الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[سورة آل عمران (3) : الآيات 19 الى 22]
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ إِلَاّ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْياً بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ (19) فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ (20) إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ (21) أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ (22)
إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ أَيِ الْمِلَّةُ وَالشَّرْعُ، وَالْمَعْنَى: إِنَّ الدِّينَ الْمَقْبُولَ أَوِ النَّافِعَ أَوِ الْمُقَرَّرَ.
قَرَأَ الْجُمْهُورُ: إِنَّ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَالْكِسَائِيُّ، وَمُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى الْأَصْبَهَانِيُّ: أَنَّ، بِالْفَتْحِ، وَتَقَدَّمَتْ قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ: شَهِدَ اللَّهُ إِنَّهُ، بِكَسْرِ الْهَمْزَةِ، فَأَمَّا قِرَاءَةُ الْجُمْهُورِ فَعَلَى الِاسْتِئْنَافِ، وَهِيَ مُؤَكِّدَةٌ لِلْجُمْلَةِ الْأُولَى.
قَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: فَإِنْ قُلْتَ: مَا فَائِدَةٌ هَذَا التَّوْكِيدِ؟
قُلْتُ: فَائِدَتُهُ أَنَّ قوله: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ تَوْحِيدٌ، وَقَوْلَهُ: قَائِمًا بِالْقِسْطِ، تَعْدِيلٌ، فَإِذَا أَرْدَفَهُ قَوْلُهُ: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، فَقَدْ أَذِنَ أَنَّ الْإِسْلَامَ هُوَ الْعَدْلُ وَالتَّوْحِيدُ، وَهُوَ الدِّينُ عِنْدَ اللَّهِ، وَمَا عَدَاهُ فَلَيْسَ عِنْدَهُ بِشَيْءٍ مِنَ الدِّينِ، وَفِيهِ أَنَّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى تَشْبِيهٍ، أَوْ مَا يُؤَدِّي إِلَيْهِ، كَإِجَازَةِ الرُّؤْيَةِ، أَوْ ذَهَبَ إِلَى الْجَبْرِ الَّذِي هُوَ مَحْضُ الْجَوْرِ، لَمْ يَكُنْ عَلَى دِينٍ الله الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ، وَهَذَا بَيِّنٌ جَلِيٌّ كَمَا تَرَى. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ عَلَى طَرِيقَةِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنْ إِنْكَارِ الرُّؤْيَةِ، وَقَوْلُهُمْ: إِنَّ أَفْعَالَ الْعَبْدِ مَخْلُوقَةٌ لَهُ لَا لِلَّهِ تَعَالَى.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ الْكِسَائِيِّ وَمَنْ وَافَقَهُ فِي نَصْبِ: أَنَّهُ، وَأَنَّ، فَقَالَ أَبُو عَلِيٍّ الْفَارِسِيُّ: أن شِئْتَ جَعَلْتَهُ مِنْ بَدَلِ الشَّيْءَ مِنَ الشيء وهو هُوَ، أَلَا تَرَى أَنَّ الدين الذي هو الإسلام يَتَضَمَّنُ التَّوْحِيدَ وَالْعَدْلَ وَهُوَ هُوَ فِي الْمَعْنَى؟ وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ مِنْ بَدَلِ الِاشْتِمَالِ، لِأَنَّ الْإِسْلَامَ يَشْتَمِلُ عَلَى التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ. وَقَالَ: وَإِنْ شِئْتَ جَعَلْتَهُ بَدَلًا مِنَ الْقِسْطِ، لِأَنَّ الدِّينَ
الَّذِي هُوَ الْإِسْلَامُ قِسْطٌ وَعَدْلٌ، فَيَكُونُ أَيْضًا مِنْ بَدَلِ الشَّيْءِ مِنَ الشَّيْءِ، وَهُمَا لِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ.
انْتَهَتْ تَخْرِيجَاتُ أَبِي عَلِيٍّ، وَهُوَ مُعْتَزِلِيٌّ، فَلِذَلِكَ يَشْتَمِلُ كَلَامُهُ عَلَى لَفْظِ الْمُعْتَزِلَةِ مِنَ التَّوْحِيدِ وَالْعَدْلِ، وَعَلَى الْبَدَلِ مِنْ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، خَرَّجَهُ غَيْرُهُ أَيْضًا وَلَيْسَ بِجَيِّدٍ، لِأَنَّهُ يُؤَدِّي إِلَى تَرْكِيبٍ بَعِيدٍ أَنْ يَأْتِيَ مِثْلُهُ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ، وَهُوَ: عَرَفَ زَيْدٌ أَنَّهُ لَا شُجَاعَ إلّا هو، و: بنو تَمِيمٍ، وَبَنُو دَارِمٍ مُلَاقِيًا لِلْحُرُوبِ لَا شُجَاعَ إِلَّا هُوَ الْبَطَلُ الْمُحَامِي، إِنَّ الْخَصْلَةَ الْحَمِيدَةَ هِيَ الْبَسَالَةُ. وَتَقْرِيبُ هَذَا الْمِثَالِ: ضَرَبَ زَيْدٌ عَائِشَةَ، وَالْعُمَرَانِ حَنَقَا أُخْتَكَ.
فَحَنَقَا: حَالٌ مِنْ زَيْدٍ، وَأُخْتَكَ بَدَلٌ مِنْ عَائِشَةَ، فَفَصَلَ بَيْنَ الْبَدَلِ وَالْمُبْدَلِ مِنْهُ بِالْعَطْفِ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ. وَبِالْحَالِ لِغَيْرِ الْمُبْدَلِ مِنْهُ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ، لِأَنَّهُ فَصْلٌ بِأَجْنَبِيٍّ بَيْنَ الْمُبْدَلِ مِنْهُ وَالْبَدَلِ. وَخَرَّجَهَا الطَّبَرِيُّ عَلَى حَذْفِ حَرْفِ الْعَطْفِ، التَّقْدِيرُ: وَأَنَّ الدِّينَ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ:
وَهَذَا ضَعِيفٌ، وَلَمْ يُبَيِّنْ وَجْهَ ضَعْفِهِ، وَوَجْهُ ضَعْفِهِ أَنَّهُ مُتَنَافِرُ التَّرْكِيبِ مَعَ إِضْمَارِ حَرْفِ الْعَطْفِ، فَيَفْصِلُ بَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ الْمَرْفُوعَيْنِ بِالْمَنْصُوبِ الْمَفْعُولِ، وَبَيْنَ الْمُتَعَاطِفَيْنِ الْمَنْصُوبَيْنِ بِالْمَرْفُوعِ الْمُشَارِكِ الْفَاعِلَ فِي الْفَاعِلِيَّةِ، وَبِجُمْلَتَيِ الِاعْتِرَاضِ، وَصَارَ فِي التَّرْكِيبِ دُونَ مُرَاعَاةِ الْفَصْلِ، نَحْوَ: أَكَلَ زَيْدٌ خُبْزًا وَعَمْرٌو وَسَمَكًا. وَأَصْلُ التَّرْكِيبِ: أَكَلَ زَيْدٌ وَعَمْرٌو خبرا وَسَمَكًا. فَإِنْ فَصَلْنَا بَيْنَ قَوْلِكَ: وَعَمْرٌوَ، وَبَيْنَ قَوْلِكَ: وَسَمَكًا، يَحْصُلُ شَنَعِ التَّرْكِيبِ. وَإِضْمَارُ حَرْفِ الْعَطْفِ لَا يَجُوزُ عَلَى الْأَصَحِّ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَقُرِئَتَا مَفْتُوحَتَيْنِ عَلَى أَنَّ الثَّانِيَ بَدَلٌ مِنَ الْأَوَّلِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: شَهِدَ الله إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، وَالْبَدَلُ هُوَ الْمُبْدَلُ مِنْهُ فِي الْمَعْنَى، فَكَانَ بَيَانًا صَرِيحًا، لِأَنَّ دِينَ الْإِسْلَامِ هُوَ التَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ. انْتَهَى. وَهَذَا نَقْلُ كَلَامِ أَبِي عَلِيٍّ دُونَ اسْتِيفَاءٍ.
