الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) - (1452) - بَابُ كَفِّ اللِّسَانِ فِي الْفِتْنَةِ
(1)
- 3911 - (1) حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْجُمَحِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ لَيْثٍ، عَنْ طَاوُوسٍ، عَنْ زِيَادٍ سِيمِينْ كُوشْ،
===
(1)
- (1452) - (باب كف اللسان في الفتنة)
(1)
- 3911 - (1)(حدثنا عبد الله بن معاوية) بن موسى (الجمحي) أبو جعفر البصري، ثقة معمر، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ) وقد زاد على المئة. يروي عنه:(د ت ق).
(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار البصري، ثقة عابد من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن ليث) بن أبي سليم بن زنيم القرشي مولاهم أبي بكر الكوفي، واسم أبي سليم: أيمن، ويقال: أنس، وقيل: غير ذلك، صدوق اختلط جدًّا فلم يتميز حديثه فترك، من السادسة، مات سنة ثمان وأربعين ومئة (148 هـ).
يروي عنه: (م عم)، وقال في "التهذيب": اتفقوا على ضعفه ولينه وسوء حفظه، فترك حديثه، ولكن يوجد في السنن، ولكنه قليل.
(عن طاووس) بن كيسان اليماني أبي عبد الرحمن الحميري مولاهم الفارسي، وقيل: اسمه ذكوان وطاووس لقبه، ثقة فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة ست ومئة (106 هـ)، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن زياد سيمين كوش) وهو زياد بن سليم، ويقال: ابن سليمان، ويقال: ابن سلمى العبدي اليماني، أبي أمامة المعروف بزياد الأعجم، لقب به؛ لعجمة كانت في لسانه، ويسمى زياد سيمين كوش، مولى عبد القيس. روى عن: عبد الله بن عمرو، ويروي عنه: طاووس، و (د ت ق) مقبول، من الثالثة.
عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَمْرٍو قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَكُونُ فِتْنَةٌ تَسْتَنْظِفُ الْعَرَبَ، قَتْلَاهَا فِي النَّار، اللِّسَانُ فِيهَا أَشَدُّ مِنْ وَقْعِ السَّيْفِ".
===
(عن عبد الله بن عمرو) بن العاص القرشي السهمي رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه ليث بن أبي سليم، وهو متفق على ضعفه؛ كما تقدم آنفًا.
(قال) عبد الله بن عمرو: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: تكون) أي: ستوجد عند قرب الساعة (فتنة) وافتراق واقتتال من العرب (تستنظف) تلك الفتنة (العرب) كلهم لا العجم، وهو مضارع معلوم مسند إلى ضمير الفتنة.
و(العرب) بالنصب، مفعول به، وهو من باب استفعل؛ أي: تستوعب تلك الفتنة جميع العرب، فلا تتعدى إلى العجم (قتلاها) أي: قتلى تلك الفتنة، سواء كان قاتلًا أو مقتولًا .. داخلون (في النار) أي: في نار جهنم (اللسان) أي: الكلام (فيها) أي: في تلك الفتنة (أشد) تأثيرًا في ضرر القائل (من وقع السيف) أي: من وقوع السيف الصارم عليه؛ لأن ضرر السيف منجز وضرر اللسان مؤبد بالسجن سنين كثيرًا، وتلك الفتنة ما نحن فيه الآن، والعياذ بالله من شرها.
قال السندي: قوله: "تستنظف" بفتح التاءين بينهما مهملة ساكنة وكسر الظاء المشالة مبني للفاعل.
وقوله: "العرب" مفعوله؛ أي: تستوعبهم هلاكًا، يقال: استنظفت الشيء؛ إذا أخذته بالكلية واستاصلته. انتهى "نهاية".
قوله: "قتلاها في النار" مبتدأ وخبر، وإنما كانوا في النار؛ لأنهم ما قصدوا بالقتال إعلاء كلمة الله تعالى، ودفع ظلم، أو إعانة أهل الحق،
(2)
-3912 - (2) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِث، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْبَيْلَمَانِيِّ،
===
وإنما قصدوا التباهي والتفاخر، وفعلوا ذلك طمعًا في الملك والمال.
"اللسان فيها أشد" أي: أكثر إيقاعًا لها.
(سيمين كوش) بالفارسية، يقال للفضة: سيم، ويقال للنسبة إليها:(سيمين) ويقال: (للأذن: كوش) بكاف فارسية؛ يعني: أذن فضة. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الفتن والملاحم، باب في كف اللسان، والترمذي في كتاب الفتن، باب (16)، قال أبو عيسى: هذا حديث غريب.
ودرجته: أنه ضعيف (1)(400)؛ لضعف سنده؛ لأن فيه ليث بن أبي سليم، وهو متفق على ضعفه؛ كما تقدم.
* * *
ثم استأنس المؤلف للترجمة ثانيًا بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(2)
-3912 - (2)(حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري.
(حدثنا محمد بن الحارث) بن زياد بن الربيع القرشي الحارثي البصري، ضعيف، من السابعة. يروي عنه:(ق)، قال عمرو بن علي: روى أحاديث منكرة، فهو ضعيف متروك الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال عبيد الله بن عمر القواريري: ثقة، وقال البزار: مشهور ليس به بأس، فهو مختلف فيه.
(حدثنا محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني) - بفتح الموحدة واللام
عَنْ أَبِيه، عَنِ ابْنِ عُمَرَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِيَّاكُمْ وَالْفِتَنَ؛ فَإِنَّ اللِّسَانَ فِيهَا مِثْلُ وَقْعِ السَّيْفِ".
===
بينهما ياء ساكنة - ضعيف، من السابعة، وقد اتهمه ابن عدي وابن حبان. يروي عنه:(د ق).
(عن أبيه) عبد الرحمن بن البيلماني، مولى عمر، مدني نزل حران، ضعيف، من الثالثة. يروي عنه:(عم) قال أبو حاتم: عبد الرحمن بن أبي زيد هو ابن البيلماني.
(عن ابن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه محمد بن عبد الرحمن بن البيلماني، وهو ضعيف، وأبوه لم يسمع من أحد من الصحابة إلا من سُرَّق، فهو ضعيف أيضًا.
(قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إياكم والفتن) أي: احذروا أيها المسلمون الفتن الواقعة في آخر الزمان (فإن اللسان فيها) أي: فإن الكلام والقول فيها (مثل وقع السيف) أي: مثل وقوع السيف وسقوطه عليكم في إلحاق الضرر بكم، بل هو أشد من وقوع السيف عليك في إيصال الضرر إليك، وفي المثل:(طعنة اللسان أشد من طعنة السنان).
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف (2)(401)؛ لضعف سنده؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
* * *
ثم استدل المؤلف على الترجمة بحديث بلال بن الحارث رضي الله تعالى عنه، فقال:
(3)
- 3913 - (3) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو، حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ عَلْقَمَةَ بْنِ وَقَّاصٍ قَالَ: مَرَّ بِهِ رَجُلٌ لَهُ شَرَفٌ، فَقَالَ لَهُ عَلْقَمَةُ: إِنَّ لَكَ رَحِمًا وَإِنَّ لَكَ حَقًّا، وَإِنِّي رَأَيْتُكَ تَدْخُلُ عَلَى هَؤُلَاءِ الْأُمَرَاءِ وَتَتَكَلَّمُ عِنْدَهُمْ بِمَا شَاءَ اللهُ أَنْ تَتَكَلَّمَ بِه،
===
(3)
- 3913 - (3)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي أبو عبد الله الكوفي، ثقة حافظ، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثني أبي) عمرو بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، مقبول، من السادسة. يروي عنه:(ت س ق).
(عن أبيه علقمة بن وقاص) - بتشديد القاف - الليثي المدني، ثقة ثبت، من الثانية، أخطأ من زعم أن له صحبة، وقيل: إنه ولد في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، ومات في خلافة عبد الملك. يروي عنه:(ع).
(قال) علقمة: (مر به) أي: على علقمة (رجل) من المسلمين، لم أر من ذكر اسمه (له) أي: لذلك الرجل (شرف) وقدر عند الناس (فقال له) أي: لذلك الرجل (علقمة) بن وقاص: (إن لك) أيها الرجل (رحمًا) أي: قرابة بي (وإن لك حقًّا) عليَّ (وإني رأيتك) أيها الرجل (تدخل على هؤلاء الأمراء) المعاصرين لنا كثيرًا (و) رأيتك (تتكلم عندهم) أي: عند هؤلاء الأمراء (بما شاء الله) أي: بكلام شاء الله (أن تتكلم به) عندهم؛ أي: شاء الله تكلمك به عندهم، ولا تخاف منهم؛ لأنك مقدر عندهم، مشرف لديهم، قال علقمة:
وَإِنِّي سَمِعْتُ بِلَالَ بْنَ الْحَارِثِ الْمُزَنِيَّ صَاحِبَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ رِضْوَانِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ فَيَكْتُبُ اللهُ عز وجل لَهُ بِهَا رِضْوَانَهُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَة، وَإنَ أَحَدَكُمْ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ مَا يَظُنُّ أَنْ تَبْلُغَ مَا بَلَغَتْ
===
(وإني سمعت بلال بن الحارث المزني) أبا عبد الرحمن المدني (صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات مقبولون.
حالة كون بلال بن الحارث (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن أحدكم ليتكلم بالكلمة) التي هي (من رضوان الله) تعالى - بكسر الراء - أي: مما يرضيه ويحبه؛ لكونها أمرًا بالمعروف، أو نهيًا عن المنكر، حالة كون ذلك المتكلم (ما يظن أن تبلغ) تلك الكلمة؛ أي: لا يعلم أن تبلغ تلك الكلمة (ما بلغت) من القدر والشرف عند الله؛ أي: من رضا الله تعالى عنه، وجملة الظن حال من فاعل التكلم.
وفي "المشكاة": (إن الرجل ليتكلم بالكلمة من الخير ما يعلم مبلغها) قال القاري: أي: قدر تلك الكلمة ومرتبتها عند الله تعالى (فيكتب الله عز وجل له) أي: لذلك الرجل الذي تكلمها، وفي "التحفة": أي: يكتب لأحدكم الذي تكلم بالكلمة المذكورة (بها) أي: بتلك الكلمة (رضوانه) أي: رضاه (إلى يوم القيامة، وإن أحدكم ليتكلم بالكلمة من سخط الله) تعالى؛ أي: مما يسخطه ويبغضه؛ كالأمر بترك المأمورات، وارتكاب المنهيات، والحال أنه (ما يظن) ولا يعلم (أن تبلغ) تلك الكلمة (ما بَلَغَتْ) مِن سخط الله
فَيَكْتُبُ اللهُ عز وجل عَلَيْهِ بهَا سَخَطَهُ إِلَى يَوْمِ يَلْقَاهُ"، قَالَ عَلْقَمَةُ: فَانْظُرْ وَيْحَكَ مَاذَا تَقُولُ وَمَاذَا تَكَلَّمُ بِهِ؛
===
إياها (فيكتب الله عز وجل عليه) أي: على أحدكم (بها سخطه) أي: غضبه (إلى يوم يلقاه) أي: يلقى الله ذلك الأحد.
قال ابن عيينة: هي الكلمة عند السلطان، فالأولى ليرده بها عن ظلم، والثانية ليجره بها إلى ظلم.
وقال ابن عبد البر: لا أعلم خلافًا في تفسيرها بذلك، نقله السيوطي.
قال الطيبي: فإن قلت: ما معنى قوله: "يكتب له بها رضوانه" وما فائدة التوقيت (إلى يوم يلقاه)؟
قلت: معنى كتبه رضوان الله؛ أي: تَوْفيقُه لِما يُرْضِي الله تعالى من الطاعات والمسارعة إلى الخيرات؛ ليعيش في الدنيا حميدًا، وفي البرزخ يُصان من عذاب القبر ويفسح له قبره، ويقال: نم كنومة العروس الذي لا يوقظه إلا أحب أهله إليه، ويحشر يوم القيامة سعيدًا، ويظله الله تعالى في ظله، ثم يلقى بعد ذلك من الكرامة والنعيم المقيم، ثم يفوز بلقاء الله ما كل ذلك دونه.
وفي عكسه: قوله: "يكتب الله عليه بها سخطه" ونظيره: قوله تعالى لإبليس: {وَإِنَّ عَلَيْكَ لَعْنَتِي إِلَى يَوْمِ الدِّينِ} (1).
وبالسند المذكور: (قال علقمة) ابن وقاص لذلك الرجل المار عليه: (فانظر) أيها الرجل الداخل على الأمراء (ويحك) أي: يرحمك الله عز وجل.
قوله: (ماذا تقول) مفعول (انظر ماذا تقول) عند الأمراء؛ هل هو كلام فيه ثواب، أو كلام فيه عقاب (وماذا تكلم به) عند الناس هل فيه وعد، أو فيه
(1) سورة ص: (78).
فَرُبَّ كَلَامٍ قَدْ مَنَعَنِي أَنْ أَتَكَلَّمَ بِهِ مَا سَمِعْتُ مِنْ بِلَالِ بْنِ الْحَارِثِ.
(4)
- 3914 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو يُوسُفَ الصَّيْدَلَانِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ الرَّقِّيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ سَلَمَةَ،
===
وعيد (فرب كلام) كثير (قد منعني أن أتكلم به) أي: منعني من التكلم به (ما) أي: حديث (سمعتـ) ـه (من بلال بن الحارث) المزني الحارثي رضي الله تعالى عنه.
وبالجملة: فالمتكلم لا بد له من النظر التام في حسن الكلام وقبحه. انتهى "سندي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب في قلة الكلام.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث بلال بن الحارث بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(4)
- 3914 - (4)(حدثنا أبو يوسف الصيدلاني) نسبة إلى صيدلان؛ وهو لقب لكل من يبيع الدواء. (محمد بن أحمد الرقي) نسبة إلى الرقة مدينة في الشام، ابن محمد بن الحجاج بن ميسرة الكريزي - بتقديم الراء على الزاي مصغرًا - ثقة حافظ، من العاشرة، مات سنة ست وأربعين ومئتين (246 هـ). يروي عنه:(س ق).
(حدثنا محمد بن سلمة) بن عبد الله الباهلي مولاهم الحراني، ثقة، من التاسعة، مات سنة إحدى وتسعين ومئة (191 هـ). يروي عنه:(م عم).
عَنِ ابْنِ إِسْحَاقَ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ مِنْ سَخَطِ اللهِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا؛ فَيَهْوِي بِهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ سَبْعِينَ خَرِيفًا".
===
(عن) محمد (بن إسحاق) بن يسار المطلبي، مولاهم المدني نزيل العراق إمام المغازي، ثقة معروف بالعلم؛ كما في "التهذيب"، وقال في "التقريب" صدوق يدلس ورمي بالتشيع والقدر، من صغار الخامسة. يروي عنه:(م عم)، مات سنة خمسين ومئة (150 هـ)، ويقال بعدها.
(عن محمد بن إبراهيم) بن الحارث بن خالد التيمي أبي عبد الله المدني، ثقة له أفراد، من الرابعة، مات سنة عشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن الرجل) منكم، وكذا المرأة (ليتكلم بالكلمة) التي (من سخط الله) أي: مما يسخط الله تعالى ويغضبه (لا يرى) ولا يظن ذلك المتكلم (بها) أي: فيها (بأسًا) أي: إثمًا (فيهوي) من باب رمى؛ أي: يسقط (بها في نار جهنم سبعين خريفًا) أي: قدرًا من المسافة تقطع في سبعين خريفًا؛ أي: عامًا.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث بلال بن الحارث.
* * *
(5)
- 3915 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْأَحْوَص، عَنْ أَبِي حَصِينٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .. فَلْيَقُلْ خَيْرًا أَوْ لِيَسْكُتْ".
===
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث بلال بن الحارث بحديث آخر لأبي هريرة رضى الله تعالى عنهما، فقال:
(5 - 3915 - (5)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا أبو الأحوص) سلام بن سليم الحنفي مولاهم الحافظ الكوفي، ثقة متقن، من السابعة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي حصين) - بفتح الحاء المهملة مكبرًا - عثمان بن عاصم بن حصين - مصغرًا - الأسدي، أحد الأئمة الأثبات، ثقة ثبت وربما دلس، من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ)، ويقال بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني القيسي مولاهم؛ مولى جارية بنت الحارث القيسية، ثقة ثبت، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع)
أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من كان) يريد أن (يؤمن بالله واليوم الآخر) الإيمان الكامل المنجي من العذاب .. (فليقل خيرًا) أي: ما يثاب عليه من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والإصلاح بين الناس، وتعليم جاهل، وإرشاد ضال (أو ليسكت) عن كل ما يأثم به؛ كالغيبة
(6)
-3916 - (6) حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ مُحَمَّدُ بْنُ عُثْمَانَ
===
والنميمة والسب والشتم، وعن كل ما لا يعنيه من قيل وقال؛ طلبًا للسلامة وإعمالًا لفكره في مصنوعات الله تعالى.
وفي رواية مسلم زيادة: (ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يؤذ جاره) والإيذاء: إيصال الضرر إلى الغير مباشرةً أو تسببًا؛ كالسب والضرب والامتناع من إعارة المواعين، وغير ذلك من كل ما يقابل الإحسان.
(ومن كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فليكرم ضيفه) بتقديم القرى له، وإظهار طلاقة الوجه له، وإظهار المخاطبة له بقول الرحب والسهل، وغيره من كل ما اعتيد في إكرامه، وفي رواية المؤلف اختصار.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأدب، باب من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فلا يؤذ جاره، ومسلم في كتاب الإيمان، باب الحث على إكرام الجار والضيف ولزوم الصمت إلا عن الخير.
قال السندي: والخير: كل ما اشتمل على فائدةٍ دينيةٍ أو دنيويةٍ له أو لغيره. انتهى منه.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث بلال بن الحارث.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث بلال بن الحارث بحديث سفيان بن عبد الله الثقفي رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(6)
- 3916 - (6)(حدثنا أبو مروان محمد بن عثمان) بن خالد الأموي
الْعُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ سَعْدٍ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ مَاعِزٍ الْعَامِرِيِّ أَنَّ سُفْيَانَ بْنَ عَبْدِ اللهِ الثَّقَفِيَّ قَالَ: قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ حَدِّثْنِي بِأَمْرٍ أَعْتَصِمُ
===
(العثماني) المدني نزيل مكة، صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(س ق).
(حدثنا إبراهيم بن سعد) بن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عوف الزهري أبو إسحاق المدني نزيل بغداد، ثقة حجة، من الثامنة، مات سنة خمس وثمانين ومئة (185 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني، ثقة إمام الأئمة، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز العامري) قال في "التقريب": مقبول، من الثالثة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، روى عن سفيان بن عبد الله الثقفي حديث الأمر بالاستقامة وهو هذا الحديث، قاله إبراهيم بن سعد عن الزهري، وقال معمر وغير واحد: عن الزهري عن عبد الرحمن بن ماعز، ذكر أبو القاسم البغوي أن الصواب قول إبراهيم بن سعد، يعني: قوله: عن محمد بن عبد الرحمن بن ماعز. يروي عنه (ت س ق).
(أن سفيان بن عبد الله) بن ربيعة بن الحارث (الثقفي) أبا عمرو الطائفي عامَلَه عُمرُ على الطائف، صحابي له حديثان فقط رضي الله تعالى عنه، انفرد له (م) بحديث. يروي عنه:(م ت س ق)، وعروة بن الزبير حديثًا في الإيمان.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن له شواهد.
(قال) سفيان بن عبد الله: (قلت: يا رسول الله؛ حدثني بأمر أعتصم)
بِهِ قال: "قُلْ: رِبِّي اللهُ ثمّ اسْتقِمْ"،
===
وأتمسك (به) في الإسلام، أي: في أحكامه وخصاله وأموره، أي: حدثني قولًا واضحًا في نفسه، وفي رواية مسلم زيادة:(لا أسأل عنه) أي: عن تفسير ذلك القول (أحدًا) من الناس (بعدك) أي: بعد قولك لي وتعليمك إياي.
قال الأبي: ولما كانت أحكام الإسلام من الأفعال والتروك وشرائط ذلك لا تنحصر .. سأل بحسن نظره بيان جميع ذلك بقول جامع جلي يَستغني بجمعه ووضوحه عن سؤال غيره صلى الله عليه وسلم.
وعبارة القرطبي: أي: علمني قولًا جامعًا لمعاني الإسلام وأحكامه، واضحًا في نفسه، بحيث لا يحتاج إلى تفسير غيرك، أعمل عليه وأكتفي، وهذا نظير قول الآخر له:(علمني شيئًا أعيش به في الناس، ولا تكثر علي فأنسى، فقال: لا تغضب) رواه أحمد والبخاري والترمذي ومالك في "الموطأ" من حديث أبي هريرة.
(قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال سفيان: إن أردت يا سفيان قولًا جامعًا للإسلام .. (قل) يا سفيان مجددًا لإيمانك بقلبك ولسانك: (ربي الله) أي: صَدَّقْتُ بوحدانيته تعالى وبجميع ما أتى به رسوله صلى الله عليه وسلم (ثم استقم) أي: اثبُتْ على الشريعة؛ بامتثال المأمورات، واجتناب المنهيات، ولا تَعْوَجَّ عنها.
وقال الأبي: وكان هذا الجواب من جوامع كلمه صلى الله عليه وسلم؛ لأنه أجمل فيه ما فصله في ثلاث وعشرين سنة، أو في عشرين، على الخلاف كم بقي بعد البعثة.
والمعنى: اعتدل على طاعة الله تعالى عقدًا وقولًا وفعلًا، وداوم على ذلك، ولا يحصل منك اعوجاج منه.
قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَا أَكْثَرُ مَا تَخَافُ عَلَيَّ؟ فَأَخَذَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِلِسَانِ نَفْسِهِ ثُمَّ قَالَ: "هَذَا".
(7)
- 3917 - (7) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي عُمَرَ الْعَدَنِيُّ،
===
قال سفيان: ثم (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ ما أكثر ما تخاف) ضرره (علي) في ديني؟ قال سفيان: (فأخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسان نفسه) أي: أمسك لسان نفسه بيده الشريفة (ثم) بعدما أمسكه بيده (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (هذا) اللسان هو أكثر ما أخاف عليك ضرره، فاحفظه على نفسك، فلا تتكلم به إلا ما هو خير لك أو لغيرك.
فهذه الجملة بمعنى الحديث المذكور قبله؛ يعني قوله: "من كان يؤمن بالله واليوم الآخر .. فليقل خيرًا، أو ليسكت".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الإيمان، باب جامع أوصاف الإسلام، والترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في حفظ اللسان برقم (2406) عن عقبة بن عامر، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
ودرجته: أنه حديث صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث بلال بن الحارث.
* * *
ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث بلال بن الحارث بحديث معاذ بن جبل رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(7)
- 3917 - (7)(حدثنا محمد) بن يحيى (بن أبي عمر العدني) منشأً، المكي نزولًا، ويقال: إن أبا عمر كنية يحيى، صدوق صنف "المسند"، وكان لازم ابن عيينة، لكن قال أبو حاتم: كانت فيه غفلة، من العاشرة، مات
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ مُعَاذٍ، عَنْ مَعْمَرٍ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ أَبِي النَّجُود، عَنْ أَبِي وَائِلٍ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفَرٍ
===
سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه: (م ت س ق).
(حدثنا عبد الله بن معاذ) بن نشيط - بفتح النون بعدها معجمة - الصنعاني، صاحب معمر، صدوق، تحامل عليه عبد الرزاق، من التاسعة، مات قبل التسعين ومئة. يروي عنه:(ت ق).
(عن معمر) بن راشد، ثقة ثبت، من السابعة، مات سنة أربع وخمسين ومئة (154 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عاصم بن أبي النجود) - بنون وجيم - اسمه بهدلة الأسدي مولاهم الكوفي، أبي بكر المقرئ، صدوق له أوهام، حجة في القراءة، وحديثه في "الصحيحين" مقرون، من السادسة، مات سنة ثمان وعشرين ومئة (128 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي وائل) شقيق بن سلمة الأسدي الكوفي، ثقة، من الثانية، مخضرم، مات في خلافة عمر بن عبد العزيز، وله مئة سنة. يروي عنه:(ع).
(عن معاذ بن جبل) بن عمرو بن أوس الأنصاري الخزرجي أبي عبد الرحمن المشهور من أعيان الصحابة رضي الله تعالى عنه وعنهم أجمعين، شهد بدرًا وما بعدها، وإليه المنتهى في العلم بالأحكام والقرآن، مات بالشام سنة ثماني عشرة ومئة (118 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) معاذ: (كنت مع النبي صلى الله عليه وسلم في سفر) من أسفاره، وفي رواية: (قال: بينما نحن نخرج مع رسول الله صلى الله عليه وسلم في
فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ وَنَحْنُ نَسِيرُ فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ وَيُبَاعِدُنِي مِنَ النَّارِ؟ قَالَ: "لَقَدْ سَأَلْتَ عَظِيمًا وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللهُ عَلَيْهِ؛ تَعْبُدُ اللهَ لَا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا،
===
غزوة تبوك، وقد أصابنا الحر، فتفرق القوم، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم أقربهم مني).
