المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(13) - (1464) - باب شدة الزمان - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتاب الفتن

- ‌(1) - (1452) - بَابُ كَفِّ اللِّسَانِ فِي الْفِتْنَةِ

- ‌(2) - (1453) - بَابُ الْعُزْلَةِ

- ‌(3) - (1454) - بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ

- ‌(4) - (1455) - بَاب: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا

- ‌(5) - (1456) - بَابُ مَنْ تُرْجَى لَهُ السَّلَامَةُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌(6) - (1457) - بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ

- ‌(7) - (1458) - بَابُ فِتْنَةِ الْمَالِ

- ‌فائدة

- ‌(8) - (1459) - بَابُ فِتْنَةِ النِّسَاءِ

- ‌فصل في ذكر الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌(9) - (1460) - بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ

- ‌(10) - (1461) - بَابُ قَوْلهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}

- ‌(11) - (1462) - بَابُ الْعُقُوبَاتِ

- ‌(12) - (1463) - بَابُ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ

- ‌(13) - (1464) - بَابُ شِدَّةِ الزَّمَانِ

- ‌(14) - (1465) - بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌(15) - (1466) - بَابُ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ

- ‌(16) - (1467) - بَابُ ذَهَابِ الْأَمَانَةِ

- ‌(17) - (1468) - بَابُ الْآيَاتِ

- ‌(18) - (1469) - بَابُ الْخُسُوفِ

- ‌(19) - (1470) - بَابُ جَيْشِ الْبَيْدَاءِ

- ‌(20) - (1471) - بَابُ دَابَّةِ الْأَرْضِ

- ‌(21) - (1472) - بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

- ‌تنبيه

- ‌(22) - (1473) - بَابُ فِتْنَةِ الدَّجَّال، وَخُرُوجِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

- ‌وأما ترجمة تميم الداري

- ‌فائدة

الفصل: ‌(13) - (1464) - باب شدة الزمان

(13) - (1464) - بَابُ شِدَّةِ الزَّمَانِ

(69)

- 3979 - (1) حَدَّثَنَا غِيَاثُ بْنُ جَعْفَرٍ الرَّحْبِيُّ، أَنْبَأَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، سَمِعْتُ ابْنَ جَابِرٍ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا عَبْدِ رَبِّهِ

===

(13)

- (1464) - (باب شدة الزمان)

(69)

- 3979 - (1)(حدثنا غياث بن جعفر) الشامي (الرحبي) - بفتح الراء وسكون الحاء المهملة - نسبة إلى رحبة مالك بن طوق على شط الفرات، والنسبة إليها الرحبي، كان مستملي ابن عيينة، روى عنه، وعن الوليد بن مسلم، ويروي عنه:(ق).

قال الدارقطني: روى عن ابن عيينة حديثًا كثيرًا، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال: مستقيم الحديث، وقال في "التقريب": صدوق، من العاشرة.

(أنبأنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي، ثقة، لكنه كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).

(سمعت) عبد الرحمن بن يزيد (بن جابر) الأزدي أبا عتبة الشامي الداراني، ثقة، من السابعة، مات سنة بضع وخمسين ومئة (153 هـ). يروي عنه:(ع).

حالة كون ابن جابر (يقول: سمعت أبا عبد ربه) الدمشقي الزاهد، ويقال: أبو عبد رب، أو عبد رب العزة، قيل: اسمه عبد الجبار بن عبيد الله، وقيل: عبد الرحمن، وقيل: قسطنطين، وقيل: فلسطين، وهو غلط، قال الحافظ: مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(ق)، مات سنة اثنتي عشرة ومئة (112 هـ).

ص: 237

يَقُولُ: سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "لَمْ يَبْقَ مِنَ الدُّنْيَا إِلَّا بَلَاءٌ وَفِتْنَةٌ".

(70)

- 3980 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمَلِكِ بْنُ قُدَامَةَ الْجُمَحِيُّ،

===

حال كون أبي عبد ربه (يقول: سمعت معاوية) بن أبي سفيان القرشي الأموي رضي الله تعالى عنهما، مات سنة ستين (60 هـ). يروي عنه:(ع).

