرَكْتُهُ ابْتِغَاءَ وجه الله (1).

فهذه (الأحاديث والآثار)(2) ظَهَرَ مِنْ مَعْنَاهَا الرُّجُوعُ فِي جُمْلَةٍ مِنَ الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ إِلَى مَا يَقَعُ بِالْقَلْبِ/ وَيَهْجِسُ بِالنَّفْسِ وَيَعْرِضُ بِالْخَاطِرِ، وَأَنَّهُ إِذَا اطْمَأَنَّتِ النَّفْسُ/ إِلَيْهِ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ صَحِيحٌ، وَإِذَا تَوَقَّفَتْ أَوِ ارْتَابَتْ فَالْإِقْدَامُ عَلَيْهِ مَحْظُورٌ، وَهُوَ عَيْنُ مَا وَقَعَ إِنْكَارُهُ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى الِاسْتِحْسَانِ/ الَّذِي يَقَعُ بِالْقَلْبِ وَيَمِيلُ إِلَيْهِ الْخَاطِرُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ ثَمَّ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ هُنَالِكَ دَلِيلٌ شَرْعِيٌّ أَوْ كَانَ هَذَا (التَّقْرِيرُ)(3) مُقَيَّدًا بِالْأَدِلَّةِ الشَّرْعِيَّةِ لَمْ يُحِلْ بِهِ عَلَى مَا فِي النُّفُوسِ وَلَا عَلَى مَا يَقَعُ بِالْقُلُوبِ، مَعَ أَنَّهُ عِنْدَكُمْ عَبَثٌ وَغَيْرُ مُفِيدٍ، كَمَنْ يُحِيلُ بِالْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَى الْأُمُورِ الْوِفَاقِيَّةِ، أَوِ (الْأَفْعَالِ)(4) الَّتِي لَا ارْتِبَاطَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ شَرْعِيَّةِ الْأَحْكَامِ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ (لِاسْتِحْسَانِ)(5) الْعُقُولِ وَمَيْلِ النُّفُوسِ أَثَرًا فِي شَرْعِيَّةِ الْأَحْكَامِ، وَهُوَ الْمَطْلُوبُ.

وَالْجَوَابُ: أَنَّ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا قَدْ زَعَمَ الطَّبَرِيُّ فِي تَهْذِيبِ الْآثَارِ (6) أَنَّ جَمَاعَةً مِنَ السَّلَفِ قَالُوا بِتَصْحِيحِهَا، وَالْعَمَلِ بِمَا دَلَّ عَلَيْهِ (ظَاهِرُهَا)(7)، وَأَتَى بِالْآثَارِ الْمُتَقَدِّمَةِ عَنْ عُمَرَ وَابْنِ مَسْعُودٍ وَغَيْرِهِمَا، ثُمَّ ذَكَرَ عَنْ آخَرِينَ الْقَوْلَ بِتَوْهِينِهَا وَتَضْعِيفِهَا، وإحالة معانيها.

=وأصله حديث مرفوع إلى النبي صلى الله عليه وسلم أخرجه من حديث الحسن بن علي، الترمذي (2518)، وصححه الألباني، وأخرجه النسائي (5711)، والحاكم في المستدرك (2169)، وصححه الذهبي، وبرقم (2170)، وبرقم (7046)، وقال الذهبي:"سنده قوي".

وأخرجه مرفوعاً من حديث واثلة بن الأسقع الطبراني في الكبير (22 81).

(1)

أخرجه ابن سعد في الطبقات (6 136)، وهناد في الزهد (939)، ونعيم بن حماد في زوائد الزهد لابن المبارك (38).

(2)

في (م): "الأدلة"، وهو ساقط من (ط) و (خ). وفي (غ) و (ر):"أدلة".

(3)

في (ت): "بياض بمقدار كلمة".

(4)

في (غ) و (ر): "الأعمال".

(5)

في (م): "الاستحسان".

(6)

لم أجده في المطبوع من تهذيب الآثار.

(7)

في (خ): "ظاهر"، وفي (غ) و (ر):"ظاهر هذه".

ص: 73

/ (ورأيت كلامه)(1) وترتيبه بالنسبة إلى ما نحن فيه/ (لائقاً)(2)

أَنْ/ يُؤْتَى بِهِ عَلَى وَجْهِهِ، فَأَتَيْتُ بِهِ عَلَى تَحَرِّي مَعْنَاهُ دُونَ (لَفْظِهِ)(3) لِطُولِهِ، فَحَكَى عَنْ جَمَاعَةٍ أَنَّهُمْ قَالُوا: لَا شَيْءَ مِنْ أَمْرِ الدِّينِ إِلَّا وَقَدْ بَيَّنَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِنَصٍّ عَلَيْهِ أَوْ بِمَعْنَاهُ، فَإِنْ كَانَ حَلَالًا فَعَلَى الْعَامِلِ بِهِ ـ إِذَا كَانَ عَالِمًا ـ تَحْلِيلُهُ، أَوْ حَرَامًا فَعَلَيْهِ تَحْرِيمُهُ، أَوْ مَكْرُوهًا غَيْرَ حَرَامٍ، فَعَلَيْهِ اعْتِقَادُ التَّحْلِيلِ أَوِ التَّرْكِ (تَنْزِيهًا)(4).

فأما العمل بِحَدِيثِ النَّفْسِ وَالْعَارِضِ فِي الْقَلْبِ فَلَا، فَإِنَّ اللَّهَ حَظَرَ ذَلِكَ عَلَى نَبِيِّهِ فَقَالَ:{إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ/ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ} (5) فَأَمَرَهُ بِالْحُكْمِ بِمَا أَرَاهُ (اللَّهُ)(6) لَا بِمَا رآه، وحدثته (به)(7) نفسه، (فغيره)(8) من البشر أَوْلَى أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ، وَأَمَّا إِنْ كَانَ جَاهِلًا فَعَلَيْهِ مَسْأَلَةُ الْعُلَمَاءِ دُونَ مَا حَدَّثَتْهُ نَفْسُهُ (9).

وَنُقِلَ عَنْ عُمَرَ رضي الله عنه أَنَّهُ خَطَبَ (النَّاسَ)(10) فَقَالَ: أَيُّهَا النَّاسُ، قَدْ سُنَّتْ لَكُمُ السُّنَنُ، وَفُرِضَتْ لَكُمُ الْفَرَائِضُ، وَتُرِكْتُمْ عَلَى الْوَاضِحَةِ، (إِلَّا)(11) أَنْ تَضِلُّوا (بِالنَّاسِ)(12) يَمِينًا وَشِمَالًا (13).

وَعَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما: مَا كَانَ فِي الْقُرْآنِ مِنْ حلال أو

(1) في (م): "كلامه"، وفي سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر):"وكلامه".

(2)

في (ط) و (ت): "لائق".

(3)

في (م) و (غ) و (ر): "نصه".

(4)

في (غ) و (ر): "تنزها".

(5)

سورة النساء: الآية (105).

(7)

(6) ساقط من (غ) و (ر).

(8)

في (م): "فغير".

(9)

في هامش (ت) ما نصّه: "قلت ـ والله أعلم ـ إن مورد هذه الأحاديث وما في معناها ليس هو مما يتعلق بشيء من إحداث الشريعة المنزهة عن صدورها من آراء الخلق وأنظارهم، والخواطر والهواجس الفائضة من أنفسهم وقلوبهم، وإنما المراد بذلك ما يشبه معنى الاستخارة في الأمور العادية من الإقدام على شيء أو الإحجام عنه، ولا يبعد أن يكون ذلك في المتشابهات، وإن كان المأمور به من الشارع الترك استبراءً للدين، وأما المعنى الذي حاولوا الاحتجاج به أهل البدع، فلا سبيل إلى دخوله في الشرعيات أصلاً".

(10)

زيادة من (غ) و (ر).

(11)

زيادة من (غ) و (ر).

(12)

في (غ) و (ر): "بين الناس".

(13)

تقدم تخريجه (1 135).

ص: 74

حرام (بين)(1) فَهُوَ كَذَلِكَ، وَمَا سُكِتَ عَنْهُ فَهُوَ مِمَّا عُفِيَ عَنْهُ (2).

/وَقَالَ مَالِكٌ: قُبِضَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَقَدْ تَمَّ هَذَا الْأَمْرُ وَاسْتُكْمِلَ (فَيَنْبَغِي)(3) أَنْ تُتَّبَعَ آثَارُ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَصْحَابِهِ وَلَا تتبع الرأي، فإنه (من اتَّبَعَ)(4) الرَّأْيَ (جَاءَهُ)(5) رَجُلٌ آخَرُ أَقْوَى فِي الرَّأْيِ (مِنْهُ فَاتَّبَعَهُ)(6)، (فَكُلَّمَا غَلَبَهُ رَجُلٌ اتَّبَعَهُ أُري أن هذا الأمر بَعْدُ لَمْ يَتِمَّ)(7).

/ (وَاعْمَلُوا)(8) مِنَ الْآثَارِ بِمَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (قَدْ تَرَكْتُ فِيكُمْ مَا لَنْ تَضِلُّوا بَعْدِي إِذَا اعتصمتم به، كتاب الله)(9).

(وفي حديث أبي هريرة: (إني قد خلفت فيكم شيئين لن تضلوا بعدي أبداً ما أخذتم بهما، وعملتم بما فيهما: كِتَابَ اللَّهِ)(10) وَسُنَّتِي، وَلَنْ يَتَفَرَّقَا حَتَّى يَرِدَا علي (الحوض)(11)) (12).

(1) زيادة من (غ) و (ر).

(2)

أخرجه أبو داود (3800) والحاكم في المستدرك (7113) وقال: "هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه" ووافقه الذهبي وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (9 330) برقم (19243).

(3)

في جامع بيان العلم: فإنما ينبغي.

(4)

في (م): "متى ما اتبع"، وفي جامع بيان العلم: متى اتبع.

(5)

في (م): "وجامع بيان العلم": جاء.

(6)

في (م): "منك فاتبعته"، وفي جامع بيان العلم: منك فاتبعه.

(7)

في (م): "فكلما غلبك رجل اتبعته، أرى هذا بعد لم تتم. وفي جامع بيان العلم: "فَأَنْتَ كُلَّمَا جَاءَ رَجُلٌ غَلَبَكَ اتَّبَعْتَهُ، أَرَى هذا لا يتم" جامع بيان العلم (2072، 2117).

(8)

في (م): "وأعتلو".

(9)

أخرجه مسلم (1218)، وابن ماجه (3074)، وأبو داود (1905)، والنسائي في السنن الكبرى (4001)، والمنتقى لابن الجارود (469)، وابن خزيمة في الصحيح (2809)، وابن حبان في الصحيح (1457 و3944)، والبيهقي في السنن الكبرى (8609).

(10)

ما بين () زيادة من (غ) و (ر).

(11)

في (م): "حوضي".

(12)

أخرجه الحاكم (319)، والبيهقي في السنن الكبرى (20124)، وابن عدي في الكامل (4 68). وقد وردت روايات أخرى للحديث منها: رواية زيد بن أرقم أخرجها الترمذي (3788)، والنسائي في السنن الكبرى (8148 و8464)، والطبراني في الكبير (2681=

ص: 75

وروي عن عمرو بن (شعيب)(1) خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يوماً وهم يجادلون في القرآن، فخرج وجهه أَحْمَرُ كَالدَّمِ فَقَالَ:(يَا قَوْمُ، عَلَى هَذَا هَلَكَ مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، جَادَلُوا فِي الْقُرْآنِ وَضَرَبُوا بَعْضَهُ بِبَعْضٍ، فَمَا كَانَ مِنْ حَلَالٍ فَاعْمَلُوا بِهِ، وَمَا كَانَ مِنْ حَرَامٍ فَانْتَهُوا عَنْهُ، وَمَا كَانَ مِنْ مُتَشَابِهٍ فَآمِنُوا بِهِ)(2).

وَعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ رضي الله عنه يَرْفَعُهُ/ قَالَ: (مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ، وَمَا حَرَّمَ فِيهِ فَهُوَ حَرَامٌ، وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهَ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ/ لَمْ يَكُنْ (لِيَنْسَى)(3) شَيْئًا {وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا} (4)) (5).

=و4969 و4971 و4980 و4981 و4986)، والحاكم (4576 و4711 و6272).