(فأصبحت يومًا قريبًا منه) صلى الله عليه وسلم (ونحن نسير فقلت) له: (يا رسول الله؛ أخبرني بعمل يدخلني الجنة) برفع (يدخل) على أنه صفة (عمل) إما مخصصة أو مادحة أو كاشفة؛ فإن العمل إذا لم يكن بهذه الحيثية .. كأنه لا عمل، وقيل: بالجزم، وفيه تكلف. انتهى من "التحفة".
(ويباعدني من النار)، فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله (لقد سألت عظيمًا) أي: عن عمل عظيم فعله على النفوس (وإنه ليسير) أي: هين وسهل (على من يسره الله) تعالى (عليه)؛ أي: جعله سهلًا عليه.
قوله: (تعبد الله) إما بمعنى الأمر، وكذا ما بعده، وإما خبر مبتدأ محذوف تعويلًا على أقوى الدليلين؛ أي: هو أن تعبد الله؛ أي: إن العمل الذي يدخلك الجنة عبادتك الله، بحذف (أن) المصدرية، أو على تنزيل الفعل منزلة المصدر، وعدل عن صيغة الأمر؛ تنبيهًا على أن المأمور كأنه متسارع إلى الامتثال، وهو يخبر عنه؛ إظهارًا لرغبته في وقوعه، وفَصَلَهُ عن الجملة الأولى؛ لكونه بيانًا أو استئنافًا. انتهى منه.
أي: إن العمل الذي يدخلك الجنة: هو إفراد الله تعالى بالعبادة، حالة كونك (لا تشرك به) تعالى (شيئًا) من المخلوقات في العبادة ظاهرًا ولا باطنًا.
وجملة الإشراك في محل النصب حال من فاعل (تعبد) وما بعدها من الجمل معطوفة عليها، أو معطوفة على جملة (تعبد) على كونها خبرًا لمبتدأ محذوف
وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ وَتَحُجُّ الْبَيْتَ"، ثُمَّ قَالَ: "أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ: الصَّوْمُ جُنَّةٌ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ انَّارَ الْمَاءُ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْل،
===
عطف مفصل على مجمل؛ أي: ذلك العمل الذي يدخلك الجنة عبادة الله، حالة كونك لا تشرك به شيئًا (وتقيم الصلاة) المفروضة؛ أي: وإقامتها في وقتها المحدد لها بأركانها وشروطها (وتؤتي الزكاة) أي: وأداؤها بشروطها في مصارفها المبينة في القرآن (وتصوم رمضان) أي: وصومك شهر رمضان بشروطه المبينة عند الفقهاء (وتحج البيت) الحرام؛ أي: وأداء حج البيت الحرام في وقته المحدد مرةً في العمر بشروطه.
(ثم) بعدما بين لي رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا العمل الذي يدخلني الجنة (قال) لي زيادةً على ما سألته عنه: (ألا) - بفتح الهمزة مع التخفيف - أي: انتبه يا معاذ واستمع مني ما أقول لك؛ فأنا (أدلك على أبواب الخير) وأنواعه التي تدخلك الجنة؛ منها: أن إكثار (الصوم جنة) أي: ستر من النار والمعاصي الموصلة إليها؛ وهو - بضم الجيم وتشديد النون - في الأصل: الترس؛ وهو ما يكون وقايةً وسترًا من سيف العدو ورماحه.
والمعنى هنا: أي: مانع من النار، أو من المعاصي؛ بكسر الشهوة، وضعف القوة، وقال في "النهاية:(الصوم جنة) أي: يقي صاحبه ما يؤذيه من الشهوات؛ والجنة: الوقاية. انتهى من "تحفة الأحوذي".
(و) منها: أن إكثار (الصدقة) أي: النوافل منها (تطفئ الخطيئة) من الإطفاء أي: تذهبها وتمحو أثرها؛ أي: إذا كانت متعلقة بحقوق الله تعالى، وإذا كانت من حقوق العباد .. فتدفع تلك الحسنة إلى خصمه عوضًا عن مظلمته (كما يطفئ النار الماء و) منها (صلاة الرجل) وكذا المرأة (من جوف الليل)
ثُمَّ قَرَأَ {تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ
…
} حَتَّى بَلَغَ {جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ} ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ وَعَمُودِهِ وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ .. الْجِهَادُ،
===
ووسطه؛ فهي تطفئ الخطيئة، أو مبتدأ، خبره محذوف؛ أي: هي مما لا يُكْتَنَه كُنهُها، أي: مما لا يُعرف قَدْرُ ثوابها، لأنها مما نزلت فيها هذه الآية المذكورة بعدها. انتهى "سندي".
وفي "التحفة": (وصلاة الليل) مبتدأ، خبره محذوف؛ تقديره: أي: هي كذلك؛ أي: تطفئ الخطيئة، أو هي من أبواب الخير، والأول أظهر.
قال القاضي: وقيل: الأظهر أن يقدر الخبر؛ أي: وهو شعار الصالحين؛ كما في "جامع الأصول"، ذكره القاري.
(ثم قرأ) رسول الله صلى الله عليه وسلم تصديقًا لمقالته قوله تعالى: ({تَتَجَافَى}) أي: تتباعد ({عَنِ الْمَضَاجِعِ) أي: عن المراقد والمفارش {يَدْعُونَ رَبَّهُم} بالصلاة والذكر والقراءة والدعاء، واستَمرَّ في قراءتِه بقيةَ الآية يعني:{خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (16) فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ} (حتى بلغ) قوله تعالى: ({جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ})(1).
(ثم) بعدما قرأ هذه الآية (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا) أي: انتبه واستمع ما أقول لك يا معاذ (أخبرك برأس الأمر) كله؛ أي: برأس كل أمر الدين وأصله وأساسه (وعموده) - بفتح العين - أي: ما يقوم ويعتمد عليه (وذروة سنامه) - بكسر الذال وهو الأشهر، وبضمها، وحكي فتحها -: أعلى الشيء؛ والسنام - بالفتح -: ما ارتفع من ظهر الجمل قريبَ عُنقه، (الجهاد).
(1) سورة السجدة: (16 - 17).