وَأَمَّا قِرَاءَةُ ابْنِ عَبَّاسٍ فَخُرِّجَ عَلَى إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ هُوَ مَعْمُولُ: شَهِدَ، وَيَكُونُ فِي الْكَلَامِ اعْتِرَاضَانِ: أَحَدُهُمَا: بَيْنَ الْمَعْطُوفِ عَلَيْهِ وَالْمَعْطُوفِ وَهُوَ أَنَّهُ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ وَالثَّانِي: بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْحَالِ وَبَيْنَ الْمَفْعُولِ لشهد وَهُوَ لَا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ وَإِذَا أَعْرَبْنَا: الْعَزِيزُ، خَبَرَ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ، كَانَ ذَلِكَ ثَلَاثَ اعْتِرَاضَاتٍ، فَانْظُرْ إِلَى هَذِهِ التَّوْجِيهَاتِ الْبَعِيدَةِ الَّتِي لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ لَهَا بِنَظِيرٍ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَإِنَّمَا حُمِّلَ عَلَى ذَلِكَ الْعُجْمَةُ، وَعَدَمُ الْإِمْعَانِ فِي تَرَاكِيبِ كَلَامِ الْعَرَبِ، وَحِفْظِ أَشْعَارِهَا.
وَكَمَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ فِي خُطْبَةِ هَذَا الْكِتَابِ: أَنَّهُ لَا يَكْفِي النَّحْوُ وَحْدَهُ فِي عِلْمِ الْفَصِيحِ مِنْ كَلَامِ الْعَرَبِ، بَلْ لَا بُدَّ مِنَ الِاطِّلَاعِ عَلَى كَلَامِ الْعَرَبِ، وَالتَّطَبُّعِ بِطِبَاعِهَا، وَالِاسْتِكْثَارِ مِنْ
ذَلِكَ، وَالَّذِي خَرَجَتْ عَلَيْهِ قِرَاءَةُ: أَنَّ الدِّينَ، بِالْفَتْحِ هُوَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ فِي مَوْضِعِ الْمَعْمُولِ: لِلْحَكِيمِ، عَلَى إِسْقَاطِ حَرْفِ الْجَرِّ، أَيْ: بِأَنَّ، لِأَنَّ الْحَكِيمَ فَعِيلٌ لِلْمُبَالَغَةِ:
كَالْعَلِيمِ وَالسَّمِيعِ وَالْخَبِيرِ، كَمَا قَالَ تَعَالَى مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ خَبِيرٍ «1» وَقَالَ مِنْ لَدُنْ حَكِيمٍ عَلِيمٍ «2» وَالتَّقْدِيرُ: لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَاكِمُ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ. وَلَمَّا شَهِدَ تَعَالَى لِنَفْسِهِ بِالْوَحْدَانِيَّةِ، وَشَهِدَ لَهُ بِذَلِكَ الْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ، حُكِمَ أَنَّ الدِّينَ الْمَقْبُولَ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ الْإِسْلَامُ، فَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَعْدِلَ عَنْهُ وَمَنْ يَبْتَغِ غَيْرَ الْإِسْلامِ دِيناً فَلَنْ يُقْبَلَ مِنْهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخاسِرِينَ «3» وَعَدَلَ من صِيغَةِ الْحَاكِمِ إِلَى الْحَكِيمِ لِأَجْلِ الْمُبَالَغَةِ، وَلِمُنَاسَبَةِ الْعَزِيزِ، وَمَعْنَى الْمُبَالَغَةِ تَكْرَارُ حُكْمِهِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الشَّرَائِعِ إِنَّ الدِّينَ عِنْدَهُ هُوَ الْإِسْلَامُ، إِذْ حَكَمَ فِي كُلِّ شَرِيعَةٍ بِذَلِكَ.
فَإِنْ قُلْتَ: لِمَ حَمَلْتَ الْحَكِيمَ عَلَى أَنَّهُ مُحَوَّلٌ مِنْ فَاعِلٍ إِلَى فَعِيلٍ لِلْمُبَالَغَةِ، وَهَلَّا جَعَلْتَهُ فَعَيْلًا بِمَعْنَى مُفْعِلٍ، فَيَكُونَ مَعْنَاهُ الْمُحْكِمَ، كَمَا قَالُوا فِي: أَلِيمٍ، إِنَّهُ بِمَعْنَى مُؤْلِمٍ، وَفِي سَمِيعٍ مِنْ قَوْلِ الشَّاعِرِ:
أَمِنْ رَيْحَانَةِ الدَّاعِي السَّمِيعِ أَيِ الْمُسْمِعِ؟
فَالْجَوَابُ: إِنَّا لَا نُسَلِّمُ أَنَّ فَعِيلًا يَأْتِي بِمَعْنَى مُفْعِلٍ، وَقَدْ يُؤَوَّلُ: أَلِيمٌ وَسَمِيعٌ، عَلَى غَيْرِ مُفْعِلٍ، وَلَئِنْ سَلَّمْنَا ذَلِكَ فَهُوَ مِنَ النُّدُورِ وَالشُّذُوذِ وَالْقِلَّةِ بِحَيْثُ لَا يَنْقَاسُ، وَأَمَّا فَعِيلٌ الْمُحَوَّلُ مِنْ فَاعِلٍ لِلْمُبَالَغَةِ فَهُوَ مُنْقَاسٌ كَثِيرٌ جِدًّا، خَارِجٌ عَنِ الْحَصْرِ: كَعَلِيمٍ وَسَمِيعٍ وَقَدِيرٍ وَخَبِيرٍ وَحَفِيظٍ، فِي أَلْفَاظٍ لَا تُحْصَى، وَأَيْضًا فَإِنَّ الْعَرَبِيَّ الْقُحَّ الْبَاقِيَ عَلَى سَلِيقَتِهِ لَمْ يَفْهَمْ مِنْ حَكِيمٍ إِلَّا أَنَّهُ مُحَوَّلٌ لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ حَاكِمٍ، أَلَا تَرَى أَنَّهُ لَمَّا سَمِعَ قَارِئًا يَقْرَأُ وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ فَاقْطَعُوا أَيْدِيَهُما جَزاءً بِما كَسَبا. نَكالًا مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ. أَنْكَرَ أَنْ تَكُونَ فَاصِلَةُ هَذَا التَّرْكِيبِ السَّابِقِ: وَاللَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ فَقِيلَ لَهُ التِّلَاوَةُ: وَاللَّهُ عَزِيزٌ حَكِيمٌ «4» فَقَالَ: هَكَذَا يَكُونُ عَزَّ فَحَكَمَ، ففهم من حكم أَنَّهُ مُحَوَّلٌ لِلْمُبَالَغَةِ مِنْ حَاكِمٍ، وَفَهِمَ هَذَا الْعَرَبِيُّ حُجَّةً قَاطِعَةً بِمَا قُلْنَاهُ، وَهَذَا تَخْرِيجٌ سَهْلٌ سَائِغٌ جِدًّا، يُزِيلُ تِلْكَ التَّكَلُّفَاتِ والتركيبات المعقدة الَّتِي يُنَزَّهُ كِتَابُ اللَّهِ عنها.
(1) سورة هود: 11/ 1.
(2)
سورة النمل: 27/ 6.
(3)
سورة آل عمران: 3/ 85.
(4)
سورة المائدة: 5/ 38.
