المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(14) - (1465) - باب أشراط الساعة - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتاب الفتن

- ‌(1) - (1452) - بَابُ كَفِّ اللِّسَانِ فِي الْفِتْنَةِ

- ‌(2) - (1453) - بَابُ الْعُزْلَةِ

- ‌(3) - (1454) - بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ

- ‌(4) - (1455) - بَاب: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا

- ‌(5) - (1456) - بَابُ مَنْ تُرْجَى لَهُ السَّلَامَةُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌(6) - (1457) - بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ

- ‌(7) - (1458) - بَابُ فِتْنَةِ الْمَالِ

- ‌فائدة

- ‌(8) - (1459) - بَابُ فِتْنَةِ النِّسَاءِ

- ‌فصل في ذكر الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌(9) - (1460) - بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ

- ‌(10) - (1461) - بَابُ قَوْلهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}

- ‌(11) - (1462) - بَابُ الْعُقُوبَاتِ

- ‌(12) - (1463) - بَابُ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ

- ‌(13) - (1464) - بَابُ شِدَّةِ الزَّمَانِ

- ‌(14) - (1465) - بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌(15) - (1466) - بَابُ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ

- ‌(16) - (1467) - بَابُ ذَهَابِ الْأَمَانَةِ

- ‌(17) - (1468) - بَابُ الْآيَاتِ

- ‌(18) - (1469) - بَابُ الْخُسُوفِ

- ‌(19) - (1470) - بَابُ جَيْشِ الْبَيْدَاءِ

- ‌(20) - (1471) - بَابُ دَابَّةِ الْأَرْضِ

- ‌(21) - (1472) - بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

- ‌تنبيه

- ‌(22) - (1473) - بَابُ فِتْنَةِ الدَّجَّال، وَخُرُوجِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

- ‌وأما ترجمة تميم الداري

- ‌فائدة

الفصل: ‌(14) - (1465) - باب أشراط الساعة

(14) - (1465) - بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ

(74)

- 3984 - (1) حَدَّثَنَا هَنَّادُ بْنُ السَّرِيِّ وَأَبُو هِشَامٍ الرِّفَاعِيُّ مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ قَالَا: حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا أَبُو حَصِينٍ،

===

(14)

- (1465) - (باب أشراط الساعة)

أي: علاماتها، وفي "النهاية": الأشراط: العلامات، واحدتها: شرط - بالتحريك - وبه سميت شرط السلطان؛ لأنهم جعلوا لأنفسهم علامات يعرفون بها، هكذا قال أبو عبيد. انتهى.

(74)

- 3984 - (1)(حدثنا هناد بن السري) - بكسر الراء الخفيفة - ابن مصعب التميمي، أبو السري الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(م عم).

(وأبو هشام الرفاعي محمد بن يزيد) بن كثير العجلي الكوفي، قاضي المدائن، ليس بالقوي، من صغار العاشرة، مات سنة ثمان وأربعين ومئتين (248 هـ). يروي عنه:(م د ق). ولكن لا يضر في السند؛ لأنه إنما ذكره على سبيل المقارنة.

(قالا: حدثنا أبو بكر بن عياش) - بتشديد الياء ومعجمة - ابن سالم الأسدي الكوفي المقرئ الحناط - بمهملة ونون - مشهور بكنيته، والأصح: أنها اسمه، وقيل: اسمه محمد أو عبد الله أو سالم أو شعبة إلى غير ذلك، ثقة عابد، إلا أنه كبر وساء حفظه، وكتابه صحيح، من السابعة، مات سنة أربع وتسعين ومئة (194 هـ)، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).

(حدثنا أبو حَصِين) - مكبرًا - عثمان بن عاصم بن حَصين الأسدي

ص: 251

عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "بُعِثْتُ أَنَا وَالسَّاعَةُ

===

الكوفي، ثقة ثبت سني، وربما دلس، من الرابعة، مات سنة سبع وعشرين ومئة (127 هـ)، ويقال بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن أبي صالح) ذكوان السمان المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة إحدى ومئة (101 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: بعثت أنا والساعة) قيل: بالنصب؛ على أنه مفعول معه، وقيل: بالرفع؛ على العطف، ويشكل عليه أن (الساعة) لا توصف بالبعث، ولو سلم .. فلا يصح أن يقال: إن الساعة بُعِثَتْ؛ لعدم المضي، فالوجه على تضمين معنى الجعل؛ والتقدير: جعلت أنا، أو قدرت أنا والساعة؛ كهاتين الإصبعين؛ والمقصود: بيان القرب بينهما؛ لأنه صلى الله عليه وسلم خاتم النبيين. انتهى "سندي".

قال الحافظ في "الفتح"(11/ 349): اختلف في معنى قوله: "كهاتين": فقيل: كما بين السبابة والوسطى في الطول، وقيل: المعنى: ليس بيني وبينها نبي.

وقال القرطبي في "المفهم": حاصل الحديث: تقريب أمر الساعة وسرعة مجيئها، قال: وعلى رواية النصب يكون التشبيه وقع بالانضمام، وعلى الرفع وقع في التفاوت.