ومن رواية أبي سعيد الخدري أخرجها ابن الجعد في مسنده (2711)، وأحمد في المسند (3 17)، وفي فضائل الصحابة (990 و1382 و1383)، وأبو يعلى في المسند (1027)، والطبراني في الكبير (2979)، وأبو الشيخ في طبقات أصبهان (2 194)، وابن عدي في الكامل (6 66)، والعقيلي في الضعفاء الكبير (2 250) و (4 362).

ومن رواية ابن عباس أخرجها الحاكم (318)، والبيهقي في السنن الكبرى (20123).

ومن رواية حذيفة بن أسيد أخرجها الطبراني في الكبير (2683 و3052).

ومن رواية زيد بن ثابت أخرجها أحمد في الفضائل (1032)، وعبد بن حميد في المنتخب (240)، والطبراني في الكبير (4921 ـ 4923).

ومن رواية ابن عمر أخرجها عبد بن حميد في المنتخب (858).

(1)

زيادة من (م) و (غ) و (ر).

(2)

رواية عمر بن شعيب عن أبيه عن جده أن النبي صلى الله عليه وسلم خرج على بعض أصحابه وهو يتجادلون في القدر ـ وليس في القرآن كما في المتن ـ أخرجه أحمد في المسند (2 178)، والبخاري في خلق أفعال العباد (ص63)، وبنحوه في المسند (2 185 و192)، والنسائي في السنن الكبرى (5 33)، برقم (8095)، وبنحوه أخرجه مسلم في الصحيح (4 2053) برقم (2666) وغيره.

(3)

في (م): "ينسى"، وفي رواية الحاكم (نسيا).

(4)

سورة مريم: الآية (64).

(5)

أخرجه الدارقطني في سننه (2 137)، برقم (12)، والحاكم (2 406)، برقم (3411)، وقال:(هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه)، وقال الذهبي:(صحيح)، وأخرجه البيهقي في السنن الكبرى (10 12)، برقم (19508)، وورد بنحوه عن سلمان=

ص: 76

/قَالُوا: فَهَذِهِ الْأَخْبَارُ وَرَدَتْ بِالْعَمَلِ بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ، وَالْإِعْلَامُ بِأَنَّ الْعَامِلَ بِهِ لَنْ يَضِلَّ، وَلَمْ يَأْذَنْ (لِأَحَدٍ)(1) فِي الْعَمَلِ بِمَعْنًى ثَالِثٍ غَيْرِ مَا فِي الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَلَوْ كَانَ ثَمَّ ثَالِثٌ لَمْ يَدَعْ بَيَانَهُ، (فَدَلَّ)(2) على (أنه)(3) لا ثالث، و (أن)(4) من ادَّعَاهُ فَهُوَ مُبْطِلٌ.

قَالُوا: فَإِنْ قِيلَ: فَإِنَّهُ صلى الله عليه وسلم قَدْ سنَّ لِأُمَّتِهِ وَجْهًا ثَالِثًا وَهُوَ قَوْلُهُ: (اسْتَفْتِ قَلْبَكَ)(5)، وَقَوْلُهُ:(الْإِثْمُ حُوَّازُ)(6) الْقُلُوبِ) (7) إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ.

قُلْنَا: لَوْ صَحَّتْ هَذِهِ الْأَخْبَارُ لَكَانَ ذَلِكَ إِبْطَالًا لِأَمْرِهِ بِالْعَمَلِ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ إذا صحَّا مَعًا؛ لِأَنَّ أَحْكَامَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ لَمْ تَرِدْ بِمَا اسْتَحْسَنَتْهُ النُّفُوسُ وَاسْتَقْبَحَتْهُ، وَإِنَّمَا كَانَ يَكُونُ وَجْهًا ثَالِثًا لَوْ خَرَجَ شَيْءٌ مِنَ الدِّينِ عَنْهُمَا، (وَلَيْسَ)(8) بِخَارِجٍ، فَلَا ثَالِثَ يَجِبُ الْعَمَلُ بِهِ.

فَإِنْ قِيلَ: قَدْ يَكُونُ قَوْلُهُ: (اسْتَفْتِ قَلْبَكَ) وَنَحْوَهُ أَمْرًا لِمَنْ لَيْسَ فِي مَسْأَلَتِهِ نَصٌّ مِنْ كِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ، وَاخْتَلَفَتْ فِيهِ الْأُمَّةُ، فَيُعَدُّ وَجْهًا ثَالِثًا.

قُلْنَا: (لَا يَجُوزُ)(9) ذَلِكَ لِأُمُورٍ:

أَحَدُهَا: أَنَّ كُلَّ مَا لَا نَصَّ فِيهِ بِعَيْنِهِ قَدْ نُصِبَتْ عَلَى حُكْمِهِ دَلَالَةٌ، فَلَوْ كَانَ فَتْوَى/ الْقَلْبِ، وَنَحْوِهِ دَلِيلًا لَمْ يَكُنْ (لِنَصْبِ)(10) الدَّلَالَةِ الشَّرْعِيَّةِ عَلَيْهِ معنى، فيكون/ عبثاً، وهو باطل.

=الفارسي في سنن ابن ماجه (2 1117)، برقم (3367)، والترمذي (4 220)، برقم (1726) ـ وحسنه الألباني ـ والطبراني في المعجم الكبير (6 250 و261)، برقم (6124 و6159)، والبيهقي في السنن الكبرى (9 320 و10 12) برقم (19175 و19506 و19507)، وورد بنحوه عن ابن عباس موقوفاً، انظر (ص75).

(1)

في (غ) و (ر): "لأمته".

(2)

في (ط): "فعدل".

(3)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "أن".

(4)

زيادة من (غ) و (ر).

(5)

سبق تخريجه (ص71) ت7.

(6)

في (م): "جواز"، وفي (خ) و (ت):"خوار".

(7)

أخرجه البيهقي في شعب الإيمان (5434)، وورد موقوفاً، حيث تقدم (ص72) ت3.

(8)

في (ت): "ولا".

(9)

في (خ): "يجوز".

(10)

في (ط): "لنصت".

ص: 77

وَالثَّانِي: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ} (1)، فَأَمَرَ الْمُتَنَازِعِينَ بِالرُّجُوعِ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ دُونَ حديث النفوس وفُتيا القلوب.

والثالث: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ: {فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ} (2)، فَأَمَرَهُمْ بِمَسْأَلَةِ أَهْلِ الذِّكْرِ لِيُخْبِرُوهُمْ بِالْحَقِّ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أَنْ يَسْتَفْتُوا فِي ذلك أنفسهم.

والرابع: أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ/ لِنَبِيِّهِ احْتِجَاجًا عَلَى من أنكر وحدانيته: {ت ث ج ح خ د} (3) إِلَى آخِرِهَا، فَأَمَرَهُمْ بِالِاعْتِبَارِ (بِعِبْرَتِهِ)(4) / وَالِاسْتِدْلَالِ بِأَدِلَّتِهِ عَلَى صِحَّةِ مَا جَاءَهُمْ بِهِ، وَلَمْ يَأْمُرْهُمْ أن يستفتوا فيه نفوسهم ويصدروا عَمَّا اطْمَأَنَّتْ إِلَيْهِ قُلُوبُهُمْ، وَقَدْ وَضَعَ الْأَعْلَامَ وَالْأَدِلَّةَ، فَالْوَاجِبُ/ فِي كُلِّ مَا وَضَعَ اللَّهُ عَلَيْهِ الدَّلَالَةَ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِأَدِلَّتِهِ عَلَى مَا دلت (عليه)(5) دُونَ فَتْوَى النُّفُوسِ، وَسُكُونِ الْقُلُوبِ/ مِنْ أَهْلِ الجهل بأحكام الله.

هذا مَا حَكَاهُ الطَّبَرِيُّ عَمَّنْ تَقَدَّمَ، ثُمَّ (اخْتَارَ)(6) إِعْمَالَ تِلْكَ الْأَحَادِيثِ، إِمَّا لِأَنَّهَا صَحَّتْ عِنْدَهُ (أَوْ صَحَّ) (7) مِنْهَا عِنْدَهُ مَا تَدُلُّ عَلَيْهِ معانيها؛ كحديث:"الْحَلَالُ بيِّن وَالْحَرَامُ بيِّن وَبَيْنَهُمَا أُمُورٌ مُشْتَبِهَاتٌ"(8) إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ، فَإِنَّهُ صَحِيحٌ خرَّجه الْإِمَامَانِ، ولكنه لم يُعملها في كل (شيء)(9) مِنْ أَبْوَابِ الْفِقْهِ، إِذْ لَا يُمْكِنُ ذَلِكَ فِي تَشْرِيعِ الْأَعْمَالِ وَإِحْدَاثِ التَّعَبُّدَاتِ، فَلَا يُقَالُ بِالنِّسْبَةِ إِلَى إِحْدَاثِ الْأَعْمَالِ: إِذَا اطْمَأَنَّتْ نَفْسُكَ إِلَى هَذَا الْعَمَلِ فَهُوَ بِرٌّ، أَوِ اسْتَفْتِ قَلْبِكَ فِي إِحْدَاثِ هَذَا الْعَمَلِ، فَإِنِ اطْمَأَنَّتْ إليه نفسك فاعمل به وإلا فلا.

(1) سورة النساء: الآية (59).

(2)

سورة النحل: الآية (43).

(3)

سورة الغاشية: الآية (17).

(4)

في (م) و (غ) و (ر): "بعبرة".

(5)

زيادة من (م) و (غ) و (ر).

(6)

في (م): "اخبار".

(7)

في (ر): "وأصح".

(8)

تقدم تخريجه (1/ 183).

(9)

زيادة من (غ) و (ر).

ص: 78

وكذلك (بالنسبة)(1) إِلَى التَّشْرِيعِ التُّرْكِيِّ، لَا يَتَأَتَّى تَنْزِيلُ مَعَانِي الْأَحَادِيثِ عَلَيْهِ بِأَنْ يُقَالَ: إِنِ اطْمَأَنَّتْ نَفْسُكَ إِلَى تَرْكِ الْعَمَلِ الْفُلَانِيِّ فَاتْرُكْهُ، وَإِلَّا فَدَعْهُ، أَيْ فَدَعِ التَّرْكَ وَاعْمَلْ بِهِ، وَإِنَّمَا يَسْتَقِيمُ إِعْمَالُ الْأَحَادِيثِ الْمَذْكُورَةِ فِيمَا أَعْمَلَ فِيهِ قَوْلَهَ عليه الصلاة والسلام:"الْحَلَالُ بيِّن وَالْحَرَامُ بيِّن" الْحَدِيثَ.

وَمَا كَانَ مِنْ قَبِيلِ الْعَادَاتِ مِنِ اسْتِعْمَالِ الْمَاءِ وَالطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَالنِّكَاحِ وَاللِّبَاسِ، وَغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا فِي هَذَا الْمَعْنَى، فَمِنْهُ مَا هُوَ بَيِّنُ الْحِلِّيَّةِ وَمَا هُوَ بَيِّنُ التَّحْرِيمِ/ وَمَا فِيهِ إِشْكَالٌ، وَهُوَ الْأَمْرُ الْمُشْتَبَهُ الَّذِي لَا يُدْرَى أَحَلَالٌ/ هُوَ أَمْ حَرَامٌ؟ (فَإِنَّ تَرْكَ الْإِقْدَامِ أَوْلَى مِنَ الْإِقْدَامِ مَعَ جَهَلَةٍ بِحَالِهِ، نَظِيرَ قَوْلِهِ عليه السلام: "إِنِّي لِأَجِدُ التَّمْرَةَ سَاقِطَةً عَلَى فِرَاشِي، (فَلَوْلَا)(2) أَنِّي أَخْشَى أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ لَأَكَلْتُهَا" (3).

فَهَذِهِ التَّمْرَةُ لَا شَكَّ أَنَّهَا لَمْ تَخْرُجْ مِنْ إِحْدَى (الحالتين)(4): إِمَّا مِنَ الصَّدَقَةِ وَهِيَ حَرَامٌ عَلَيْهِ/ وَإِمَّا مِنْ غَيْرِهَا وَهِيَ حَلَالٌ لَهُ، فَتَرَكَ أَكْلَهَا حَذَرًا مِنْ أَنْ تَكُونَ مِنَ الصَّدَقَةِ فِي نَفْسِ الْأَمْرِ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَكَذَلِكَ حَقُّ اللَّهِ تعالى عَلَى الْعَبْدِ ـ فِيمَا اشْتَبَهَ عَلَيْهِ مِمَّا هُوَ فِي سَعَةٌ مِنْ تَرْكِهِ وَالْعَمَلِ بِهِ، أَوْ مما هو غير واجب (عليه)(5) أن يدع ما يريبه فيه إِلَى مَا لَا يُرِيبُهُ، إِذْ يَزُولُ بِذَلِكَ عن نفسه الشك، كمن يريد

(1) في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "في النسبة".

(2)

في (خ): "فلو".

(3)

أخرجه البخاري برقم (2055 و2431)، ومسلم (1070 و1071)، وبنحوه في صحيفة همام بن منبه (94)، وإسحاق بن راهويه في المسند (483)، وأحمد في المسند (2 180 و193 و317) و (3 119 و132 و184 و258 و291)، وأبو داود (1651 و1652)، وأبو يعلى في مسنده (2862 و2975 و3011 و3094)، والطحاوي في شرح معاني الآثار (2 9 و10)، وابن حبان في صحيحه (3292 و3296)، والبيهقي في السنن الكبرى (10600 و11876 و11877 و13012 ـ 13014).

(4)

في سائر النسخ ما عدا (غ) و (ر): "الحالين".

(5)

زيادة من (غ) و (ر).

ص: 79

خِطْبَةَ امْرَأَةٍ فَتُخْبِرُهُ امْرَأَةٌ أَنَّهَا قَدْ أَرْضَعَتْهُ وَإِيَّاهَا، وَلَا يَعْلَمُ صِدْقَهَا مَنْ كَذِبِهَا، فَإِنْ تَرَكَهَا/ أَزَالَ عَنْ نَفْسِهِ الرِّيبَةَ اللَّاحِقَةَ لَهُ بِسَبَبِ إِخْبَارِ الْمَرْأَةِ، وَلَيْسَ (تَزَوُّجُهُ)(1) إِيَّاهَا بِوَاجِبٍ، بِخِلَافِ مَا لَوْ أَقْدَمَ، فَإِنَّ النَّفْسَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَى حِلِّيَّة تِلْكَ (الزَّوْجَةِ)(2).

وَكَذَلِكَ قَوْلُ عُمَرَ إِنَّمَا هُوَ فِيمَا أَشْكَلَ أَمْرُهُ فِي الْبُيُوعِ فَلَمْ يَدْرِ (أَحَلَالٌ)(3) هُوَ أَمْ (حَرَامٌ)(4)؟ فَفِي تَرْكِهِ سُكُونُ النَّفْسِ وَطُمَأْنِينَةَ الْقَلْبِ، كَمَا فِي الْإِقْدَامِ شَكٌّ، هَلْ هُوَ آثِمٌ أَمْ لَا؟ وَهُوَ مَعْنَى قَوْلِهِ عليه السلام لِلنَّوَّاسِ وَوَابِصَةُ رضي الله عنهما، وَدَلَّ عَلَى ذَلِكَ حَدِيثُ الْمُشْتَبِهَاتِ، لَا مَا ظَنَّ أُولَئِكَ مِنْ أنه أمر للجهال أن يعملوا بِمَا رَأَتْهُ أَنْفُسُهُمْ، وَيَتْرُكُوا مَا/ اسْتَقْبَحُوهُ دُونَ أَنْ يَسْأَلُوا عُلَمَاءَهُمْ.

قَالَ الطَّبَرِيُّ: فَإِنْ قِيلَ: إِذَا قَالَ الرَّجُلُ لِامْرَأَتِهِ: أَنْتَ عليَّ حَرَامٌ، فَسَأَلَ/ الْعُلَمَاءَ فَاخْتَلَفُوا عَلَيْهِ، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: قَدْ بَانَتْ (مِنْكَ)(5) بِالثَّلَاثِ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّهَا حَلَالٌ غَيْرَ أَنَّ عَلَيْكَ كَفَّارَةَ يَمِينٍ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: ذَلِكَ إِلَى نِيَّتِهِ إِنْ أَرَادَ الطَّلَاقَ فَهُوَ طَلَاقٌ، أَوِ الظِّهَارَ فَهُوَ ظِهَارٌ، أَوْ يَمِينًا فَهُوَ يَمِينٌ، وَإِنْ لَمْ يَنْوِ شَيْئًا فَلَيْسَ بِشَيْءٍ.