وَأَمَّا عَلَى قِرَاءَةِ ابْنِ عَبَّاسٍ فَكَذَلِكَ نَقُولُ، وَلَا نَجْعَلُ: أَنَّ الدِّينَ مَعْمُولًا: لشهد، كَمَا فَهِمُوا، وَأَنَّ: أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، اعْتِرَاضٌ، وَأَنَّهُ بَيْنَ الْمَعْطُوفِ وَالْحَالِ وَبَيْنَ: أَنَّ الدِّينَ، اعْتِرَاضٌ آخَرُ، أَوِ اعْتِرَاضَانِ، بَلْ نَقُولُ: مَعْمُولُ: شَهِدَ، إِنَّهُ بِالْكَسْرِ عَلَى تَخْرِيجِ مَنْ خَرَّجَ أَنَّ شَهِدَ، لَمَّا كَانَ بِمَعْنَى الْقَوْلِ كُسِرَ مَا بَعْدَهَا إِجْرَاءً لَهَا مَجْرَى الْقَوْلِ، أَوْ نَقُولُ: إِنَّهُ مَعْمُولُهَا، وَعُلِّقَتْ وَلَمْ تَدْخُلِ اللَّامُ فِي الْخَبَرِ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ بِخِلَافٍ أَنْ لَوْ كَانَ مُثْبَتًا، فَإِنَّكَ تَقُولُ: شَهِدْتُ إِنَّ زيدا المنطلق، فَيُعَلَّقُ بِإِنَّ مَعَ وُجُودِ اللَّامِ لِأَنَّهُ لَوْ لَمْ تَكُنِ اللَّامُ لَفُتِحَتْ إِنَّ فَقُلْتَ: شَهِدْتُ أَنَّ زَيْدًا مُنْطَلِقٌ، فَمَنْ قَرَأَ بِفَتْحِ: أَنَّهُ، فَإِنَّهُ لَمْ يَنْوِ التَّعْلِيقَ، وَمَنْ كَسَرَ فَإِنَّهُ نَوَى التَّعْلِيقَ. وَلَمْ تَدْخُلِ اللَّامُ فِي الْخَبَرِ لِأَنَّهُ مَنْفِيٌّ كَمَا ذَكَرْنَا.
وَالْإِسْلَامُ: هُنَا الْإِيمَانُ وَالطَّاعَاتُ، قَالَهُ أَبُو الْعَالِيَةِ، وَعَلَيْهِ جُمْهُورُ الْمُتَكَلِّمِينَ، وَعَبَّرَ عَنْهُ قَتَادَةُ، ومحمد بن جعفر بن الزُّبَيْرِ بِالْإِيمَانِ وَمُرَادُهُمَا أَنَّهُ مَعَ الْأَعْمَالِ. وَقَرَأَ عَبْدُ اللَّهِ:
إِنْ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْحَنِيفِيَّةُ.
قَالَ ابْنُ الْأَنْبَارِيِّ: وَلَا يَخْفَى عَلَى ذِي تَمْيِيزٍ أَنَّ هَذَا كَلَامٌ مِنَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم عَلَى جِهَةِ التَّفْسِيرِ، أَدْخَلَهُ بَعْضُ مَنْ يَنْقُلُ الْحَدِيثَ فِي القراآت، وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ فِي الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ: أَهُمَا شَيْءٌ وَاحِدٌ أَمْ هُمَا مُخْتَلِفَانِ؟ وَالْفَرْقُ ظَاهِرٌ فِي حَدِيثِ سُؤَالِ جِبْرِيلَ.
وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أَيْ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى، أَوْ هُمَا وَالْمَجُوسُ، أَقْوَالٌ ثَلَاثَةٌ:
فَعَلَى أَنَّهُمُ الْيَهُودُ، وَهُوَ قَوْلُ الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ، الَّذِينَ اختلفوا فيه التَّوْرَاةِ.
قَالَ: لَمَّا حَضَرَتْ مُوسَى عليه السلام الْوَفَاةُ، اسْتَوْدَعَ سَبْعِينَ مِنْ أَحْبَارِ بَنِي إِسْرَائِيلَ التَّوْرَاةَ عِنْدَ كُلِّ حَبْرٍ جُزْءٌ، وَاسْتَخْلَفَ يُوشَعُ، فَلَمَّا مَضَى ثَلَاثَةُ قُرُونٍ وَقَعَتِ الْفُرْقَةُ بَيْنَهُمْ.
وقيل: الذين اختلفوا فيه نُبُوَّةِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم، فَقَالَ بَعْضُهُمْ: بُعِثَ إِلَى الْعَرَبِ خَاصَّةً، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: لَيْسَ بِالنَّبِيِّ الْمَبْعُوثِ لِأَنَّ ذَلِكَ حُقِّقَ فِي بَنِي إِسْحَاقَ.
وَعَلَى أَنَّهُمُ النَّصَارَى، وَهُوَ قَوْلُ محمد بن جعفر بن الزُّبَيْرِ، فَالَّذِي اخْتَلَفُوا فِيهِ:
دِينُهُمْ، أَوْ أَمْرُ عِيسَى، أَوْ دِينُ الْإِسْلَامِ. ثَلَاثَةُ أَقْوَالٍ.
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: هُمْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، وَاخْتَلَفُوا أَنَّهُمْ تَرَكُوا الْإِسْلَامَ وَهُوَ التَّوْحِيدُ وَالْعَدْلُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ أَنَّهُ الْحَقُّ الَّذِي لَا مَحِيدَ عَنْهُ، فَثَلَّثَتِ
النَّصَارَى وَقالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ «1» ، وَقَالُوا: كُنَّا أَحَقَّ بِأَنْ تَكُونَ النُّبُوَّةُ فِينَا مِنْ قُرَيْشٍ لِأَنَّهُمْ أُمِّيُّونَ، وَنَحْنُ أَهْلُ كِتَابٍ، وَهَذَا تَجْوِيرٌ لِلَّهِ تَعَالَى. انْتَهَى.
ثُمَّ قَالَ: وَقِيلَ: اخْتِلَافُهُمْ فِي نُبُوَّةِ مُحَمَّدٍ عليه السلام، حَيْثُ آمَنَ بِهِ بَعْضٌ وَكَفَرَ بَعْضٌ، وَقِيلَ: اخْتِلَافُهُمْ فِي الْإِيمَانِ بِالْأَنْبِيَاءِ فَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِمُوسَى، وَمِنْهُمْ مَنْ آمَنَ بِعِيسَى. انْتَهَى.
وَالَّذِي يَظْهَرُ أَنَّ اللَّفْظَ عَامٌّ فِي الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَأَنَّ الْمُخْتَلَفَ فِيهِ هُوَ:
الْإِسْلَامُ، لِأَنَّهُ تَعَالَى قَرَّرَ أَنَّ الدِّينَ هُوَ الْإِسْلَامُ، ثُمَّ قَالَ: وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ أَيْ: فِي الْإِسْلَامِ حَتَّى تُنَكِّبُوهُ إِلَى غَيْرِهِ مِنَ الْأَدْيَانِ.
إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ الَّذِي هُوَ سَبَبٌ لِاتِّبَاعِ الْإِسْلَامِ، وَالِاتِّفَاقِ عَلَى اعْتِقَادِهِ، وَالْعَمَلِ بِهِ، لَكِنْ عَمُوا عَنْ طَرِيقِ الْعِلْمِ وَسُلُوكِهِ بِالْبَغْيِ الْوَاقِعِ بَيْنَهُمْ مِنَ الْحَسَدِ، وَالِاسْتِئْثَارِ بِالرِّيَاسَةِ، وَذَهَابِ كُلٍّ مِنْهُمْ مَذْهَبًا يُخَالِفُ الْإِسْلَامَ حَتَّى يَصِيرَ رَأْسًا يُتْبَعُ فِيهِ، فَكَانُوا مِمَّنْ ضَلَّ عَلَى عِلْمٍ. وَقَدْ تَقَدَّمَ مَا يُشْبِهُ هَذَا مِنْ قَوْلِهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَتْهُمُ الْبَيِّناتُ «2» .
بَغْياً بَيْنَهُمْ وَإِعْرَابُ: بَغْيًا، فَإِنَّهُ أَتَى بَعْدَ إِلَّا شَيْئَانِ ظَاهِرَهُمَا أَنَّهُمَا مُسْتَثْنَيَانِ، وَتَخْرِيجُ ذَلِكَ: فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ هُنَا.
وَمَنْ يَكْفُرْ بِآياتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسابِ هَذَا عَامٌّ فِي كُلِّ كَافِرٍ بِآيَاتِ اللَّهِ، فَلَا يُخَصُّ بِالْمُخْتَلِفِينَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَإِنْ جَاءَتِ الْجُمْلَةُ الشَّرْطِيَّةُ بَعْدَ ذِكْرِهِمْ.
وَآيَاتُهُ، هُنَا قِيلَ: حُجَجُهُ، وَقِيلَ: التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ وَمَا فِيهِمَا مِنْ وَصْفِ نَبِيِّنَا صلى الله عليه وسلم.