وقال القرطبي في "التذكرة": معنى هذا الحديث: تقريب أمر الساعة، ولا منافاة بينه وبين قوله في الحديث الآخر:"ما المسؤول عنها بأعلم من السائل"

ص: 252

كَهَاتَيْنِ"، وَجَمَعَ بَيْنَ إِصْبَعَيْهِ.

(75)

- 3985 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،

===

فإن المراد بحديث الباب: أنه ليس بينه وبين الساعة نبي؛ كما أنه ليس بين السبابة والوسطى إصبع أخرى، ولا يلزم من ذلك علم وقتها بعينه، لكن سياقه يفيد قربها؛ أي: بعثت أنا والساعة حالة كوني وكونها متقاربين (كـ) تقارب (هاتين) الإصبعين أي: إحداهما إلى الأخرى (و) قد قال ذلك حال كونه قد (جمع بين إصبعيه) السبابة والوسطى في قدر التفاوت، أو في الانضمام والاتصال.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الرقاق، باب قول النبي صلى الله عليه وسلم:"بعثت أنا والساعة؛ كهاتين الإصبعين"، ومسلم في كتاب أشراط الساعة، باب قرب الساعة، والترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في قول النبي صلى الله عليه وسلم:"بعثت أنا والساعة؛ كهاتين"، وقال: هذا حديث حسن صحيح، والنسائي، وأحمد في "المسند".

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث حذيفة بن أسيد رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(75)

- 3985 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات في

ص: 253

عَنْ سُفْيَانَ، عَنْ فُرَاتٍ الْقَزَّاز، عَنْ أَبِي الطُّفَيْل، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ أَسِيدٍ قَالَ: اطَّلَعَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مِنْ غُرْفَةٍ وَنَحْنُ نَتَذَاكَرُ السَّاعَةَ فَقَالَ: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَكُونَ عَشْرُ آيَاتٍ: الدَّجَّالُ، وَالدُّخَانُ،

===

آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه: (ع).

(عن سفيان) بن سعيد الثوري الكوفي، ثقة حجة إمام، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن فرات) بن أبي عبد الرحمن (القزاز) الكوفي، ثقة، من الخامسة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي الطفيل) عامر بن واثلة بن عبد الله بن عمرو بن جحش الليثي، وربما سمي عمرو بن واثلة، ولد عام أحد، ورَأَى النبيَّ صلى الله عليه وسلم، وَرَوى عن أبي بكر فمَنْ بعده، وعُمِّر إلى أن مات سنة عشر ومئة على الصحيح، وهو آخر من مات من الصحابة على الإطلاق، قاله مسلم وغيره. يروي عنه:(ع).

(عن حذيفة بن أَسيد) - بفتح الهمزة - الغفاري أبي سَرِيحة - بمهملتين مفتوح الأول - صحابي مشهور من أصحاب الشجرة رضي الله تعالى عنه، مات سنة اثنتين وأربعين (42 هـ). يروي عنه:(م عم).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) حذيفة: قد (اطلع علينا) معاشر الصحابة (النبي صلى الله عليه وسلم من غرفة) له - بضم الغين وسكون الراء - وهي العلية؛ أي: نظر إلينا من علية له من فوق (ونحن) أسفل منه (نتذاكر الساعة) أي: في شأن القيامة (فقال لنا: ما تذاكرون؟ ) كما في رواية مسلم؛ أي: أي شيء تذكرونه وتتحدثون فيه؟ فقلنا: نتذاكر في الساعة (فقال) لنا: (لا تقوم الساعة) أي: القيامة (حتى تكون) وتوجد قبلها (عشر آيات: الدجال، والدخان،

ص: 254

وَطُلُوعُ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

".

===

وطلوع الشمس من مغربها) ولم يذكر في هذه الرواية جميع العشر، وذكرها في رواية مسلم كلها؛ أي: لا تقوم الساعة حتى تكون قبلها وتقع عشر آيات؛ أي: علامات تدل على قربها، وتلك الآيات العشر؛ كما في "مسلم":(خسف بالمشرق، وخسف بالمغرب، وخسف في جزيرة العرب، والدخان، والدجال، ودابة الأرض، ويأجوج ومأجوج، وطلوع الشمس من مغربها، ونار تخرج من قعر عدن) أي: من أقصاها وآخرها (ترحل الناس) من الترحيل؛ أي: تسوق الناس من أقصى عدن وآخره؛ مدينة مشهورة في جنوب اليمن (إلى المحشر) أي: إلى محشرهم وهو أرض الشام.

(والدجال): هو الكذاب الذي يدعي الألوهية؛ وهو ابن صياد.

(والدخان): وهو دخان يأخذ بأنفاس الكفار، ويَأخُذ منه المؤمنَ كهيئة الزكام، ويأتي قريبًا من الساعة.

(وطلوع الشمس من مغربها) ودلت الأحاديث الصحيحة على أن طلوع الشمس من مغربها إنما سيكون قبل نفخة الصور، وحينئذٍ لا ينفع نفسًا إيمانها لم تكن آمنت من قبل. انتهى من "المرقاة".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الفتن، باب في الآيات التي تكون قبل الساعة، وأبو داوود في كتاب الملاحم، باب أمارات الساعة، والترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في الخسف، قال أبو عيسى: هذا حديث حسن صحيح.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث عوف بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 255

(76)

- 3986 - (3) حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ الْعَلَاء، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ الله، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ، حَدَّثَنِي عَوْفُ بْنُ مَالِكٍ الْأَسْجَعِيُّ

===

(76)

- 3986 - (3)(حدثنا عبد الرحمن بن إبراهيم) بن عمرو العثماني مولاهم الدمشقي، لقبه دحيم - مصغرًا - ثقة حافظ متقن، من العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ). يروي عنه:(خ د س ق).

(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي، ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(حدثنا عبد الله بن العلاء) بن زبر - بفتح الزاي وسكون الموحدة - الدمشقي الربعي، ثقة، من السابعة، مات سنة أربع وستين ومئة (164 هـ). يروي عنه:(خ عم).

(حدثني بسر) بضم أوله ثم مهملة ساكنة (ابن عبيد الله) الحضرمي الشامي، ثقة، من الرابعة. يروي عنه:(ع).

(حدثني أبو إدريس الخولاني) عائذ الله - بهمزة ومعجمة - ابن عبد الله، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع من كبار الصحابة، ومات سنة ثمانين (80 هـ)، كان عالم الشام بعد أبي الدرداء. يروي عنه:(ع).

(حدثني عوف بن مالك الأشجعي) أبو حماد الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، من مسلمة الفتح، وسكن دمشق، ومات سنة ثلاث وسبعين (73 هـ). يروي عنه:(ع).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

ص: 256

قَالَ: أَتَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ وَهُوَ فِي خِبَاءٍ مِنْ أَدَمٍ، فَجَلَسْتُ بِفِنَاءِ الْخِبَاء، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم:"ادْخُلْ يَا عَوْفُ"، فَقُلْتُ: بِكُلِّي يَا رَسُولَ الله، قَالَ:"بِكُلِّكَ"، ثُمَّ قَالَ:"يَا عَوْفُ؛ احْفَظْ خِلَالًا سِتًّا بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ: إِحْدَاهُنَّ مَوْتِي"، قَالَ: فَوَجَمْتُ عِنْدَهَا وَجْمَةً شَدِيدَةً، فَقَالَ: "قُلْ: إِحْدَى،

===

(قال) عوف: (أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو) صلى الله عليه وسلم (في غزوة تبوك وهو) أي: أتيته والحال أنه صلى الله عليه وسلم (في خباء) أي: في خيمة (من أدم) أي: جلد مدبوغ (فجلست بفناء الخباء) والفناء: الساحة أمام البيت (فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لي: (ادخل) الخباء (يا عوف، فقلت) له صلى الله عليه وسلم: هل أدخل الخباء (بكلي يا رسول الله)؛ أي: بجسمي كله أم ببعضه؟ يريد: أن الخباء كان صغيرًا بحيث كان في محل تردد، أيسع جسدي كله أم لا؟ وفيه: أنه كان يمازحه؛ كما كان يمازح الصحابة، فـ (قال) لي رسول الله صلى الله عليه وسلم: ادخله (بكلك) أي: بكل جسمك (ثم) بعدما دخلت الخباء (قال) لي رسول الله: (يا عوف؛ احفظ خلالًا ستًّا) أي: ست خلال؛ أي: ست خصال ستقع (بين يدي الساعة) أي: قدامها (إحداهن) أي: إحدى تلك الخصال: (موتي) أي: أولها: موتي (قال فوَجَمْتُ) - بضم التاء للمتكلم - من باب وعد؛ أي: أخذتني (عندها وجمة شديدة) وكآبةٌ وحزنٌ عند ذلك؛ والواجمُ: الذي أسكته الهم وغلبته الكآبة والحزن.

(فقال) لي: (قل) يا عوف: (إحدى) أي: قل: تلك الخُلَّةُ التي قلتُ لك فيها: "إحداهن موتي" هي إحدى الخلال الست؛ أي: أحقها خوفًا منها وأشدها حزنًا وتأسفًا عليها، أو المعنى: قل: هذه واحدة الخلال الست.

ص: 257

ثُمَّ فَتْحُ بَيْتِ الْمَقْدِس، ثُمَّ دَاءٌ يَظْهَرُ فِيكُمْ يَسْتَشْهِدُ اللهُ بِهِ ذَرَارِيَّكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ وَيُزَكِّي بِهِ أَعْمَالَكُمْ، ثُمَّ تَكُونُ الْأَمْوَالُ فِيكُمْ حَتَّى يُعْطَى الرَّجُلُ مِئَةَ دِينَارٍ فَيَظَلَّ سَاخِطًا، وَفِتْنَةٌ تَكُونُ بَيْنَكُمْ لَا يَبْقَى بَيْتُ مُسْلِمٍ إِلَّا دَخَلَتْهُ، ثُمَّ تَكُونُ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ بَنِي الْأَصْفَرِ هُدْنَةٌ

===

(ثم) أقول لك ثانيتها: (فتح بيت المقدس) أي: ثم فتح المسلمين بيت المقدس؛ أي: غلبتهم عليها.

(ثم) ثالثتها: (داء) أي: وباء (يظهر فيكم) أيها المسلمون؛ وهو الطاعون (يستشهد الله) أي: يجعل الله (به) أي: بذلك الداء (ذراريكم) أي: أولادكم (وأنفسكم) شهداء؛ أي: يجعل الله لكم مأجورين به أجر شهداء المعركة (ويزكي به) أجر (أعمالكم) ويضاعف به أجر أعمالكم الصالحة.

وفي رواية: (ويزكي به أموالكم) وكأنه وقع الموت والآفات في الأموال، ويجعل لكم ما فات منها زكاةً لأموالكم الباقية لكم.

(ثم) رابعتها: ما ذكره بقوله: أن (تكون الأموال) كثيرة (فيكم، حتى يعطى الرجل) الواحد منكم أيها المسلمون (مئة دينار) فيَستقِلُّها (فيظل ساخطًا) لها؛ أي: غير راض لها لاستقلالها.

ثم خامستها: ما ذكره بقوله: (وفتنة تكون) وتقع في خصوص ما (بينكم) لا بينكم وبين أعدائكم، حتى (لا يبقى بيت مسلم إلا دخلته) تلك الفتنة، ومصداق ذلك ما كان بين المسلمين في هذا العصر من مقاتلة بعضهم بعضًا.

(ثم) سادستها: ما ذكره بقوله: أن (تكون بينكم) أيها المسلمون (وبين بني الأصفر) وهم الروم، سموا بذلك؛ لصفر اللون في آبائهم (هدنة) أي: مصالحة وموادعة وموافقة على ترك المحاربة والمقاتلة بينكم وبينهم.

والهدنة: المصالحة والموادعة بين المسلمين وبين الكفار وبين كل متحاربين.

ص: 258

فَيَغْدِرُونَ بِكُمْ، فَيَسِيرُونَ إِلَيْكُمْ فِي ثَمَانِينَ غَايَةً تَحْتَ كُلِّ غَايَةٍ اثْنَا عَشَرَ أَلْفًا".

(77)

- 3987 - (4) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ،

===

(فيغدرون) أي: فيخادعون (بكم) وينقضون العهد بينكم وبينهم (فيسيرون) أي: يذهبون (إليكم) لمحاربتكم (في ثمانين غاية) أي: راية (تحت كل غاية) وراية لهم (اثنا عشر ألفًا) من الجيوش.

وفي هذا الحديث أشياء من أعلام النبوة قد ظهر أكثرها.

وقال ابن المنير: أما قصة الروم .. فلم تجتمع إلى الآن، ولا بلغنا أنهم غزوا في البر في هذا العدد، فهي من الأمور التي لم تقع بعد.

وفيه بشارة ونذارة، وذلك دل على أن العاقبة للمؤمنين مع كثرة ذلك الجيش، وفيه إشارة إلى أن عدد الجيوش سيكون أضعاف ما هو عليه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب فرض الخمس، باب ما يحذر من الغدر، وأبو داوود في كتاب الأدب، باب ما جاء في المزاح مختصرًا جدًّا، وابن حبان في "الإحسان"، والحاكم في "المستدرك"، وقال: هذا حديث صحيح على شرط الشيخين.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث حذيفة بن البمان رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(77)

- 3987 - (4)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي،

ص: 259

حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ الدَّرَاوَرْدِيُّ، حَدَّثَنَا عَمْرٌ ومَوْلَى الْمُطَّلِب، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيِّ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تَقْتُلُوا إِمَامَكُمْ

===

صدوق، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).

(حدثنا عبد العزيز) بن محمد بن عبيد (الدراوردي) الجهني مولاهم المدني، صدوق، من الثامنة، كان يحدث من كتب غيره فيخطئ، قال النسائي: حديثه عن عبيد الله بن عمر العمري منكر، مات سنة ست، أو سبع وثمانين ومئة (187 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا عمرو مولى المطلب) اسمه عمرو بن أبي عمرو ميسرة، مولى المطلب بن عبد الله بن المطلب بن حنطب المخزومي، أبو عثمان، ثقة، ربما وهم، من الخامسة، مات بعد الخمسين ومئة (150 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن عبد الرحمن) بن ثابت بن الصامت (الأنصاري) المدني، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(ق). انتهى من " التقريب"، وقال في "التهذيب": ولم أر في عبد الله هذا جرحًا ولا تعديلًا، ولكن إخراجَ ابن خزيمة له حديثه هذا في "صحيحه" يدل على أنه ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن حذيفة بن اليمان) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الله بن عبد الرحمن الأنصاري، وهو مختلف فيه.

(قال) حذيفة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة) أي: القيامة (حتى تقتلوا إمامكم) أيها المسلمون، وقد قتلوا عثمان بن عفان

ص: 260

وَتَجْتَلِدُوا بِأَسْيَافِكُمْ، وَيَرِثَ دُنْيَاكُمْ شِرَارُكُمْ".

(78)

- 3988 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا إِسْمَاعِيلُ ابْنُ عُلَيَّةَ، عَنْ أَبِي حَيَّانَ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ،

===

ذا النورين رضي الله تعالى عنه (و) حتى (تجتلدوا) أي: وتقتتلوا وتضاربوا فيما بينكم (بأسيافكم، ويرث دنياكم) أي: الملك والمال (شراركم) أي: ويأخذ الظلمة والفسقة الملك والمال والخزائن.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وقال أبو عيسى: هذا حديث حسن، إنما نعرفه من حديث عمرو بن أبي عمرو.

ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ كما مر، وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديثٍ آخرَ له رضي الله تعالى عنه، فقال:

(78)

- 3988 - (5)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا إسماعيل) بن إبراهيم بن مقسم الأسدي البصري، المعروف بـ (ابن علية) اسم أمه، ثقة من الثامنة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي حيان) - بتشديد التحتانية - اسمه يحيى بن سعيد بن حيان - بمهملة وتحتانية - التيمي الكوفي، ثقة عابد، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي زرعة) هرم بن عمرو بن جرير بن عبد الله البجلي الكوفي، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(ع).

ص: 261

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمًا بَارِزًا لِلنَّاس، فَأَتَاهُ رَجُلٌ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ مَتَى السَّاعَةُ؟ فَقَالَ: "مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِل،

===

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أبو هريرة: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يومًا) من الأيام (بارزًا للناس) أي: ظاهرًا بالبراز خارجًا إليه لأجلهم؛ وهو الفضاء؛ ومنه قوله: {وَتَرَى الْأَرْضَ بَارِزَةً} (1)، وقوله:{وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا} (2)، وقوله:{وَبُرِّزَتِ الْجَحِيمُ لِمَنْ يَرَى} (3)، وقوله:{وَلَمَّا بَرَزُوا لِجَالُوتَ} (4).

(فأتاه) أي: فجاءه صلى الله عليه وسلم (رجل) غير معروف لهم (فقال) ذلك الرجل: (يا رسول الله؟ متى) قيام (الساعة؟ ) وأي وقت مجيء القيامة؟

قال القرطبي: مقصود هذا السؤال: امتناع السامعين عن السؤال عنها؛ إذ قد أكثروا السؤال عن تعيين وقتها، وأما قوله في حديث أبي هريرة:(يا رسول الله) بدل قوله في حديث عمر (يا محمد) .. فهو نقل بالمعنى، وحديث عمر نقل باللفظ، والله أعلم.

(فقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم مجيبًا له: (ما المسؤول عنها) يريد نفسه (بأعلم من السائل) يريد الرجل؛ أي: بل أنا وأنت وغيرنا من المخلوقات سواء في عدم علم وقت مجيء الساعة؛ لأنه من الغيب الذي

(1) سورة الكهف: (47).

(2)

سورة إبراهيم: (21).

(3)

سورة النازعات: (36).

(4)

سورة البقرة: (250).

ص: 262

وَلَكِنْ سَأُخْبِرُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا: إِذَا وَلَدَتِ الْأَمَةُ رَبَّتَهَا .. فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا كَانَتِ الْحُفَاةُ الْعُرَاةُ رُؤُوسَ النَّاسِ .. فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا تَطَاوَلَ رِعَاءُ الْغَنَمِ فِي الْبُنْيَانِ .. فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا

===

استأثر الله تعالى بعلمه، فلا يعلم أحد وقت مجيئها لا ملك مقرب ولا نبي مرسل (ولكن سأخبرك عن أشراطها) أي: في الزمن القريب أخبرك عن أشراط الساعة وأماراتها التي تدل على قربها.

قال النووي والأشراط - بفتح الهمزة - جمع شرط - بفتح الشين والراء - والأشراط: العلامة، ثم ذكر الأشراط الموعودة، فقال منها:(إذا ولدت) أي: وضعت (الأمة) أي: الرقيقة، وفي بعض الروايات:(إذا ولدت المرأة) أي: حرة كانت أو رقيقة (ربتها) أي: سيدتها ومالكتها .. (فذاك) أي: ولادتها وَوَضْعُها ربَّتَها (من) بعض (أشراطها) أي: من بعض أشراط الساعة وأمارات قربها.

(و) منها (إذا كانت) الأعراب (الحفاة) جمع حاف؛ وهو الذي لا نعل له (العراة) جمع عار؛ وهو الذي لا شيء عليه من اللباس (رؤوس الناس) أي: ساداتهم وقاداتهم وساساتهم .. (فذاك) أي: كونهم سادات الناس (من) بعض (أشراطها) أي: من أشراط الساعة وعلامة قربها.

(و) منها (إذا تطاول رعاء الغنم) أي: تطاولوا وتفاخروا (في) طول (البنيان) والعمائر .. (فذاك) التطاول والتباهي (من) بعض (أشراطها) وعلامتها التي تدل على قربها؛ والرعاء - بكسر الراء - جمع راع، وقد يجمع على رعاة؛ كغاز وغزاة، وداع ودعاة، يقال: تطاول في البنيان؛ إذا تفاخر وتباهى على غيره بطول بنيانه على بنيانه، ويقال: تطاول؛ إذا تسابق وتغالب في طول البنيان مع غيره فغلبه فيه؛ أي: إذا تطاول رعاء الشاء البهم؛ والبهم - بفتح الباء وسكون الهاء -: هي صغار الغنم؛ أي: الصغار من أولاد الغنم الضأن والمعز

ص: 263

فِي خَمْسٍ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللهُ"، فَتَلَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: {إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ

} الْآيَةَ.

(79)

- 3989 - (6) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ

===

جميعًا، وقيل: من الضأن خاصة، وقيل: من المعز خاصة، وأصله: كل ما انبهم من الكلام؛ إذا انغلق عليه واستعجم فلم يقدر عليه.

وقوله: "في خمس" متعلق بمحذوف؛ تقديره: هي؛ أي: الساعة مندرجة (في) عداد (خمس) أمور (لا يعلمهن إلا الله) تعالى؛ أي: انفرد الله سبحانه بعلمهن، فلا مطمع لأحد في علم شيء من هذه الأمور الخمس (فتلا رسول الله صلى الله عليه وسلم أي: لبيان تلك الخمس قوله تعالى: ({إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ

} الآية) (1).

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب سؤال جبريل النبي صلى الله عليه وسلم عن الإيمان والإسلام والإحسان وعلم القيامة، ومسلم في كتاب الإيمان والإحسان ووجوب الإيمان بإثبات قدر الله، وتقدم للمؤلف هذا الحديث في كتاب السنة، باب في الإيمان.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(79)

- 3989 - (6)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري،

(1) سورة لقمان: (34).

ص: 264

وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى قَالَا: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جَعْفَرٍ، حَدَّثَنَا شُعْبَةُ، سَمِعْتُ قَتَادَةَ يُحَدِّثُ عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ: أَلَا أُحَدِّثُكُمْ حَدِيثًا سَمِعْتُهُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم لَا يُحَدِّثُكُمْ بِهِ أَحَدٌ بَعْدِي، سَمِعْتُهُ مِنْهُ:

===

ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

(ومحمد بن المثنى) بن عبيد العنزي البصري، ثقة، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).

(قالا: حدثنا محمد بن جعفر) الهذلي البصري ربيب شعبة البصري، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث أو أربع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

قال محمد بن جعفر: (حدثنا شعبة) بن الحجاج بن الورد العتكي البصري، ثقة، إمام، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ). يروي عنه:(ع).

قال شعبة: (سمعت قتادة) بن دعامة السدوسي البصري، ثقة، من الرابعة، مات سنة بضع عشرة ومئة. يروي عنه:(ع).

(يحدث عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(قال) أنس: (ألا أحدثكم)(ألا) حرف تنبيه واستفتاح؛ أي: انتبهوا من غفلتكم، واستمعوا ما أقول لكم، أحدثكم (حديثًا سمعته من رسول الله صلى الله عليه وسلم لا يحدثكم به أحد بعدي، سمعته) أي: سمعت ذلك الحديث (منه) صلى الله عليه وسلم؛ لعل أنسًا رضي الله تعالى عنه قال ذلك في آخر حياته حين انقرض الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وكان من آخرهم موتًا، وعرف أنه لم يبق من الصحابة من يروي هذا الحديث غيره، توفي بالبصرة سنة ثلاث وتسعين (93 هـ) على ما قاله خَلِيفَةُ بن خَيَّاطٍ،

ص: 265

"إِنَّ مِنْ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ أَنْ يُرْفَعَ الْعِلْمُ وَيَظْهَرَ الْجَهْلُ، وَيَفْشُوَ الزِّنَا وَيُشْرَبَ الْخَمْرُ، وَيَذْهَبَ الرِّجَالُ وَيَبْقَى النِّسَاءُ؛ حَتَّى يَكُونَ لِخَمْسِينَ امْرَأَةً قَيِّمٌ وَاحِدٌ".

===

وقيل: كان سنه يوم مات مئة سنة وعشر سنين، وقيل: أقل من ذلك، والأول أكثر؛ وكان ذلك ببركة دعوته صلى الله عليه وسلم له بذلك. انتهى من "المفهم".

وذلك الحديث قوله صلى الله عليه وسلم: (إن من أشراط الساعة) وعلامة قربها (أن يرفع العلم) الديني وما يتعلق به، بقبض أرواح العلماء (ويظهر الجهل) يعني: الموانع المانعة من الاشتغال بالعلم الشرعي؛ كهذا الزمان الفاسد، باتباع اليهود والنصارى. انتهى "مناوي" بزيادة.

(ويفشو الزنا) بانتشاره وإظهاره؛ بحيث لا يستحيا منه (ويشرب الخمر) والمسكر؛ بترك إقامة حدودهما على فاعلهما، فلا يرتدعون منهما (ويذهب الرجال) أي. يقل الرجال؛ بسبب كثرة قتلهم في المعارك وغيرها (ويبقى النساء) أرامل بلا رجال، ويكثرن (حتى يكون لخمسين امرأة) لكثرتهن (قيم واحد) وهو من يقوم بأمورهن ومصالحهن، سواء كن موطوءات أم لا، لا أن يكون زوجًا لهن. انتهى من "المبارق".

قال الأبي: يحتمل أنه كناية عن قلة الرجال، ويحتمل أنه حقيقة، وأنه لا بد أن يقع في الفتن التي ستكون في الزمان الذي لا يبقى فيه من يقول:(الله الله) فيتزوج الواحد بغير عدد؛ جهلًا بالحكم الشرعي.

قوله: "أن يرفع العلم" أي: من الأرض بموت العلماء أو الرجال؛ فإنهم أهل العلم غالبًا، لكن على هذا يرجع هذا إلى معنى: ويذهب الرجال. انتهى "س".

ص: 266

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وفي رواية للبخاري: (أن يقل العلم) قال الحافظ في "الفتح"(1/ 179): يحتمل أن يكون المراد بـ (قلته): أول العلامة، وبـ (رفعه): آخرها، أو: أطلقت القلة وأريد بها: العدم؛ كما يطلق العدم ويراد به: القلة، وهذا أنسب؛ لاتحاد المخرج.

قوله: "ويفشو الزنا" أي: يظهر، قال القرطبي: هذا من أعلام النبوة؛ لأنه إخبار عن أمور ستقع، وقد وقعت. انتهى، وإذا كان كذالك في زمان القرطبي .. فما بالك الآن؟ !

"ويشرب الخمر" أي: بكثرة، وإلا .. فمطلق الشرب لم يزل موجودًا في كل زمان، ويحتمل أن المراد: شيوع شربه في مجتمعات المسلمين، والعياذ بالله تعالى.

قوله: "ويذهب الرجال وتبقى النساء" ولفظ رواية البخاري: (وتكثر النساء) وذلك أن الفتن تكثر، فيكثر القتل في الرجال، لأنهم أهل حرب دون النساء، وقيل: هو إشارة إلى الفتوح، فيكثر السَّبْيُ، فيتخذ الرجل الواحد عِدَّة موطوءات.

قال الحافظ: وفيه نظر بالقلة في الحديث الآخر؛ حيث قال: (من قلة الرجال وكثرة النساء) والظاهر أنها علامة محضة لا بسبب آخر، بل يقدر الله في آخر الزمان أن من يولد من الذكور يقل، ويكثر من يولد من الإناث، وكون كثرة النساء من العلامات .. يناسب رفع العلم، وظهور الجهل، كذا في "فيض القدير"(2/ 532).

قوله: "حتى يكون لخمسين امرأة قيم واحد" بالرفع صفة و (قيم)، قيل: يحتمل أن يراد به: حقيقة هذا العدد، أو يكون مجازًا عن الكثرة، ويؤيده أن في حديث أبي موسى:(ويرى الرجل الواحد يتبعه أربعون امرأة).

ص: 267

(80)

- 3990 - (7) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بِشْرٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَمْرٍو،

===

وكأن هذه الأمور الخمسة خصت بالذكر؛ لكونها مشعرةً باختلال الأمور التي يحصل بحفظها صلاحُ المعاش والمعاد؛ وهي: الدينُ؛ لأن رفع العلم يخل به، والعقل؛ لأن شرب الخمر يخل به، والنسب؛ لأن الزنا يخل به، والنفسُ والمالُ؛ لأن كثرة الفتن تخل بهما.

قال الكرماني: وإنما كان اختلال هذه الأمور مؤذنًا بخراب العالم؛ لأن الخلق لا يتركون هملًا، ولا نبي بعد نبينا صلى الله عليه وسلم، فيتعين ذلك، كذا في "فيض القدير"(2/ 533).

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب العلم، باب رفع العلم وظهور الجهل، ومسلم في كتاب العلم، باب رفع العلم وقبضه وظهور الجهل في آخر الزمان، والترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في أشراط الساعة.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:

(80)

- 3990 - (7)) حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة، حدثنا محمد بن بشر) بن الفرافصة العبدي الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (203 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن محمد بن عمرو) بن علقمة بن وقاص الليثي المدني، صدوق له

ص: 268

عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَحْسِرَ الْفُرَاتُ عَنْ جَبَلٍ مِنْ ذَهَبٍ،

===

أوهام، من السادسة، مات سنة خمس وأربعين ومئة (145 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي سلمة) عبد الله بن عبد الرحمن بن عوف الزهري المدني، ثقة، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين أو أربع ومئة. يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا تقوم الساعة حتى يحسر الفرات) من بابي ضرب ونصر، والأول أشهر؛ أي: حتى ينكشف الفرات؛ نهر مشهور بالكوفة؛ والمراد من حسره: أنه ينكشف (عن) جبل؛ أي: لذهاب مائه، فيظهر في محله (جبل من ذهب) وفي رواية:(عن كنز من ذهب) فيحتمل أن يكون ماظهر جبلًا حقيقة فيه كنز من ذهب.

ويحتمل أن يكون كنزًا، سُمِّي في هذه الرواية جبلًا؛ لكثرة ما فيه من ذهب.

وسيأتي عند المصنف في خروج المهدي عن ثوبان رضي الله تعالى عنه، قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "يَقْتَتِلُ عند كنزكم، ثلاثةٌ، كلهم أبناء خليفة، ثم لا يصير إلى واحد منهم، ثم تطلع الرايات السود من قبل المشرق، فيقتلونكم قتلًا ذريعًا لم يقتله قوم، ثم ذكر شيئًا لم أحفظه، فقال: إذا رأيتموه .. فبايعوه ولو حبوًا على الثلج؛ فإنه خليفة الله المهدي".

فهذا إن كان المراد بالكنز فيه: الكنز الذي في حديث الباب .. دل على أنه إنما يقع عند ظهور المهدي؛ وذلك قبل نزول عيسى عليه السلام وقبل خروج النار جزمًا، أفاده الحافظ في "الفتح"(13/ 81). انتهى من "الإنجاز".

ص: 269

فَيَقْتَتِلُ النَّاسُ عَلَيْه، فَيُقْتَلُ مِنْ كُلِّ عَشَرَةٍ تِسْعَةٌ".

(81)

- 3991 - (8) حَدَّثَنَا أَبُو مَرْوَانَ الْعُثْمَانِيُّ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ،

===

(فيقتتل الناس عليه) أي: على ذلك الكنز (فيقتل) بالبناء للمجهول؛ أي: فيقتل في ذلك الاقتتال (من كل عشرة تسعة) أنفار، هذه رواية شاذة، والمحفوظ ما عند مسلم (فيقتتل الناس عليه، فيقتل من كل مئة تسعة وتسعون) ولو صحت رواية ابن ماجه .. حملت على التقريب وإلقاء الكسر في نسبة المقتولين إلى العشرة؛ لأن تسعة وتسعين في مئة حينما تذكر بالنسبة إلى العشرة .. تكون تسعةً وكسرًا، والعرب من عادتهم إلغاء الكسر، وهذا التوجيه أولى عندي مما ذكره الحافظ من أنه يمكن باختلاف تقسيم الناس إلى قسمين. انتهى من "الإنجاز".

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث أبي هريرة الأول بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:

(81)

- 3991 - (8)(حدثنا أبو مروان العثماني) محمد بن عثمان بن خالد الأموي المدني نزيل مكة، صدوق يخطئ، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(س ق).

(حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه، من الثامنة، مات سنة أربع وثمانين ومئة (184 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).

ص: 270

عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَن، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ:"لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَفِيضَ الْمَالُ، وَتَظْهَرَ الْفِتَنُ، وَيَكْثُرَ الْهَرْجُ"، قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ الْقَتْلُ الْقَتْلُ"، ثَلَاثًا.

===

(عن العلاء بن عبد الرحمن) الحرقي - بضم المهملة وفتح الراء بعدها قاف - أبي شبل - بكسر المعجمة وسكون الموحدة - المدني، صدوق ربما وهم، من الخامسة، مات سنة بضع وثلاثين ومئة (133 هـ). يروي عنه:(م عم).

(عن أبيه) عبد الرحمن بن يعقوب الحرقي مولاهم، الجهني المدني، ثقة، من الثالثة. يروي عنه:(م عم).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا تقوم الساعة حتى يفيض) ويكثر (المال) بفتح خزائن الأرض لهم (وتظهر الفتن) وعمت كل أهل الأرض بالمقاتلة والمضاربة (ويكثر الهرج) أي: القتل فيما بينهم (قالوا) أي: الحاضرون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم عندما ذكر الهرج: (وما الهرج يا رسول الله؟ قال) لهم في تفسير الهرج حينما سألوه عنه: الهرج هو (القتل القتل القتل) ظلمًا، كرره (ثلاثًا) من المرات؛ للتأكيد اللفظي، والهرج - بفتح الهاء وسكون الراء - أصله في اللغة: الاختلاط، يقال: هرج الناس يهرجون، من باب نصر: وقعوا في فتنة واختلاط وقتل؛ كما في "القاموس".

وقد وقع في آخر هذا الحديث في رواية جرير عند البخاري: (الهرج بلسان الحبشة: القتل). وإنما خصه بلسان الحبشة، لأن أصل هذه الكلمة في اللغة

ص: 271

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

العربية بمعنى الاختلاط، وقد تستعار لمعنى: القتل، وأما في لسان الحبشة .. فهو بمعنى القتل ابتداءً.

والحديث ظاهره أن كثرة القتل من أمارات قرب الساعة، وقد وقع، كما أخبر، وهذا علم من أعلام النبوة، وقد رأيتم أيها الناس ما وقع من هذا الهرج في هذا الزمان القريب؛ فإنه وقع أولًا حرب بين الروس والروم، وقتل عالم كثير من عالمي هذا العصر، ثم وقعت الحرب بين النصارى وأمريكا، فأفنت خلقًا كثيرًا، وأضاعت أموالًا وفيرة، ثم قامت الفتنة بين مصر وحكومة لُنْدُرةَ، فذهبت أموال لا تحصى، وهلكت نفوس لا تستقصى، والأمريكان والإنجليز ارتكبوا جرائم فظيعة تقشعر لها الأبدان في أفغانستان والعراق، وإلى الآن ما زالت تلك الفتن تطحن نفوس الناس في العراق والشام؛ كطاحونة الدقيق، وهذه الفتن كلها مما أخبر بها نبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وهي من أشراط الساعة.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: ثمانية أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 272