الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(8) - (1459) - بَابُ فِتْنَةِ النِّسَاءِ
(32)
- 3942 - (1) حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ هِلَالٍ الصَّوَّافُ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْوَارِثِ بْنُ سَعِيدٍ، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيِّ ح وَحَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ رَافِعٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْمُبَارَك، عَنْ سُلَيْمَانَ التَّيْمِيّ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيّ،
===
(8)
- (1459) - (باب فتنة النساء)
(32)
- 3942 - (1)(حدثنا بشر بن هلال الصواف) أبو محمد النميري - بضم النون - ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(م عم).
(حدثنا عبد الوارث بن سعيد) بن ذكوان العنبري مولاهم أبو عبيدة التنوري البصري، ثقةٌ ثبتٌ، رمي بالقدر ولم يثبت عنه، من الثامنة، مات سنة ثمانين ومئة (180 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سليمان) بن طرخان (التيمي) البصري نزل في التيم فنسب إليهم، ثقةٌ عابد، من الرابعة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئة (143 هـ) يروي عنه:(ع).
(ح وحدثنا عمرو بن رافع) بن الفرات القزويني البجلي أبو حُجْر - بضم المهملة وسكون الجيم - ثقةٌ ثبتٌ، من العاشرة، مات سنة سبع وثلاثين ومئتين (237 هـ). يروي عنه:(ق).
(حدثنا عبد الله بن المبارك) المروزي مولى بني حنظلة، ثقةٌ ثبتٌ فقيه، من الثامنة، مات سنة إحدى وثمانين ومئة (181 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن سليمان التيمي، عن أبي عثمان النهدي) عبد الرَّحمن بن مل - بتثليث الميم وتشديد اللام - مشهور بكنيته مخضرم، من الثانية، ثقةٌ ثبتٌ
عَنْ أُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا أَدَعُ بَعْدِي فِتْنَةً أَضَرَّ عَلَى الرِّجَالِ مِنَ النِّسَاءِ".
===
عابد، مات سنة خمس وتسعين (95 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن أسامة بن زيد) بن حارثة رضي الله تعالى عنهما، حب رسول الله صلى الله عليه وسلم ومولاه، الصحابي المشهور، مات سنة أربع وخمسين (54 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذان السندان من خماسياته، وحكمهما: الصحة؛ لأن رجالهما ثقات أثبات.
(قال) أسامة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أدع) أي: ما تركت (بعدي) أي: بعد وفاتي (فتنةً) هي (أضر) أي؛ أشد ضررًا (على الرجال من النساء).
وفي الحديث أن فتنة الرجال بسبب النساء .. أشد من الفتنة بغيرهن؛ وذلك لأن من طبيعة الرجل أن يميل إلى النساء، وأن هذا الميل ربما يؤدي إلى معصية؛ كنظرة إلى غير محرم منهن، أو الاستلذاذ بها بطريق غير مشروع، وربما يؤدي إلى تعاطي المحذورات لإرضائها، وإن كانت حلالًا، ولذلك قال الله تعالى:{زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ} (1)، فجعل النساء من جملة الشهوات، وقدمهن على غيرهن من بقية الشهوات؛ إشارة إلى أنهن الأصل في ذلك.
وعبارة "المناوي" ها هنا: قوله صلى الله عليه وسلم: "ما تركت بعدي فتنة
…
" إلى آخره؛ لأن المرأة لا تحب زوجها إلَّا على شر، وأقل إفسادها: أن تحمله على تحصيل الدنيا والاهتمام بها، وتشغله عن أمر الآخرة.
وللمرأة فتنتان: عامة وخاصة؛ فالعامة: الإفراط في الاهتمام بأسباب
(1) سورة آل عمران: (14).
(33)
- 3943 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،
===
المعيشة، وتعيير المرأة له بالفقر، فيكلف نفسه بما لا يطيق، ويسلك مسالك التهم المذهبة لدينه.
والخاصة: الإفراط في المجالسة والمخالطة، فتنطلق النفس عن قيد الاعتدال وتستروح بطول الاسترسال، فيستولي على القلب السهو والغفلة، فيقل الوارد؛ لقلة الأوراد، ويتكدر الحال؛ لإهمال شروط الأعمال. انتهى منه، انتهى "دهني".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب النِّكَاح، باب ما يتقى من شؤم المرأة، ومسلم في كتاب الدعاء والذكر والتوبة والاستغفار، باب أكثر أهل الجَنَّة الفقراءُ، وأكثرُ أهل النار النساءُ، والترمذي في كتاب الأدب، باب ما جاء في تحذير فتنة النساء، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.
فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، فقال:
(33)
- 3943 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقةٌ عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(قالا) أي: قال كلّ منهما: (حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقةٌ، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
عَنْ خَارِجَةَ بْنِ مُصْعَبٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ أَسْلَمَ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَسَارٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ صَبَاحٍ إِلَّا وَمَلَكَانِ يُنَادِيَانِ: وَيْلٌ لِلرِّجَالِ مِنَ
===
(عن خارجة بن مصعب) بن خارجة أَبِي الحجاج السرخسي، متروك، وكان يدلس عن الكذابين، ويقال: إن ابن معين كذبه، من الثامنة، مات سنة ثمان وستين ومئة (168 هـ). يروي عنه:(ت ق). وفي "التهذيب": هو خارجة بن مصعب بن خارجة الضبعي بن الحجاج الخراساني السرخسي. روى عن: زيد بن أسلم، ويروي عنه: وكيع، قال البخاري: تركه ابن المبارك ووكيع، وقال النسائي: متروك، وقال مرّة: ليس بثقة، وقال ابن عدي: اتَّقى الناسُ حديثَه فتركوه، وبالجملة: فهو متفق على ترك حديثه.
(عن زيد بن أسلم) العدوي مولاهم المدني؛ مولى عمر بن الخطاب، ثقةٌ عالم وكان يرسل، من الثالثة، مات سنة ست وثلاثين ومئة (136 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عطاء بن يسار) الهلالي أبي محمد المدني مولى ميمونة أم المؤمنين، ثقةٌ فاضل، من صغار الثانية، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ)، وقيل بعد ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن أبي سعيد) الخدري رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه خارجة بن مصعب، وهو متروك وضَّاع.
(قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من صباح) هو أول النهار، ولا مساء؛ هو آخر النهار (إلَّا وملكان يناديان) أحدهما يقول:(ويل) أي: هلاك، أو عذاب، أو اسم لواد في جهنم (للرجال من) سوء
النِّسَاء، وَوَيْلٌ لِلنِّسَاءِ مِنَ الرِّجَالِ".
(34)
- 3944 - (3) حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى اللَّيْثِيُّ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ،
===
عشرة (النساء، و) الآخر يقول: (ويل) أي: عذاب (للنساء من) سوء عشرة (الرجال) والله أعلم، وفي "الإنجاز": ويل: أي: هلاك وتوقع شر، وقيل: واد في جهنم.
والمعنى: أنه استحقَّ كلّ من الفريقين مقرًّا من النار؛ على سوءِ عمله، وثَبَت له ذلك.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه ضعيف جدًّا (4)(403)؛ لما مر آنفًا، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث أسامة بن زيد بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(34)
- 3944 - (3)(حدثنا عمران بن موسى) القزاز (الليثي) أبو عمرو البصري، صدوق، من العاشرة، مات بعد الأربعين ومئتين. يروي عنه:(ت س ق).
(حدثنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقةٌ ثبتٌ فقيه، من كبار الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه (ع).
(حدثنا علي بن زيد) بن عبد الله بن زهير بن عبد الله (بن جدعان) التيمي البصري، أصله حجازي، وهو المعروف بعلي بن زيد بن جدعان، ينسب أبوه إلى جد جده، صدوق عند الترمذي، ضعيف عند غيره؛ كما في "التحفة"،
عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خَطِيبًا فَكَانَ فِيمَا قَالَ: "إِنَّ الدُّنْيَا خَضِرَةٌ حُلْوَةٌ، وَإنَّ اللهَ مُسْتَخْلِفُكُمْ فِيهَا فَنَاظِرٌ كَيْفَ تَعْمَلُونَ، أَلَا
===
من الرابعة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(م عم).
(عن أبي نضرة) العبدي المنذر بن مالك بن قطعة - بضم القاف وفتح المهملة - العوقي - بفتح المهملة والواو ثم قاف - البصري مشهور بكنيته، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومئة (109 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي سعيد) الخدري، سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه علي بن زيد، وهو مختلف فيه؛ كما مر آنفًا.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام) فينا، حال كونه (خطيبًا) لنا (فكان فيما قال) في خطبته:(إن الدنيا خضرة) - بفتح الخاء المعجمة وكسر الضاد المعجمة - أي: ناعمة طرية محبوبة للنفس (حلوة) - بضم أوله وسكون ثانيه - أي: لذيذة حسنة، وإنما وصفها بالخضرة؛ لأن العرب تسمي الشيء الناعم: خضرًا، أو لشبهها بالخضروات في ظهور كمالها، وسرعة زوالها، وفيه بيان أنَّها تفتن الناس بلونها وطعمها؛ أي: خضرة اللون حالية الطعم.
(وإن الله) عز وجل (مستخلفكم فيها) أي: جاعلكم خلفاء فيها، مِن قَرْنٍ خَلَوْا مِنْ قبلكم (فناظر كيف تعملون) فيها؛ أي: هل تطيعون الله فيها؛ بامتثال أوامره واجتناب نواهيه، أم لا تطيعونه؟ (ألا) حرف تنبيه
فَاتَّقُوا الدُّنْيَا وَاتَّقُوا النِّسَاءَ".
===
واستفتاح؛ أي: انتبهوا من غفلتكم، واستمعوا ما أقول لكم بجد واجتهاد؛ وهو قولي:(فاتقوا الدنيا) أي: احذروا زيادتها على قدر الحاجة العينة للدين النافعة في الأخرى (واتقوا النساء) أي: واحذروا كيدهن ومكرهن.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الفتن، باب ما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، أخرجه مطولًا، وقال: هذا حديث حسن؛ لأن فيه زيد بن علي، وهو مختلف فيه؛ لأنه صدوق عند الترمذي، ضعيف عند غيره.
وهذا الحديث أخرجه أيضًا أحمد، والحاكم، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والبيهقي في "سننه".
فهذا الحديث درجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أسامة بن زيد.
قوله: (قام خطيبًا) أي: واعظًا، وفي رواية الترمذي:(صلى بنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا صلاة العصر بنهارٍ، ثم قام خطيبًا، فلم يدع شيئًا يكون إلى يوم القيامة .. إلَّا أخبرنا به، حفظه من حفظه، ونسيه من نسيه، فكان فيما قال: "إن الدنيا خضرة حلوة") أي: تفتن الناس بلونها وطعمها.
قلت: التشبيه ها هنا في شيئين؛ أحدهما: حسنها للنفوس ونضارتها ولذتها؛ كالفاكهة الخضراء الحلوة؛ فإن النفوس تطلبها طلبًا حثيثًا، وكذا الدنيا، والثاني: سرعة فنائها وفسادها؛ فإن الشيء الأخضر والحلو يتسارع إليه الفساد والفناء.
قوله: "فاتقوا الدنيا، واتقوا النساء" معناه: تجنبوا الافتتان بها وبالنساء، قال النووي: وتدخل في (النساء) الزوجات وغيرهن، وأكثرهن
(35)
- 3945 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ وَعَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ قَالَا: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللهِ بْنُ مُوسَى، عَنْ مُوسَى بْنِ عُبَيْدَةَ، عَنْ دَاوُودَ بْنِ مُدْرِكٍ،
===
فتنةً الزوجات؛ لكثرة مخالطتهن بالرجال، ودوام فتنتهن وابتلاء أكثر الناس بهن. انتهى.
قلت: وعمت البلوى بهذه الفتنة في هذا الزمان الآخر من الزوجات ومن غيرهن، وقل من نجا من هذا. انتهى من "الإنجاح".
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أسامة بحديث عائشة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(35)
- 3945 - (4)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة وعلي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(قالا: حدثنا عبيد الله بن موسى) بن أبي المختار باذام العبسي الكوفي، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة ثلاث عشرة ومئتين (213 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن موسى بن عبيدة) - مصغرًا - ابن نشيط الربذي - بفتحتين - أبي عبد العزيز المدني، ضعيف لا سيما في عبد الله بن دينار، وكان عابدًا، من صغار السادسة، مات سنة ثلاث وخمسين ومئة (153 هـ). يروي عنه:(ت ق). وحدث عنه وكيع، وقال: ثقةٌ.
(عن داوود بن مدرك) مجهول. يروي عنه: (ق)، من السادسة. روى عن: عروة بن الزبير، ويروي عنه: موسى بن عبيدة، روى له ابن ماجة حديثًا واحدًا:(دخلت امرأة المسجد ترفل في زينة لها) وهو هذا الحديث.
عَنْ عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْر، عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ: بَيْنَمَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ .. إِذْ دَخَلَتِ امْرَأَةٌ مِنْ مُزَيْنَةَ تَرْفُلُ فِي زِينَةٍ لَهَا فِي الْمَسْجِد، فَقَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: "يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ انْهَوْا نِسَاءَكُمْ عَنْ لُبْسِ الزِّينَةِ وَالتَّبَخْتُرِ فِي الْمَسْجِدِ؛
===
(عن عروة بن الزبير) ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ) على الصحيح. يروي عنه (ع).
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه موسى بن عبيدة، وهو ضعيف، وفيه داوود بن مدرك، وهو مجهول أيضًا.
(قالت) عائشة: (بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم: جالس في المسجد) النبوي؛ أي: بينما أوقات جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد .. (إذ دخلت امرأة من مزينة) قبيلة مشهورة من العرب، و (إذ) حرف دال على مفاجاة ما بعدها لما قبلها؛ أي: بينما أوقات جلوس رسول الله صلى الله عليه وسلم في المسجد النبوي .. فاجأهم دخول امرأة من مزينة المسجد، حالة كونها (تَرْفلُ) مِن رَفَلَ في ثيابه؛ من بابي نصر وفرح، يقال: رفل في ثيابه؛ إذا أطَالَها وجرَّها على الأرض، حالة كونها متبخترةً فيها، معجبةً لنفسها، ولم أر من ذكر اسم هذه المرأة؛ أي: تَبَخْتَرُ (في) ثيابِ (زينةٍ لها في المسجد) النبوي.
(فقال النبي صلى الله عليه وسلم مخاطبًا لِمَنْ عندَه وغيرِهم: (يا أيها الناس؛ انْهَوا) أي: ازْجُروا (نساءكم) المسلماتِ وغيرَهن (عن لبس) ثياب (الزينة والتبختر) فيها (في المسجد) أي: عن المشي في المسجد متبخترةً؛ أي: متكبرة؛ أي: عن مشيتها في المسجد مشية المتكبرين المختالين المعجبين
فَإِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمْ يُلْعَنُوا حَتَّى لَبِسَ نِسَاؤُهُمُ الزِّينَةَ وَتَبَخْتَرْنَ فِي الْمَسَاجِدِ".
(36)
- 3946 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ بْنُ عُيَيْنَةَ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ مَوْلَى أَبِي رُهْمٍ وَاسْمُهُ عُبَيْدٌ،
===
عن أنفسهم (فإن) من قبلكم من (بني إسرائيل لَمْ يُلْعَنُوا) - بالبناء للمجهول - أي: لَمْ يُطردوا من رحمة الله تعالى (حتى لَبِسَ نساؤُهم) ثيابَ (الزينة وتَبَخْتَرْنَ في المساجد) والكنائسِ والبِيَعِ.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح بما بعده من حديث أبي هريرة وإن كان سنده ضعيفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أسامة بن زيد.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أشامة بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(36)
- 3946 - (5)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا سفيان بن عيينة، عن عاصم) بن عبيد الله بن عاصم بن عمر بن الخطاب العدوي المدني، ضعيف، من الرابعة، مات في أول دولة بني العباس سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ)، وقال العجلي: لا بأس به، وقال ابن عدي: قد روى عنه ثقات الناس واحتملوه، وهو مع ضعفه يكتب حديثه. يروي عنه:(د ت س ق).
(عن مولى أبي رهم واسمه عبيد) بن أبي عبيد، واسم أبي عبيد: كَثِيرٌ، مولى أبي رُهْمٍ - بضم الراء وسكون الهاء - لقبه (أَشْيَاخْ كُوثا) مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(د ق)، وذكره ابن حبان في "الثقات"، روى له أبو داوود وابن ماجة حديثًا واحدًا في تَطيُّبِ المرأةِ إذا خرجت إلى المسجد وهو هذا الحديث، وقال العجلي: تابعي ثقةٌ، وأما اسم أبي رهم أَحْزَابُ بن أَسِيد - بفتح
أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ لَقِيَ امْرَأَةً مُتَطَيِّبَةً تُرِيدُ الْمَسْجِدَ فَقَالَ: يَا أَمَةَ الْجَبَّارِ؛ أَيْنَ تُرِيدِينَ؟ قَالَتِ: الْمَسْجِدَ، قَالَ: وَلَهُ تَطَيَّبْت، قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ تَطَيَّبَتْ ثُمَّ خَرَجَتْ إِلَى الْمَسْجِدِ .. لَمْ تُقْبَلْ لَهَا صَلَاةٌ حَتَّى تَغْتَسِلَ".
===
الهمزة وكسر المهملة - على المشهور يكنى: أبا رهم - بضم الراء - السَمَعِيُّ - بفتح المهملة والميم - مختلف في ححبته، والصحيح أنه مخضرم ثقةٌ. يروي عنه:(د س ق).
(أن أبا هريرة) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عاصم بن عبيد الله، وهو مختلف فيه.
(لقي) ورأى (امرأةً متطيبة تريد) دخول (المسجد) ولم أر من ذكر اسمها (فقال) لها أبو هريرة: (يا أمة الجبار؛ أين تريدين؟ ) ناداها بهذا الاسم؛ تخويفًا لها وإنذارًا (قالت) المرأة: أريد (المسجد، قال) لها أبو هريرة: (وله) أي: ولحضور المسجد (تطيبت) أنت؛ أي: استعملت الطيب (قالت) المرأة لأبي هريرة: (نعم) تطيبت لحضور المسجد (قال) لها أبو هريرة: (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: أيما امرأة تطيبت) - بسكون التاء؛ لأنَّها للتأنيث - أي: استعملت الطيب في بيتها (ثم خرجت إلى المسجد) للصلاة فيه
…
(لَمْ تقبل لها صلاة حتى) ترجع إلى بيتها و (تغتسل) من ذلك الطيب.
وفي رواية أبي داوود: (غسلها للجنابة) والمراد: أنَّها تبالغ في إزالة الطيب، ولعل ذلك إذا كان الطيب على البدن، وقيل: أمرها بذلك؛ تشديدًا عليها، وتشنيعًا لفعلها، تشبيهًا له بالزنا؛ وذلك لأنَّها هيجت بالنظر إليها
(37)
- 3947 - (6) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ رُمْحٍ، أَنْبَأَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ،
===
شهوات الرجال، وفتحت أبواب عيونهم التي بمنزلة من يريد الزنا، فحكم عليها بما يحكم على الزاني من الاغتسال من الجنابة.
قال علي القاري: بأن تعم جميع بدنها بالماء إذا كانت طَيَّبَتْ جميعَ بدنها؛ ليزول عنها الطيب، وأما إذا أصاب موضعًا مخصوصًا .. فتَغسِل ذلك الموضعَ. قلت: ظاهر الحديث يدلُّ على الاغتسال في كلتا الصورتين.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الترجل، باب ما جاء في المرأة تتطيَّبُ للخروج إلى المسجد، والنسائي في كتاب الزينة، وابن خزيمة في "صحيحه"، والبيهقي في "الكبرى"، وأحمد وأبو يعلى والحميدي والمسند الجامع، كلهم من طرق مختلفة عن أبي هريرة.
فدرجة هذا الحديث: أنه حسن صحيح، وإن كان سند المؤلف حسنًا أو ضعيفًا؛ لأن له شواهد، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أسامة، كذا ذكره في "إنجاز الحاجة".
* * *
ثم اسشهد المؤلف رابعًا لحديث أسامة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(37)
- 3947 - (6)(حدثنا محمد بن رمح) بن المهاجر التجيبي المصري، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة اثنتين وأربعين ومئتين (242 هـ). يروي عنه (م ق).
(أنبأنا الليث بن سعد) بن عبد الرَّحمن الفهمي مولاهم المصري عالمها، ثقةٌ ثبتٌ حجة، من السابعة، مات سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه (ع).
عَنِ ابْنِ الْهَادِ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ دِينَارٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: "يَا مَعْشَرَ النِّسَاءِ؛ تَصَدَّقْنَ
===
(عن) يزيد بن عبد الله بن أسامة (بن الهاد) الليثي أبي عبد الله المدني، ثقةٌ مكثر، من الخامسة، مات سنة تسع وثلاثين ومئة (139 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن دينار) العدوي مولاهم؛ مولى ابن عمر أبي عبد الرَّحمن المدني، ثقةٌ، من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عبد الله بن عمر) رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال: يا معشر النساء) أي: يا جماعة النساء؛ والمعشر: كلُّ جماعة أَمْرُهم مُتَّحِدٌ، ونقل عن ثعلب أنه مخصوص بالرجال.
وهذا الحديث يرد عليه، إلَّا إن كان مراده بالتخصيص حالة إطلاق المعشر، لا حالة تقييده؛ كما في هذا الحديث.
وفي "الكوكب": والمعشر: الجماعة المشتركة في أمر؛ فالإنسان معشر، والجن معشر، والنساء معشر، والشياطين معشر.
(تصدقن) أي: اصرفن الصدقة للمحتاجين؛ فإنها سترة من النار، وهذا نداء لجميع نساء العالم إلى يوم القيامة، وإرشاد لهن إلى ما يستخلصهن من النار؛ وهو الصدقة مطلقًا، واجبها وتطوعها؛ فالمراد هنا: القدر المشترك بين الواجب والتطوع.
قال القرطبي: ويعني بـ (الصدقة): غير الواجبة، لا الواجبة؛ لقوله في
وَأَكْثِرْنَ مِنَ الاسْتِغْفَارِ؛ فَإِنِّي رَأَيْتُكُنَّ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ"،
===
بعض الروايات: (ولو من حليكن) إذ لا زكاة في الحلي.
وفي "الإنجاح": الظاهر أنه أمر ندب بالصدقة الفاضلة؛ لأنه خطاب للحاضرات، ويبعد أنهن كلهن ممن فرض عليهن الزكاة. انتهى.
(وأكثرن من الاستغفار) أي: طلب المغفرة لذنوبكن من الله تعالى؛ والاستغفار: طلب المغفرة من الله تعالى، سواء كان مع توفر شروط التوبة أم لا، وقد يعبر به عن التوبة؛ كما في قوله تعالى:{اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا} (1)؛ أي: توبوا، وإنما عبر عن التوبة بالاستغفار؛ لأنه إنما يصدر عن الندم، وخوف الإصرار؛ وذلك هو التوبة، فأما الاستغفار مع الإصرار .. فحال المنافقين والأشرار، وهو جدير بالرد وتكثير الأوزار، وقد قال بعض العارفين: الاستغفار باللسان توبة الكذابين. انتهى من "المفهم" بتصرف.
والفاء في قوله: (فإني) معللة للأمر بالتصدق والاستغفار؛ أي: لأني (رأيتكن أكثر أهل النار) والعذاب، والرؤية هنا؛ إما علمية تتعدى إلى مفعولين؛ أي: علمتكن بما عرفت من أحوالكن، أو بصرية تتعدى إلى مفعول واحد و (أكثر) حال من ضمير المخاطبات؛ لأن (أفعل) لا يتعرف بالإضافة إلى اسم الجنس؛ كما عليه ابن السراج وأبو علي الفارسي؛ أي: أبصرتكن في النار مكاشفةً، حال كونكن أكثر أهلها.
وقول النووي هنا: (وقيل: هو بدل من الكاف في "رأيتكن") خطأ ظاهر؛ لفساد المعنى حينئدٍ؛ لأن المبدل منه في نية الطرح، فيكون المعنى: رأيت أكثر أهل النار؛ والقصد: الإخبار عن رؤيتهن، لا عن رؤية أهل النار، تأمل.
(1) سورة نوح: (10).
فَقَالَتِ امْرَأَةٌ مِنْهُنَّ جَزْلَةٌ:
===
أي: رأيت صنفكن، لا المخاطبات، وأكثريتهن هو السبب في أمرهن بالإكثار من الاستغفار.
قال الأبي: فإن قلت: (أكثريتهن) مع قوله في حديث أهل الجَنَّة: (لكل واحد منكم زوجتان) تدل: على أن صنف النساء أكثر من صنف الرجال.
قلت: أكثريتهن حينئذٍ لا تستلزم أكثريتهن دائمًا.
أو يقال: الزوجتان إنما هما بعد الخروج من النار، أو أنهما ليستا بآدميتين؛ كما يدلُّ عليه قوله تعالى:{وَزَوَّجْنَاهُمْ بِحُورٍ عِينٍ} (1). انتهى.
وعبارة "المفهم": أي: اطلعت على نساء آدميات من نوع المخاطبات، لا على أنفس المخاطبات؛ كما في الرواية الأخرى:(اطلعت على النار، فرأيت أكثر أهلها النساء) رواه أحمد والبخاري والترمذي من حديث عمران بن حصين رضي الله تعالى عنهما.
(فـ) لما سمع النساء ذلك .. علمن أن ذلك كان لسبب ذنب سبق لهن، و (قالت امرأة منهن جزلة) - بسكون الزاي؛ لأنه اسم فاعل من فعل المضموم، يقال: جزل زيد، فهو جزل، وهي جزلة - أي: عاقل وعاقلة؛ كما قال ابن مالك في "لامية الأفعال":
كوزن فاعل اسم فاعل جعلا
…
من الثلاثي الذي ما وزنه فَعُلا
ومنه صيغ كسهل والظريف وقد
…
يكون أفعل أو فَعالًا أو فعلا
وعبارة "المناهل مع المتن": ومنه صيغ؛ أي: وبني اسم الفاعل من مصدر (فعل) المضموم المذكور في آخر البيت السابق على وزنين قياسيين:
(1) سورة الدخان: (54).
وَمَا لَنَا يَا رَسُولَ اللهِ أَكْثَرَ أَهْلِ النَّارِ؟ قَالَ: "تُكْثِرْنَ اللَّعْنَ
====
أحدهما: (فعل) بفتح الفاء وسكون العين؛ وذلك (كسهل) أي: كقولك: سهل الأمر، فهو سهل؛ إذا لان، وصعب ضد سهل، فهو صعب، وجزل زيد، فهو جزل؛ إذا كان عاقلًا.
وثانيهما: فعيل؛ وذلك (كالظريف) أي: كقولك: ظرف الرجل، فهو ظريف؛ إذا كان ذكيًّا بارعًا
…
إلى آخر ما هنالك.
قال ابن دريد: الجزالة: العقل، وفي "كتاب العيني": امرأة جزلة، أي: ذات عجيزة عظيمة؛ والجزل: العظيم من كلّ شيء، ومنه: عطاء جزل، قال الأبي: ومن جزالتها أنَّها لَمْ تسأل إلَّا عن السبب؛ لتحترز منه.
والمعنى: أي: فلما سمع النساء ذلك .. علمن أن ذلك كان لسبب ذنب سبق لهن، فبادرت هذه المرأة؛ لجزالتها وشدة حرصها على ما يخلص من هذا الأمر العظيم، فسألت عن ذلك، فقالت:(وما لنا يا رسول الله) مبتدأ وخبر (أكثرَ أهل النار؟ ) بالنصب، حال من ضمير المتكلمات، أو خبر لكان المحذوفة؛ أي: وأي شيء ثبتٌ لنا حالة كوننا أكثر أهل النار؟ أو أي ذنب حصل لنا حتى كنا أكثر أهل النار؟ أو في قولك لنا: "رأيتكن أكثر أهل النار" إن قلنا: منصوب على الحكاية؛ كما في "النووي".
فأجابها رسول الله صلى الله عليه وسلم حيث (قال) في جواب سؤالها: لأنكن (تكثرن اللعن) قال القاضي: اللعن لغةً: الطرد، وشرعًا: الطرد من رحمة الله تعالى، ففيه أن اللعن وكفران العشير من الذنوب. انتهى.
أي: يدور اللعن علي ألسنتهن كثيرًا لمن لا يجوز لعنه، وكان ذلك عادةً جاريةً في نساء العرب؛ كما قد غلبت بعد ذلك على النساء والرجال، حتى إنهم إذا استحسنوا شيئًا .. ربما لعنوه، فيقولون: ما أشعره، لعنه الله!
وَتكفرْن العَشِيرَ،
===
وقد حكى بعضهم أن قصيدة ابن دريد كانت تسمى عندهم: (الملعونة) لأنهم كانوا إذا سمعوها .. قالوا: ما أشعره، لعنه الله!
(وتكفرن العشير) أي: تجحدن وتنكرن نعمة الزوج وإحسانه إليكن، قال القاضي: العشير: الزوج والزوجة؛ لأنه من المعاشرة، وكل منهما معاشر الآخر، والعشير أيضًا: الخليط والصاحب مطلقًا؛ والمراد به هنا: الزوج؛ لأنه شرحه بما يرجع إلى معنى الزوج، وأيضًا: فاستحقاقهن النار يدلُّ: على أنه الزوج؛ لعظم حقه عليهن دون غيره.
قال النووي: كفران العشير كبيرة؛ للعقوبة عليه بالنار، وأما اللعن .. فمن المعاصي الصغائر، لا أنه كبيرة؛ لقوله:"وتكثرن اللعن".
والصغيرة إذا كثرت .. صارت كبيرة، واتفقوا على أنه لا يجوز لعن المعين وإن كان كافرًا؛ لأن اللعن إبعاد من رحمة الله تعالى، ولا يبعد عنها من لا تعرف خاتمته، إلَّا أن يعلم بنص أنه مات أو يموت كافرًا، كأبي لهب وإبليس.
وأما اللعن بالصفة، كالحالقة وآكل الربا والظالم .. فجائز؛ لوروده. انتهى.
والمراد بـ (العشير): الزوج، وبـ (الكفر): كفران الحقوق.
ويدل على صحة الأمرين حديث "الموطأ "الذي فيه: الكفرهن، قيل: أيكفرن بالله؟ فقال: يكفرن العشير، ويكفرن الإحسان، لو أحسنت إلى إحداهن الدهر، ثم رأت منك شيئًا لا يوافق هواها .. قالت: ما رأيت منك خيرًا قط) رواه مالك في "الموطأ" من حديث عبد الله بن عباس رضي الله عنهما.
قال العيني في "عمدة القاري": في هذا الحديث دلالة على عظم حق الزوج،
مَا رَأَيْتُ مِنْ نَاقِصَاتِ عَقْلٍ وَدِينٍ أَغْلَبَ
===
والدليل عليه قوله صلى الله عليه وسلم: "لو أمرت أحدًا أن يسجد لأحد .. لأمرت المرأة أن تسجد لزوجها"، ولأجل هذا المعنى خص كفران العشير من بين أنواع الذنوب، وقُرِنَ بحق الله تعالى، فإذا كفرت المرأة حق زوجها، وقد بلغ من حقه هذه الغاية .. كان ذلك دليلًا على تهاونها بحق الله تعالى، فلذلك أطلق عليها الكفر، لكنه كفر لا يخرج من الملة، فالكفر المطلق .. هو الكفر بالله، وما دون ذلك يقرب منه.
وتحقيق ذلك: ما قاله الأزهري: الكفر بالله أنواع: ! نكار، وجحود، وعناد، ونفاق، وهذه الأربعة من لقي الله تعالى بواحد منها .. لَمْ يغفر له.
فالأول: أن يكفر بقلبه ولسانه، ولا يعرف ما يذكر له من التوحيد؛ كما قال الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا سَوَاءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ
…
} الآية (1)؛ أي: الذين كفروا بالتوحيد، وأنكروا معرفته.
والثاني: أن يعرف بقلبه ولا يقر بلسانه، وهذا ككفر إبليس عليه لعنة الله والناس أجمعين، وبلعام، وأمية بن أبي الصلت.
والثالث: أن يعرف بقلبه ويقر بلسانه، ويأبى أن يقبل الإيمان بالتوحيد والانقياد؛ ككفر أبي طالب.
والرابع: أن يقر بلسانه وينكر بقلبه؛ ككفر المنافقين. انتهى منه.
ثم قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما رأيت من ناقصات عقل ودين) فهو معطوف على (تكثرن اللعن) على كونه مقولًا لقال، وقال القرطبي: وقوله: "ما رأيت من ناقصات عقل" صفة لموصوف محذوف هو مفعول أول لرأيت، على أن الرؤية علمية، وقوله:(أغلب) مفعول ثان له.
(1) سورة البقرة: (6).
لِذِي لُبٍّ مِنْكُنَّ! "، قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ وَمَا نُقْصَانُ الْعَقْلِ وَالدِّينِ؟ قَالَ: "أَمَّا نُقْصَانُ الْعَقْلِ .. فَشَهَادَةُ امْرَأَتَيْنِ تَعْدِلُ شَهَادَةَ رَجُلٍ فَهَذَا مِنْ نُقْصَانِ الْعَقْل، وَتَمْكُثُ
===
وإن قلنا: بصرية .. فهو صفة لذلك المحذوف؛ أي: وما رأيت وعلمت أحدًا من ناقصات عقل (ودين أغلب) أي: أكثر غلبة (لـ) رجل (ذي لب) أي: صاحب عقل كامل (منكن! ) أي: من إحداكن يا معشر النساء، وهذا تعجب من كثرة غلبتهن الرجال؛ أي: إنكن مع ما فيكن من الرذيلتين خلقتن سالبات لِنُهَى الرجال ذوي العقل الكامل.
واللب: العقل، سمي به؛ لأنه خلاصة الإنسان ولُبُّه ولُبابُهُ، ومنه سمي قلب الحب: لبًا، واللب الذي تنقصه النساء هو التثبت في الأمور، والتحقق فيها، والبلوغ فيها إلى غاية الكمال، وهن في ذلك غالبات، بخلاف الرجال.
و(الدين) هنا: يراد به: العبادات، وليس نقصان ذلك ذمًّا لهن.
وإنما ذكر النبي صلى الله عليه وسلم ذلك من أحوالهن؛ على معنى التعجب من الرجال؛ حيث يغلبهم من نقص عن درجتهم، ولم يبلغ كمالهم، وذلك هو صريح قوله صلى الله عليه وسلم:"ما رأيت من ناقصات عقل ودين أذهب للب الرجل الحازم من إحداكن! " رواه البخاري من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه.
(قالت) تلك المرأة الجزلة: (يا رسول الله؛ وما نقصان العقل والدين) فينا؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤالها: (أما نقصان العقل) فيكن؛ أي: أما علامة نقصان العقل منكن .. (فشهادة امرأتين تعدل) وتساوي (شهادة رجل) واحد (فهذا) المذكور (من) مساواة شهادة امرأتين بشهادة رجل سببه (نقصان العقل) فيكن (و) أما نقصان دينها .. فإنها (تمكث) وتجلس
اللَّيَالِيَ مَا تُصَلِّي وَتُفْطِرُ فِي رَمَضَانَ فَهَذَا مِنْ نُقْصَانِ الدِّينِ".
===
(الليالي) ذوات العدد الخمسة عشر وما دونها، حالة كونها (ما تصلي) ولا تؤدي الصلوات الخمس؛ لعارض الحيض والنفاس (و) إنها (تفطر) أيام الحيض والنفاس (في رمضان، فهذا) المذكور؛ من ترك الصلاة والإفطار في رمضان (من نقصان الدين) والعبادة.
قال المازري: نَقْصُ دينها صحيحٌ إذا قلْنَا: العبادات كمال دين؛ لأن مَنْ نقَصَ عبادةً .. نقَصَ دينًا، ولا يُعترض بالمسافر، فيقال: إنه يَقْصرُ وإنه ناقصُ الدين؛ لأن تركهن الصلاةَ إنما هو تَنْزِيهٌ لله تعالى عَنْ أَنْ يَعْبُدْنَه مُستقذراتٍ، بخلاف المسافر، فجاء النقص فيهن من هذا الوجْهِ.
وأيضًا فالنَّقْصُ للمسافر غير لازم، فإن له ألا يسافر، فلا يسقط عنه، وهو لهن لازم؛ إذ ليس لهن ألا يحضن، وقد لا يحتاج إلى هذا؛ لأن المسافر إنما يغير العدد، وهن يتركن الصلاة جملةً.
قال النووي: والحديث بين أن الحائض لا تثاب على تركها الصلاة، وقالوا في المسافر والمريض يتركان نوافل الصلاة؛ لعذرهما: إنهما يكتب لهما ثواب ما كانا يتنفلان به في الصحة والحضر، وفرق بأنهما كانت نيتهما الدوام لولا العذر، والحائض لَمْ تكن نيتها الدوام، وإنما نظير الحائض من كان يتنفل مرّة ويترك أخرى، فهذا لا يكتب له؛ لأنه لَمْ تكن نيته الدوام. انتهى.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الحيض، باب ترك الحائض الصوم، ومسلم في كتاب الإيمان، باب بيان نقصان الإيمان بنقص الطاعات، وباب إطلاق لفظ الكفر على غير الكفر بالله، وأبو داوود في كتاب السنة، باب الدليل على زيادة الإيمان ونقصانه.