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

حالة كون معاوية (يقول: سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقول: لم يبق من الدنيا إلا بلاء) أي: إلا زمن يكثر فيه بلاء وامتحان لأهلها (و) تكثر فيه (فتنة) ومقاتلة بين أهلها؛ كما هو شأن آخر الشيء ونهايتُه عادةً.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

ثم استشهد المؤلف لحديث معاوية بحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(70)

- 3980 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي الواسطي، ثقة، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا عبد الملك بن قدامة) بن إبراهيم بن محمد بن حاطب (الجمحي)

ص: 238

عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ أَبِي الْفُرَات، عَنِ الْمَقْبُرِيّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "سَيَأْتِي عَلَى النَّاسِ سَنَوَاتٌ خَدَّاعَاتٌ

===

المدني، ضعيف، من السابعة. يروي عنه:(ق).

وقال أبو حاتم: ضعيف الحديث ليس بالقوي، يحدث بالمناكير عن الثقات، وقال الدارقطني: متروك، وقال النسائي: ليس بالقوي، وقال الساجي: وثقه ابن معين ووثقه العجلي، وقال ابن حبان: كان صدوقًا إلا أنه كثر خطؤه وفحش وهمه، وقال ابن عبد البر: مدني ثقة شريف فهو مختلف فيه.

(عن إسحاق) بن بكر (بن أبي الفرات) المدني، مجهول، من السابعة. يروي عنه:(ق)، قال الذهبي في "الكاشف": مجهول، وقال السليماني: منكر الحديث، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن) أبي سعيد (المقبري) كيسان المدني مولى أم شريك، ثقة ثبت، من الثانية، مات سنة مئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عبد الملك بن قدامة، وهو مختلف فيه، وفيه إسحاق بن أبي الفرات، وهو مختلف فيه أيضًا.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سيأتي على الناس) قريبًا (سنوات خداعات) - بتشديد الدال - أي: كثيرة الخداع؛ من الخدع؛ وهو المكر والحيلة، ووصف السنوات بالخداعات .. مجازي؛ والمراد بها: أهل السنوات، قال في "النهاية": سنون خداعة؛ أي: تكثر فيها الأمطار، ويقل فيها الربيع، فذلك خداعها؛ لأنها تطعمهم؛ أي: تمطرهم الأمطار الكثيرة، ثم تخلفهم بقلة الإنبات، وقيل: الخداعة: القليلة المطر؛ من خدع الريق؛ إذا جف.

ص: 239

يُصَدَّقُ فِيهَا الْكَاذِبُ، وَيُكَذَّبُ فِيهَا الصَّادِقُ، وَيُؤْتَمَنُ فِيهَا الْخَائِنُ، وَيُخَوَّنُ فِيهَا الْأَمِينُ، وَيَنْطِقُ فِيهَا الرُّوَيْبِضَةُ"، قِيلَ: وَمَا الرُّوَيْبِضَةُ؟ قَالَ: "الرَّجُلُ التَّافِهُ فِي أَمْرِ الْعَامَّةِ".

===

(يُصدَّق) بالبناء للمجهول (فيها) أي: في تلك السنوات (الكاذبُ، ويُكذَّب) بالبناء للمجهول أيضًا (فيها الصادقُ) ومثله الفعلان اللذان بعده؛ وهما قوله: (ويُؤتمن فيها الخائنُ) أي: يوصف فيها الخائن بالأمانة؛ لكونه ذا غنىً ومال وجاه، وقوله:(ويُخوَّن فيها) أي: يوصف بالخيانة (الأمينُ) لكونه فقيرًا أو وضيعًا (ويَنْطِقُ فيها) عند الإصلاح بين الناس (الرُّوَيْبِضَةُ) تصغير رابضة؛ وهو العاجز الذي ربَضَ عن معالي الأمور وقعد عن طلبها، وتاؤه لِلمُبالغة؛ لكونه غنيًّا (في أمر العامة) متعلق بـ (ينطق) أي: شؤون أكثرِ الناس وأغلبِهم.