أَيَكُونُ هَذَا اخْتِلَافًا فِي الْحُكْمِ كَإِخْبَارِ الْمَرْأَةِ بِالرِّضَاعِ فَيُؤْمَرُ هُنَا بِالْفِرَاقِ، كَمَا يُؤْمَرُ هُنَاكَ أَنْ لَا يَتَزَوَّجَهَا خَوْفًا مِنَ الْوُقُوعِ فِي الْمَحْظُورِ (أَوْ لَا)(6)؟

قِيلَ: حُكْمُهُ فِي مَسْأَلَةِ الْعُلَمَاءِ أَنْ يَبْحَثَ عَنْ أَحْوَالِهِمْ، وَأَمَانَتِهِمْ وَنَصِيحَتِهِمْ، ثُمَّ يُقَلِّدُ/ الْأَرْجَحَ. فَهَذَا مُمْكِنٌ، (وَالْحَزَّازَةُ)(7) مرتفعة بهذا

(1) في (م) و (غ) و (ر): "تزويجها".

(2)

في (غ) و (ر): "الزوجية".

(3)

في (ط): "حلال".

(4)

في (م) و (غ) و (ر): "لا".

(5)

في (غ) و (ر): "منه".

(6)

في (م): "أولى"، وفي (غ) و (ر):"أم لا".

(7)

في (م): "الحزارة".

ص: 80

الْبَحْثِ، بِخِلَافِ مَا إِذَا بَحَثَ مَثَلًا عَنْ أَحْوَالِ الْمَرْأَةِ فَإِنَّ (الْحَزَّازَةَ)(1) لَا تَزُولُ، وَإِنْ أَظْهَرَ الْبَحْثُ أَنَّ أَحْوَالَهَا غَيْرُ حَمِيدَةٍ، فَهُمَا عَلَى (هَذَا)(2) مُخْتَلِفَانِ، وَقَدْ يَتَّفِقَانِ فِي الْحُكْمِ إِذَا بَحَثَ عَنِ الْعُلَمَاءِ فَاسْتَوَتْ أَحْوَالُهُمْ عِنْدَهُ، (بحيث)(3) لَمْ يَثْبُتْ لَهُ تَرْجِيحٌ لِأَحَدِهِمْ، فَيَكُونُ الْعَمَلُ الْمَأْمُورُ بِهِ مِنَ الِاجْتِنَابِ كَالْمَعْمُولِ بِهِ فِي مَسْأَلَةِ المُخبرة بِالرَّضَاعِ سَوَاءٌ، إِذْ لَا فَرْقَ بَيْنَهُمَا عَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ. انْتَهَى مَعْنَى كَلَامِ الطَّبَرِيِّ.

وَقَدْ أَثْبَتَ فِي مَسْأَلَةِ اخْتِلَافِ الْعُلَمَاءِ عَلَى الْمُسْتَفْتِي أَنَّهُ غَيْرُ مخيَّر، بَلْ حُكْمُهُ حُكْمُ مَنِ الْتَبَسَ عَلَيْهِ الْأَمْرُ فَلَمْ يَدْرِ أحلال هو أو حَرَامٌ) (4)، فَلَا خَلَاصَ لَهُ مِنَ الشُّبْهَةِ إِلَّا باتباع أفضلهم وَالْعَمَلُ بِمَا (أَفْتَى)(5) بِهِ، وَإِلَّا (فَالتُّرْكُ)(6) إِذْ لَا تَطْمَئِنُّ النَّفْسُ إِلَّا بِذَلِكَ حَسْبَمَا اقْتَضَتْهُ الأدلة المتقدمة.

(1) في (م): "الحزارة".

(2)

ساقط من (غ) و (ر).

(3)

زيادة من (غ) و (ر).

(4)

ما بين القوسين () من الصفحة السابقة إلى هنا سقط من (ت)، وهو قريب من صفحتين.

(5)

في (غ) و (ر): "أتى".

(6)

في (غ) و (ر): "الترك".

ص: 81