وَقِيلَ: الْقُرْآنُ، وَقَالَ الْمَاتُرِيدِيُّ: أَيْ مِنَ الْمُخْتَلِفِينَ.
وَتَقَدَّمَ تَفْسِيرُ: سَرِيعُ الْحِسَابِ، فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ، وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ جَوَابُ الشَّرْطِ، وَالْعَائِدِ مِنْهَا عَلَى اسْمِ الشَّرْطِ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ: سَرِيعُ الْحِسَابِ لَهُ.
فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ الضَّمِيرُ فِي: حَاجُّوكَ، الظَّاهِرُ أَنَّهُ يَعُودُ عَلَى الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَقَالَ أَبُو مُسْلِمٍ: يَعُودُ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ، لِقَوْلِهِ بَعْدَ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ وَالْأُمِّيِّينَ وَقِيلَ: يَعُودُ عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ، قَدِمُوا الْمَدِينَةَ للمحاجة. وظاهر
(1) سورة التوبة: 9/ 30.
(2)
سورة البقرة: 2/ 213.
الْمِحَاجِّ فِيهِ أَنَّهُ دِينُ الْإِسْلَامِ، لِأَنَّهُ السَّابِقُ. وَجَوَابُ الشَّرْطِ هُوَ: فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَالْمَعْنَى: انْقَدْتُ وَأَطَعْتُ وَخَضَعْتُ لِلَّهِ وَحْدَهُ، وَعَبَّرَ: بِالْوَجْهِ، عَنْ جَمِيعِ ذَاتِهِ، لِأَنَّ الْوَجْهَ أَشْرَفُ الْأَعْضَاءِ، وَإِذَا خَضَعَ الْوَجْهُ فَمَا سِوَاهُ أَخْضَعُ وَقَالَ الْمَرْوَزِيُّ، وَسَبَقَهُ الْفَرَّاءُ إِلَى مَعْنَاهُ: مَعْنَى أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ، أَيْ: دِينِيَ، لِأَنَّ الْإِيمَانَ كَالْوَجْهِ بَيْنَ الْأَعْمَالِ إِذْ هُوَ الْأَصْلُ، وَجَاءَ فِي التفسير أقوال لَكُمْ، كَمَا قَالَ ابْنُ نُعَيْمٍ: وَقَدْ أَجْمَعْتُمْ عَلَى أَنَّهُ مُحِقٌّ قالَ: يَا قَوْمِ إِنِّي بَرِيءٌ مِمَّا تُشْرِكُونَ إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ حَنِيفاً وَما أَنَا مِنَ الْمُشْرِكِينَ «1» .
وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: وَأَسْلَمْتُ وَجْهِيَ، أَيْ: أَخْلَصْتُ نَفْسِيَ وَعَمَلِيَ لِلَّهِ وَحْدَهُ، لَمْ أَجْعَلْ لَهُ شَرِيكًا بِأَنْ أَعْبُدَهُ وَأَدْعُوَ إِلَهًا مَعَهُ، يَعْنِي: أَنَّ دِينِي التَّوْحِيدُ، وَهُوَ الدِّينُ الْقَدِيمُ الَّذِي ثَبَتَ عِنْدَكُمْ صِحَّتُهُ، كَمَا ثَبَتَ عِنْدِي. وَمَا جِئْتُ بِشَيْءٍ بَدِيعٍ حَتَّى تُجَادِلُونِي فِيهِ، وَنَحْوِهِ قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ «2» الْآيَةَ، فَهُوَ دَفْعٌ لِلْمُجَادَلَةِ. انْتَهَى.
وَفِي تَفْسِيرِهِ أَطْلَقَ الْوَجْهَ عَلَى النَّفْسِ وَالْعَمَلِ مَعًا، إِلَّا إِنْ كَانَ أَرَادَ تَفْسِيرَ الْمَعْنَى لَا تَفْسِيرَ اللَّفْظِ، فَيَسُوغُ لَهُ ذَلِكَ.
وَقَالَ الرَّازِيُّ: فِي كَيْفِيَّةِ إِيرَادِ هَذَا الْكَلَامِ طَرِيقَانِ:
الْأَوَّلُ: أَنَّهُ إِعْرَاضٌ عَنِ الْمُحَاجَّةِ، إِذْ قَدْ أَظْهَرَ لَهُمُ الْحُجَّةَ عَلَى صِدْقِهِ قَبْلَ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَةِ، فَإِنَّ هَذِهِ السُّورَةَ مَدَنِيَّةٌ، وَذَلِكَ بِإِظْهَارِ المعجزات بِالْقُرْآنِ وَغَيْرِهِ، وَقَدْ ذَكَرَ قَبْلَ هَذِهِ الْآيَةِ الْحُجَّةَ بِقَوْلِهِ: الْحَيُّ الْقَيُّومُ «3» عَلَى فَسَادِ قَوْلِ النَّصَارَى فِي إِلَهِيَّةِ عِيسَى، وَبِقَوْلِهِ نَزَّلَ عَلَيْكَ الْكِتابَ «4» عَلَى صِحَّةِ نُبُوَّتِهِ، وَذَكَرَ شُبَهَ الْقَوْمِ وَأَجَابَ عَنْهَا، وَذَكَرَ مُعْجِزَاتٍ أُخْرَى، وَهِيَ مَا شَاهَدُوهُ يوم بدر، بين الْقَوْلِ بِالتَّوْحِيدِ بِقَوْلِهِ: شَهِدَ اللَّهُ.
وَالطَّرِيقُ الثَّانِي: أَنَّهُ إِظْهَارٌ لِلدَّلِيلِ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ كَانُوا مُقِرِّينَ بِالصَّانِعِ وَاسْتِحْقَاقِهِ لِلْعِبَادَةِ فَكَأَنَّهُ قَالَ: أَنَا مُتَمَسِّكٌ بِهَذَا الْقَدْرِ الْمُتَّفَقِ عَلَيْهِ، وَالْخُلْفُ فِيمَا وَرَاءَهُ، وَعَلَى الْمُدَّعِي الْإِثْبَاتُ. وَأَيْضًا كَانُوا مُعَظِّمِينَ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام وَأَنَّهُ كَانَ مُحِقًّا، وَقَدْ أُمِرَ أَنْ يَتْبَعَ مِلَّتَهُ، وَهُنَا أُمِرَ أَنْ يَقُولَ كَقَوْلِهِ، فَيَكُونُ هَذَا مِنْ بَابِ الْإِلْزَامِ، أَيْ: أَنَا مُتَمَسِّكٌ بِطَرِيقِ مَنْ هُوَ عِنْدَكُمْ مُحِقٌّ، وَهَذَا قَالَهُ أَبُو مُسْلِمٍ، وَأَيْضًا لِمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الدِّينَ هُوَ الْإِسْلَامُ، قِيلَ لَهُ: إن
(1) سورة الأنعام: 6/ 78 و 79.
(2)
سورة آل عمران: 3/ 64.
(3)
سورة آل عمران: 3/ 2 وقد وردت في سورة البقرة: 2/ 255. [.....]
(4)
سورة آل عمران: 3/ 3.
نَازَعُوكَ فَقُلِ: الدَّلِيلُ عَلَيْهِ أَنِّي أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ، فَهَذَا تَمَامُ الْوَفَاءِ بِلُزُومِ الرُّبُوبِيَّةِ وَالْعُبُودِيَّةِ، فَصَحَّ أَنَّ الدِّينَ الْكَامِلَ الْإِسْلَامُ، وَأَيْضًا فَالْآيَةُ مُنَاسِبَةٌ لِقَوْلِ إِبْرَاهِيمَ لِمَ تَعْبُدُ مَا لَا يَسْمَعُ وَلا يُبْصِرُ
«1» أَيْ: لَا تَجُوزُ الْعِبَادَةُ إِلَّا لِمَنْ يَكُونُ نَافِعًا وَضَارًّا وَقَادِرًا عَلَى جَمِيعِ الْأَشْيَاءِ، وَعِيسَى لَيْسَ كَذَلِكَ، وَأَيْضًا فَهَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى طَرِيقَةِ إِبْرَاهِيمَ عليه السلام إِذْ قالَ لَهُ رَبُّهُ: أَسْلِمْ قالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ الْعالَمِينَ «2» وَرُوِيَ هَذَا عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. انْتَهَى مَا لُخِّصَ مِنْ كَلَامِ الرَّازِيِّ. وَلَيْسَ أَوَاخِرُ كَلَامِهِ بِظَاهِرَةٍ مِنْ مُرَادِ الْآيَةِ وَمَدْلُولِهَا.
وَفَتَحَ الْيَاءَ: مِنْ: وَجْهِيَ، هُنَا، وَفِي الْأَنْعَامِ نَافِعٌ، وَابْنُ عَامِرٍ، وَحَفْصٌ، وَسَكَّنَهَا الْبَاقُونَ.
وَمَنِ اتَّبَعَنِ قِيلَ: مَنْ، فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، وَقِيلَ: فِي مَوْضِعِ خَفْضٍ عَطْفًا عَلَى اسْمِ اللَّهِ.
وَمَعْنَاهُ: جَعَلْتُ مَقْصِدِي بِالْإِيمَانِ بِهِ، وَالطَّاعَةِ لَهُ، وَلِمَنِ اتَّبَعَنِي بِالْحِفْظِ لَهُ، وَالتَّحَفِّي بِتَعَلُّمِهِ، وَصِحَّتِهِ.
فَأَمَّا الرَّفْعُ فَعَطْفًا عَلَى الْفَاعِلِ فِي: أَسْلَمْتُ، قَالَهُ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَبَدَأَ بِهِ قَالَ: وَحَسَنٌ لِلْفَاصِلِ، يَعْنِي أَنَّهُ عَطْفٌ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ، وَلَا يَجُوزُ الْعَطْفُ عَلَى الضَّمِيرِ الْمُتَّصِلِ الْمَرْفُوعِ إِلَّا فِي الشِّعْرِ، عَلَى رأي البصريين. إلّا إن فَصَلَ بَيْنَ الضَّمِيرِ وَالْمَعْطُوفِ، فَيَحْسُنُ. وَقَالَهُ ابْنُ عَطِيَّةَ أَيْضًا، وَبَدَأَ بِهِ. وَلَا يُمْكِنُ حَمْلُهُ عَلَى ظَاهِرِهِ لِأَنَّهُ إِذَا عُطِفَ عَلَى الضَّمِيرِ فِي نَحْوِ: أَكَلْتُ رَغِيفًا وَزَيْدٌ، لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَا شَرِيكَيْنِ فِي أَكْلِ الرَّغِيفِ، وَهُنَا لَا يُسَوَّغُ ذَلِكَ، لِأَنَّ الْمَعْنَى لَيْسَ عَلَى أَنَّهُمْ أَسْلَمُوا هُمْ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم وَجْهَهُ لِلَّهِ، وَإِنَّمَا الْمَعْنَى:
أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَسْلَمَ وَجْهَهُ لِلَّهِ، وَهُمْ أَسْلَمُوا وُجُوهَهُمْ لِلَّهِ، فَالَّذِي يَقْوَى فِي الْإِعْرَابِ أَنَّهُ مَعْطُوفٌ عَلَى ضَمِيرٍ مَحْذُوفٍ مِنْهُ الْمَفْعُولُ، لَا مُشَارِكَ فِي مَفْعُولِ: أَسْلَمْتُ، التَّقْدِيرُ: وَمَنِ اتَّبَعْنِي وَجْهَهُ.
أَوْ أَنَّهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفُ الْخَبَرِ لِدَلَالَةِ الْمَعْنَى عَلَيْهِ، وَمَنِ اتَّبَعَنِي كَذَلِكَ، أَيْ: أَسْلَمُوا وُجُوهَهُمْ لِلَّهِ، كَمَا تَقُولُ: قَضَى زَيْدٌ نَحْبَهُ وَعَمْرٌو، أَيْ: وَعَمْرٌو كَذَلِكَ. أَيْ: قَضَى نَحْبَهُ.
وَمِنَ الْجِهَةِ الَّتِي امْتَنَعَ عَطْفُ: وَمَنْ، عَلَى الضَّمِيرِ إِذَا حَمَلَ الْكَلَامَ عَلَى ظَاهِرِهِ دُونَ
(1) سورة مريم: 19/ 42.
(2)
سورة البقرة: 2/ 131.
تَأْوِيلٍ، يَمْتَنِعُ كَوْنُ: مَنْ، مَنْصُوبًا عَلَى أَنَّهُ مَفْعُولٌ مَعَهُ، لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: أَكَلْتُ رَغِيفًا وَعَمْرًا، أَيْ: مَعَ عَمْرٍو، دَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ مُشَارِكٌ لَكَ فِي أَكْلِ الرَّغِيفِ، وَقَدْ أَجَازَ هَذَا الْوَجْهَ الزَّمَخْشَرِيُّ، وَهُوَ لَا يَجُوزُ لِمَا ذَكَرْنَا عَلَى كُلِّ حَالٍ، لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ تَأْوِيلُ حَذْفِ الْمَفْعُولِ مَعَ كَوْنِ الْوَاوِ وَاوَ الْمَعِيَّةِ.
وَأَثْبَتَ يَاءَ: اتَّبَعَنِي، فِي الْوَصْلِ أَبُو عَمْرٍو، وَنَافِعٌ، وَحَذْفَهَا الْبَاقُونَ، وَحَذْفُهَا أَحْسَنُ لِمُوَافَقَةِ خَطِّ الْمُصْحَفِ، وَلِأَنَّهَا رَأْسُ آية كقوله: أكرمن وأهانن، فَتُشْبِهُ قَوَافِيَ الشَّعْرِ كَقَوْلِ الشَّاعِرِ:
وَهَلْ يَمْنَعَنِّي ارْتِيَادُ الْبِلَا
…
دِ مِنْ حَذَرِ الْمَوْتِ أَنْ يَأْتِيَنِ
وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتابَ هُمُ: الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى بِاتِّفَاقٍ وَالْأُمِّيِّينَ هُمْ مُشْرِكُو الْعَرَبِ، وَدَخَلَ فِي ذَلِكَ كُلُّ مَنْ لَا كِتَابَ لَهُ أَأَسْلَمْتُمْ تَقْدِيرٌ فِي ضِمْنِهِ الْأَمْرُ. وقال الزجاج: تهدّد. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا حسن، لِأَنَّ الْمَعْنَى: أَأَسْلَمْتُمْ لَهُ أَمْ لَا؟ وَقَالَ الزَّمَخْشَرِيُّ: يَعْنِي أَنَّهُ قَدْ أَتَاكُمْ مِنَ الْبَيِّنَاتِ مَا يُوجِبُ الْإِسْلَامَ وَيَقْتَضِي حُصُولَهُ لَا مَحَالَةَ، فَهَلْ أَسْلَمْتُمْ أَمْ أَنْتُمْ عَلَى كُفْرِكُمْ؟ وَهَذَا كقولك لِمَنْ لَخَّصْتَ لَهُ الْمَسْأَلَةَ، وَلَمْ تُبْقِ مِنْ طُرُقِ الْبَيَانِ وَالْكَشْفِ طَرِيقًا إِلَّا سَلَكْتَهُ، هَلْ فَهِمْتَهَا لَا أُمَّ لَكَ؟ وَمِنْهُ قَوْلُهُ عَزَّ وَعَلَا: فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «1» بعد ما ذَكَرَ الصَّوَارِفَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ، وَفِي هَذَا الِاسْتِفْهَامِ اسْتِقْصَارٌ وَتَغْيِيرٌ بِالْمُعَانَدَةِ وَقِلَّةِ الْإِنْصَافِ، لِأَنَّ الْمُنْصِفَ إِذَا تَجَلَّتْ لَهُ الْحُجَّةُ وَلَمْ يَتَوَقَّفْ إِذْعَانُهُ لِلْحَقِّ، وَلِلْمُعَانِدِ بَعْدَ تَجَلِّي الْحُجَّةِ مَا يَضْرِبُ أَسَدَادًا بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِذْعَانِ، وَكَذَلِكَ فِي: هَلْ فَهِمْتَهَا؟
تَوْبِيخٌ بِالْبَلَادَةِ وَكَلَّةِ الْقَرِيحَةِ، وَفِي فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُونَ «2» بِالتَّقَاعُدِ عَنِ الِانْتِهَاءِ وَالْحِرْصِ الشَّدِيدِ عَلَى تَعَاطِي الْمَنْهِيِّ عَنْهُ. انْتَهَى كَلَامُهُ. وَهُوَ حَسَنٌ، وَأَكْثَرُهُ مِنْ بَابِ الْخَطَابَةِ.
فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا أَيْ إِنْ دَخَلُوا فِي الْإِسْلَامِ فَقَدْ حَصَلَتْ لَهُمُ الْهِدَايَةُ، وَعَبَّرَ بصيغة الماضي المصحوب بقد الدَّالَّةِ عَلَى التَّحْقِيقِ مُبَالَغَةً فِي الْإِخْبَارِ بِوُقُوعِ الْهُدَى، وَمِنَ الظُّلْمَةِ إِلَى النُّورِ. انْتَهَى.
وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْكَ الْبَلاغُ أَيْ: هُمْ لَا يَضُرُّونَكَ بِتَوَلِّيهِمْ، وَمَا عَلَيْكَ أَنْتَ إِلَّا تَنْبِيهُهُمْ بِمَا تُبَلِّغُهُ إِلَيْهِمْ مِنْ طَلَبِ إِسْلَامِهِمْ وَانْتِظَامِهِمْ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ وَحْدَهُ، وَقِيلَ: إنها آية
(2- 1) سورة المائدة: 5/ 91.
مواعدة منسوخة بآية السيف، ولا نحتاج إِلَى مَعْرِفَةِ تَارِيخِ النُّزُولِ، وَإِذَا نَظَرْتَ إِلَى سَبَبِ نُزُولِ هَذِهِ الْآيَاتِ، وَهُوَ وُفُودُ وَفْدِ نَجْرَانَ، فَيَكُونُ الْمَعْنَى: فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ بِقِتَالٍ وَغَيْرِهِ.
وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبادِ. وفيه وَعِيدٌ وَتَهْدِيدٌ شَدِيدٌ لِمَنْ تَوَلَّى عَنِ الْإِسْلَامِ، وَوَعْدٌ بِالْخَيْرِ لِمَنْ أَسْلَمَ، إِذْ مَعْنَاهُ: إِنَّ اللَّهَ مُطَّلِعٌ عَلَى أَحْوَالِ عَبِيدِهِ فَيُجَازِيهِمْ بِمَا تَقْتَضِي حِكْمَتُهُ.
إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ الْآيَةَ هِيَ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى، قَالَهُ محمد بن جعفر بن الزُّبَيْرِ وَغَيْرُهُ، وَصَفَ مَنْ تَوَلَّى عَنِ الْإِسْلَامِ وَكَفَرَ بثلاث صفات:
إحداهما: كُفْرُهُ بِآيَاتِ اللَّهِ وَهُمْ مُقِرُّونَ بِالصَّانِعِ، جَعَلَ كُفْرَهُمْ بِبَعْضٍ مِثْلَ كُفْرِهِمْ بِالْجَمِيعِ، أَوْ يَجْعَلُ: بِآيَاتِ اللَّهِ، مَخْصُوصًا بِمَا يَسْبِقُ إِلَيْهِ الْفَهْمُ مِنَ الْقُرْآنِ وَالرَّسُولِ صلى الله عليه وسلم.
الثَّانِيَةُ: قَتْلُهُمُ الْأَنْبِيَاءَ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ كَيْفِيَّةُ قَتْلِهِمْ فِي الْبَقَرَةِ فِي قَوْلِهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ «1» وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي: النَّبِيِّينَ، لِلْعَهْدِ.
وَالثَّالِثَةُ: قَتْلُ مَنْ أَمَرَ بِالْعَدْلِ.
فَهَذِهِ ثَلَاثَةُ أَوْصَافٍ بدىء فِيهَا بِالْأَعْظَمِ فَالْأَعْظَمِ، وَبِمَا هُوَ سَبَبٌ لِلْآخَرِ: فَأَوَّلُهَا:
الْكُفْرُ بِآيَاتِ اللَّهِ، وَهُوَ أَقْوَى الْأَسْبَابِ فِي عَدَمِ الْمُبَالَاةِ بِمَا يَقَعُ مِنَ الْأَفْعَالِ الْقَبِيحَةِ، وَثَانِيهَا:
قَتْلُ مَنْ أَظْهَرَ آيَاتِ اللَّهِ وَاسْتَدَلَّ بِهَا. وَالثَّالِثُ: قَتْلُ أَتْبَاعِهِمْ مِمَّنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَى عَنِ الْمُنْكَرِ.
وَهَذِهِ الْآيَةُ جَاءَتْ وَعِيدًا لِمَنْ كَانَ فِي زَمَانِهِ صلى الله عليه وسلم، وَلِذَلِكَ جَاءَتِ الصِّلَةُ بِالْمُسْتَقْبَلِ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ فِي خَبَرِ: إن، لِأَنَّ الْمَوْصُولَ ضُمِّنَ مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ، وَلَمَّا كَانُوا عَلَى طَرِيقَةِ أَسْلَافِهِمْ فِي ذَلِكَ، نُسِبَ إِلَيْهِمْ ذَلِكَ، وَلِأَنَّهُمْ أَرَادُوا قَتْلَهُ صلى الله عليه وسلم، فَقَتْلَ أَتْبَاعِهِ، فَأَطْلَقَ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ مَجَازًا أَيْ: مِنْ شَأْنِهِمْ وَإِرَادَتِهِمْ ذَلِكَ. وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ زَائِدَةً عَلَى مَذْهَبِ مَنْ يَرَى ذَلِكَ، وَتَكُونَ هَذِهِ الْجُمْلَةُ حِكَايَةً عَنْ حَالِ آبَائِهِمْ وَمَا فَعَلُوهُ فِي غَابِرِ الدَّهْرِ مِنْ هَذِهِ الْأَوْصَافِ الْقَبِيحَةِ، وَيَكُونَ فِي ذَلِكَ إِرْذَالٌ لِمَنِ انْتَصَبَ لِعَدَاوَةِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم، إِذْ هُمْ سَالِكُونَ فِي ذَلِكَ طَرِيقَةَ آبَائِهِمْ.
وَالْمَعْنَى: إِنَّ آبَاءَكُمُ الَّذِينَ أَنْتُمْ مُسْتَمْسِكُونَ بِدِينِهِمْ كَانُوا عَلَى الْحَالَةِ الَّتِي أَنْتُمْ عَالِمُونَ بِهَا مِنَ الِاتِّصَافِ بِهَذِهِ الْأَوْصَافِ، فَيَنْبَغِي لَكُمْ أَنْ تَسْلُكُوا غَيْرَ طَرِيقِهِمْ، فإنهم لم
(1) سورة البقرة: 2/ 61.
يَكُونُوا عَلَى حَقٍّ. فَذَكَرَ تَقْبِيحَ الْأَوْصَافِ، وَالتَّوَعُّدَ عَلَيْهَا بِالْعِقَابِ، مِمَّا يُنَفِّرُ عَنْهَا، وَيَحْمِلُ عَلَى التَّحَلِّي بِنَقَائِضِهَا مِنَ الْإِيمَانِ بِآيَاتِ اللَّهِ وَإِجْلَالِ رُسُلِهِ وَأَتْبَاعِهِمْ.