(قيل) لرسول الله صلى الله عليه وسلم أو لأبي هريرة واحد من الحاضرين عنده: (وما الرويبضة) يا رسول الله أو يا أبا هريرة؟ (قال) المسؤول منهما في جواب السائل: الرويبضة (الرجل التافه) أي: الوضيع الحسب الدنيء النسب القليل الفقه والعلم؛ لكونه غنيًّا ذا مال (في أمر العامة).

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، فهو: ضعيف السند، صحيح المتن؛ لأن له شواهد.

قال المزي في "الأطراف": رواه محمد بن عبد الملك الدقيقي عن يزيد بن هارون، قال: عن أبيه عن أبي هريرة، ورواه أبو بكر بن أبي شيبة في "مسنده" هكذا بالإسناد والمتن، ورواه الحاكم في "المستدرك" في كتاب الفتن والملاحم، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، وهو من حديث يحيى بن سعيد الأنصاري عن المقبري غريب جدًّا.

ص: 240

(71)

- 3981 - (3) حَدَّثَنَا وَاصِلُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ فُضَيْلٍ، عَنْ أَبِي إِسْمَاعِيلَ الْأَسْلَمِيِّ، عَنْ أَبِي حَازِمٍ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ

===

قلت: فدرجة هذا الحديث: أنه ضعيف السند؛ لما تقدم آنفًا، صحيح المتن؛ لأن له شواهد ومتابعات، وغرضه: الاستشهاد به لحديث معاوية بن أبي سفيان.

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث معاوية بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(71)

- 3981 - (3)(حدثنا واصل بن عبد الأعلى) بن هلال الأسدي أبو القاسم الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة أربع وأربعين ومئتين (244 هـ). يروي عنه:(م عم).

(حدثنا محمد بن فضيل) بن غزوان - بفتح المعجمة وسكون الزاي - الضبي مولاهم أبو عبد الرحمن الكوفي، صدوق عارف رمي بالتشيع، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي إسماعيل) يزيد بن كيسان الكندي (الأسلمي) - الصواب: اليشكري؛ كما في "مسلم"، وهو تغيير من بعض الرواة، وتحريف من النساخ، راجع كتب الرجال - الكوفي. انتهى من "الكوكب". صدوق يخطئ، من السادسة. يروي عنه:(م عم).

(عن أبي حازم) سلمان الأشجعي الكوفي، ثقة، من الثالثة، مات على رأس المئة (100 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

ص: 241

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ؛ لَا تَذْهَبُ الدُّنْيَا حَتَّى يَمُرَّ الرَّجُلُ عَلَى الْقَبْرِ فَيَتَمَرَّغَ عَلَيْهِ وَيَقُولَ: يَا لَيْتَنِي كُنْتُ مَكَانَ صَاحِبِ هَذَا الْقَبْر، وَلَيْسَ بِهِ الدِّينُ إِلَّا الْبَلَاءُ".

===

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي) وروحي (بيده) المقدسة (لا تذهب الدنيا) ولا تفنى ولا تقوم الساعة (حتى يمر الرجل) منكم (على القبر) المدفون (فيتمرغ عليه) أي: على القبر؛ أي: يتقلب في ترابه ظهرًا وبطنًا، يقال: تمرغ الرجل؛ إذا تقلب من وجع بجسده من جنب إلى جنب آخر؛ كما في "القاموس"(ويقول) مع تقلبه على تراب القبر: (يا) هؤلاء (ليتني) أي: أتمنى أن (كنت) أي: كوني (مكان صاحب هذا القبر) بدفني في محله وأنجو من هذه الفتن (و) الحال أنه (ليس به) أي: بذلك المتمرغ في التراب (الدين) - بكسر الدال وسكون الياء - أي: والحال أنه ليس به مصيبة الدين (إلا البلاء) أي: إلا البلاء والمصيبة في الدنيا؛ يعني: أنه لا يتمنى الموت؛ لحفظ دينه - بكسر الدال - وإنما يتمنى الموت "لبلاء أصابه في دنياه، وهذا في معرض الذم؛ والمراد: أن الناس يتمنون الموت؛ لضرر دنيوي أصابهم، مع أنه منهي عنه في الشرع.

