المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(2) - (1453) - باب العزلة - شرح سنن ابن ماجه للهرري = مرشد ذوي الحجا والحاجة إلى سنن ابن ماجه - جـ ٢٤

[محمد الأمين الهرري]

فهرس الكتاب

- ‌تَتِمَّة كتاب الفتن

- ‌(1) - (1452) - بَابُ كَفِّ اللِّسَانِ فِي الْفِتْنَةِ

- ‌(2) - (1453) - بَابُ الْعُزْلَةِ

- ‌(3) - (1454) - بَابُ الْوُقُوفِ عِنْدَ الشُّبُهَاتِ

- ‌(4) - (1455) - بَاب: بَدَأَ الْإِسْلَامُ غَرِيبًا

- ‌(5) - (1456) - بَابُ مَنْ تُرْجَى لَهُ السَّلَامَةُ مِنَ الْفِتَنِ

- ‌(6) - (1457) - بَابُ افْتِرَاقِ الْأُمَمِ

- ‌(7) - (1458) - بَابُ فِتْنَةِ الْمَالِ

- ‌فائدة

- ‌(8) - (1459) - بَابُ فِتْنَةِ النِّسَاءِ

- ‌فصل في ذكر الأحكام التي تستفاد من هذا الحديث

- ‌(9) - (1460) - بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ

- ‌(10) - (1461) - بَابُ قَوْلهِ تَعَالَى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ}

- ‌(11) - (1462) - بَابُ الْعُقُوبَاتِ

- ‌(12) - (1463) - بَابُ الصَّبْرِ عَلَى الْبَلَاءِ

- ‌(13) - (1464) - بَابُ شِدَّةِ الزَّمَانِ

- ‌(14) - (1465) - بَابُ أَشْرَاطِ السَّاعَةِ

- ‌(15) - (1466) - بَابُ ذَهَابِ الْقُرْآنِ وَالْعِلْمِ

- ‌(16) - (1467) - بَابُ ذَهَابِ الْأَمَانَةِ

- ‌(17) - (1468) - بَابُ الْآيَاتِ

- ‌(18) - (1469) - بَابُ الْخُسُوفِ

- ‌(19) - (1470) - بَابُ جَيْشِ الْبَيْدَاءِ

- ‌(20) - (1471) - بَابُ دَابَّةِ الْأَرْضِ

- ‌(21) - (1472) - بَابُ طُلُوعِ الشَّمْسِ مِنْ مَغْرِبِهَا

- ‌تنبيه

- ‌(22) - (1473) - بَابُ فِتْنَةِ الدَّجَّال، وَخُرُوجِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ، وَخُرُوجِ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ

- ‌وأما ترجمة تميم الداري

- ‌فائدة

الفصل: ‌(2) - (1453) - باب العزلة

(2) - (1453) - بَابُ الْعُزْلَةِ

(11)

- 3921 - (1) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الصَّبَّاح، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ أَبِي حَازِمٍ، أَخْبَرَنِي أَبِي، عَنْ بَعْجَةَ بْنِ عَبْدِ اللهِ بْنِ بَدْرٍ الْجُهَنِيِّ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "خَيْرُ مَعَايِشِ النَّاسِ لَهُمْ

===

(2)

- (1453) - (باب العزلة)

(11)

- 3921 - (1)(حدثنا محمد بن الصباح) بن سفيان الجرجرائي - بجيمين مفتوحتين بينهما راء ساكنة ثم راء مفتوحة ثم همزة مكسورة - نسبة إلى جرجراء؛ اسم بلدة على الفرات، أبو جعفر التاجر الأموي مولاهم؛ مولى عمر بن عبد العزيز، صدوق، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(د ق).

(حدثنا عبد العزيز بن أبي حازم) سلمة بن دينار المدني، صدوق فقيه، من الثامنة، مات سنة أربع وثمانين ومئة (184 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).

(أخبرني أبي) سلمة بن دينار المدني الأعرج التمار القاصّ، مولى الأسود بن سفيان الأموي، ثقة عابد، من الخامسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(ع).

(عن بعجة بن عبد الله بن بدر الجهني) ثقة، من الثالثة، مات على رأس المئة. يروي عنه:(خ م ت س ق).

(عن أبي هريرة) رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.

(أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: خير معايش الناس لهم) وفي رواية مسلم: (من خير) بزيادة (من) الجارة؛ أي: أفضل الناس وخيرهم معيشةً

ص: 40

رَجُلٌ مُمْسِكٌ بِعِنَانِ فَرَسِهِ فِي سَبِيلِ الله، وَيَطِيرُ عَلَى مَتْنِهِ كُلَّمَا سَمِعَ هَيْعَةً أَوْ فَزْعَةً .. طَارَ عَلَيْهِ إِلَيْهَا؛ يَبْتَغِي الْمَوْتَ أَوِ الْقَتْلَ مَظَانَّهُ،

===

لهم؛ أي: بالنظر إلى ما يعيشون به (رجل ممسك) أي: ملازم (بعنان) - بكسر العين - أي: بلجام (فرسه) حالة كونه مجاهدًا (في سبيل الله) أي: في طاعته لإعلاء كلمته تعالى (و) حالة كونه (يطير) أي: يسارع راكبًا (على متنه) وظهره (كلما سمع) اسم شرط غير جازم، متعلق بجوابه الآتي؛ أي: أي وقت سمع (هيعةً) أي: صوت عدو (أو) قال: كلما سمع (فزعةً) أي: خصلة، والشك من الراوي؛ أي: أي وقتٍ سمع خصلةً مفزعةً؛ أي: مؤثرةً الفزع والخوف في القلب؛ كصوت البنادق والمسدسات .. (طار) جواب كلما؛ أي: أي وقت سمع ذلك .. طار وأسرع راكبًا (عليه) أي: على فرسه (إليها) أي: إلى محل تلك الهيعة أو الفزعة حالة كونه (يبتغي الموت) أي: يطلب الموت في سبيله (أو) قال: يبتغي (القتل) والشك من الراوي؛ أي: أو يبتغي القتل؛ أي: قتل العدو له في (مظانه) أي: في المحال التي يظن ويعلم قتل العدو له فيها؛ وهي معارك العدو والكفار.

قوله: (باب العزلة) - بضم العين وسكون الزاي -: هي الانفراد عن الناس في موضع خالٍ عنهم.

واختلف العلماء هل هي أفضل من الاختلاط، أو الاختلاط أفضل منها؟

فمذهب الشافعي وأكثر العلماء أن الاختلاط أفضل منها؛ بشرط رجاء السلامة من الفتن، ومذهب طوائف منهم أن الاعتزال أفضل.

وأجاب الجمهور عن هذا الحديث بأنه محمول على الاعتزال في زمن الفتن والحروب، أو هو فيمن لا يسلم الناس منه، ولا يصبر عليهم، أو نحو ذلك من الخصوص.

ص: 41

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

وقد كانت الأنبياء صلوات الله وسلامه عليهم وجماهير الصحابة والتابعين والعلماء والزهاد مختلطين، فيحصلون منافع الاختلاط؛ كشهود الجمعة والجماعة والجنائز وعيادة المرضى وحلق الذكر، وغير ذلك. انتهى "نووي".

قوله: "خير معايش الناس لهم" والمعايش - جمع معاش - والمعاش: هو ما يعيشون به من المكاسب والحرف.

والمعنى: خير الناس وأفضلهم بالنظر إلى ما كان مكسبًا ومعيشةً لهم .. رجل ممسك عنان فرسه - بكسر العين - وهو الحديد الذي يجعل في فم الفرس عند الركوب، ويسمى باللجام.

أما بفتحها .. فهو ما ظهر في السماء من السحاب؛ أي: رجل ملازم لعنان فرسه، كثير الركوب عليه للحرب والجهاد.

وليس المراد: الدوام على ظهر الفرس؛ إذ لا بد من النزول. انتهى "سندي".

والمراد بقوله: "ممسك بعنان فرسه" أي: متأهب ومنتظر وواقف بنفسه على الجهاد في سبيل الله تعالى وطاعته.

قوله: "ويطير على متنه" أي: يسرع جدًّا على ظهره حتى كأنه يطير طيران الطير.

"كلما سمع هيعةً أو فزعةً" والهيعة: الصوت تفزع منه وتخافه من عدو؛ والفزعة - المرة من فزع - إذا خاف، أو نهض للإغاثة وملاقاة العدو؛ والمعنى: أن يجري فرسه بسرعة مبادِرًا به إلى لقاء العدو.

والمعنى: أي وقت سمع صوت العدو، أو رأى النهضة إلى لقاء العدو .. (طار عليه) أي: أسرع كالطير حالة كونه راكبًا عليه (إليها) أي: إلى تلك الهيعة أو الفزعة، وفي "النهاية": الهيعة الصوت الذي تفزع منه وتخافه من

ص: 42

وَرَجُلٌ فِي غُنَيْمَةٍ فِي رَأْسِ شَعَفَةٍ مِنْ هَذِهِ الشِّعَافِ أَوْ بَطْنِ وَادٍ مِنْ هَذِهِ الْأَوْدِيَة، يُقِيمُ الصَّلَاةَ وَيُؤْتِي الزَّكَاةَ وَيَعْبُدُ رَبَّهُ حَتَّى يَأْتِيَهُ الْيَقِينُ لَيْسَ مِنَ النَّاسِ إِلَّا فِي خَيْرٍ".

===

عدو، حالة كون ذلك الرجل (يبتغي الموت) بلا سبب (أو) قال: يبتغي (القتل) أي: بيد العدو في (مظانه) أي: في الأماكن التي يظن فيه القتل؛ وهي معركة العدو.

وفي "النهاية": المظان - جمع مظنة، بالكسر - وهو موضع الشيء ومحله، مفعلة من الظن؛ بمعنى: العلم.

قال النووي: معنى: "يبتغي القتل والموت مظانه" أي: يطلبه في مواطنه التي يرجى فيها؛ لشدة رغبته في الشهادة، وفي هذا الحديث: فضيلة الجهاد والحرص على الشهادة. انتهى منه.

قوله: (ورجل) معطوف على (رجل) الأول؛ أي: وأفضلهم أيضًا مكسبًا ومعيشةً رجل نازل (في غنيمة) قليلة، تصغير غنم، كائنةٍ تلك الغنيمة (في رأس شعفة) - بفتحات - أي: في رأس جبل وأعلاه، كائنة تلك الشعفة (من هذه الشعاف) التي بين أيدينا (أو) كائنة تلك الغنيمة في (بطن واد) كائن (من هذه الأودية) التي نراها حالة كون ذلك الرجل (يقيم) ويؤدي (الصلاة) المفروضة في وقتها (ويؤتي الزكاة) أي: زكاة تلك الغنيمة (ويعبد ربه) بأنواع العبادات؛ من ذكر العام بعد الخاص (حتى يأتيه) ويأخذه (اليقين) الموت، حالة كونه (ليس من الناس إلا في خير) وعافية وسلامة؛ لا يؤذيهم ولا يُؤْذَى.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط.

ص: 43

(12)

- 3922 - (2) حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ حَمْزَةَ، حَدَّثَنَا الزُّبَيْدِيُّ، حَدَّثَنِي الزُّهْرِيُّ، عَنْ عَطَاءِ بْنِ يَزِيدَ اللَّيْثِيِّ،

===

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.

* * *

ثم استشهد المؤلف لحديث أبي هريرة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:

(12)

- 3922 - (2)(حدثنا هشام بن عمار) بن نصير السلمي الدمشقي، صدوق مقرئ، من كبار العاشرة، مات سنة خمس وأربعين ومئتين (245 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(خ عم).

(حدثنا يحيى بن حمزة) بن واقد الحضرمي أبو عبد الرحمن الدمشقي القاضي، ثقة رمي بالقدر، من الثامنة، مات سنة ثلاث وثمانين ومئة (183 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا الزبيدي) - بالزاي والباء الموحدة مصغرًا - محمد بن الوليد بن عامر أبو الهذيل الحمصي القاضي، ثقة ثبت، من كبار أصحاب الزهري، من السابعة، مات سنة ست أو سبع أو تسع وأربعين ومئة (149 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(حدثني الزهري) محمد ابن شهاب المدني، ثقة إمام، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).

(عن عطاء بن يزيد الليثي) المدني نزيل الشام، ثقة، من الثالثة، مات سنة خمس أو سبع ومئة (107 هـ)، وقد جاوز الثمانين. يروي عنه:(ع).

ص: 44

عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَجُلًا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ: أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ؟ قَالَ: "رَجُلٌ مُجَاهِدٌ فِي سَبِيلِ اللهِ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ"، قَالَ: ثُمَّ مَنْ؟ قَالَ: "ثُمَّ امْرُؤٌ فِي شِعْبٍ مِنَ الشِّعَابِ

===

(عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

قال أبو سعيد: (أن رجلًا) من المسلمين، ولم أر من ذكر اسمه (أتى) أي: جاء (النبي صلى الله عليه وسلم فقال) له: يا رسول الله (أي) أفراد (الناس أفضل) أي: أكثر أجرًا عند الله تعالى وأرفع منزلةً عنده تعالى؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم في جواب سؤال الرجل: ذلك الأفضل (رجل مجاهد) أي: مقاتل (في سبيل الله) وطاعته لإعلاء كلمته تعالى، لا لعصبية ولا لوطنية (بنفسه) أي: ببذل نفسه وروحه في طاعة الله (و) صرف (ماله) في مؤن الجهاد وأهبته.

قال القاضي: هذا عام مخصوص؛ تقديره: هذا من أفضل الناس، وإلا .. فالعلماء أفضل، وكذا الصديقون؛ كما جاءت به الأحاديث.

(قال) الرجل السائل: (ثم) بعد هذا الذي ذكرته لنا (من) هو أفضل الناس؟ (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ثم) بعد ذلك الذي ذكرته لكم: أفضلهم (امرؤ) أي: شخص منفرد معتزل عن الناس (في شعب) بكسر الشين وسكون المهملة (من الشعاب) - بكسرها أيضًا - أي: في واد من الأودية؛ يريد: العزلة من الناس؛ والشعب: الطريق مطلقًا، أو الطريق في الجبل، أو ما انفرج بين الجبلين والناحية، قال النووي: وليس المراد: الانفراد والانعزال، وذكر (الشعب) مثالًا لا للتخصيص؛ لأنه خالي عن الناس غالبًا.

انتهى منه.

ص: 45

يَعْبُدُ اللهَ عز وجل وَيَدَعُ النَّاسَ مِنْ شَرِّهِ".

(13)

- 3923 - (3) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ،

===

حالة كونه (يعبد الله عز وجل بأنواع مختلفة من العبادات (ويدع) أي: يترك (الناس) أي: الخلق (من) إيصال (شره) وضرره إليهم نفسًا ومالًا.

وفي هذا إشارة إلى أن صاحب العزلة ينبغي له أن ينظر في العزلة إلى ترك الناس عن شره، لا إلى خلاصه من شرهم؛ ففي الأول تحقير النفس، وفي الثاني تحقيرهم.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الجهاد، باب أفضل الناس مجاهد بنفسه وماله في سبيل الله، ومسلم في كتاب الإمارة، باب فضل الجهاد والرباط، وأبو داوود في كتاب الجهاد، باب في ثواب الجهاد، والترمذي في كتاب فضائل الجهاد، باب ما جاء أي الناس أفضل، قال أبو عيسى: هذا حديث صحيح، والنسائي في كتاب الجهاد، باب فضل من يجاهد في سبيل الله بنفسه وماله.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث أبي هريرة بحديث حذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(13)

- 3923 - (3)(حدثنا علي بن محمد) الطنافسي الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).

(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم أبو العباس الدمشقي، ثقة، لكنه

ص: 46

حَدَّثَنِي عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ يَزِيدَ بْنِ جَابِرٍ، حَدَّثَنِي بُسْرُ بْنُ عُبَيْدِ الله، حَدَّثَنِي أَبُو إِدْرِيسَ الْخَوْلَانِيُّ أَنَّهُ سَمِعَ حُذَيْفَةَ بْنَ الْيَمَانِ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يَكُونُ دُعَاةٌ عَلَى أَبْوَابِ جَهَنَّمَ مَنْ أَجَابَهُمْ إِلَيْهَا .. قَذَفُوهُ فِيهَا"،

===

كثير التدليس والتسوية، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة (195 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثني عبد الرحمن بن يزيد بن جابر) الأزدي أبو عتبة الشامي الداراني، ثقة، من السابعة، مات سنة بضع وخمسين ومئة (153 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثني بسر بن عبيد الله) الحضرمي الشامي، ثقة حافظ، من الرابعة. يروي عنه:(ع).

(حدثني أبو إدريس الخولاني) عائذ الله بن عبد الله، ولد في حياة النبي صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وسمع من كبار الصحابة، ومات سنة ثمانين (80 هـ). يروي عنه:(ع).

(أنه) أي: أن أبا إدريس (سمع حذيفة بن اليمان) الصحابي المشهور، صاحب سر رسول الله صلى الله عليه وسلم رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

حالة كون حذيفة (يقول): (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سـ (يكون) قوم (دعاة) للناس - جمع داع؛ كقضاة جمع قاض - واقفون (على أبواب جهنم) يدعون الناس إليها (من أجاب) دعاء (هم إليها) أي: إلى جهنم .. (قذفوه) أي: رموه (فيها) أي: في جهنم؛ يعني بذلك: أن من وافقهم على آرائهم، واتبعهم على أهوائهم .. كانوا قائديه إلى نار جهنم؛ أي: هم دعاة إلى الشر والفساد المؤدي بصاحبه إلى دخول جهنم.

ص: 47

قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ صِفْهُمْ لَنَا، قَالَ: "هُمْ قَوْمٌ مِنْ جِلْدَتِنَا، يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَتِنَا، قُلْتُ: فَمَا تَأْمُرُنِي إِنْ أَدْرَكَنِي ذَلِكَ؟ قَالَ:

===

والكلام تمثيل لتسويلهم وتزيينهم للناس الأعمال التي تستوجب العذاب، فكأنهم إذ يدعونهم إلى تلك الأعمال .. وقوف على أبواب جهنم يدعونهم إلى الدخول فيها، قال النووي: قال العلماء: هم من كان من الأمراء يدعون إلى بدعة أو ضلال آخر؛ كالخوارج والقرامطة وأصحاب الفتن.

وفي حديث حذيفة: الأمر بلزوم جماعة المسلمين وإمامهم ووجوب طاعته في غير معصية، وفيه معجزات لرسول الله صلى الله عليه وسلم؛ وهي هذه الأمور التي أخبر عنها، وقد وقعت كلها؛ كما قال. انتهى منه.

قال حذيفة: (قلت: يا رسول الله؛ صفهم لنا) أي: اذكر لنا أوصاف أولئك الدعاة؛ لنتجنب عنهم إذا ظهروا (قال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم، أصفهم لكم، فأقول لكم:(هم) أي: أولنك الدعاة (قوم من جلدتنا) أي: من أبناء جنسنا والجلدة - بكسر الجيم وسكون اللام - وجلدة الشيء: ظاهره؛ وهي في الأصل: غشاء البدن.

قال في "النهاية": أي: من أنفسنا وعشيرتنا، وقيل: معناه: من أهل ملتنا، وقيل: من أبناء جنسنا.

و(يتكلمون بألسنتنا) أي: بلغتنا اللغة العربية، وقيل معناه: يتكلمون بلسان الشريعة، وبما قال الله ورسوله، وليس في قلوبهم شيء من الخير؛ يعني: أنهم ينتمون إلى نسبه صلى الله عليه وسلم؛ فإنهم من قريش، ويتكلمون بكلام العرب، وكذلك كانت أحوال بني أمية. انتهى من "المفهم".

قال حذيفة: (قلت): يا رسول الله (فما) ذا (تأمرني) وتقول لي (إن أدركني ذلك) الزمن الذي فيه أولئك الدعاة؛ (قال) رسول الله صلى الله عليه

ص: 48

"فَالْزَمْ جَمَاعَةَ الْمُسْلِمِينَ وَإمَامَهُمْ؛ فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ جَمَاعَةٌ وَلَا إِمَامٌ .. فَاعْتَزِلْ تِلْكَ الْفِرَقَ كُلَّهَا وَلَوْ أَنْ تَعَضَّ بِأَصْلِ شَجَرَةٍ حَتَّى يُدْرِكَكَ الْمَوْتُ وَأَنْتَ كَذَلِكَ".

===

وسلم: إن أدركك ذلك الزمن .. (فالزم جماعة المسلمين وإمامهم) يعني: متى اجتمع المسلمون على إمام .. فلا يخرج عليه وإن جار (فإن لم يكن لهم جماعة) متفقة (ولا إمام) بايعوه على السمع والطاعة .. (فاعتزل تلك الفرق) المتفرقة (كلها) وابتعد عنهم ولا تختلط بهم؛ لئلا تغرقك أمواج الفتن (ولو) حصل لك الاعتزال بي (أن تعض بأصل شجرة) وساقها (حتى يدركك) ويأتيك (الموت وأنت) أي: والحال أنك (كذلك) أي: على ذلك العض؛ أي: عض أصل الشجرة.

قوله: "فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام" هذه إشارة إلى مثل الحالة التي اتفقت للناس عند موت معاوية بن يزيد بن معاوية؛ فإنه توفي لخمس بقين من ربيع الأول سنة أربع وستين، ولم يعهد لأحد، وبقي الناس بعده بقية ربيع الأول وجمادين وأيامًا من رجب من السنة المذكورة لا إمام لهم حتى بايع الناس بمكة لابن الزبير، وفي الشام لمروان بن الحكم.

قوله: "فاعتزل تلك الفرق كلها" هذا أمر بالاعتزال عند الفتن؛ وهو على جهة الوجوب؛ لأنه لا يسلم الدين إلا بذلك.

وهذا الاعتزال عبارة عن ترك الانتماء إلى من لم تتم إمامته من الفرق المختلفة، فلو بايع أهل الحل والعقد لواحد موصوف بشروط الإمامة .. لانعقدت له الخلافة، وحرمت على كل أحد مخالفته، فلو اختلف أهل الحل والعقد لإمامين؛ كما اتفق لابن الزبير ومروان .. لكان الأول هو الأرجح. انتهى من "المفهم".

ص: 49

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

قوله: "ولو بأن تعض على أصل شجرة" قال البيضاوي: المعنى: إذا لم يكن في الأرض خليفة .. فعليك بالعزلة والصبر على تحمل شدة الزمان.

وعض أصل الشجرة .. كناية عن مكابدة المشقة. أفاده ابن حجر؛ كقولهم: فلان يعض الحجارة من شدة الألم، أو المراد: اللزوم؛ كقوله في الحديث: "عضوا عليها بالنواجذ".

وقال بعضهم: والذي يظهر من معنى هذا الحديث أن المعتزل إذا لم يجد شيئًا يأكله بسبب عزلته، حتى اضطر إلى أكل أصول الأشجار .. فليفعله، ولا يمنعه ذلك عن الاعتزال.

أي: ولو أمكن لك الاعتزال بأكل قشور أصول الأشجار وسوقها؛ لفقدك الطعام لأجل الاعتزال عن الناس (حتى يدركك) ويلحقك (الموت) ويأتيك (وأنت كذلك) أي: والحال أنك على ذلك العض. انتهى منه.

قال السندي: والمعنى: أن اعتزل الناس، واصبر على المكاره والمشاق، واخرج منهم إلى البوادي، وكل ما فيها من أصول الشجر، واكتف بها. انتهى منه.

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب المناقب، باب علامات النبوة في الإسلام، وفي كتاب الفتن، ومسلم في كتاب الإمارة، باب وجوب ملازمة جماعة المسلمين عند ظهور الفتن.

فهذا الحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة، والله أعلم.

* * *

ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:

ص: 50

(14)

- 3924 - (4) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ، عَنْ يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْأَنْصَارِيّ، عَنْ أَبِيهِ

===

(14)

- 3924 - (4)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقة، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقة، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن يحيى بن سعيد) بن قيس الأنصاري المدني القاضي، ثقة ثبت، من الخامسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة (144 هـ)، أو بعدها. يروي عنه:(ع).

(عن عبد الله بن عبد الرحمن) بن أبي صعصعة (الأنصاري) المازني المدني، وذكر المزي أن في اسمه يقع قلب، والصواب أنه:"عبد الرحمن بن عبد الله". ثقة، من السادسة، مات في خلافة المنصور. يروي عنه:(خ د س ق).

(عن أبيه) عبد الرحمن بن أبي صعصعة الأنصاري المازني، ثقة، من الثالثة، واسم أبي صعصعة: عمرو بن يزيد بن عوف بن مبذول بن عمرو بن غنم بن مازن بن النجار الأنصاري الخزرجي المازني، ذكره ابن شاهين وابن منده وغيرهما في الصحابة، وأخرجوا من طريق عبد الله بن المثنى: حدثني قيس بن عبد الله بن عبد الرحمن بن أبي صعصعة عن أبيه عن جده وكان بدريًا، قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: "اللهم؛ اغفر للأنصار، ولأبناء الأنصار، ولأبناء أبناء الأنصار، ولكتائب الأنصار"، قال ابن منده: حديث غريب. يروي عنه: (خ د س ق).

ص: 51

أَنَّهُ سَمِعَ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ يَقُولُ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "يُوشِكُ أَنْ يَكُونَ خَيْرَ مَالِ الْمُسْلِمِ غَنَمٌ يَتْبَعُ بِهَا شَعَفَ الْجِبَال، أَوْ مَوَاضِعَ الْقَطْرِ؛ يَفِرُّ بِدِينِهِ مِنَ الْفِتَنِ".

===

(أنه) أي: أن أباه عبد الرحمن (سمع أبا سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

حالة كون أبي سعيد (يقول: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يوشك) أي: يقرب (أن يكون خير مال المسلم) بنصب (خير) على أن يكون خبر الكون مقدمًا على اسمه (غنم) بالرفع؛ على أنه اسمه مؤخرًا، وفي "أبي داوود" - بالعكس على الأصل مع تشديد التاء من (يتبع).

وفي "ابن ماجه" بسكون التاء ثلاثيًّا؛ أي: يوشك أن يكون غنم يتبع (بها) ويمشي على (شعف الجبال) ورؤوسها (أو) في (مواضع القطر) والمطر من الأودية حالة كونه (يفر) وينعزل ويهرب (بدينه من الفتن) أي: من فتن الناس وفي "العون": (يتبع) بتشديد التاء؛ كما مر آنفًا (بها) أي: مع الغنم أو بسببها (شعف الجبال) - بفتح الشين والعين - أي: رؤوس الجبال وأعاليها، واحدها شعفة (أو مواضع القطر) - بفتح فسكون - أي: مواضع المطر وآثاره من النبات وأوراق الشجر؛ يريد بها: المرعى من الصحراء والجبال، فهو تعميم بعد تخصيص (يفر بدينه) أي: بسببه.

قال الكرماني: هذه الجملة حالية، وذو الحال: الضمير المستتر في (يتبع) أو (المسلم) إن جوزنا الحال من المضاف إليه؛ فقد وجد شرطه؛ وهو شدة الملابسة، وكأنه جزء منه، واتحاد الخير مع المال واضح، ويجوز أن تكون استئنافية، وهو واضح. انتهى، انتهى من "العون".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الإيمان، باب من

ص: 52

(15)

- 3925 - (5) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ الْمُقَدَّمِيُّ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ عَامِرٍ، حَدَّثَنَا أَبُو عَامِرٍ الْخَزَّازُ،

===

الدين الفرار من الفتن، وأبو داوود في كتاب الملاحم والفتن، باب ما يرخص فيه من البداوة في الفتنة.

ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

* * *

ثم استشهد المؤلف رابعًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر لحذيفة بن اليمان رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(15)

- 3925 - (5)(حدثنا محمد بن عمر بن علي) بن عطاء بن مقدم (المقدمي) - بالتشديد على صيغة اسم المفعول - البصري، صدوق، من صغار العاشرة. يروي عنه:(عم).

(حدثنا سعيد بن عامر) الضُّبَعي - بضم المعجمة وفتح الموحدة - أبو محمد البصري، ثقة صالح، وقال أبو حاتم: ربما وهم، من التاسعة، مات سنة ثمان ومئتين (208 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا أبو عامر الخزاز) - بمعجمات - صالح بن رستم - بضمتين بينهما مهملة ساكنة - المزني مولاهم البصري، صدوق كثير الخطأ، من السادسة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئة (152 هـ). يروي عنه:(م عم)، وقال الأثرم عن أحمد: صالح الحديث، وقال العجلي: جائز الحديث، وقال أبو داوود الطيالسي: حدثنا أبو عامر الخزاز وكان ثقة، وقال الآجري عن أبي داوود: ثقة، وذكره ابن حبان في "الثقات"، وقال يحيى القطان - وقد روى عنه مع شدة استقصائه -: ولم أر له حديثًا منكرًا جدًّا. انتهى "تهذيب".

ص: 53

عَنْ حُمَيْدِ بْنِ هِلَالٍ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ قُرْطٍ، عَنْ حُذَيْفَةَ بْنِ الْيَمَانِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "تَكُونُ فِتَنٌ عَلَى أَبْوَابِهَا دُعَاةٌ إِلَى النَّارِ؛ فَأَنْ تَمُوتَ وَأَنْتَ عَاضٌّ عَلَى جِذْلِ شَجَرَةٍ .. خَيْرٌ لَكَ مِنْ أَنْ تَتْبَعَ أَحَدًا مِنْهُمْ".

===

(عن حميد بن هلال) العدوي أبي نصر البصري، ثقة عالم، توقف فيه ابن سيرين؛ لدخوله في عمل السلطان، من الثالثة. يروي عنه:(ع).

(عن عبد الرحمن بن قرط) - بضم القاف وسكون الراء ثم مهملة - مجهول، من الثانية. يروي عنه:(س ق). روى عن حذيفة بن اليمان حديث: (كان الناس يسألون عن الخير

) الحديث، ويروي عنه: حميد بن هلال، وقيل: عن حميد بن هلال عن نصر بن عاصم عن اليشكري عن حذيفة، وهو المحفوظ. انتهى "تهذيب".

واليشكري اسمه: سبيع بن خالد، ويقال: خالد بن سبيع، ويقال: خالد بن خالد اليشكري البصري، مقبول، من الثانية. يروي عنه:(د).

(عن حذيفة بن اليمان) رضي الله تعالى عنهما.

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه عبد الرحمن بن قرط، وهو مَجْهولٌ، أو الحسن؛ لأن المحفوظ عندهم: عن نصر بن عاصم عن اليشكري عن حذيفة، واليشكري مقبول؛ كما مر آنفًا.

(قال) حذيفة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: سـ (تكون فتن) مترادفة (على أبوابها) أي: أبواب تلك الفتن (دعاة إلى) أبواب (النار) ليدخلوها (فأن تموت) يا حذيفة (وأنت) أي: والحال أنك (عاض) بِنَواجِذِك (على جِذْلِ شجرة) - بكسر الجيم وفتحها - أي: على أصلها؛ لتأكل قشورها .. (خير لك من أن تتبع أحدًا منهم) أي: من أهل الفتن.

ص: 54

(16)

- 3926 - (6) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَارِثِ الْمِصْرِيُّ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ، حَدَّثَنِي عُقَيْلٌ، عَنِ ابْنِ شِهَابٍ،

===

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ولكن له شاهد من حديث حذيفة بن اليمان المتفق عليه المذكور للمؤلف في هذا الباب برقم (3923).

فدرجته: أنه صحيح بغيره وإن كان سنده ضعيفًا، أو حسنًا؛ كما مر آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

* * *

ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث أبي هريرة بحديث آخر له رضي الله تعالى عنه، فقال:

(16)

- 3926 - (6)(حدثنا محمد بن الحارث) بن راشد بن طارق الأموي (المصري) المؤذن، يقال له: صدرة، صدوق يغرب، من العاشرة، مات سنة إحدى وأربعين ومئتين (241 هـ). يروي عنه:(ق).

(حدثنا الليث بن سعد) بن عبد الرحمن الفهمي أبو الحارث المصري، ثقة متقن حجة قرين مالك، من السابعة، مات سنة خمس وسبعين ومئة (175 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثني عقيل) - مصغرًا - ابن خالد بن عقيل - مكبرًا - الأيلي - بفتح الهمزة بعدها تحتانية ساكنة ثم لام - أبو خالد الأموي مولاهم، ثقة ثبت سكن المدينة، ثم الشام، ثم مصر، من السادسة، مات سنة أربع وأربعين ومئة على الصحيح (144 هـ). يروي عنه:(ع).

(عن) محمد بن مسلم (ابن شهاب) الزهري المدني، إمام حجة مشهور، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل: قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه: (ع).

ص: 55

أَخْبَرَنِي سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيَّبِ أَنَّ أَبَا هُرَيْرَةَ أَخْبَرَهُ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: "لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ".

===

(أخبرني سعيد بن المسيب) بن حزن المخزومي المدني، ثقة، من كبار التابعين، مات بعد التسعين. يروي عنه:(ع).

(أن أبا هريرة) رضي الله تعالى عنه (أخبره) أي: أخبر سعيد بن المسيب (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال).

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.

(لا يلدغ المؤمن) - بالبناء للمفعول - ولا يخدع (من جحر) - بضم الجيم وسكون المهملة - أي: من ثقب وخرق (مرتين).

قالوا: سبب هذا الحديث أن شاعرًا أسر يوم بدر، فمَنَّ عليه رسول الله صلى الله عليه وسلم على ألا يهجوه وأطلقه، فلحق بقومه وعاد إلى ما كان أولًا، ثم أسر يوم أحد، فسأله (لمن، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "لا يلدغ

" الحديث؛ أي: ليس من شان المؤمن أن يصدق الكاذب الذي ظهر كذبه مرةً ثانية؛ لقوله تعالى: {إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ

} الآية (1).

وأما الغفلة من أمور الدنيا والإقبال على الآخرة .. فشيء آخر، ولعله المراد بقوله:"المؤمن غر كريم"، وقيل: يحتمل أن يكون خبرًا؛ أي: المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من ناحية الغفلة، فَيُخْدَعُ مرةً بعد أخرى وهو لا يفطن لذلك.

ويحتمل أن يكون نهيًا؛ أي: لا ينبغي للمؤمن أن يكون غافلًا، بل ينبغي له أن يكون مستيقظًا عاقلًا، والله أعلم. انتهى "سندي".

(1) سورة الحجرات: (6).

ص: 56

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

والمعنى: لا ينبغي للمؤمن الحازم أن يُخْدع من جهة واحدةٍ مرتين. انتهى.

وقال في "العون": وهذا الحديث ورد حين أسر النبي صلى الله عليه وسلم أبا عزة - بالعين المهملة والزاي المعجمة - الشاعر يوم بدر، فمن عليه، وعاهده ألا يحرض عليه ولا يهجوه وأطلقه، فلحق بقومه، ثم رجع إلى التحريض والهجاء، ثم أسره يوم أحد، فسأله (لمن، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم هذا الحديث.

قال الخطابي في "المعالم": هذا الحديث يروى على وجهين من الإعراب:

أحدهما: بضم الغين على الخبر؛ معناه: أن المؤمن الممدوح هو الكيس الحازم الذي لا يؤتى من ناحية الغفلة، فيخدع مرة بعد أخرى، وهو لا يفطن لذلك ولا يشعر به، وقد قيل: إنه صلى الله عليه وسلم أراد به: الخداع في أمر الآخرة، دون أمر الدنيا.

والوجه الآخر: أن تكون الرواية بكسر الغين في (لا يلدغِ المؤمن) على النهي؛ يقول عليه السلام: لا يخدعن المؤمن، ولا يؤتين من ناحية الغفلة، فيقع في مكروه أو شر وهو لا يشعر، وليكن حذرًا مستيقظًا، وهذا قد يصلح أن يكون في أمر الدنيا والآخرة. انتهى، انتهى من "العون".

وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: البخاري في كتاب الأدب، باب لا يلاع المؤمن من جحر مرتين، ومسلم في كتاب الزهد والرقائق، باب لا يلدغ المؤمن مرتين، وأبو داوود في كتاب الأدب، باب في الحذر من الناس.

فالحديث في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة.

* * *

ص: 57

(17)

- 3927 - (7) حَدَّثَنَا عُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أَحْمَدَ الزُّبَيْرِيُّ، حَدَّثَنَا زَمْعَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، عَنْ سَالِمٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ

===

ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث أبي هريرة بحديث ابن عمر رضي الله تعالى عنهم، فقال:

(17)

- 3927 - (7)(حدثنا عثمان) بن محمد بن إبراهيم (بن أبي شيبة) بن عثمان العبسي، أبو الحسن الكوفي، ثقة حافظ شهير، وله أوهام، من العاشرة، مات سنة تسع وثلاثين ومئتين (239 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).

(قال) عثمان: (حدثنا أبو أحمد الزبيري) محمد بن عبد الله بن الزبير بن عمر بن درهم الأسدي الكوفي، ثقة ثبت إلا أنه قد يخطئ في حديث الثوري، من التاسعة، مات سنة ثلاث ومئتين (253 هـ). يروي عنه:(ع).

(حدثنا زمعة) بسكون الميم (ابن صالح) الجندي - بفتح والنون - اليماني نزيل مكة، أبو وهب، ضعيف متفق على ضعفه، وحديثه عند مسلم مقرون، من السادسة. يروي عنه:(م ت س ق).

(عن) محمد بن مسلم بن شهاب (الزهري) المدني، ثقة حجة، من الرابعة، مات سنة خمس وعشرين ومئة، وقيل قبل ذلك بسنة أو سنتين. يروي عنه (ع).

(عن سالم) بن عبد الله بن عمر، ثقة، من الثالثة، مات في آخر سنة ست ومئة (106 هـ) على الصحيح. يروي عنه:(ع).

(عن) أبيه عبد الله (بن عمر) رضي الله تعالى عنهما.

ص: 58

قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يُلْدَغُ الْمُؤْمِنُ مِنْ جُحْرٍ مَرَّتَيْنِ".

===

وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الضعف؛ لأن فيه زمعة بن صالح، وهو متفق على ضعفه.

(قال) ابن عمر: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يلدغ المؤمن) ولا يخدع (من جحر) أي: من جهة واحدة (مرتين) أي: مرةً بعد أخرى.

قوله: "لا يلدغ" - بالدال المهملة والغين المعجمة على صيغة المجهول - من اللدغ؛ وهو ما يكون من ذوات السموم، وأما الذي بالذال المعجمة والعين المهملة؛ وهو اللذع .. فما يكون من النار.

و(المؤمن) مرفوع بـ (يلدغ) على أنه نائب فاعل.

(من جحر) بضم الجيم وسكون المهملة.

قال أبو سليمان الخطابي رحمه الله: وهذا الحديث أوضح وأهدى وأحق أن يتبع وأحرى، وهذا الكلام منه صلى الله عليه وسلم، وأول ما قاله لأبي عزة - بفتحتين وبالعين المهملة والزاي المعجمة - المذكور سابقًا.

وأما قول السفاقسي: وهذا مثل قديم تمثل به رسول الله صلى الله عليه وسلم؛ إذ كان صلى الله عليه وسلم كثيرًا ما يتمثل بالأمثال القديمة؛ وأصل ذلك: أن رجلًا أدخل يده في جحر لصيد أو غيره، فلدغته حية في يده، فضربته العرب مثلًا، فقالوا: لا يدخل الرجل يده في جحر فيلدغ منه مرة ثانية.

فتعقبه في "المصابيح": بأنه: إذا كان المثل العربي على الصورة التي حكاها النبي صلى الله عليه وسلم .. فالنبي صلى الله عليه وسلم لم يورده كذلك حتى يقال: إنه تمثل به.

ص: 59

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

===

نعم؛ أورد كلامًا بمعناه، وانظر فرق ما بين كلامه صلى الله عليه وسلم وبين لفظ المثل المذكور، فطلاوة البلاغة على لفظه صلى الله عليه وسلم وحلاوة العبارة فيه بادية يدركها ذو الذوق السليم، عليه أفضل الصلوات وأزكى التسليم، والله أعلم. انتهى من "القسطلاني".

وهذا الحديث انفرد به ابن ماجه، ودرجته أنه صحيح بغيره؛ لأن له شاهدًا في "الصحيحين" وغيرهما من حديث أبي هريرة المذكور قبله في "ابن ماجه".

قلت: درجة هذا الحديث: أنه في أعلى درجات الصحة؛ لأنه من المتفق عليه وإن كان سنده ضعيفًا؛ لما تقدم آنفًا، فالحديث: صحيح المتن، ضعيف السند، وغرضه: الاستشهاد به لحديث أبي هريرة الأول.

* * *

وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: سبعة أحاديث:

الأول للاستدلال، والبواقي للاستشهاد.

والله سبحانه وتعالى أعلم

ص: 60