وَقَرَأَ الْحَسَنُ: وَيُقَتِّلُونَ النَّبِيِّينَ، بِالتَّشْدِيدِ، وَالتَّشْدِيدُ هُنَا لِلتَّكْثِيرِ بِحَسْبِ الْمَحَلِّ وَقَرَأَ حَمْزَةُ، وَجَمَاعَةٌ مِنْ غَيْرِ السَّبْعَةِ: وَيُقَاتِلُونَ الثَّانِيَ. وَقَرَأَهَا الْأَعْمَشُ: وَقَاتَلُوا الَّذِينَ، وَكَذَا هِيَ فِي مُصْحَفِ عَبْدِ اللَّهِ. وَقَرَأَ أُبَيٌّ: يَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ وَالَّذِينَ يَأْمُرُونَ، وَمَنْ غَايَرَ بَيْنَ الْفِعْلَيْنِ فَمَعْنَاهُ وَاضِحٌ إِذَا لَمْ يَذْكُرْ أَحَدَهُمَا عَلَى سَبِيلِ التَّوْكِيدِ، وَمَنْ حَذَفَ اكْتَفَى بِذِكْرِ فِعْلٍ وَاحِدٍ لِاشْتِرَاكِهِمْ فِي الْقَتْلِ، وَمَنْ كَرَّرَ الْفِعْلَ فَذَلِكَ عَلَى سَبِيلِ عَطْفِ الْجُمَلِ وَإِبْرَازِ كُلِّ جُمْلَةٍ فِي صُورَةِ التَّشْنِيعِ وَالتَّفْظِيعِ، لِأَنَّ كُلَّ جُمْلَةٍ مُسْتَقِلَّةٌ بِنَفْسِهَا، أَوْ لِاخْتِلَافِ تَرَتُّبِ الْعَذَابِ بِالنِّسْبَةِ عَلَى مَنْ وَقَعَ بِهِ الْفِعْلُ، فَقَتْلُ الْأَنْبِيَاءِ أَعْظَمُ مِنْ قَتْلِ مَنْ يَأْمُرُ بِالْمَعْرُوفِ مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، فَجُعِلَ الْقَتْلُ بِسَبَبِ اخْتِلَافِ مَرْتَبَتِهِ كَأَنَّهُمَا فِعْلَانِ مُخْتَلِفَانِ.
وَقِيلَ: يُحْتَمَلُ أَنْ يُرَادَ بِأَحَدِ الْقَتْلَيْنِ تَفْوِيتُ الرُّوحِ، وَبِالْآخَرِ الْإِهَانَةُ وَإِمَاتَةُ الذِّكْرِ، فَيَكُونَانِ إِذْ ذَاكَ مُخْتَلِفَيْنِ.
وَجَاءَ فِي هَذِهِ السُّورَةِ بِغَيْرِ حَقٍّ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ، وَفِي الْبَقَرَةِ بِغَيْرِ الْحَقِّ «1» بِصِيغَةِ التَّعْرِيفِ، لِأَنَّ الْجُمْلَةَ هُنَا أُخْرِجَتْ مَخْرَجَ الشَّرْطِ، وَهُوَ عَامٌّ لَا يَتَخَصَّصُ، فَنَاسَبَ أَنْ يَكُونَ الْمَنْفِيُّ بِصِيغَةِ التَّنْكِيرِ حَتَّى يَكُونَ عَامًّا، وَفِي الْبَقَرَةِ جَاءَ ذَلِكَ فِي صُورَةِ الْخَبَرِ عَنْ نَاسٍ مَعْهُودِينَ، وَذَلِكَ قوله ذلِكَ بِأَنَّهُمْ كانُوا يَكْفُرُونَ بِآياتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ الْحَقِّ «2» فَنَاسَبَ أَنْ يَأْتِيَ بِصِيغَةِ التَّعْرِيفِ، لِأَنَّ الْحَقَّ الَّذِي كَانَ يُسْتَبَاحُ بِهِ قَتْلُ الْأَنْفُسِ عِنْدَهُمْ كَانَ مَعْرُوفًا، كَقَوْلِهِ وَكَتَبْنا عَلَيْهِمْ فِيها أَنَّ النَّفْسَ بِالنَّفْسِ «3» فَالْحَقُّ هُنَا الَّذِي تُقْتَلُ بِهِ الْأَنْفُسُ مَعْهُودٌ مَعْرُوفٌ، بِخِلَافِ مَا فِي هَذِهِ السُّورَةِ.
وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي الْبَقَرَةِ أَنَّ قَوْلَهُ: بِغَيْرِ الْحَقِّ «4» هِيَ حَالٌ مُؤَكِّدَةٌ، إِذْ لَا يَقَعُ قَتْلُ نَبِيٍّ إِلَّا بِغَيْرِ الْحَقِّ، وَأَوْضَحْنَا لَكَ ذَلِكَ. فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ وَإِيضَاحِهِ هُنَا.
وَمَعْنَى: مِنَ النَّاسِ، أَيْ: غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ، إِذْ لَوْ قَالَ: وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ، لَكَانَ مُنْدَرِجًا فِي ذَلِكَ الْأَنْبِيَاءُ لِصِدْقِ اللَّفْظِ عَلَيْهِمْ، فَجَاءَ مِنَ النَّاسِ بِمَعْنَى: مِنْ غَيْرِ الْأَنْبِيَاءِ. قَالَ الْحَسَنُ: تَدُلُّ الْآيَةُ عَلَى أَنَّ الْقَائِمَ بِالْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ تَلِي مَنْزِلَتُهُ فِي الْعِظَمِ مَنْزِلَةَ الأنبياء.
وعن أَبِي عُبَيْدَةَ بْنِ الْجَرَّاحِ، قُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ: أَيُّ النَّاسِ أَشَدُّ عَذَابًا يَوْمَ القيامة؟
(4- 2- 1) سورة البقرة: 2/ 61.
(3)
سورة المائدة: 5/ 45.
قَالَ: «رَجُلٌ قَتَلَ نَبِيًّا أَوْ رَجُلًا أَمْرٌ بِمَعْرُوفٍ وَنَهْيٌ عَنْ مُنْكَرٍ» . ثُمَّ قَرَأَهَا. ثُمَّ قَالَ: «يَا عُبَيْدَةُ قَتَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ ثَلَاثَةً وَأَرْبَعِينَ نَبِيًّا مِنْ أَوَّلِ النَّهَارِ فِي سَاعَةٍ وَاحِدَةٍ، فَقَامَ مِائَةٌ وَاثْنَا عَشَرَ رَجُلًا مِنْ عُبَّادِ بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَمَرُوا قَتَلَتَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ فَقُتِلُوا جَمِيعًا مِنْ آخِرِ النَّهَارِ» .
فَبَشِّرْهُمْ بِعَذابٍ أَلِيمٍ الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، وَهُوَ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مُعَاصِرُوهُ لَا آبَاؤُهُمْ، فَيَكُونُ إِطْلَاقُ قَتْلِ الْأَنْبِيَاءِ مَجَازًا لِأَنَّهُمْ لَمْ يَقْتُلُوا أَنْبِيَاءَ لَكِنَّهُمْ رَضُوا ذَلِكَ وَرَامُوهُ.
وَهَذِهِ الْجُمْلَةُ هِيَ خَبَرُ: إِنَّ، وَدَخَلَتِ الْفَاءُ لِمَا يَتَضَمَّنُ الْمَوْصُولُ مِنْ مَعْنَى اسْمِ الشَّرْطِ كَمَا قَدَّمْنَاهُ، وَلَمْ يُعَبْ بِهَذَا النَّاسِخِ لِأَنَّهُ لَمْ يُغَيِّرْ مَعْنَى الِابْتِدَاءِ، أَعْنِي: إِنَّ.
وَمَعَ ذَلِكَ فِي الْمَسْأَلَةِ خِلَافٌ: الصَّحِيحُ جواز دُخُولِ الْفَاءِ فِي خَبَرِ: إِنَّ، إِذَا كَانَ اسْمُهَا مُضَمَّنًا مَعْنَى الشَّرْطِ، وَقَدْ تَقَدَّمَتْ شُرُوطُ جَوَازِ دُخُولِ الْفَاءِ فِي خَبَرِ الْمُبْتَدَأِ، وَتِلْكَ الشُّرُوطُ مُعْتَبَرَةٌ هُنَا، وَنَظِيرُ هَذِهِ الْآيَةِ فِي دُخُولِ الْفَاءِ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا وَصَدُّوا عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ ثُمَّ ماتُوا وَهُمْ كُفَّارٌ فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ «1» إِنَّ الَّذِينَ قالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقامُوا فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ «2» إِنَّ الَّذِينَ فَتَنُوا الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ ثُمَّ لَمْ يَتُوبُوا فَلَهُمْ عَذابُ جَهَنَّمَ «3» .
وَمَنْ مَنَعَ ذَلِكَ جَعَلَ الْفَاءَ زَائِدَةً، وَلَمْ يَقِسْ زِيَادَتَهَا. وَتَقَدَّمَ أَنَّ الْبِشَارَةَ هِيَ أَوَّلُ خَبَرٍ سَارٍّ، فَإِذَا اسْتُعْمِلَتْ مَعَ مَا لَيْسَ بِسَارٍّ، فَقِيلَ: ذَلِكَ هُوَ عَلَى سَبِيلِ التَّهَكُّمِ وَالِاسْتِهْزَاءِ كَقَوْلِهِ:
تَحِيَّةُ بَيْنِهِمْ ضَرْبٌ وَجِيعٌ أَيِ: الْقَائِمُ لَهُمْ مَقَامَ الْخَبَرِ السَّارِّ هُوَ الْعَذَابُ الْأَلِيمُ وَقِيلَ: هُوَ عَلَى مَعْنَى تَأَثُّرِ الْبُشْرَةِ مِنْ ذَلِكَ، فَلَمْ يُؤْخَذْ فِيهِ قَيْدُ السُّرُورِ، بَلْ لُوحِظَ مَعْنَى الِاشْتِقَاقِ.
أُولئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ فِي الدُّنْيا وَالْآخِرَةِ. تَقَدَّمَ تَفْسِيرُ هَذِهِ الْجُمْلَةِ عِنْدَ قَوْلِهِ وَمَنْ يَرْتَدِدْ مِنْكُمْ عَنْ دِينِهِ «4» فَأَغْنَى عَنْ إِعَادَتِهِ.
وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ، وَأَبُو السَّمَّالِ: حَبَطَتْ، بِفَتْحِ الْبَاءِ وَهِيَ لُغَةٌ.
وَما لَهُمْ مِنْ ناصِرِينَ مَجِيءُ الْجَمْعِ هُنَا أَحْسَنُ مِنْ مَجِيءِ الْإِفْرَادِ، لِأَنَّهُ رَأْسُ آيَةٍ،
(1) سورة محمد: 47/ 34.
(2)
سورة الأحقاف: 46/ 13.
(3)
سورة البروج: 85/ 10.
(4)
سورة البقرة: 2/ 217.
وَلِأَنَّهُ بِإِزَاءِ مَنْ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ الشُّفَعَاءِ الَّذِينَ هُمُ الْمَلَائِكَةُ وَالْأَنْبِيَاءُ وَصَالِحُو الْمُؤْمِنِينَ، أَيْ:
لَيْسَ لَهُمْ كَأَمْثَالِ هَؤُلَاءِ، وَالْمَعْنَى: بِانْتِفَاءِ النَّاصِرِينَ انْتِفَاءَ مَا يَتَرَتَّبُ عَلَى النَّصْرِ مِنَ الْمَنَافِعِ وَالْفَوَائِدِ، وَإِذَا انْتَفَتْ مِنْ جَمْعٍ فَانْتِفَاؤُهَا مِنْ وَاحِدٍ أَوْلَى، وَإِذَا كَانَ جَمْعٌ لَا يَنْصُرُ فَأَحْرَى أَنْ لَا يَنْصُرَ وَاحِدٌ، وَلَمَّا تَقَدَّمَ ذِكْرُ مَعْصِيَتِهِمْ بِثَلَاثَةِ أَوْصَافٍ نَاسَبَ أَنْ يَكُونَ جَزَاؤُهُمْ بِثَلَاثَةٍ، لِيُقَابِلَ كُلَّ وَصْفٍ بِمُنَاسَبَةٍ، وَلَمَّا كَانَ الْكُفْرُ بِآيَاتِ اللَّهِ أَعْظَمَ، كَانَ التَّبْشِيرُ بِالْعَذَابِ الْأَلِيمِ أَعْظَمَ، وَقَابَلَ قَتْلَ الْأَنْبِيَاءِ بِحُبُوطِ العمل في الدنيا والآخرة، فَفِي الدُّنْيَا بِالْقَتْلِ وَالسَّبْيِ وَأَخْذِ الْمَالِ وَالِاسْتِرْقَاقِ، وَفِي الْآخِرَةِ بِالْعِقَابِ الدَّائِمِ، وَقَابَلَ قَتْلَ الْآمِرِينَ بِالْقِسْطِ، بِانْتِفَاءِ النَّاصِرِينَ عَنْهُمْ إِذَا حَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ، كَمَا لَمْ يَكُنْ لِلْآمِرِينَ بِالْقِسْطِ مَنْ يَنْصُرُهُمْ حِينَ حَلَّ بِهِمْ قَتْلُ الْمُعْتَدِينَ، كَذَلِكَ الْمُعْتَدُونَ لَا نَاصِرَ لَهُمْ إِذَا حَلَّ بِهِمُ الْعَذَابُ.
وَفِي قَوْلِهِ: أُولَئِكَ، إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ تَقَدَّمَ مَوْصُوفًا بِتِلْكَ الْأَوْصَافِ الذَّمِيمَةِ، وَأُخْبِرَ عَنْهُ:
بِالَّذِينَ، إِذْ هُوَ أَبْلَغُ مِنَ الْخَبَرِ بِالْفِعْلِ، وَلِأَنَّ فِيهِ نَوْعَ انْحِصَارٍ، وَلِأَنَّ جَعْلَ الْفِعْلِ صِلَةً يَدُلُّ عَلَى كَوْنِهَا مَعْلُومَةً لِلسَّامِعِ، مَعْهُودَةً عِنْدَهُ، فَإِذَا أَخْبَرْتَ بِالْمَوْصُولِ عَنِ اسْمٍ اسْتَفَادَ الْمُخَاطَبُ أَنَّ ذَلِكَ الْفِعْلَ الْمَعْهُودَ الْمَعْلُومَ عِنْدَهُ الْمَعْهُودَ هُوَ مَنْسُوبٌ لِلْمُخْبَرِ عَنْهُ بِالْمَوْصُولِ، بِخِلَافِ الْإِخْبَارِ بِالْفِعْلِ، فَإِنَّكَ تُخْبِرُ الْمُخَاطَبَ بِصُدُودِهِ عَنْ مَنْ أَخْبَرْتَ بِهِ عَنْهُ، وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ الْفِعْلُ مَعْلُومًا عِنْدَهُ، فَإِنْ كَانَ مَعْلُومًا عِنْدَهُ جَعَلْتَهُ صِلَةً، وَأَخْبَرْتَ بِالْمَوْصُولِ عَنِ الِاسْمِ.
قِيلَ وَجَمَعَتْ هَذِهِ الْآيَاتُ ضُرُوبًا مِنَ الْفَصَاحَةِ والبلاغة. أحدها: التَّقْدِيمُ وَالتَّأْخِيرُ فِي: إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلامُ قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ التَّقْدِيرُ: شَهِدَ اللَّهُ أَنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ، أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ، وَلِذَلِكَ قَرَأَ إِنَّهُ، بِالْكَسْرِ: وَأَنَّ الدِّينَ، بِالْفَتْحِ.
وَأَطْلَقَ اسم السبب على المسبب فِي قَوْلِهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَهُمُ الْعِلْمُ عَبَّرَ بِالْعِلْمِ عَنِ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ أو النبي صلى الله عليه وسلم، عَلَى الْخِلَافِ الَّذِي سَبَقَ.
وَإِسْنَادُ الْفِعْلِ إِلَى غَيْرِ فَاعِلِهِ فِي: حَبِطَتْ أَعْمالُهُمْ وَأَصْحَابُ النَّارِ.
وَالْإِيمَاءُ فِي قَوْلِهِ: بَغْياً بَيْنَهُمْ فِيهِ إِيمَاءٌ إِلَى أَنَّ النَّفْيَ دَائِرٌ شَائِعٌ فِيهِمْ، وَكُلُّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ تُجَاذِبُ طَرْفًا مِنْهُ.
وَالتَّعْبِيرُ بِبَعْضٍ عَنْ كُلٍّ فِي: أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ.
وَالِاسْتِفْهَامُ الَّذِي يُرَادُ بِهِ التَّقْرِيرُ أَوِ التَّوْبِيخُ وَالتَّقْرِيعُ فِي قَوْلِهِ أَأَسْلَمْتُمْ.