قال في "المرقاة": أي: وليس الحامل له على التمني .. الدين؛ أي: مصيبة الدين، بل الحامل له على التمني .. البلاء وكثرة الفتن والمحن وسائر الضرار.

قال المظهر: الدين هنا: العادة، وجملة (ليس) في موضع الحال من الضمير المستتر في يتمرغ؛ يعني: يتمرغ على رأس القبر ويتمنى الموت في حال ليس التمرغ من عادته، وإنما حمل عليه البلاء.

وقال الطيبي: ويجوز أن يحمل الدين على حقيقته؛ أي: ليس ذلك التمرغ

ص: 242

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والتمني لأمر أصابه من جهة الدين، بل من جهة الدنيا، فيقيد البلاء المطلق بالدنيا بواسطة القرينة السابقة. انتهى "دهني على هامش مسلم".

قوله: (إلا البلاء) أي: الفتنة والاختلاط الكثير الموجبة للقتل المجهول؛ والمعنى: ثوران الهرج والقتل بالكثرة، وهيجانه بالشدة. انتهى من "المرقاة".

قال المناوي في "الفيض": قوله: (يا ليتني

) إلى آخره؛ أي: أتمنى كوني ميتًا حتى أنجو من الكرب، ولا أرى من المحن والفتن وتبديل وتغيير رسوم الشريعة ما أرى، فيكون أعظم المصائب الأماني، وهذا إن لم يكن وقع .. فهو واقع لا محالة، وقد قال ابن مسعود:(سيأتي عليكم زمان، لو وجد أحدكم الموت يباع .. لاشتراه). انتهى.

وقال الحافظ العراقي: ولا يلزم كونه في كل بلد، ولا في كل زمن، ولا في جميع الناس، بل يصدق على اتفاقه للبعض في بعض الأقطار، وفي بعض الأزمان وفي تَعليقِ تَمنِّيهِ بالمُرورِ .. إشعارٌ بشدة ما نزل بالناس من فساد الحال حينئذٍ؛ إذ المرء قد يتمنى الموت من غير استحضار لهيئته، فإذا شاهد الموتى ورأى القبور .. نَشَز بطَبْعهِ ونفَرَ بسجيته من تمنيه، فلقوة الشدة .. لم يصرفه عنه ما شاهده من وحشة القبور، ولا يُناقض هذا النهي من تمني الموت لضر نزل به؛ لأن مقتضى هذا الحديث الإخبار عما يكون، وليس فيه تعرض لحكم شرعي. انتهى منه.

قوله: "وليس به الدين" أي: ليس الداعي له على هذا الفعل الدين، وإنما الداعي له البلاء.

ومعنى الحديث: أنه لا يتمنى الموت تدينًا وتقربًا إلى الله تعالى وحبًّا في

ص: 243

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

لقائه، وإنما تمنيه، لما نزل به من البلاء والمحن في أمور دنياه، ففيه إشارة إلى جواز تمني الموت تدينًا، ولا ينافيه قوله صلى الله عليه وسلم:"لا يتمنين أحدكم الموت، لضر نزل به" لأنه خاص بما إذا كان التمني لأمر دنيوي؛ كما هو الظاهر.

قال الحافظ في "الفتح": ويؤيده ثبوت تمني الموت عند فساد أمر الدين عن جماعة من السلف.

قال النووي: فلا كراهة في ذلك، بل فعله خلائق من السلف؛ منهم: عمر بن الخطاب رضي الله عنه.

وقال بعضهم: قوله: "وليس به الدين إلا البلاء" قيل: أراد بالدين: العادة؛ والمعنى حينئذٍ؛ أي: ليس التمرغ وتمني الموت من عادته، وإنما حمله عليه البلاء والمشقة.

وقيل: محمول على معناه؛ أي: ليس ذلك التمرغ؛ لأمر أصابه من جهة الدين، لكن من جهة الدنيا ومشاقها، والله أعلم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الفتن وأشراط الساعة، باب لا تقوم الساعة حتى يمر الرجل بقبر الرجل فيتمنى أن يكون مكان الميت من البلاء.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث معاوية.

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث معاوية بحديث آخر لأبي هريرة رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 244

(72)

- 3982 - (4) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا طَلْحَةُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ يُونُسَ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ أَبِي حُمَيْدٍ؛ يَعْنِي: مَوْلَى مُسَافِعٍ،

===

(72)

- 3982 - (4)(حدثنا عثمان بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (239 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق)، وهو أخو أبي بكر بن أبي شيبة.

(حدثنا طلحة بن يحيى) بن النعمان بن أبي عياش الأنصاري الزرقي المدني نزيل بغداد، صدوق يهم، من السابعة. يروي عنه:(خ م د س ق)، وقال ابن معين: ثقة، وكذا وثقه حنبل بن إسحاق، وقال الآجري عن أبي داوود: لا بأس به، وقال أبو حاتم: ليس بقوي، وذكره ابن حبان في "الثقات".

(عن يونس) بن يزيد بن أبي النجاد الأيلي - بفتح الهمزة وسكون التحتانية بعدها لام - الأموي مولاهم؛ مولى آل أبي سفيان، ثقة، من السابعة، مات سنة تسع وخمسين ومئة على الصحيح، وقيل: سنة ستين ومئة. يروي عنه: (ع).

(عن الزهري) محمد بن مسلم المشهور بابن شهاب، ثقة حجة، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).

(عن أبي حميد؛ يعني) شيخي بأبي حميد الذي أبهمه: (مولى مسافع) بن عبد الله بن شيبة بن عثمان بن أبي طلحة العبدري الحجبي المكي، ثقة، من الثالثة، قيل: قتل يوم الجمل ولا يصح ذلك بل تأخر إلى خلافة الوليد. يروي عنه: (م د ت)، قيل: اسمه هو عبد الرحمن بن سعد المقعد، وإلا .. فمجهول، من الثالثة. يروي عنه:(ق)، والصحيح أنه عبد الرحمن بن سعد الأعرج أبو حميد المدني المقعد مولى بني مخزوم. روى عن: أبي هريرة،

ص: 245

عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَتُنْتَقَوُنَّ كَمَا يُنْتَقَى التَّمْرُ مِنْ أَغْفَالِه، فَلَيَذْهَبَنَّ خِيَارُكُمْ وَلَيَبْقَيَنَّ شِرَارُكُمْ، فَمُوتُوا إِنِ اسْتَطَعْتُمْ".

===

ويروي عنه: الزهري، قال النسائي: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، من الثالثة. يروي عنه:(م).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(قال) أبو هريرة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والله الذي لا إله إلا هو (لَتُنْتَقَوُنَّ) - بفتح اللام وضم التاء وسكون النون وفتح القاف وضم الواو وتشديد نون التوكيد الثقيلة؛ بالبناء للمجهول - أصله: لَتُنْتَقَوُونن؛ أي: والله؛ لَتُصَفُّنَّ من أَرْدَأ الناسِ وأسافلهم (كلما ينتقى) ويصفى (التمر) الجيد (من أغفاله) أي: من أردئه (فليذهبن) من الد نيا (خياركم) أي: أتقياؤكم بالموت (وليبقين) فيها (شراركم) أي: أخساؤكم وأراذلكم (فموتوا) حينئذ (إن استطعتم) أي: إذا تحقق ذلك .. فموتوا؛ يريد: أن الموت حينئذٍ خير لكم من الحياة، فلا ينبغي أن تكون الحياة حينئذٍ مختارة من الموت؛ لتكدر الدنيا حينئذٍ بفتن أهلها؛ لأنها لم يبق فيها إلا الشرار، فالموت مطلوب حينئذٍ؛ طلبًا لسلامة الدين.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن أخرجه الحاكم في "المستدرك" في كتاب الرقاق، وقال: هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه، ووافقه الذهبي في "التلخيص".

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده ولأن له شاهدًا؛ كما ذكرناه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث معاوية.

ص: 246

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

مهمة في إعراب (لتنتقون): من انتقى الخماسي، مسند إلى واو الجماعة؛ من الانتقاء؛ وهو الاصطفاء والتصفية.

فتقول في إعرابه: (اللام) موطئة للقسم مبنية على الفتح (تنتقون) فعل مضارع مغير الصيغة مرفوع، وعلامة رفعه ثبات النون المحذوفة؛ لتوالي الأمثال مع نوني التوكيد، أصله:(لَتُنْتَقَوُوْنَ) بواوين؛ الأولى: لام الكلمة، والثانية: واو والجماعة، فإما أن تقول: استثقلت الضمة على لام الفعل فحذفت؛ لاستثقالها، أو تقول: تحركت الواو وانفتح ما قبلها، فقلبت ألفًا.

وعلى كلا التقديرين: التقى ساكنان: (الواوان) على التقدير الأول، و (الألف) و (الواو) على التقدير الثاني، فحذف أول الساكنين فصار (لَتُنْتَقَوْنَ) ثم أكد بالنون الثقيلة، فصار (لَتُنْتَقَوْنَنَّ) بثلاث نونات، فحذفمت نون الرفع لفظًا؛ لتوالي النونات، فالتقى ساكنان:(واو الجمع) و (نون التوكيد المدغمة) وتعذر حذف إحداهما، فحركت (الواو) بحركة تجانسها؛ وهي (الضمة) ولم تحرك (النون) محافظة على الأصل، ولعروض (الضمة) لم تنقلب (الواو)(ألفًا) لتحركها وانفتاح ما قبلها، وحيث حذفمت (نون الرفع) لتوالي الأمثال، وهي مقدرة الثبوت؛ لأنها علامة الرفع، و (الواو) ضمير لجماعة الذكور المخاطبين في محل الرفع نائب فاعل، مبني على السكون المقدر الممنوع بالضمة المجلوبة لمناسبة الواو، والجملة الفعلية جواب القسم لا محل لها من الإعراب.

ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أنس بن مالك رضي الله تعالى عنه، فقال:

ص: 247

(73)

- 3983 - (5) حَدَّثَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ الْأَعْلَى، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِدْرِيسَ الشَّافِعِيُّ، حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ خَالِدِ الْجَنَدِيُّ، عَنْ أَبَانَ بْنِ صَالِحٍ، عَنِ الْحَسَن، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ

===

(73)

- 3983 - (5)(حدثنا يونس بن عبد الأعلى) بن ميسرة الصدفي أبو موسى المصري، ثقة، من صغار العاشرة، مات سنة أربع وستين ومئتين (264 هـ). يروي عنه:(م س ق).

(حدثنا محمد بن إدريس) بن العباس بن عثمان بن شافع المطلبي (الشافعي) نسبة إلى شافع؛ جده المذكور، أبو عبد الله المكي، نزيل مصر، رأس الطبقة التاسعة، وهو المجدد أمر الدين على رأس المئتين، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ)، وله أربع وخمسون سنة (54). يروي عنه:(عم).

(حدثني محمد بن خالد الجندي) - بفتح الجيم والنون - الصنعاني المؤذن في مسجد الجند، مجهول، من السابعة. يروي عنه:(ق).

(عن أبان بن صالح) بن عمير بن عبيد القرشي مولاهم، وثقه الأئمة، ووهم ابن حزم فجَهَّله، وابن عبد البر فضعَّفه، من الخامسة، مات سنة بضع عشرة ومئة (113 هـ). يروي عنه:(عم).

(عن الحسن) بن أبي الحسن، اسمه يسار الأنصاري مولاهم البصري، ثقة فقيه فاضل، هو رأس الطبقة الثالثة، مات سنة عشر ومئة (110 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن أنس بن مالك) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف جدًّا؛ لأن فيه محمد بن خالد الجندي، وهو ضعيف مجهول.

ص: 248

أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يَزْدَادُ الْأَمْرُ إِلَّا شِدَّةً، وَلَا الدُّنْيَا إِلَّا إِدْبَارًا، وَلَا النَّاسُ إِلَّا شُحًّا، وَلَا تَقُومُ السَّاعَةُ إِلَّا عَلَى شِرَارِ النَّاس، وَلَا الْمَهْدِيُّ إِلَّا عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ".

===

(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: لا يزداد الأمر) أي: أمر الدين؛ أي: التمسك بالدين والسنة؛ أي: العمل به (إلا شدة) لقلة أعوانه وكثرة مخالفيه (ولا) تزداد (الدنيا إلا إدبارًا) أي: ذهابًا بإدبارها لأهلها؛ لأنها فانية مدبرة لأهلها (ولا) يزداد (الناس إلا شحًّا) وبخلًا عن الإنفاق في الخيرات (ولا تقوم الساعة إلا على شرار الناس) أي: إلا على خبائث الناس وأراذلهم؛ كما في حديث: "لا تقوم إلا على لكع بن لكع" أي: إلا على كافر بن كافر (ولا) يوجد (المهدي) وصفًا لا لقبًا؛ أي: لا يوجد المتصف بالهدى من وكل وجه بعده صلى الله عليه وسلم (إلا عيسى ابن مريم) عليه السلام، وليس المراد: أن هذا التلقب بالمهدي ليس إلا لعيسى؛ فالحديث على تقدير ثبوته لا يخالف ولا يعارض الأحاديث الواردة في المهدي المنتظر؛ لأن المهدي المنتظر ليس له اهتداء بالوحي والرسالة وجريان خوارق العادة على يديه، بل له هدي بقتل اليهود والنصارى، وأَمْرِ المؤمنين بالمعروف والنهيِ عن المنكر وأمرِهم بالجهاد.

وهذا الحديث فيما يظهر ببادئ الرأي مخالف للأحاديث الواردة في إثبات مهدي غير عيسى ابن مريم، وعند التأمل لا ينافيها، بل يكون المراد من ذلك حقيقةً: هو عيسى ابن مريم، ولا ينفي ذلك أن يكون غيره مهديًا أيضًا. انتهى من "السندي" باختصار وزيادة وتصرف.

قال الألباني في "الضعيفة": هذا الحديث منكر، أخرجه ابن ماجه والحاكم وابن الجوزي في "العلل"، وابن عبد البر في "جامع بيان العلم"، وأبو عمرو الداني في "السنن الواردة في الفتن"، والسلفي في "الطيوريات" من طريق

ص: 249

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

محمد بن خالد الجندي عن أبان بن صالح عن الحسن عن أنس مرفوعًا، وهذا إسناد ضعيف، فيه علل ثلاث؛ الأولى: عنعنة الحسن مع كونه مدلسًا، والثانية: جهالة محمد بن خالد الجندي؛ فإنه مجهول؛ كما قال الحافظ في "التقريب" تبعًا لغيره، والثالثة: لاختلاف سنده على محمد بن خالد الجندي.

ونقل السيوطي عن القرطبي أنه قال في "التذكرة": هذا إسناد ضعيف، والأحاديث الواردة عن النبي صلى الله عليه وسلم في التنصيص على خروج المهدي من عترته من ولد فاطمة .. ثابتة أصح من هذا الحديث، فالحكم بها دونه.

وقوله في هذا الحديث: (ولا تقوم إلا على شرار الناس) هذه الجملة منه صحيحة ثابتة عنه صلى الله عليه وسلم من حديث عبد الله بن مسعود، أخرجه مسلم وأحمد.

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته: أنه ضعيف منكر متروك (7)(406) إلا هذه الجملة المذكورة آنفًا؛ لضعف سنده، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: خمسة أحاديث:

الأول للاستدلال، والأخير للاستئناس، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 250