ثُمَّ قَالَ: أَلَا أُخْبِرُكَ بِمِلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ"، قُلْتُ: بَلَى، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ فَقَالَ: "تَكُفُّ عَلَيْكَ
===
ثم قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: (رأس الأمر) كما في رواية الترمذي؛ أي: رأس أمر الدين (الإسلام) يعني: الشهادتين، وهو من باب التشبيه المقلوب؛ إذ المقصود تشبيه الإسلام برأس الأمر؛ ليشعر بأنه من سائر الأعمال بمنزلة الرأس من الجسد في احتياجه إليه وعدم بقائه دونه (وعموده) أي: عمود الأمر (الصلاة) يعني: الإسلام هو أصل الدين، إلا أنه ليس له قوة وكمال؛ كالبيت الذي ليس له عمود، فإذا صلى وداوم عليها .. قوي دينه، ولم يكن له رفعة، فإذا جاهد .. حصل لدينه رفعةً، وهو معنى قوله:(وذروة سنامه الجهاد) وفيه: إشعار إلى صعوبة الجهاد، وعلو أمره وتفوقه على سائر الأعمال.
والجهاد: من الجهد - بالفتح - وهو المشقة، أو - بالضم - وهو الطاقة؛ لأنه يبذل الطاقة في قتال العدو عند فعل العدو مثل ذلك.
(ثم قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبرك بمِلاك ذلك كله) والملاك: ما به إحكام الشيء وتقويته؛ مِنْ مَلَكَ العجينَ؛ إذا أَحْسَنَ عَجْنَه وبالغَ فيه؛ وأهل اللغة يكسرون الميم ويفتحونها، والرواية بالكسر.
و(ذلك) إشارة إلى أن ما ذكر من أول الحديث من العبادات، وأكده بقوله:(كله) لئلا يظن عدم الشمول؛ أي: ألا أخبرك بما تقوم به تلك العبادات جميعها.
قال معاذ: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (بلى) أخبرني يا رسول الله بملاك ذلك كله، قال معاذ:(فأخذ) رسول الله صلى الله عليه وسلم (بلسانه) الباء زائدة، والضمير راجع إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم (فقال) لي:(تكف) - بتشديد الفاء مع ضم الكاف - مضارع كف المضعف، وفي رواية الترمذي:(كُفَّ) بصيغة الأمر؛ أي: تحبس وتمنع وتحفظ (عليك)
هَذَا"، قُلْتُ: يَا نَبِيَّ اللهِ؛ وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ؟ قَالَ: "ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ؛ وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ عَلَى وُجُوهِهِمْ فِي النَّارِ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ؟ ! ".
===
أي: على نفسك (هذا) أي: هذا اللسان الذي تتكلَّم به من تَكلُّمِ ما يضرك ولا يعنيك ولا ينفعك عاجلًا وآجلًا.
وتقديم الجار على المنصوب؛ للاهتمام به، وتعديته بعلى؛ للتضمين، أو بمعنى عن، وإيراد اسم الإشارة؛ لمزيد التعيين، أو للتحقير، وهو مفعول تكف.
وإنما أخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم بلسانه وأشار إليه من غير اكتفاءٍ بالقول؛ تنبيهًا على أن أمر اللسان صعب.
والمعنى: لا تكلم بما لا يعنيك؛ فإن من كثر كلامه .. كثر سقطه، ومن كثر سقطه .. كثرت ذنوبه، ولكثرة الكلام مفاسد لا تحصى. انتهى من "التحفة".
قال معاذ: (قلت) لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (يا نبي الله؛ وإنا) معاشر المكلفين (لمؤاخذون) بالهمز ويبدل؛ أي: يؤاخذنا ربنا ويعاقبنا أو يحاسبنا ربنا (بـ) جميع (ما نتكلم به) بلساننا؛ إذ لا يخفى على معاذ المؤاخذة ببعض الكلام، فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم لمعاذ:(ثكلتك) - بكسر الكاف - أي: فقدتك (أمك)؛ وهو دعاء عليه بالموت على ظاهره، ولا يراد وقوعه، بل هو تأديب وتنبيه من الغفلة، وتعجيب وتعظيم للأمر؛ أي: ثكلتك أمك (يا معاذ؛ وهل يكب الناس) ويسقطهم (على وجوههم في النار إلا حصائد ألسنتهم) أي: محصوداتها وملفوظاتها؟ !
قوله: (وهل يكب) - بفتح الياء وضم الكاف - من كبه؛ إذا صرعه على وجهه، بخلاف أكب الرباعي؛ فإن معناه: سقط على وجهه، وهو من النوادر،
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
وهو عطف على مقدر؛ أي: هل تظن غير ما قلت؟ ! وهل يكب (الناس) أي: يلقيهم ويسقطهم ويصرعهم (على وجوههم أو على مناخرهم) كما في رواية الترمذي بالشك من الراوي؛ والمنخر - بفتح الميم وكسر الخاء وفتحهما - ثقب الأنف، والاستفهام للنفي، خصهما بالكب؛ لأنهما أول الأعضاء سقوطًا (إلا حصائد ألسنتهم) أي: محصوداتها، شبه ما يتكلم به الإنسان بالزرع المحصود بالمنجل، وهو من بلاغة النبوة؛ فكما أن المنجل يقطع ولا يميز بين الرطب واليابس، والجيد والردئ .. فكذلك لسان بعض الناس يتكلم بكل نوع من الكلام حسنًا أو قبيحًا.
والمعنى: لا يكب الناس في النار إلا حصائد ألسنتهم؛ من الكفر والقذف والشتم والغيبة والنميمة والبهتان ونحوها.
والاستثناء مفرغ، وهذا الحكم وارد على الأغلب؛ أي: على الأكثر؛ لأنك إذا جربت .. لم تجد أحدًا حفظ لسانه عن السوء، ولا يصدر عنه شيء يوجب دخول النار إلا نادرًا. انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الإيمان، باب ما جاء في حرمة الصلاة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي وأحمد.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث بلال بن الحارث.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث بلال بن الحارث بحديث أم حبيبة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(8)
- 3918 - (8) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ بْنِ خُنَيْسٍ الْمَكِّيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ سَعِيدَ بْنَ حَسَّانَ الْمَخْزُومِيَّ، قَالَ: حَدَّثَتْنِي أُمُّ صَالِحٍ، عَنْ صَفِيَّةَ بِنْتِ شَيْبَةَ، عَنْ أُمِّ حَبِيبَةَ
===
(8)
- 3918 - (8)(حدثنا محمد بن بشار) العبدي البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا محمد بن يزيد بن خنيس) - بخاء معجمة ثم نون مصغرًا - المخزومي مولاهم (المكي) مقبول، وكان من العباد، من التاسعة، تأخر إلى بعد العشرين ومئتين. يروي عنه:(ت ق).
(قال: سمعت سعيد بن حسان المخزومي) المكي قاص أهل مكة، صدوق له أوهام، من السادسة. يروي عنه:(م ت س ق).
(قال: حدثتني أم صالح) بنت صالح، روت عن صفية بنت شيبة عن أم حبيبة حديث وهو هذا الحديث: (كلام ابن آدم عليه لا له
…
) الحديث.
روى عنها: سعيد بن حسان المخزومي، لا يعرف حالها، مستورة، من السابعة. يروي عنها:(ت ق).
(عن صفية بنت شيبة) بن عثمان بن أبي طلحة ابن عبد العزى بن عثمان بن عبد الدار العبدرية، لها رؤية، وقال الدارقطني: لا تصح لها رؤية، وفي "البخاري" التصريح بسماعها عن النبي صلى الله عليه وسلم. يروي عنها:(ع). روت عن: النبي صلى الله عليه وسلم، وعن أم ولد لشيبة بن عثمان، وأم عثمان بن أبي سفيان بن حرب، وعائشة، وأم حبيبة، وأم سلمة أمهات المؤمنين، وأسماء بنت أبي بكر الصديق، وحبيبة بنت أبي تجراة، وغيرهم، وذكرها ابن حبان في ثقات التابعين.
(عن أم حبيبة) رملة بنت أبي سفيان صخر بن حرب، من أمهات المؤمنين
زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"كَلَامُ ابْنِ آدَمَ عَلَيْهِ لَا لَهُ؛ إِلَّا الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَذِكْرَ اللهِ عز وجل".
===
رضي الله تعالى عنها (زوج النبي صلى الله عليه وسلم، عن النبي صلى الله عليه وسلم.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة أو الحسن، قال المنذري في "الترغيب": رواته ثقات، وفي محمد بن يزيد بن خنيس كلام قريب لا يقدح، وهو شيخ صالح. انتهى، أو لأن فيه محمد بن يزيد بن خنيس، وهو مختلف فيه.
(قال) النبي صلى الله عليه وسلم: (كلام ابن آدم عليه) أي: ضرره ووباله عليه لا على غيره، وقيل: معناه: يكتب عليه (لا له) أي: ليس له نفع فيه، أو لا يكتب له، ذكره تأكيدًا لما قبله.
(إلا الأمر بالمعروف) مما فيه نفع الغير من الأوامر الشرعية (والنهي عن المنكر) مما فيه موعظة الخلق من الأمور المنهية (و) إلا (ذكر الله عز وجل بالنصب معطوف على (الأمر بالمعروف) أي: أو إلا ما فيه رضا الله تعالى من الأذكار الإلهية.
قال القاري: وظاهر الحديث أنه لا يظهر في الكلام نوع يباح للأنام، اللهم؛ إلا أن يحمل على المبالغة، والتأكيد في الزجر عن القول الذي ليس بسديد.
وقد يقال: إن قوله: (لا له) تفسير لقوله: (عليه) ولا شك أن المباح ليس له نفع في العقبى.
أو يقال: التقدير: كل كلام ابن آدم حسرة عليه لا منفعة له فيه إلا هذه المذكورات الثلاث وأمثالها، فيوافق بقية الأحاديث المذكورة في هذا الباب.
(9)
- 3919 - (9) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا خَالِي يَعْلَى،
===
وهذا الحديث مقتبس من قوله تعالى: {لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ} (1)، وبه يرتفع اضطراب الشراح في أمر المباح. انتهى كلام القاري، انتهى من "تحفة الأحوذي".
قال السندي: قوله: (عليه) أي: وباله عليه ولو كان مباحًا؛ فإن أقله تطويل الحساب، وقد يجر إلى المكروه، أو المحرم، فيصير سببًا للعذاب، أو يورث الغفلة عن الذكر، فيكون وسيلة إلى نقص الثواب. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب ما جاء في حفظ اللسان من حديث أم حبيبة:(كلام ابن آدم عليه لا له)، والحاكم، والبيهقي في "شعب الإيمان"، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن غريب لا نعرفه إلا من حديث محمد بن خنيس.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، أو حسن؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث بلال بن الحارث.
* * *
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث بلال بن الحارث بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(9)
- 3919 - (9)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقة عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
قال (حدثنا خالي يعلى) بن عبيد بن أبي أمية الكوفي أبو يوسف الطنافسي،
(1) سورة النساء: (114).
عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ أَبِي الشَّعْثَاءِ قَالَ: قِيلَ لِابْنِ عُمَرَ: إِنَّا نَدْخُلُ عَلَى أُمَرَائِنَا فَنَقُولُ الْقَوْلَ، فَإِذَا خَرَجْنَا .. قُلْنَا غَيْرَهُ، قَالَ: كُنَّا نَعُدُّ ذَلِكَ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم النِّفَاقَ.
===
ثقة إلا في حديثه عن الثوري، ففيه لين، من كبار التاسعة، مات سنة بضع ومئتين (203 هـ) وله تسعون سنة. يروي عنه:(ع).
(عن) سليمان بن مهران (الأعمش) الكاهلي الكوفي، ثقة، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن إبراهيم) بن يزيد بن قيس بن الأسود النخعي أبي عمران الكوفي، ثقة فقيه إلا أنه يرسل كثيرًا، من الخامسة، مات دون المئة سنة ست وتسعين (96 هـ)، وهو ابن خمسين أو نحوها. يروي عنه:(ع).
(عن أبي الشعثاء) سليم - مصغرًا - ابن أسود بن حنظلة المحاربي الكوفي، ثقة باتفاق، من كبار الثالثة، مات في زمن الحجاج دون المئة سنة ثلاث وثمانين (83 هـ). يروي عنه:(ع).
(قال) أبو الشعثاء: (قيل لـ) ـعَبْدِ اللهِ (بن عُمر) رضي الله تعالى عنهما، ولم أر من ذكر اسم هذا القائل.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
أي: قيل له: (إنا ندخل على أمرائنا) وأئمتنا (فنقول) في تحدثنا معهم (القول) الذي يوافق هواهم، ولو كان غير صواب؛ مخافةً منهم (فإذا خرجنا) من عندهم .. (قلنا) في الحديث فيما بيننا (غيره) أي: غير ما نتحدث معهم مما لا يوافق هواهم (قال) ابن عمر في جواب السائل: (كنا) معاشر الصحابة (نعد ذلك) أي: مخالفة حديثنا فيما بيننا لحديثنا معهم؛ أي: نعد ذلك (على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم النفاق) أي: من أخلاق أهل النفاق الذين
(10)
- 3920 - (10) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ شُعَيْبِ بْنِ شَابُورَ، حَدَّثَنَا الْأَوْزَاعِيُّ، عَنْ قُرَّةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ حَيْوَئِيلَ،
===
يقولون عند المؤمنين: آمنا، وإذا خلوا إلى شياطينهم .. قالوا: إنا مستهزئون بهم، والله أعلم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث بلال بن الحارث.
* * *
ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث بلال بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(10)
- 3920 - (10)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصيرالسلمي الدمشقي، صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا محمد بن شعيب بن شابور) - بالمعجمة والموحدة - الأموي مولاهم الدمشقي نزيل بيروت، صدوق صحيح الكتاب، من كبار التاسعة، مات سنة مئتين (200 هـ). يروي عنه:(عم).
(حدثنا) عبد الرحمن بن عمرو بن أبي عمرو (الأوزاعي) الدمشقي، ثقة إمام، من السابعة، مات سنة سبع وخمسين ومئة (157 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن قرة بن عبد الرحمن بن حيوئيل) - بمهملة مفتوحة ثم تحتانية - على وزن جبرئيل المعافري - بفتحتين ثم فاء مكسورة - نسبة إلى معافر بن يعفر، كذا في "المغني" المصري، يقال: اسم قرة: يحيى، صدوق له مناكير، من السابعة، مات سنة سبع وأربعين ومئة (147 هـ). يروي عنه:(م عم)، وقال ابن عدي: لم أر له حديثًا منكرًا جدًّا وأرجو أنه لا بأس به، ورَوَى له مسلمٌ مقرونًا
عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مِنْ حُسْنِ إِسْلَامِ الْمَرْءِ تَرْكُهُ مَا لَا يَعْنِيهِ".
===
بغيره، وله عند (س) حديث رواه أبو هريرة (إذا أمن القارئ)، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن عدي أيضًا: روى الأوزاعي عن قرة عن الزهري بضعة عشر حديثًا، وبالجملة: فهو مختلف فيه.
(عن الزهري) محمد بن مسلم بن شهاب المدني الأصبحي، ثقة حجة، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).
(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه قرة بن عبد الرحمن، فهو مختلف فيه.
(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: من حسن إسلام المرء) وكذا المرأة (تركه ما لا يعنيه) أي: ما لا يهمه، ولا يعتني به، ولا ينفعه عاجلًا وآجلًا.
قال السندي: أي: من جملة محاسن إسلام الشخص وكمال إيمانه (تركه ما لا يعنيه) مِنْ عنَاهُ؛ إذا قصده، وأحد الضميرين للموصول، والثاني للمرء؛ فإن الشيء الذي لا فائدة فيه غير قاصد للشخص، ولا متوجه إليه، ولا متعلق به؛ كما أن الشخص غير قاصد له، ويصح كلا المعنيين، فليتأمل، والله أعلم. انتهى منه.
قال ابن رجب الحنبلي في كتاب "جامع العلوم والحكم" في شرح هذا
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
الحديث ما لفظه: معنى هذا الحديث: أن مِن حُسْنِ إسلامه .. تَرْكه ما لا يعنيه من قول وفعل، واقتصارَه على ما يعنيه من الأقوال والأفعال؛ ومعنى يعنيه: أنه يتعلق عنايته به، ويكون من مقصده ومطلوبه، والعناية: شدة الاهتمام، يقال: عناه يعنيه، إذا اهتم به وطلبه.
وإذا حسن الإسلام .. اقتضى ترك ما لا يعني كله؛ من المحرمات والمشتبهات والمكروهات وفضول المباحات، التي لا يحتاج إليها؛ فإن هذا كله لا يعنيه المسلم إذا كمل إسلامه. انتهى مختصرًا.
قال القاري: في معنى: (تركه ما لا يعنيه) أي: ما لا يهمه ولا يليق به قولًا وفعلًا، ونظرًا وفكرًا، قال: وحقيقة (ما لا يعنيه): ما لا يحتاج إليه في ضرورة دينه ودنياه، ولا ينفعه في مرضاة مولاه؛ بأن يكون عيشه بدونه ممكنًا، وهو في استقامة حاله بغيره متمكنًا؛ وذلك يشمل الأفعال الزائدة، والأقوال الفاضلة.
قال الغزالي: وحد (ما لا يعنيك): أن تتكلم بكل ما لو سكت عنه .. لم تأثم ولم تتضرر في حال ولا مآل.
ومثاله: أن تجلس مع قومٍ، فتحكي معهم أسفارك، وما رأيت فيها من جبال وأنهار، وما وقع لك من الوقائع، وما استحسنته من الأطعمة والثياب، وما تعجبت منه من مشائخ البلاد ووقائعهم، فهذه أمور لو سكت عنها .. لم تأثم ولم تتضرر.
وإذا بالغت في الاجتهاد حتى لم يمتزج بحكايتك زيادة ولا نقصان ولا تزكية نفس من حيث التفاخر بمشاهدة الأحوال العظيمة، ولا اغتياب لشخص، ولا مذمة لشيء مما خلقه الله تعالى .. فأنت مع ذلك كله مضيع زمانك، ومحاسب على عمل لسانك، إذ تستبدل الذي هو أدنى بالذي هو خير؛ لأنك لو صرفت
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
زمان الكلام في الذكر والفكر .. ربما ينفتح لك من نفحات رحمة الله تعالى ما يعظم جدواه، ولو سبحت الله .. بني لك بها قصر في الجنة، وهذا على فرض السلامة من الوقوع في كلام المعصية، وألا تسلم من الآفات التي ذكرناها. انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الزهد، باب رقم (9)، وقال الترمذي: هذا حديث غريب، وحسنه النووي؛ لأن رجال إسناده ثقات، وقرة بن عبد الرحمن وثقه قوم، وضعفه آخرون.
قلت: فدرجة هذا الحديث: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث بلال بن الحارث.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: عشرة أحاديث:
الأول والثاني للاستئناس، والثالث للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم