الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(10) - (1461) - بَابُ قَوْلهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}
(48)
- 3958 - (1) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا صَدَقَةُ بْنُ خَالِدٍ، حَدَّثَنِي عُتْبَةُ بْنُ أَبِي حَكِيمٍ، حَدَّثَنِي عَمِّي عَمْرُو بْنُ جَارِيَةَ،
===
(10)
- (1461) - (باب قوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ})(1)
(48)
- 3958 - (1)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ خطيب، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).
(حدثنا صدقة بن خالد) الأموي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقةٌ، من الثامنة، مات سنة إحدى وسبعين ومئة (171 هـ)، وقيل: ثمانين ومئة، أو بعدها. يروي عنه:(خ د س ق).
(حدثني عتبة بن أبي حكيم) الهمداني - بسكون الميم - أبو العباس الأردني - بضم الهمزة والدال بينهما راء ساكنة وتشديد النون - صدوق يخطئ كثيرًا، من السادسة، مات بصُور بعد الأربعين ومئة. يروي عنه:(عم). وقال ضمرة بن ربيعة: مات بصُور سنة سبع وأربعين ومئة (147 هـ)، وقال مروان بن محمد الطاطري: ثقةٌ، وقال عباس الدوري والغلابي عن ابن معين: ثقةٌ، وقال ابن أبي خيثمة عن يحيى بن معين: ضعيف الحديث، وذكره أبو زرعة الدمشقي في نفر من الثقات، وذكره ابن حبان في "الثقات"، فهو مختلف فيه.
(حدثني عمي) هو (عمرو بن جارية).
وفي بعض النسخ: (حدثني عمي عن عمرو بن جارية) بزيادة لفظ: (عن) قبل (عمرو بن جارية) وهو غلط، لأن (عمي) هو:(عمرو بن جارية اللخمي).
(1) سورة المائدة: (105).
عَنْ أَبِي أُمَيَّةَ الشَّعْبَانِيِّ قَالَ: أَتَيْتُ أَبَا ثَعْلَبَةَ الْخُشَنِيَّ قَالَ: قُلْتُ: كَيْفَ تَصْنَعُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ؟ قَالَ: أَيَّةُ آيَةٍ؟
===
يقال: هو: عم عتبة بن أبي حكيم. روى عن: أبي أمية الشعباني، ويروي عنه: عتبة بن أبي حكيم، ذكره ابن حبان في "الثقات"، له عندهم حديث واحد: (إذا رأيت شحًا مطاعًا
…
) إلى آخره وهو هذا الحديث، وهو شامي ثقةٌ، وقال الحافظ: مقبول، من السابعة. يروي عنه:(د ت ق).
(عن أبي أمية) اسمه يحمد - بضم التحتانية وسكون المهملة وكسر الميم، وقيل: بفتح أوله والميم - وقيل: اسمه عبد الله، ذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال أبو حاتم الرازي: شامي جاهلي، وقال الحافظ: مقبول، من الثانية. يروي عنه:(د ت ق).
وقوله: (الشعباني) - بفتحتين بينهما مهملة ساكنة - نسبة إلى شعبان؛ قبيلة من ذي رُعَينٍ.
(قال) أبو أمية: (أتيت أبا ثعلبة الخشني) رضي الله تعالى عنه - بضم المعجمة وفتح الشين المعجمة بعدها نون - الصحابي الفاضل مشهور بكنيته، قيل: اسمه جرثوم أو جرثومة أو جرثم أو جرهم
…
إلى آخر أسمائه.
واختلف أيضًا في اسم أبيه، مات سنة خمس وسبعين (75 هـ)، وقيل: بل قبل ذلك بكثير في أول خلافة معاوية بعد الأربعين. يروي عنه: (ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عمرو بن جارية، قال الحافظ فيه: مقبول، وفيه أيضًا أبو أمية، وقال فيه: مقبول.
(قال) أبو أمية: فـ (قلت) لأبي ثعلبة الخشني: (كيف تصنع) يا أبا ثعلبة وتقول (في) تفسير (هذه الآية؛ قال) لي أبو ثعلبة: (أية آية) هي؟ قال
قُلْتُ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} قَالَ: سَأَلْتَ عَنْهَا خَبِيرًا، سَأَلْتُ عَنْهَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: "بَلِ ائْتَمِرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَتَنَاهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ؛
===
أبو أمية: (قلت) لأبي ثعلبة: هي؛ أي: تلك الآية: قوله تعالى: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ})(1).
وفي رواية أبي داوود: (كيف تقول في هذه الآية؟ ) بدل قوله هنا: (كيف تصنع في هذه الآية؟ ).
يعني: ما معنى هذه الآية وما تقول فيه؛ فإن ظاهر ما يدلُّ عليه أنه لا حاجة إلى الأمر والنهي إذا اهتديتم في خصوص أنفسكم، بل على كلّ مسلم إصلاح نفسه، لا إصلاح غيره؟
(قال) أبو ثعلبة لأبي أمية: قد (سألت) يا أبا أمية - بتاء الخطاب - أي: سألت يا أبا أمية (عنها)، أي: عن معنى هذه الآية شخصًا (خبيرًا) أي: عالمًا بمعناها؛ يريد: نفسه.
أو بتاء المتكلم؛ يعني أبو ثعلبة: سألت أنا عن معناها شخصًا خبيرًا عارفًا بمعناها؛ يعني: النبي صلى الله عليه وسلم، فأخبرني عن معناها.
قوله: (سألت عنها) - بتاء المتكلم لا غير - أي: سألت عن معنى هذه الآية (رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم في بيان معناها: (بل ائتمروا) أي: امتثلوا (بالمعروف) شرعًا بأنفسكم؛ أي: ويدخل أمر غيركم بامتثاله (وتناهوا عن المنكر) شرعًا؛ أي: انتهوا بأنفسكم عن المنكر، واجتنبوا عنه، ومنه: الامتناع عن نهيه، أو الائتمار بمعنى التآمر؛
(1) سورة المائدة: (105).
حَتَّى إِذَا رَأَيْتَ شُحًّا مُطَاعًا، وَهَوىً مُتَّبَعًا، وَدُنْيَا مُؤْثَرَةً، وإِعْجَابَ كُلِّ ذِي رَأْيٍ
===
كالاختصام بمعنى التخاصم، ويؤيد هذا المعنى: التعبير أولًا بالتناهي؛ والمعنى حينئذ: ليأمر بعضكم بعضًا بالمعروف، ولتنه طائفة منكم طائفة أخرى عن المنكر.
وقال الطيبي: قوله: "بل ائتمروا " إضراب عن مقدر؛ تقديره: أي: سألت عنها رسول الله صلى الله عليه وسلم وقلت له: أما نترك الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ بناءً على ظاهر الآية؛ فقال عليه الصلاة والسلام: لا تتركوا، بل ائتمروا بالمعروف
…
إلى آخره.
قوله: "حتى إذا رأيت" حتى غاية للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وجواب إذا سيأتي بقوله:"فعليك خويصة نفسك".
والخطاب عام لكل من يصلح للأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ أي: استمر أيها الآمر بالمعروف والناهي عن المنكر على أمرك ونهيك.
(حتى إذا رأيت) وعلمت الغالب على الناس والكثير من حالهم (شحًّا) أي: بخلًا (مطاعًا) أي: محبوبًا للنفس؛ بأن أطاعته نفسك، وطاوعه غيرك، قاله القاري.
قال في "النهاية": هو؛ أي: الشح: أشد البخل، وقيل: البخل مع الحرص، وقيل: البخل في أفراد الأمور وآحادها، والشح عام، وقيل: البخل بالمال، والشح بالمال وبالمعروف.
(وهوىً متبعًا) بصيغة اسم المفعول؛ أي: وهوى النفس متبوعًا؛ والمعنى: أن كلًّا يتبع هواه (ودنيا) بالقصر؛ وهي عبارة عن المال والجاه في الدار الدنية (مؤثرة) أي: مختارة على أمور الدين (وإعجاب كلّ ذي رأي) أي: محبة كلّ
بِرَأْيِه، وَرَأَيْتَ أَمْرًا لَا يَدَانِ لَكَ بِهِ .. فَعَلَيْكَ خُوَيْصَّةَ نَفْسِكَ؛ فَإِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أَيَّامَ الصَّبْرِ،
===
صاحب رأي (برأيه) حتى يقدمه على رأي غيره؛ أي: من غير نظرٍ إلى الكتاب والسنة، وإجماع الأمة، وترك الاقتداء بالصحابة والتابعين.
والإعجاب - بكسر الهمزة -: هو وجدان الشيء حسنًا، ورؤيته مستحسنًا؛ بحيث يصير صاحبه به معجبًا، وعن قبول كلام الناصح مجنبًا، وإن كان قبيحًا في نفس الأمر.
(ورأيت أمرًا لا يدان لك به) - بكسر النون - أي: لا قدرة ولا طاقة لك على دفعه وإنكاره؛ لأن الدفاع إنما يكون باليد، فكأنهما معدومتان؛ لعجزه عن دفعه، والقياس و (ما لا يدين لك به).
والفاء في قولك: (فعليك) رابطة لجواب إذا الشرطية؛ كما أشرنا إليه سابقًا.
(خويصة) قال في "القاموس": الخويصة - بضم الخاء المعجمة وسكون الياء تصغير خاصة؛ لأن ياء التصغير لا تتحرك، يجوز فيه النصب؛ لأنه مفعول لاسم الفعل، أو منصوب على الإغراء؛ أي: فالزم بإصلاح الأمور الخاصة بـ (نفسك) بأمرها بالمعروف ونهيها عن المنكر، وهو أرجح.
ويجوز رفعه على أن (عليك) جار ومجرور خبر مقدم؛ والتقدير: فإصلاح الأمور الخاصة بنفسك واجب عليك؛ أي: فإذا رأيت ما ذكر من قوله: "شحًا مطاعًا" إلى هنا .. فالزم بإصلاح الأمور الخاصة؛ بامتثال الأوامر، واجتناب النواهي، فلا عليك حينئذ أمر الناس بالمعروف ونهيهم عن المنكر؛ لأنه لا يدين لك على ذلك.
(فإن من ورائكم) أي: من خلفكم (أيام الصبر) على الفتن؛ لكثرتها؛
الصَّبْرُ فِيهِنَّ عَلَى مِثْلِ قَبْضٍ عَلَى الْجَمْر، لِلْعَامِلِ فِيهِنَّ مِثْلُ أَجْرِ خَمْسِينَ رَجُلًا يَعْمَلُونَ بِمِثْلِ عَمَلِهِ".
===
أي: أيامًا لا ملجأ لكم فيها ولا منجى إلَّا الصبر؛ أي: لا طريق لكم فيها إلَّا الصبر، أو أيامًا يحمد فيها الصبر؛ وهو الحبس على خلاف هوى النفس.
وعبارة السندي هنا: قوله: "فإن من ورائكم أيام الصبر" بالإضافة؛ أي: أيامًا يعظم فيها أجر الصبر، وينبغي للإنسان ذلك الصبر.
وعبارة "التحفة": (فإن من ورائكم أيامًا) أي: إن من قدامكم من الأزمان الآتية (أيام الصبر) أي: أيامًا ينبغي فيه الصبر على المشاق والفتن.
(الصبر فيهن) أي: مشقة الصبر في تلك الأيام كائنة (على مثل) أي: على قدر مشقة (قبضر) اليد ووضعها (على الجمر) وشعلة النار، وعبارة "التحفة": يعني: يلحقه المشقة بالصبر في تلك الأيام؛ كمشقة الصابر على قبض الجمر بيده. انتهى منه.
(للعامل فيهن) أي: في تلك الأيام عملًا يشق في مثل ذلك الزمن، لا كلّ عمل؛ كالأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر؛ أي: أجر العامل فيهن (مثل أجر) عمل (خمسين رجلًا يعملون بمثل عمله) أي: بمثل عمل ذلك العامل؛ أي: في غير زمانه؛ أي: زمان آخر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، والترمذي في كتاب التفسير، باب ومن سورة المائدة، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن.
ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ لما مر آنفًا، وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
(49)
- 3959 - (2) حَدَّثَنَا الْعَبَّاسُ بْنُ الْوَلِيدِ الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا زَيْدُ بْنُ يَحْيَى بنِ عُبَيْدٍ الْخُزَاعِيُّ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ حُمَيْدٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَيْدٍ حَفْصُ بْنُ غَيْلَانَ الرُّعَيْنِيُّ، عَنْ مَكْحُولٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ
===
ثم استشهد المؤلف لحديث أَبِي ثعلبة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(49)
- 3959 - (2)(حدثنا العباس بن الوليد) بن صبح - بضم المهملة وسكون الموحدة - الخلال - بالمعجمة وتشديد اللام - (الدمشقي) السلمي، صدوق، من الحادية عشرة، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا زيد بن يحيى بن عبيد الخزاعي) أبو عبد الله الدمشقي، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة سبع ومئتين (207 هـ). يروي عنه:(د س ق).
(حدثنا الهيثم بن حميد) الغساني مولاهم أبو أحمد، صدوق رمي بالقدر، من السابعة. يروي عنه:(عم).
(حدثنا أبو معيد حفص بن غيلان) الهمداني (الرعيني) الحميري، وهو بالكنية أشهر، الدمشقي، صدوق فقيه. روى عن: مكحول، ويروي عنه:(س ق)، والهيثم بن حميد، وثقه ابن معين ودحيم، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال ابن عدي: ضعيف، من الثامنة.
(عن مكحول) الشامي أبي عبد الله، ثقةٌ فقيه كثير الإرسال مشهور، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومئة (113 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا معيد الرعيني، وهو مختلف فيه، وأما سماع مكحول من أنس .. فقد صرح به في "التهذيب"
قَالَ: قِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَتَى نَتْرُكُ الْأَمْرَ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيَ عَنِ الْمُنْكَرِ؟ قَالَ: "إِذَا ظَهَرَ فِيكُمْ مَا ظَهَرَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَكُمْ"، قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَا ظَهَرَ فِي الْأُمَمِ قَبْلَنَا؛ قَالَ: "الْمُلْكُ فِي صِغَارِكُمْ، وَالْفَاحِشَةُ فِي كِبَارِكُمْ، وَالْعِلْمُ فِي رُذَالَتِكُمْ"، قَالَ زَيْدٌ: تَفْسِيرُ مَعْنَى
===
في موضعين، فسقط ما قيل في بعض التعاليق على ابن ماجة: أنه لَمْ يسمع من أنس، فالسند متصل لا مرسل.
(قال) أنس: (قيل) من بعض الحاضرين عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولم أر من ذكر اسم ذلك القائل:(يا رسول الله؛ متى) أي: في أي زمن (نترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر) اللذين هما واجبان من واجبات الشرع؟ فـ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب السائل: تتركونهما (إذا ظهر فيكم ما ظهر في الأمم) الماضية (قبلكم) من بني إسرائيل.
(قلنا) معاشر الحاضرين عنده: (يا رسول الله؛ وما) أي: وما الأمر الذي (ظهر في الأمم) الماضية (قبلنا؟ ) فـ (قال): الأمر الذي ظهر فيمن قبلكم (الملك) أي: حصول الملك والسيطرة والسلطة (في صغاركم) أي: في صغار الناس سنًّا غير مجربين للأمور، أو في ضعافهم عقلًا وتدبيرًا وإن كانوا كبار السن، أو إنَّ الملوكَ يكونون صغار الناس سِنًا أو ضِعافَ العقول؛ وذلك يكون إِذا كان المُلْكُ والرئاسةُ بالوِراثة لا بشروطها.
(والفاحشةُ) أي: ووقوع الفاحشة وكثرتُها؛ أي: الزنا (في كباركم) سنًّا لا بمعنى الحَصْرِ فيهم، بل بمعنى: أنَّها تَنْتَشِرُ وتَفْشُو في الناس إلى أَنْ تُوجَد في الكبار أيضًا.
(و) كثرة (العلم في رُذَالَتِكم) أي: في فُسَّاقِكم؛ أي: فيمن لا يَعْملُ به ولا يريده إِلَّا لِأَمْرِ الدنيا (قال زيد) بن يحيى بن عبيد الخزاعي: (تفسير معنى
قَوْلِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم: "وَالْعِلْمُ فِي رُذَالَتِكُمْ" .. إِذَا كَانَ الْعِلْمُ فِي الْفُسَّاقِ.
(50)
- 3960 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ عَاصِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ،
===
قول النبي صلى الله عليه وسلم: والعلم) أي: كثرة العلم (في رُذَالتكم) - بضم الراء جمع رذيل - أي: في فاسق خسيس (إذا كان العلم في الفساق).
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي ثعلبة الخشني.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي ثعلبة بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(50)
- 3960 - (3)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عمرو بن عاصم) بن عبيد الله بن الوازع الكلابي القيسي، أبو عثمان البصري الحافظ.
يروي عن: حماد بن سلمة، ويروي عنه: محمد بن بشار، صدوق في حفظه شيء، من صغار التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ). يروي عنه:(ع)، قال ابن معين: ثقةٌ، وقال ابن سعد: صالح، وقال النسائي: لا بأس به، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار البصري، ثقةٌ عابد، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).
عَنْ عَلِيِّ بْنِ زَيْدٍ، عَنِ الْحَسَن، عَنْ جُنْدُبٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَنْبَغِي لِلْمُؤْمِنِ أَنْ يُذِلَّ نَفْسَهُ"، قَالُوا: وَكَيْفَ يُذِلُّ نَفْسَهُ؟ قَالَ: "يَتَعَرَّضُ مِنَ الْبَلَاءِ لِمَا لَا يُطيقُهُ".
===
(عن علي بن زيد) بن عبد الله بن زهير بن عبد الله بن جدعان التيمي البصري، ضعيف، من الرابعة. يروي عنه:(م عم)، قال العجلي: كان يتشيع، لا بأس به، وقال يعقوب بن شيبة: ثقةٌ صالح الحديث، وقال الساجي: كان من أهل الصدق، وقال الترمذي: صدوقٌ، وحَسَّن حديثَه، فهو مختلف فيه، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة، وقيل قبلها.
(عن الحسن) بن أبي الحسن يسار البصري الأنصاري مولاهم، ثقةٌ فقيه فاضل، من الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن جندب) بن عبد الله بن سفيان البجلي، ثم العلقي، أبي عبد الله، وربما نسب إلى جده، وله صحبة قديمة. روى عن: حذيفة، ويروي عنه: الحسن البصري، مات بعد الستين. يروي عنه:(ع).
(عن حذيفة) بن اليمان رضي الله تعالى عنهما، مات في أول خلافة علي سنة ست وثلاثين (36 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن؛ لكون سنده حسنًا؛ لأن فيه زيد بن علي، وهو مختلف فيه.
(قال) حذيفة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا ينبغي للمؤمن) أي: لا يليق به ولا يجوز له (أن يذل نفسه) من الإذلال؛ وهو الاستحقار والإهانة لها (قالوا) أي: قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم: (وكيف يذل) المؤمن (نفسه؟ قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: إذلال نفسه: أن (يتعرض) ويتصدى (من البلاء) بيان مقدم لقوله: (لما لا يطيقه) أي: لما
(51)
- 3961 - (4) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ،
===
لا يطيق الصبر عليه إذا نزل به، وتعرضه للبلاء؛ إما بالدعاء على نفسه بها، أو بأن يأتي بأسبابها العادية.
وقوله: "لما لا يطيقه" فيه مطابقة لترجمة الباب؛ بأنه إذا سقط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ بسبب البلية والفتن .. فليس لكل واحد أن يتعرض بالعزيمة ويطلب بها بأن يقول الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأنه لا بد إذا فعل الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أن يصيبه البلاء البتة، فلا يطيق على حمله، والله أعلم.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الفتن، باب رقم (58).
ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي ثعلبة.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي ثعلبة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(51)
- 3961 - (4)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان الضبي، مولاهم، صدوق عارف، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري النجاري، أبو سعيد القاضي
حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ أَبُو طُوَالَةَ، حَدَّثَنَا نَهَارٌ الْعَبْدِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "إِنَّ اللهَ لَيَسْأَلُ الْعَبْدَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يَقُولَ: مَا مَنَعَكَ إِذْ رَأَيْتَ الْمُنْكَرَ أَنْ تُنْكِرَهُ؟ فَإِذَا لَقَّنَ اللهُ عَبْدًا حُجَّتَهُ .. قَالَ: يَا رَبِّ؛ رَجَوْتُكَ وَفَرِقْتُ مِنَ النَّاسِ".
===
المدني، ثقةٌ ثبتٌ، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبد الله بن عبد الرَّحمن) بن معمر بن حزم الأنصاري النجاري (أبو طوالة) المدني، كان قاضي المدينة زمن عمر بن عبد العزيز، ثقةٌ، من الخامسة. يروي عنه:(ع). مات سنة أربع وثلاثين ومئة (134 هـ)، ويقال بعد ذلك.
(حدثنا نهار) بن عبد الله (العبدي) المدني، صدوق، من الرابعة. يروي عنه:(ق)، كان ينزل في بني النجار، قال ابن خراش: مدني صدوق، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(أنه سمع أبا سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
حالة كون أبي سعيد (يقول: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الله) عز وجل (ليسأل العبد يوم القيامة) عن أعماله التي عملها في الدنيا، حسناته وسيئاته (حتى يقول) الله عز وجل:(ما منعك) يا عبدي (إذ رأيت المنكر) يفعل (أن تنكره) على من يفعله (فإذا لقن الله) أي: فإذا أراد أن يلقن (عبدًا) أي: عبده ذلك (حجته) أي: اعتذاره .. لقنه، فـ (قال) ذلك العبد في اعتذاره:(يا رب؛ رجوتك) أي: رجوت رحمتك وعفوك لي في تركي إنكار المنكر (وفَرقْتُ) أي: خِفْتُ (من) إِذاية (الناس) وشَرِّهم إن أنكرتُ
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ذلك المنكر عليهم؛ أي: خِفْتُهم ورجوتُ المسامحةَ لي في حقك؛ اعتمادًا على أنك كريم مرجوُّ العَفْوِ؛ لكمال فضلك وسعة غفرانك وإدراك لطفك لي، بخلاف الناس؛ فإنهم من الشح بمكان بعيد.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، قال البوصيري: وهذا الحديث إسناده صحيح، رواه الحاكم في "المستدرك" من طريق سفيان بن عيينة عن يحيى بن سعيد فذكره، وسياقه أتم، وأخرجه أيضًا ابن حبان في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده".
فدرجته: أنه صحيح؛ لصحةِ سندِه، ولأن له متابعات، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي ثعلبة الخشني.
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أربعة أحاديث:
الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم