الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(9) - (1460) - بَابُ الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ
(38)
- 3948 - (1) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ هِشَامٍ، عَنْ هِشَامِ بْنِ سَعْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عُثْمَانَ، عَنْ عُرْوَةَ،
===
(9)
- (1460) - (باب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر)
(38)
- 3948 - (1)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه (خ م د س ق).
(حدثنا معاوية بن هشام) القصَّار أبو الحسن الكوفي مولى بَنِي أَسَدٍ، ويقال: معاوية بن أبي العباس، صدوق له أوهام، من صغار التاسعة، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن هشام بن سعد) المدني أبي عباد، أو أبي سعيد، صدوق له أوهام ورمي بالتشيع، من كبار السابعة، مات سنة ستين ومئة أو قبلها. يروي عنه:(م عم).
(عن عمرو بن عثمان) بن هانئ المدني، مولى عثمان. روى عن: عاصم بن عمر بن عثمان، ويروي عنه: هشام بن سعد، مستور، من السابعة. يروي عنه:(د ق).
(عن عاصم بن عمر بن عثمان) أحد المجاهيل، من السابعة، روى عن عروة عن عائشة حديث:"مروا بالمعروف، وانهوا عن المنكر قبل أن تدعوا فلا يستجاب لكم" وهو هذا الحديث وذكره ابن حبان في "الثقات". يروي عنه: (ق).
(عن عروة) بن الزبير، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة أربع وتسعين (94 هـ) على الصحيح. يروي عنه (ع).
عَنْ عَائِشَةَ، قَالَتْ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ: "مُرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَوْا عَنِ الْمُنْكَرِ قَبْلَ أَنْ تَدْعُوا فَلَا يُسْتَجَابَ لَكُمْ".
===
(عن عائشة) رضي الله تعالى عنها.
وهذا السند من سباعياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه عاصم بن عمر بن عثمان، وهو مختلف فيه.
(قالت) عائشة: (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: مروا بالمعروف) أي: بكل ما عرف من الطاعة؛ من الدعاء إلى التوحيد، والأمر بالعبادة، والعدل بين الناس (وانهوا عن المنكر) أي: من المعاصي والفواحش، وما خالف الشرع من جزئيات الإحكام، وعرَّفَهُما؛ إشارةً إلى تَقرُّرِهما وثبُوتِهما.
وفي رواية عرَّف الأول ونكَّر الثانيَ، ووجهه: الإشارة إلى أن المعروف معهود ومألوف، والمنكر مجهول؛ كمعدوم، قال القاضي: الأمر بالمعروف يكون واجبًا ومندوبًا؛ على حسب ما يؤمر به، والنهي عن المنكر واجب كله؛ لأن ما أنكر الشرع حرام.
(قبل أن تدعوا) أي: قبل أن تدعوا الناس إلى الهدى بالأمر بالمعروف وبالنهي عن المنكر (فلا يستجاب لكم) أي: فلا يَقْبَل أحدٌ منكم ذلك، وفيه أن الناس إذا تَركُوا قبول ذلك .. يَسْقُط الأمر والنهي.
ويحتمل أن المراد: قبل أن يصير غير نافع؛ بسبب ترك الناس قبولَه، ويحتمل أن المراد قيل: إذا تَرك الكُلُّ الأمرَ والنهيَ .. فيصير بحيث لا يستجاب لهم الدعاء (س).
وقال المناوي في "الفيض"(5/ 522) - قوله: "قبل أن تدعوا
…
" إلى آخره، زاد الطبراني وأبو نعيم في روايتهما عن ابن عمر يرفعه: "وقبل أن
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
تستغفروا فلا يغفر لكم، إن الأمر بالمعروف لا يقرب أجلًا، وإن الأحبار من اليهود والرهبان من النصارى لما تركوا الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. لعنهم الله تعالى على لسان أنبيائهم، ثم عمَّهم البلاءُ". انتهى بنصه.
وقال عمر: إن الزاهد من ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .. نزعت منه الطاعة، ولو أمر ولده أو عبده .. لاستخف به، فكيف يستجاب دعاؤه من خالقه؟ !
وأخذ الذهبي من هذا الوعيد أن ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من الكبائر.
قال ابن العربي: والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أصلٌ في الدين، وعُمدةٌ من عُمَدِ المسلمين، وخلافةُ رب العالمين، والمقصودُ الأكبرُ مِن فائدة بَعْثِ النبيين، وهو فرض على جميع الناس، مَثْنَى وفُرادى، بشرط القدرة والأمن.
قال البوصيري: وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ولكن رواه أبو بكر بن أبي شيبة بإسناده ومتنه، ورواه البيهقي في "سننه الكبرى" من طريق أبي الدلال عن هشام بن سعد، وسياقُه أتم، ورواه ابن حبان في "صحيحه"، وأحمد في "مسنده"، و"المسندِ الجامع".
ودرجة هذا الحديث: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا، وغرضه: الاستدلال به على الترجمة.
* * *
ثم استشهد المؤلف لحديث عائشة بحديث أبي بكر الصديق رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(39)
- 3949 - (2) حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو أُسَامَةَ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ، عَنْ قَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ قَالَ: قَامَ أَبُو بَكْرٍ فَحَمِدَ اللهَ وَأَثْنَى عَلَيْهِ ثُمَّ قَالَ: يَا أَيُّهَا النَّاسُ؛ إِنَّكُمْ
===
(39)
- 3949 - (2)(حدثنا أبو بكر بن أبي شيبة) العبسي الكوفي، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة خمس وثلاثين ومئتين (235 هـ). يروي عنه:(خ م د س ق).
(حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).
(وأبو أسامة) حماد بن أسامة القرشي الكوفي، ثقةٌ ثبتٌ، من التاسعة، مات سنة إحدى ومئتين (201 هـ). يروي عنه:(ع).
كلاهما رويا (عن إسماعيل بن أبي خالد) الأحمسي مولاهم البجلي الكوفي، ثقةٌ ثبتٌ، من الرابعة، مات سنة ست وأربعين ومئة (146 هـ). يروي عنه:(ع). واسم أبي خالد: سعد، وقيل: هرمز، وقيل: كثير.
(عن قيس بن أبي حازم) البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، ثقةٌ مخضرم، من الثانية، مات بعد التسعين، أو قبلها. يروي عنه:(ع). واسم أبيه حصين بن عوف.
(قال) قيس: (قام أبو بكر) الصديق رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
أي: قال قيس بن أبي حازم: قام أبو بكر الصديق (فحمد الله) تعالى؛ أي: نزهه تعالى عما لا يليق به من كلّ النقائص (وأثنى عليه) تعالى؛ أي: وصفه تعالى بما يليق به من الكمالات (ثم قال) أبو بكر: (يا أيها الناس؛ إنكم
تَقْرَؤُونَ هَذِهِ الْآيَةَ: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} ، وَإنَّا سَمِعْنَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"إِنَّ النَّاسَ إِذَا رَأَوُا الْمُنْكَرَ لَا يُغَيِّرُونَهُ .. أَوْشَكَ أَنْ يَعُمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابِهِ"،
===
تقرؤون هذه الآية) أي: قوله تعالى: ({يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ})(1)، وفي رواية: وتضعونها؛ أي: تحملونها على غير معناها؛ بأن تجروها على عمومها، وتمتنعوا عن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر مطلقًا، وليس كذلك، بل لا بد من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر (وإنا سمعنا رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: إن الناس إذا رأوا المنكر) و (لا يغيرونه) أي: فلم يغيروه بأيديهم أو بألسنتهم؛ أي: بقدر طاقتهم .. (أوشك) وقرب (أن يعمهم الله بعقابه) أي: من فعل منهم المنكر، وغيره إذا سكت عليه ولم ينههم.
قال النووي: وأما قوله: أي: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} الزموا أنفسكم .. فليس مخالفًا لوجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ لأن المذهب الصحيح عند المحققين في معنى الآية: أنكم إذا فعلتم ما كلفتم به من الأمر والنهي .. فلا يضركم تقصير غيركم؛ مثل قوله تعالى: {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} (2)، وإذا كان الأمر كذلك، فمِمَّا كُلِّف به الأمرُ بالمعروف والنهيُ عن المنكر، فإذا فعله فلم يمتثل المخاطب .. فلا عَتْبَ بعد ذلك على الفاعل؛ لكونه أبي ما عليه من الأمر والنهي.
فليس المعنى المراد من الآية: بيان عدم لزوم الأمر والنهي، بل المقصود منها: بيان أن معصية الغير لا تضر إذا أتى بما عليه، ومن جملة ما عليه هو الأمر والنهي، فلا بد منهما.
(1) سورة المائدة: (105).
(2)
سورة الأنعام: (164).
قَالَ أَبُو أُسَامَةَ مَرَّةً أُخْرَى: فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ.
===
نعم؛ إذا لَمْ يقبل المأمور ذلك .. فلا يضره ذلك؛ لأنه أبي ما عليه.
وقيل: الآية لمن سقط عنهم الأمر والنهي؛ بسبب عدم قبول الناس ذلك. انتهى من "العون".
(قال أبو أسامة مرّة أخرى) أي: ثانيةً: عن إسماعيل بن أبي خالد عن قيس بن أبي حازم قال أبو بكر: (فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول) ذلك؛ أي: (إن الناس إذا رأوا المنكر فلم يغيروه بالنهي عنه .. أوشك) - بفتح الهمزة والشين - أي: قارب أو أسرع (أن يعمهم الله بعقابه) إما في الدنيا أو الآخرة أو فيهما؛ لتضييعهم فرض الله الذي هو الأمر أو النهي بلا عذر، وإنما قاله مرّة ثانية؛ تأكيدًا للأولى.
وقوله تعالى: {يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ} : (عليكم) اسم فعل أمر مركب من الجار والمجرور؛ بمعنى: الزموا، مبني على السكون، لشبهه بالحرف شبهًا استعماليًا، وفاعله: ضمير مستتر فيه وجوبًا؛ لعوده إلى المخاطبين؛ تقديره: أنتم (أنفسكم) مفعول به لاسم الفعل، منصوب به، وجملة اسم الفعل جواب النداء لا محل لها من الإعراب.
والمعنى: يا أيها الذين آمنوا؛ الزموا إصلاح أنفسكم، واحفظوها من المعاصي.
وفي "الإنجاز" ها هنا إعراب لا يليق به؛ لأنه مخالف للقاعدة النحوية.
{لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ} (1)، أي: فإذا لزمتم إصلاح أنفسكم وحفظتموها بالأمر والنهي
…
(لا يضركم) ضلال (من ضل) بارتكاب المناهي
(1) سورة المائدة: (105).
(40)
- 3950 - (3) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَهْدِيٍّ، حَدَّثَنَا سُفْيَانُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ،
===
(إذا اهتديتم) إلى اجتنابها، وليس في هذه الآية دليل على ترك الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كان فعل ذلك ممكنًا.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، والترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في نزول العذاب إذا لَمْ يغير المنكر.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استأنس المؤلف للترجمة بحديث أبي عبيدة بن عبد الله رحمه الله تعالى، فقال:
(40)
- 3950 - (3)(حدثنا محمد بن بشار) بن عثمان العبدي البصري، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة اثنتين وخمسين ومئتين (252 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبد الرَّحمن بن مهدي) بن حسان الأزدي العنبري مولاهم، أبو سعيد البصري، ثقةٌ ثبتٌ حافظ عارف بالرجال والحديث، قال ابن المديني: ما رأيت أعلم منه، من التاسعة، مات سنة ثمان وتسعين ومئة (198 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا سفيان) بن سعيد بن مسروق الثوري الكوفي، ثقةٌ إمام حجة صاحب مذهب في الفروع، من السابعة، مات سنة إحدى وستين ومئة (161 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن علي بن بَذِيمَةَ) - بفتح الموحدة وكسر المعجمة الخفيفة بعدها تحتانية ساكنة - الجزري، ثقةٌ رمي بالتشيع، من السادسة، مات سنة بضع وثلاثين
عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "إِنَّ بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا وَقَعَ فِيهِمُ النَّقْصُ .. كَانَ الرَّجُلُ يَرَى أَخَاهُ عَلَى الذَّنْبِ فَيَنْهَاهُ عَنْهُ، فَإِذَا كَانَ الْغَدُ .. لَمْ يَمْنَعْهُ مَا رَأَى مِنْهُ أَنْ يَكُونَ أَكِيلَهُ وَشَرِيبَهُ وَخَلِيطَهُ،
===
ومئة (133 هـ) مولى جابر بن سمرة، كوفي الأصل، وقال ابن معين وأبو زرعة والعجلي: ثقةٌ، وقال النسائي في موضع آخر: لا بأس به، وقال ابن عمار: من الثقات، وقال: يقال: مات سنة ثلاث وثلاثين. يروي عنه: (عم).
قلت: وذكره ابن حبان في "الثقات" وقال: مات سنة ثلاث وثلاثين ومئة، وقيل: سنة ست وثلاثين ومئة، وقال ابن شاهين في "الثقات": قال أحمد بن حنبل: ثقةٌ، وفيه شيء؛ يعني: من التشيع. انتهى من "التهذيب".
(عن أبي عبيدة) بن عبد الله بن مسعود الهذلي الكوفي مشهور بكنيته، والأشهر أنه لا اسم له إلَّا هذه الكنية، ويقال: اسمه عامر، كوفي ثقةٌ، من كبار الثالثة، والراجح أنه لا يصح سماعه من أبيه، مات بعد سنة ثمانين. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، رجاله ثقات، ولكنه مرسل، فهو ضعيف.
(قال) أبو عبيدة: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن بني إسرائيل لما وقع فيهم النقص) قال في "المشكاة": لما وقعت بنو إسرائيل في المعاصي؛ أي: من الزنا وصيد السمك في يوم السبت وغيرهما .. (كان الرجل) منهم (يرى أخاه على الذَّنْب فينهاه عنه) أي: الذَّنْب (فإذا كان الغد) وجاء؛ فكان تامة .. (لَمْ يمنعه) أي: لَمْ يمنع الناهي (ما رأى منه) أي: من المذنب في الأمس؛ يعني: ذنبه (أن يكون) ذلك الناهي (أكيله) أي: من أن يكون ذلك الناهي أكيله؛ أي: أكيل ذلك المذنب (وشريبه) أي: شريب ذلك المذنب (وخليطه) أي: شريكه في المال؛ أي: لَمْ يمنع الناهي من أن يأكل مع ذلك
فَضَرَبَ اللهُ قُلُوبَ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ، وَنَزَلَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ فَقَالَ:{لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ..... }
===
المذنب أو يشرب معه .. ما رأى منه من وقوعه على الذَّنْب في الأمس، بل كان الناهي صاحب ذلك المذنب في الأكل والشرب معه؛ كأنه رضي ما وقع منه من الذَّنْب في الأمس.
ولفظ أبي داوود: إن أول ما دخل النقص على بني إسرائيل كان الرجل يلقى الرجل، فيقول؛ يا هذا؛ اتق الله، ودع ما تصنع؛ فإنه لا يحل لك، ثم يلقاه من الغد، فلا يمنعه ذلك من أن يكون أكيله وشريبه وقعيده.
(فضرب الله قلوب بعضهم ببعض) قال القاري في "المرقاة"(8/ 885): أي: خلط قلوب بعضهم ببعض، يقال: ضَرَب اللبنَ بعضَه ببعضٍ؛ أي: خلطه، ذكره الراغب، وقال ابن الملك: الباء للسببية؛ أي: سوَّد الله قَلْبَ مَنْ لَمْ يعص بشُؤْمِ مَنْ عصَي، فصارت قلوبُ جميعِهم قاسيةً بعيدةً عن قبول الحق والخيرِ أو الرحمة بسببِ المعاصي، ومخالطةِ بعضهِم بعضًا. انتهى.
قوله: (قَلْبَ مَنْ لَمْ يعص) ليس على إطلاقه؛ لأن مؤاكلتهم ومشاربتهم من غير إكراه وإلجاء بعد انتهائهم عن معاصيهم .. معصيةٌ ظاهرةٌ؛ لأن مقتضَى البُغْضِ في الله أن يَبْعدُوا عنهم، ويُهاجِرُوهم ويُقاطِعُوهم ولم يُواصِلُوهم.
(ونزل فيهم القرآن فقال: {لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَى لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ
…
}) (1).
وقال السندي: قوله: (فضربَ اللهُ) أي: جَعلَ قلوبَ الذين تركوا النَّهْيَ والإنكارَ مِثْلَ قلوبِ من ارتكبوا المُنْكَر (على لسان داوود) بأَنْ دعا عليهم فمُسِخوا قردة؛ وهم أصحاب أَيْلَةَ (وعيسى ابن مريم) بأن دعا عليهم فمُسخوا
(1) سورة المائدة: (78).
حَتَّى بَلَغَ {وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ} قَالَ: وَكَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُتَّكِئًا فَجَلَسَ وَقَالَ: "لَا، حَتَّى تَأْخُذُوا عَلَى يَدَيِ الظَّالِمِ فَتَأْطِرُوهُ عَلَى الْحَقِّ أَطْرًا".
===
خنازير؛ وهم أصحابُ المائدة (حتى بلغ) القرآن ({وَلَوْ كَانُوا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالنَّبِيِّ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مَا اتَّخَذُوهُمْ أَوْلِيَاءَ وَلَكِنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ فَاسِقُونَ})(1).
قال أبو عبيدة: (قال) ابن مسعود: (وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم أوَّلَا (متكئًا) على أحَدِ شِقَّيهِ أو مستندًا إلى ظَهْرهِ قَبْلَ ذلك (فجلس) مستويًا؛ للاهتمام بإتمامِ الكلامِ (وقال) رسول الله صلى الله عليه وسلم: (لا) أَيْ: لا تُعْذَرُونَ، أو لا تَنْجُون من العذابِ أنتم أيُّها الأمةُ خَلْفَ تِلكَ هلاك الأمةِ (حتى تأخذوا على يدي الظالم فتأْطِرُوه) أي: تُرجِعُوه وتَردُّوه (على الحقّ أطرًا) أي: رَدًّا، فتَصرِفُوه عن ظلمه إلى الحق.
قال الخطابي: أَي: لتَرُدُّنَّه عن الجَور، وأصلُ الأطر: العَطفُ، أو الثَّنْيُ، وقال في "النهاية": وتَأطِرون على الحقِّ أطرًا: تعطِفُوه عليه. انتهى من "العون".
وفي روايةِ الترمذي: (فقال: لا والَّذِي نفسي بيده حتى تَأْطِرُوهم) من باب ضَرَبَ (أَطْرًا) أي: لا تُعْذَرُون، أو لا تَنْجُون من العذاب أنتم أيُّها الأمة خَلْفَ هلاكِ تلك الأمة (والذي نفسي بيده حتى تأطروهم) بهمزةٍ ساكنة أو يُبدَلُ وبِكَسْر الطاء (أطرًا) - بفتح الهمزة - مفعول مطلق للتأكيد؛ أي: حتى تمنعوا أمثالهم من أهل المعصية.
قال في "المجمع": أي: لا تنجون من العذاب حتى تُمِيلُوهم من جانب إلى
(1) سورة المائدة: (81).
(40)
- 3950 - (م) حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ، حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُودَ
===
جانب من أَطَرْتُ القوسَ آطِرُها - بكسر الطاء - أطرًا - بسكونها - إِذا حَنَيْتها؛ أي: حتى تمنعوهم من الظلمِ وتُميلوهم من الباطل إلى الحق.
وقال الطيبي: (حتى) متعلقة بـ (لا) كان قائلًا قال له عند ذكر مظالم بني إسرائيل: هل يعذر في تخلية الظالمين وشأنَهم؛ فقال: لا، حتى تأطروهم وتأخذوا على أيديهم.
والمعنى: لا تعذرون حتى تجبروا الظالم على الإذعان للحق، وإعطاء النَّصفةِ للمظلوم.
واليمين معترضة بين (لا) و (حتى) وليست (لا) هذه بتلك التي يجيء بها المُقْسِم تأكيدًا لقسمه. انتهي، انتهى من "تحفة الأحوذي".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، والترمذي في كتاب التفسير، باب ومن سورة المائدة، وقال أبو عيسى: هذا حسن غريب، وقد روي هذا الحديث عن محمد بن مسلم بن أبي الوضَّاح وعليِّ بن بَذِيمةَ عن أبي عبيدة عن عبد الله بن مسعود عن الثبي صلى الله عليه وسلم.
وبعضُهم يقول: عن أبي عبيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مرسلًا.
ودرجته: أنه ضعيف؛ لأنه مرسل منقطع وإن كان رجاله ثقات؛ لأن أبا عبيدة لَمْ يسمع من أبيه، فدرجته: أنه منقطع ضعيف (5)(404)، وغرضه: الاستئناس به للترجمة.
* * *
ثم ذكر المؤلف المتابعة في حديث أبي عبيدة بن عبد الله رحمه الله تعالى، فقال:
(40)
- 3950 - (م)(حدثنا محمد بن بشار، حدثنا أبو داوود) الطيالسي
أَمْلَاهُ عَلَيَّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَبِي الْوَضَّاح، عَنْ عَلِيِّ بْنِ بَذِيمَةَ، عَنْ أَبِي عُبَيْدَةَ، عَنْ عَبْدِ الله، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم بِمِثْلِهِ.
===
سليمان بن داوود بن الجارود البصري، ثقةٌ حافظ غَلِطَ في أحاديث، من التاسعة، مات سنة أربع ومئتين (204 هـ). يروي عنه:(م عم)، قال محمد بن بشار:(أَمْلَاه) أي: أملى هذا الحديث أبو داوود (عليَّ) والإملاءُ: حكايةُ القول لمن يكتبه.
قال أبو داوود في إملائه عليَّ: (حدثنا محمد) بن مسلم (بن أبي الوضاح) المثنى القُضاعيُّ، وقد ينسب إلى جدِّه، الجزريُّ، نزيلُ بغداد، أبو سعيد المؤدب، مشهور بكنيته، صدوق يَهِمُ، من الثامنة، وثَّقه ابن معين وأبو داوود والنسائي والعجلي، وذكره ابن حبان في "الثقات"، مات بعد الثمانين ومئة. يروي عنه:(م عم).
(عن علي بن بَذِيمة، عن أبي عبيدة، عن عبد الله) بن مسعود رضي الله تعالى عنه، (عن النبي صلى الله عليه وسلم وبعضُهم يقول: عن أبي عبيدة عن النبي صلى الله عليه وسلم مُرسِلًا.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات، ولكنه ضعيف بالنظر إلى انقطاعه؛ لأن أبا عبيدة لَمْ يسمع من أبيه شيئًا، فدرجته: أنه منقطع ضعيف (5)(404)(م)؛ كما في أصله، وغرضه: بيان متابعة محمد بن أبي الوضاح لسفيان الثوري.
وساق محمد بن أبي الوضأح (بمثله) أي: بمثل حديث سفيان الثوري، والله أعلم.
* * *
ثم استشهد المؤلف ثانيًا لحديث عائشة بحديث أبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(41)
- 3951 - (4) حَدَّثَنَا عِمْرَانُ بْنُ مُوسَى، أَنْبَأَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدِ بْنِ جُدْعَانَ، عَنْ أَبِي نَضْرَةَ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَامَ خَطِيبًا فَكَانَ فِيمَا قَالَ:"أَلَا لَا يَمْنَعَنَّ رَجُلًا هَيْبَةُ النَّاسِ أَنْ يَقُولَ بِحَقٍّ إِذَا عَلِمَهُ"،
===
(41)
- 3951 - (4)(حدثنا عمران بن موسى) القزاز الليثي أبو عمرو البصري، صدوق، من العاشرة، مات بعد الأربعين ومئتين. يروي عنه:(ت س ق).
(أنبأنا حماد بن زيد) بن درهم الأزدي البصري، ثقةٌ، من الثامنة، مات سنة تسع وسبعين ومئة (179 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا علي بن زيد ابن جدعان) التيمي البصري، ضعيف، من الرابعة.
يروي عنه: (م عم)، وقال يعقوب بن شيبة: ثقةٌ صالح الحديث، وقال الساجي: كان من أهل الصدق، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ)، وقيل قبلها.
(عن أبي نضرة) المنذر بن مالك بن قطعة العبدي العَوَقي البصري، مشهور بكنيته، ثقةٌ، من الثالثة، مات سنة ثمان أو تسع ومئة (109 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه علي بن زيد، وهو مختلف فيه؛ لأنه صدوق عند الترمذي، ضعيف عند غيره.
(أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قام) فينا، حالة كونه (خطيبًا) أي: واعظًا (فكان فيما قال) في ذلك اليوم: (ألا) أي: انتبهوا واستمعوا ما أقول (لا يمنعن رجلًا) منكم (هيبة الناس) أي: عظمتهم وشوكتهم ومخافتهم ومهابتهم من (أن يقول بحق) أي: من أن يتكلم بحق أو يأمر به (إذا علمه)
قال: فَبَكَى أَبُو سَعِيدٍ وَقَالَ: قَدْ وَاللهِ رَأَيْنَا أَشْيَاءَ فَهِبْنَا.
====
أي: علم ذلك الحق كونه حقًّا (قال) أبو نضرة: (فبكى أبو سعيد) حسرة على ما وقع منه فيما سبق من تركه الكلام بالحق؛ مخافة الناس (وقال) أبو سعيد بعد بكائه: (قد والله رأينا) أي: عرفنا (أشياء) كانت من الحق (فهبنا) أي: تركنا الكلام فيها هيبةً من الناس؛ من هابه يهابه؛ أي: يخافه؛ والمعنى: منعتنا هيبة الناس أن نتكلم فيها ونأمر بها.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: الترمذي في كتاب الفتن، باب ما جاء في إخبار النبي صلى الله عليه وسلم أصحابه بما هو كائن إلى يوم القيامة، أخرجه مطولًا، قال أبو عيسى: وفي الباب عن حذيفة وأبي مريم وأبي زيد بن أخطب والمغيرة بن شعبة، وذكروا أن النبي صلى الله عليه وسلم حدثهم بما هو كائن إلى أن تقوم الساعة، وهذا حديث حسن صحيح.
ودرجته: أنه حسن؛ لكون سنده حسنًا؛ كما قاله الترمذي، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة، ولكن هذا الحديث صحيح بغيره؛ لأن له شواهد؛ كما بيناه.
وفي هذا الحديث النهي المؤكد عن كتمان الحق؛ خوفًا من الناس، أو طمعًا في المعاش؛ فكل من كتمه مخافة إيذائهم إياه بنوع من أنواع الإيذاء؛ كالضرب والشتم وقطع الرزق، أو مخافة عدم احترامهم إياه، أو نحو ذلك .. فهو داخل في النهي، ومخالف للنبي صلى الله عليه وسلم.
وإذا كان هذا حال من يكتم الحق وهو يعلمه .. فكيف يكون حال من لا يكتفي بذلك، بل يشهد بالباطل على المسلمين الأبرياء، ويتهمهم في عقيدتهم أو دينهم؟ !
(42)
- 3952 - (5) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللهِ بْنُ نُمَيْرٍ وَأَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ عَمْرِو بْنِ مُرَّةَ، عَنْ أَبِي الْبَخْتَرِيّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ
===
ثم استشهد المؤلف ثالثًا لحديث عائشة بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(42)
- 3952 - (5)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا عبد الله بن نمير) الهمداني الكوفي، ثقةٌ ثبتٌ، من التاسعة، مات سنة تسع وتسعين ومئة (199 هـ). يروي عنه:(ع).
(وأبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقةٌ، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (190 هـ). يروي عنه:(ع).
كلاهما (عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الأسدي، ثقةٌ، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن عمرو بن مرّة) بن عبد الله بن طارق الجملي - بفتحتين - المرادي - بضم الميم - أبي عبد الله الكوفي الأعمي، ثقةٌ عابد، من الخامسة، مات سنة ثماني عشرة ومئة (118 هـ)، وقيل قبلها. يروي عنه:(ع).
(عن أبي البختري) - بفتح الموحدة والمثناة بينهما معجمة ساكنة - سعيد بن فيروز بن أبي عمران الطائي مولاهم، ثقةٌ ثبتٌ فيه تشيع قليل، من الثالثة، مات سنة ثلاث وثمانين (83 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي سعيد) الخدري سعد بن مالك الأنصاري رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "لَا يَحْقِرْ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ"، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ؛ كَيْفَ يَحْقِرُ أَحَدُنَا نَفْسَهُ؟ قَالَ: "يَرَى أَمْرًا لِلّهِ عَلَيْهِ فِيهِ مَقَالٌ ثُمَّ لَا يَقُولُ فِيه، فَيَقُولُ اللهُ عز وجل لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ: مَا مَنَعَكَ أَنْ تَقُولَ فِي كَذَا وَكَذَا؟ فَيَقُولُ: خَشْيَةُ النَّاس، فَيَقُولُ: فَإِيَّايَ كُنْتَ أَحَقَّ أَنْ تَخْشَى".
===
(قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يَحْقِر أحدكم) من حقر؛ من باب ضرب؛ إذا أهان الشيء وعده حقيرًا؛ أي: لا يَعُدَّ أحدكم (نفسه) حقيرة عن الأمر بالمعروف أو عن النهي عن المنكر (قالوا) أي: قال الحاضرون عنده صلى الله عليه وسلم: (يا رسول الله؛ كيف يحقر أحدُنا) أي: كيف يستحقر أحدنا (نفسه؟ قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يرى) أحدكم (أمرًا) من ترك المأمورات، أو ارتكاب المنهيات (لله عليه) أي: على ذلك الأحد (فيه) أي: في ذلك الأمر (مقال) أي: قول بالأمر بالمعروف، أو النهي عن المنكر (ثم لا يقول) ذلك الأحد (فيه) أي: في ذلك الأمر شيئًا من الأمر أو النهي.
(فيقول الله عز وجل له) أي: لذلك الأحد الساكت عن أحد الأمرين (يوم القيامة: ما منعك) يا عبدي مِنْ (أن تقول) الأمر بالمعروف (في كذا) أي: في المعروف المتروك (و) أن تقول النهي عن المنكر في (كذا) أي: في المنكر المفعول؟ (فيقول) أحدكم في جواب سؤال الرب جل جلاله: منعني يا رب عن الأمر بالمعروف إذا تُرِكَ، أو عن النهي عن المنكر إذا ارتكب (خشية الناس) أي: خوف مضرة الناس وإذايتهم لي؛ لأني لا طاقة لي في دفع إذايتهم عن نفسي (فيقول) الرب له: فكيف تركت الواجب لي عليك (فإياي كنت أحق أن تخشى) أي: فكيف تركت الواجب لي
(43)
- 3953 - (6) حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، حَدَّثَنَا وَكِيعٌ،
===
عليك؛ لخشية الناس وخوفهم؟ ! فقد كنت أحق وأحرى وأولى بخشيتك إياي دون الناس؛ لأني أنا النافع والضار، فلا طاقة لهم على إذايتك في تبليغ أوامري ونواهي.
وذلك كما إذا ترك الأمير أو الوالي الصلاة الواجبة، أو الخروج لها إلى المساجد بلا عذر، فبلَّغَه وجوبَ الصلاة عليه، أو شرب الخمر أو الدخان عنده، فنهاه عن شربها.
وقوله: (أمرًا لله) جار ومجرور صفة لأمرًا؛ أي: أمرًا كائنًا لله وحكمًا له؛ وهو الأمر بالمعروف أو النهي عن المنكر (عليه) جار ومجرور خبر مقدم (مقال) مبتدأ مؤخر (فيه) متعلق بمقال؛ لأنه مصدر ميصي، والجملة صفة ثانية لـ (أمرًا)؛ أي: كان يرى أمرًا كائنًا لله موصوفًا بكون القول له فيه بالأمر والنهي؛ بأن كان من أولي الأمر والنهي.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به.
* * *
ثم استشهد المؤلف رابعًا لَحديث عائشة بحديث جرير بن عبد الله رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(43)
- 3953 - (6)(حدثنا علي بن محمد) بن إسحاق الطنافسي الكوفي، ثقةٌ عابد، من العاشرة، مات سنة ثلاث، وقيل: خمس وثلاثين ومئتين. يروي عنه: (ق).
(حدثنا وكيع) بن الجراح الرؤاسي الكوفي، ثقةٌ، من التاسعة، مات في آخر سنة ست أو أول سنة سبع وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
عَنْ إِسْرَائِيلَ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ، عَنْ عُبَيْدِ اللهِ بْنِ جَرِيرٍ، عَنْ أَبِيهِ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "مَا مِنْ قَوْمٍ يُعْمَلُ فِيهِمْ بِالْمَعَاصِي هُمْ أَعَزُّ مِنْهُمْ وَأَمْنَعُ لَا يُغَيِّرُونَ .. إِلَّا عَمَّهُمُ اللهُ بِعِقَابٍ".
===
(عن إسرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق الكوفي السبيعي الهمداني أبي يوسف الكوفي، ثقةٌ تكلم فيه بلا حجة، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ) وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
(عن أبي إسحاق) عمرو بن عبد الله بن عبيد الهمداني السبيعي، ثقةٌ مكثر عابد، من الثالثة، اختلط بأخرة، مات سنة تسع وعشرين ومئة (129 هـ)، وقيل قبل ذلك. يروي عنه:(ع).
(عن عبيد الله بن جرير) بن عبد الله البجلي، مقبول، من الثالثة. يروي عنه:(ق)، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن أبيه) جرير بن عبد الله بن جابر البجلي الصحابي المشهور رضي الله عنه، مات سنة إحدى وخمسين، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) جرير: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما من قوم) من المسلمين (يعمل فيهم) بالبناء للمفعول، ونائب فاعله الجار والمجرور في قوله:(بالمعاصي)، و (هم) أي: والحال أن أولئك القوم الذين فعل فيهم المعاصي (أعز) أي: أقوى وأغلب (منهم) أي: من العاملين للمعاصي (وأمنع) أي: أقدر على منع الفاعلين من المعاصي، حالة كونهم (لا يغيرون) تلك المعاصي ولا ينكرونها على الفاعلين .. (إلَّا عمهم) أي: أخذهم (الله) تعالى عمومًا (بعقاب) أي: بعقاب من عنده الفاعلين لها والساكتين عليها؛ لأن سكوتهم على عملها بلا إنكار يدلُّ على رضاهم عملها فيهم.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
والظاهر أن المرأة إذا عملت المعصية في بيت زوجها .. فهي من هذا القبيل؛ لأن الرجال أعز من النساء.
أي: إلَّا عمهم بنوع من العقاب قبل أن يموتوا؛ كما في "أبي داوود" أي: إذا كان الذين لا يعملون المعاصي أكثر من الذين يعملونها، فلم يمنعوهم عنها .. عمهم الله بالعقاب؛ أي: عم المصالح منهم والطالح؛ لأن من لَمْ يعمل، إذا كانوا أكثر ممن يعمل .. كانوا قادرين على تغيير المنكر غالبًا، فتركهم له رضًا به.
وهذا الباب؛ أعني: (باب الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر) .. قد ضُيِّعَ أكثره في أزمان متطاولة، ولم يبق منه في هذه الأزمان إلَّا رسومٌ قليلةٌ جدًّا، وهو باب عظيم، به قوام الأمر وملاكه، وإذا كثر الخبث .. عم العقابُ الصالحَ والطالحَ، فينبغي لطالب الآخرة والساعي في تحصيل رضا الله تعالى أن يعتني بهذا الباب؛ فإن نفعه عظيم، لا سيما وقد ذهب معظمه، ويخلص نيته، ولا يهاب من ينكر عليه؛ لارتفاع مرتبته عند الله تعالى؛ فإن الله تعالى قال:{وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ} (1).
قال: ولا يتاركه أيضًا؛ لصداقته ومودته ومداهنته وطلب الوجاهة عنده ودوام المنزلة لديه؛ فإن صداقته ومودته توجب له حرمةً وحقًّا، ومن حقه أن ينصحه ويهديه إلى مصالح آخرته، وينقذه من مضارها، وصديق الإنسان ومحبه: هو من يسعى في عمارة آخرته، وإدأ أدى ذلك إلى نقصٍ في دنياه، وعدوه: من سعى في ذهاب دينه، أو نقص آخرته، وإن حصل بسبب ذلك صورةُ نفعٍ في دنياه. انتهى ملخصًا من "النووي".
(1) سورة الحج: (40).
(44)
- 3954 - (7) حَدَّثَنَا سُوَيْدُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ، عَنْ عَبْدِ اللهِ بْنِ عُثْمَانَ بْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْر،
===
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة.
* * *
ثم استشهد المؤلف خامسًا لحديث عائشة بحديث جابر بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهم، فقال:
(44)
- 3954 - (7)(حدثنا سويد بن سعيد) بن سهل الهروي الأصل ثم الحدثاني، صدوق في نفسه إلَّا أنه عمي فصار يتلقن ما ليس من حديثه، من قدماء العاشرة، مات سنة أربعين ومئتين (240 هـ). يروي عنه:(م ق).
(حدثنا يحيى بن سليم) - مصغرًا - الطائفي، نزيل مكة، صدوق سيئ الحفظ، من التاسعة، مات سنة ثلاث وتسعين ومئة (193 هـ)، أو بعدها.
يروي عنه: (ع). يروي عنه: سويد بن سعيد. ويروي عن: ابن خثيم، قال الدوري عن ابن معين: ثقةٌ، وقال ابن سعد: ثقةٌ كثير الحديث، قال النسائي: ليس به بأس، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن عبد الله بن عثمان بن خثيم) - مصغرًا - القارئ المكي، أَبِي عثمان حليف بني زهرة، صدوق، من الخامسة، مات سنة اثنتين وثلاثين ومئة (132 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي الزبير) المكي الأسدي مولاهم محمد بن مسلم بن تدرس، صدوق، من الرابعة، مات سنة ست وعشرين ومئة (126 هـ). يروي عنه:(ع).
عَنْ جَابِرٍ قَالَ: لَمَّا رَجَعَتْ إِلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُهَاجِرَةُ الْبَحْرِ .. قَالَ: "أَلَا تُحَدِّثُونِي بِأَعَاجِيبِ مَا رَأَيْتُمْ بِأَرْضِ الْحَبَشَةِ؟ "، قَالَ فِتْيَةٌ مِنْهُمْ: بَلَى يَا رَسُولَ الله، بَيْنَا نَحْنُ جُلُوسٌ مَرَّتْ بِنَا عَجُوزٌ مِنْ عَجَائِزِ رَهَابِينِهِمْ تَحْمِلُ عَلَى رَأْسِهَا قُلَّةً مِنْ مَاءٍ، فَمَرَّتْ
====
(عن جابر) بن عبد الله الأنصاري رضي الله تعالى عنهما.
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
(قال) جابر: (لما رَجَعَتْ إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم مهاجرة البحر) الحبشي؛ يعني: رجعوا من الحبشة إلى المدينة.
قوله: (مهاجرة البحر) فاعلُ (رجعَتْ)، والمراد بـ:(البحر): البحر الأحمر، والمهاجرة - بكسر الجيم جمع مهاجر - أي: لما رجعت الجماعة المهاجرون إلى الحبشة في طريق البحر إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في المدينة .. (قال) لهم رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ألا تحدثوني) وتخبروني (بأعاجيب ما رأيتم بأرض الحبشة؟ ) والأعاجيب جمع أعجوبة؛ كاضاحيك جمع أضحوكة؛ أي: ألا تخبروني أيها المهاجرون إلى الحبشة بأعجب ما رأيتم من أعاجيب الحبشة؟
(قال فِتية): جمعُ فَتًى؛ وهو الرجل الشاب؛ كصبية جمع صبي؛ أي: قالت جماعة شَبَبةٌ (منهم) أي: من المهاجرين إلى الحبشة: (بلى) نخبرك بها (يا رسول الله) منها: أنه (بينا نحن جلوس) في مجالس أرض الحبشة (مرَّتْ بنا) أي: علينا (عجوز) أي: امرأة كبيرةُ السن (من عجائز رَهَابِينِهم) جمع عجوزة؛ والرهابينُ جمع رهبان؛ وهم عُبَّاد النصاري، حالة كونها (تحمل على رأسها قُلَّةً) - بضم القاف وتشديد اللام - أي: قِربة مملوءة (من ماء) والقلة: ما يسع نصفَ خمس مئة رطل (فمرت) تلك العجوزة الحاملة لِلقُلَّة
بِفَتىً مِنْهُمْ فَجَعَلَ إِحْدَى يَدَيْهِ بَيْنَ كَتِفَيْهَا ثُمَّ دَفَعَهَا، فَخَرَّتْ عَلَى رُكْبَتَيْهَا فَانْكَسَرَتْ قُلَّتُهَا، فَلَمَّا ارْتَفَعَتِ .. الْتَفَتَتْ إِلَيْهِ فَقَالَتْ: سَوْفَ تَعْلَمُ يَا غُدَرُ إِذَا وَضَعَ اللهُ الْكُرْسِيَّ وَجَمَعَ الْأَوَّلِينَ وَالآخِرِينَ، وَتَكَلَّمَتِ الْأَيْدِي وَالْأَرْجُلُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ، فَسَوْفَ تَعْلَمُ كَيْفَ أَمْرِي وَأَمْرُكَ عِنْدَهُ غَدًا،
===
(بفتىً منهم) أي: على رجل شاب منهم، أي: من الحبشة (فجعل) ذلك الفتى (إحدى يديه بين كتفيها) تثنية كتف؛ وهما عظمان ناتئان بين الظهر والعنق (ثم دفعها) أي: كبَّها ورماها على وجهها (فخرت) أي: سقطت (على ركبتيها) أي: على وجهها وقدامها (فانكسرت) أي: تكسرت (قلتها) أي: جرتها المملوءة ماءً.
(فلما ارتفعت) تلك العجوز من مَسْقَطِها وقامت .. (التفتت إليه) أي: إلى ذلك الفتى الذي كبها على الأرض (فقالت) للفتى: (سوف تعلم) وترى جزاء ظُلامتي هذه (يا غدر) أي: يا لئيم - بضم المعجمة وفتح المهملة على وزن عمر - معدول من غادر، والأنثى غَدَارِ - بالبناء على الكسر - كفطام وحذام، وأكثر ما يستعمل في النداء بالشتم؛ واللئيم عندهم: دنيء النسب، خسيس الحسب.
أي: فسوف ترى جزاء عملك هذا (إذا وضع الله) عز وجل (الكرسي) أي: كرسيه في عرصات القيامة، وهو كناية عن تجليه لهم (وجمع الأولين والآخرين) من عباده للمجازاة فيما بينهم من الحقوق (وتكلمت الأيدي والأرجل) منهم؛ لتشهد عليهم (بما كانوا يكسبون) ويعملون في الدنيا (فسوف تعلم) يا لئيم (كيف أمري وأمرك) أي: كيف يكون القضاء الفاصل (عنده) تعالى (غدًا) أي: في يوم القيامة، فيما وقع بيني وبينك من أمري وأمرك.
قَالَ: يَقُولُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "صَدَقَتْ صَدَقَتْ؛ كَيْفَ يُقَدِّسُ اللهُ أُمَّةً لَا يُؤْخَذُ لِضَعِيفِهِمْ مِنْ شَدِيدِهِمْ؟ ! ".
===
(قال) جابر: كان (يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سمع هذه القصة: (صدقت) العجوزة فيما قالت، وقوله ثانيًا:(صدقت) توكيد لفظي للمرة الأولى.
(كيف يقدس الله) عز وجل (أمة) من الأمم، ولفظة:(لا) مؤخرة عن محلها؛ أي: كيف لا يقدس الله أمة من الأمم، بل يطهرهم من الظلامة الواقعة بينهم، بل (يؤخذ) ويستوفى حقوق (لضعيفهم من شديدهم؟ ! ) أي: من قويهم، وهو تعالى أحكم الحاكمين، وأعدل الفاصلين بينهم، ويحتمل كون جملة:(لا يؤخذ لضعيفهم من شديدهم) صفة لـ (أمة) لأن الجمل بعد النكرات تكون صفة، وهو أوضح.
قوله: (من عجائز رهابينهم) قال في "النهاية": الرهبان: جمع راهب، وقد يقع على الواحد، ويجمع ثانيًا على رهابين؛ والرهبانية: نسبة إلى الرهبنة، ومنه:"لا رهبانية في الإسلام" كان النصارى يترهبون بالتخلي من أشغال الدنيا وترك ملاذها، والعزلة عن أهلها، وتعمد مشاقها؛ فمنهم: من يخصي نفسه ويضع السلسلة في عنقه، وغير ذلك من أنواع التعذيب، فنفاها عن الإسلام.
ومنه: "عليكم بالجهاد؛ فإنه رهبانية أمتي" يريد: أن الرهبان وإن تركوا الدنيا .. فلا ترك أكثر من بذل النفس، وكما أنه لا أفضل من الترهب عندهم .. ففي الإسلام لا أفضل من الجهاد، كذا في "إنجاح الحاجة".
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ولكنه أخرجه ابن حبان في "صحيحه" في كتاب البعث، باب ما جاء في الحساب.
(45)
- 3955 - (8) حَدَّثَنَا الْقَاسِمُ بْنُ زَكَرِيَّا بْنِ دِينَارٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مُصْعَبٍ ح وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبَادَةَ الْوَاسِطِيُّ، حَدَّثَنَا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ قَالَا: حَدَّثَنَا إِسْرَائِيلُ،
===
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة.
ثم استشهد المؤلف سادسًا لحديث عائشة بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(45)
- 3955 - (8)(حدثنا القاسم بن زكريا بن دينار) القرشي أبو محمد الكوفي الطحان، وربما نسب إلى جده، قال الحافظ: ثقةٌ، من الحادية عشرة، مات في حدود الخمسين ومئتين (250 هـ). يروي عنه:(م، س ق).
(حدثنا عبد الرحمن بن مصعب) بن يزيد الأزدي ثم المَعنِيُّ - بفتح الميم وسكون المهملة وكسر النون ثم ياء النسب - أبو يزيد القطان الكوفي نزيل الري، مقبول، من التاسعة، وقال ابن سعد: عابد ناسك عنده أحاديث، وقال ابن القطان: مجهول الحال. يروي عنه: (ت ق).
(ح وحدثنا محمدُ بن عَبَادة) بفتح العين والموحدة المخففة (الواسطي) صدوق فاضل، من الحادية عشرة. يروي عنه:(خ د ق).
(حدثنا يزيد بن هارون) بن زاذان السلمي مولاهم أبو خالد الواسطي، ثقةٌ، متقن عابد، من التاسعة، مات سنة ست ومئتين (206 هـ). يروي عنه:(ع).
(قالا: حدثنا سرائيل) بن يونس بن أبي إسحاق السبيعي الكوفي، ثقةٌ، من السابعة، مات سنة ستين ومئة (160 هـ)، وقيل بعدها. يروي عنه:(ع).
أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ جُحَادَةَ، عَنْ عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: "أَفْضَلُ الْجِهَادِ كَلِمَةُ عَدْلٍ عِنْدَ سُلْطَانٍ جَائِرٍ".
===
(أخبرنا محمد بن جحادة) - بضم الجيم وتخفيف المهملة - ثقةٌ، من الخامسة، مات سنة إحدى وثلاثين ومئة (131 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن عطية) بن سعد بن جنادة - بضم الجيم بعدها نون خفيفة - (العوفي) - بفتح المهملة وسكون الواو - الجدلي - بفتحتين - الكوفي أبي الحسن، صدوق يخطئ كثيرًا، من الثالثة، مات سنة إحدى عشرة ومئة (111 هـ). يروي عنه:(د ت ق).
(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.
وهذان السندان من سداسياته، وحكمهما: الصحة؛ ولا يقدح فيه عبد الرَّحمن بن مصعب؛ لأنه ذكره على سبيل المقارنة بيزيد بن هارون.
(قال) أبو سعيد: (قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أفضل الجهاد كلمة عدل) وحق واقعة (عند سلطان جائر) أي: ظالم يُخاف من شره وإذايته، قال المظهر: وإنما كان أفضل جهاد؛ لأن ظلم السلطان يسري في جميع من تحت سياسته، وفي جم غفير، فإذا نهاه عن الظلم .. فقد أوصل النفع إلى خلق كثير، بخلاف قتل كافر، كذا في "المرقاة"(7/ 282).
قوله: "كلمة عدل" والمراد بالكلمة: ما أفاد أمرًا بمعروف أو نهيًا عن منكر من لفظ وما في معناه؛ ككتابة ونحوها.
"عند سلطان جائر" أي: ظالم، إنما صار ذلك أفضل الجهاد؛ لأن من جاهد العدو .. كان مترددًا بين رجاء وخوف، لا يدري هل يغلب أو يغلب،
(46)
- 3956 - (9) حَدَّثَنَا رَاشِدُ بْنُ سَعِيدٍ الرَّمْلِيُّ،
===
وصاحب السلطان مقهور في يده، فهو إذا قال الحق وأمره بالمعروف .. فقد تعرض للتلف وأهدف نفسه للهلاك، فصار ذلك أفضل أنواع الجهاد؛ من أجل غلبة الخوف، قاله الخطابي وغيره، كذا في "العون"(11/ 500).
قوله أيضًا: "أفضل الجهاد" قيل: إنما كان أفضل الجهاد؛ لأن من جاهد العدو .. فهو متردد بين رجاء وخوف، وبين أن يكون الغلبة له أو للعدو، وها هنا الغالب الهلاك والتلف وغضب السلطان، فصار أفضل الجهاد.
وأيضًا الغالب أن الناس مشفقون على تخطئته وتوبيخه، وقل من يساعده على ذلك، بخلاف القتال من الكفرة. انتهى "س".
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: أبو داوود في كتاب الملاحم، باب الأمر والنهي، والترمذي في كتاب الفتن، باب أفضل الجهاد كلمة عدل عند سلطان جائر، قال أبو عيسى: وفي الباب عن أبي أمامة، وقال: هذا حديث حسن غريب.
ودرجته: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة.
* * *
ثم استشهد المؤلف سابعًا لحديث عائشة بحديث أبي أمامة رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(46)
- 3956 - (9)(حدثنا راشد بن سعيد) بن راشد القرشي أبو بكر (الرملي) صدوق، من العاشرة، مات سنة ثلاث وأربعين ومئتين (243 هـ). يروي عنه:(ق)، قولنا -:(الرملي) قال في "المغني" - بفتح الراء وسكون الميم وبلام - نسبة إلى الرملة؛ مدينة من فلسطين. انتهى.
حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، عَنْ أَبِي غَالِبٍ، عَنْ أَبِي أُمَامَةَ قَالَ: عَرَضَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ عِنْدَ الْجَمْرَةِ الْأُولَى
===
(حدثنا الوليد بن مسلم) القرشي مولاهم الدمشقي، كثير التدليس والتسوية، ثقةٌ، من الثامنة، مات آخر سنة أربع أو أول سنة خمس وتسعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(حدثنا حماد بن سلمة) بن دينار البصري ثقةٌ عابد أثبت الناس في ثابت وتغير حفظه في الآخر، من كبار الثامنة، مات سنة سبع وستين ومئة (167 هـ). يروي عنه:(م عم).
(عن أبي غالب) قيل: اسمه حزور، وقيل: سعيد بن الحزور، وقيل: نافع، صدوق يخطئ صاحب أبي أمامة الباهلي، بصري نزل أصبهان، قال ابن عدي: ولم أر في حديثه منكرًا وأرجو أن لا بأس به، وحسن الترمذي بعض أحاديثه وصحح بعضها، وقال ابن معين: صالح الحديث، قال ابن حبان: لا يجوز الاحتجاج به إلَّا فيما وافق الثقات، وقال ابن سعد: كان ضعيفًا، وقال الدارقطني: أبو غالب حزور بصري يعتبر به، ووثقه موسى بن هارون، فهو مختلف فيه، من الخامسة. يروي عنه:(عم).
(عن أبي أمامة) صدي بن عجلان الباهلي الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه، سكن الشام، ومات بها سنة ست وثمانين (86 هـ). يروي عنه:(ع).
وهذا السند من خماسياته، وحكمه: الحسن؛ لأن فيه أبا غالب البصري، وهو مختلف فيه.
(قال) أبو أمامة: (عرض لرسول الله صلى الله عليه وسلم رجل) أي: جاء معترضًا بين يديه، ولم أر من ذكر اسم هذا الرجل (عند الجمرة الأولى) وهي
فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ أَيُّ الْجِهَادِ أَفْضَلُ؟ فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى الْجَمْرَةَ الثانِيَةَ .. سَأَلَهُ فَسَكَتَ عَنْهُ، فَلَمَّا رَمَى جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ .. وَضَعَ رِجْلَهُ فِي الْغَرْزِ لِيَرْكَبَ قَالَ:"أَيْنَ السَّائِلُ؟ "، قَالَ: أَنَا يَا رَسُولَ الله، قَالَ:"كَلِمَةُ حَقٍّ عِنْدَ ذِي سُلْطَانٍ جَائِرٍ".
===
التي تلي مسجد الخيف، سميت الأولى؛ لأنَّها ترمى أولًا في الأيام التشريق الثلاثة (فقال) الرجل السائل:(يا رسول الله؛ أي): أنواع (الجهاد أفضل؟ ) أي: أكثر أجرًا عند الله تعالى وأكثر نفعًا عند المسلمين (فسكت) رسول الله صلى الله عليه وسلم (عنه) أي: عن جواب سؤال الرجل؛ انتظارًا للوحي.
(فلما رمى) النبي صلى الله عليه وسلم (الجمرة الثانية) وهي الوسطى .. (سأله) أي: سأل الرجل النبي صلى الله عليه وسلم (فسكت) النبي صلى الله عليه وسلم (عنه) أي: عن جواب سؤاله (فلما رمى) النبي صلى الله عليه وسلم (جمرة العقبة) وهي التي تلي مكة .. (وضع) النبي صلى الله عليه وسلم (رجله) أي: قدم رجله اليمنى (في الغرز) أي: في الركاب (ليركب) فـ (قال) صلى الله عليه وسلم لمن عنده: (أين السائل) لي عن أفضل الجهاد آنفًا؟ (قال) الرجل للنبي صلى الله عليه وسلم: (أنا) السائل لك (يا رسول الله) صلى الله عليه وسلم، (قال) النبي صلى الله عليه وسلم في جواب سؤاله: أفضل الجهاد (كلمة حق) وعدل وصدق (عند ذي سلطان) أي: عند صاحب سلطة (جائر) أي: ظالم.
وهذا الحديث انفرد به ابن ماجة، ودرجته: أنه صحيح بما قبله من حديث أبي سعيد، وإن كان سنده حسنًا؛ لما تقدم آنفًا، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة.
* * *
(47)
- 3957 - (10) حَدَّثَنَا أَبُو كُرَيْبٍ، حَدَّثَنَا أَبُو مُعَاوِيَةَ، عَنِ الْأَعْمَش، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ رَجَاءٍ، عَنْ أَبِيه، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيّ، وَعَنْ قَيْسِ بْنِ مُسْلِمٍ،
===
ثم استشهد المؤلف ثامنًا لحديث عائشة بحديث آخر لأبي سعيد الخدري رضي الله تعالى عنهما، فقال:
(47)
- 3957 - (10)(حدثنا أبو كريب) محمد بن العلاء الهمداني الكوفي، ثقةٌ، من العاشرة، مات سنة سبع وأربعين ومئتين (247 هـ). يروي عنه:(ع).
(حدثنا أبو معاوية) محمد بن خازم الضرير التميمي الكوفي، ثقةٌ ثبتٌ، من التاسعة، مات سنة خمس وتسعين ومئة (190 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن الأعمش) سليمان بن مهران الكاهلي الكوفي، ثقةٌ قارئ، من الخامسة، مات سنة سبع أو ثمان وأربعين ومئة. يروي عنه:(ع).
(عن إسماعيل بن رجاء) بن ربيعة الزبيدي - بضم الزاي - أبي إسحاق الكوفي، ثقةٌ تكلم فيه الأزدي بلا حجة، من الخامسة. يروي عنه:(م عم).
(عن أبيه) رجاء بن ربيعة الزبيدي - بضم الزاي - أبي إسماعيل الكوفي، صدوق، من الثالثة. يروي عنه:(م د س ق).
(عن أبي سعيد الخدري) سعد بن مالك الأنصاري المدني الصحابي المشهور رضي الله تعالى عنه. يروي عنه: (ع).
وهذا السند من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات أثبات.
وقوله: (وعن قيس بن مسلم) معطوف على إسماعيل بن رجاء؛ أي: روى الأعمش عن قيس بن مسلم الجدلي العدواني أبي عمرو الكوفي؛ من قيس عيلان - بالمهملة - روى عن طارق بن شهاب، ويروي عنه: الأعمش، ثقةٌ
عَنْ طَارِقِ بْنِ شِهَابٍ، عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: أَخْرَجَ مَرْوَانُ الْمِنْبَرَ فِي يَوْمِ عِيدٍ فَبَدَأَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاة،
===
رمي بالإرجاء، من السادسة، مات سنة عشرين ومئة (120 هـ). يروي عنه:(ع). وقال أحمد: ثقةٌ في الحديث، وقال أبو حاتم والنسائي: وكان ثقةٌ يرى الإرجاء، وذكره ابن حبان في "الثقات".
(عن طارق بن شهاب) بن عبد شمس البجلي الأحمسي أبي عبد الله الكوفي، قال أبو داوود: رأى النبي صلى الله عليه وسلم ولم يسمع منه، مات سنة اثنتين أو ثلاث وثمانين (83 هـ). يروي عنه:(ع).
(عن أبي سعيد الخدري) رضي الله تعالى عنه.
وهذا السند أيضًا من سداسياته، وحكمه: الصحة؛ لأن رجاله ثقات.
(قال) أبو سعيد: (أخرج مروان) بن الحكم بن أبي العاص بن أمية أبو عبد الملك الأموي المدني، ولي الخلافة في آخر سنة أربع وستين (64 هـ) ومات سنة خمس وستين (65 هـ) في رمضان، وله ثلاث أو إحدى وستون سنة (63) لا تثبت له صحبة، بل ثقةٌ، من الثانية، قال عروة بن الزبير: مروان لا يتهم في الحديث. يروي عنه: (خ عم) أي: أخرج مروان وهو أمير المدينة وقتئذ (المنبر) إلى مصلى العيد؛ ليخطب عليه، وهذا يدلُّ على أن مروان أول من فعل ذلك، ووقع في "المدونة" لمالك ورواه عمر بن شبة عن أبي غسان عنه قال: أول من خطب الناس في المصلى على المنبر عثمان بن عفان.
قال الحافظ: يحتمل أن يكون عثمان فعل ذلك مرةً، ثم تركه حتى أعاده مروان. انتهى من "العون".
أي: أخرج مروان المنبر إلى المصلى؛ أي: مصلى العيد (في يوم عيد) أي: يوم عيد فطر (فبدأ) مروان (بالخطبة قبل الصلاة) أي: قبل صلاة العيد، وقد
فَقَالَ رَجُلٌ: يَا مَرْوَانُ؛ خَالَفْتَ السُّنَّةَ، أَخْرَجْتَ
===
اعتذر مروان عن فعله ذلك لما قال له أبو سعيد الخدري: (غيرتم السنة والله) كما في "البخاري" بقوله: (إن الناس لَمْ يكونوا يجلسون لنا بعد الصلاة، فجعلتها قبل الصلاة).
قال في "الفتح": وهذا يشعر بأن مروان فعل ذلك باجتهاد منه، وقال في موضع آخر: لكن قيل: إنهم كانوا في زمن مروان يتعمدون ترك سماع الخطبة" لما فيها من سب من لا يستحق السب، والإفراط في مدح بعض الناس، فعلى هذا، إنما راعى مصلحة نفسه.
فقام رجل من الحاضرين إلى مروان؛ ليزجره عن الخطبة قبل الصلاة، وفي "مبهمات مسلم": أن ذلك الرجل عمارة بن رويبة.
وقال في "الفتح": يحتمل أن يكون هو أبا مسعود؛ كما في رواية عبد الرزاق، وفي "البخاري ومسلم": أن أبا مسعود أنكر على مروان أيضًا، فيمكن أن يكون الإنكار من أبي سعيد وقع في أول الأمر، ثم تعقبه الإنكار من الرجل المذكور، ويؤيد ذلك ما عند البخاري ومسلم في حديث أبي سعيد بلفظ:(فإذا مروان يريد أن يرتقيه - يعني: المنبر - قبل أن يصلي، فجبذت بثوبه، فجبذني، فارتفع فخطب، فقلت له: غيرتم والله، فقال: يا أبا سعيد؛ قد ذهب ما تعلم، فقلت: ما أعلم - والله - خيرٌ مما لا أعلم).
وفي "مسلم": (فإذا مروان ينازعني يده، كأنه يجرني نحو المنبر، وأنا أجره نحو الصلاة، فلما رأيت منه .. قلت: أين الابتداء بالصلاة؟ فقال: لا نبدأ بالصلاة يا أبا سعيد، قد ترك ما تعلم، فقلت: كلا والذي نفسي بيده؛ لا تأتون بخير مما أعلم، ثلاث مرات، ثم انصرف).
(فقال رجل) لمروان: (يا مروان؛ خالفت السنة) الشرعية حين (أخرجت
الْمِنْبَرَ فِي هَذَا الْيَوْمِ وَلَمْ يَكُنْ يُخْرَجُ، وَبَدَأْتَ بِالْخُطْبَةِ قَبْلَ الصَّلَاةِ وَلَمْ يَكُنْ يُبْدَأُ بِهَا، فَقَالَ أَبُو سَعِيدٍ: أنها هَذَا .. فَقَدْ قَضَى مَا عَلَيْه، سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ:"مَنْ رَأَى مِنْكُمْ مُنْكَرًا فَاسْتَطَاعَ أَنْ يُغَيِّرَهُ بِيَدِهِ .. فَلْيُغَيِّرْهُ بِيَدِه، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. فَبِلِسَانِه، فَإِنْ لَمْ يَسْتَطِعْ .. فَبِقَلْبِه، وَذَلِكَ أَضْعَفُ الْإِيمَانِ".
===
المنبر) إلى المصلى (في هذا اليوم) يعني: يوم العيد (ولم يكن) المنبر (يخرج) به في هذا اليوم إلى المصلى (و) قد خالفت السنة الشرعية أيضًا، حين (بدأت بالخطبة قبل الصلاة، ولم يكن) الشأن (يبدأ بها) أي: بالخطبة قبل الصلاة.
(فقال أبو سعيد) لمن عنده: (أما هذا) الرجل المنكر على مروان ما فعله من مخالفة السنة .. (فقد قضى) وأدى وفعل (ما) يجب (عليه) من الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر؛ فإني (سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: من رأى منكم منكرًا) في الشرع (فاستطاع) أي: فقدر (أن يغيره) أي: أن يغير ذلك المنكر ويزيله (بيده .. فليغيره) أي: فليزله (بيده، فإن لَمْ يستطع) أن يزيله بيده .. (فـ) لينكره (بلسانه، فإن لَمْ يستطع) أن ينكره بلسانه .. (فـ) ينكره (بقلبه، وذلك) أي: أبي نكار بقلبه والكراهية (أضعف الإيمان) أي: أقلّ درجات إنكار المنكر من أهل الإيمان الذين يجب عليهم إنكار المنكر.
وشارك المؤلف في رواية هذا الحديث: مسلم في كتاب الإيمان، باب كون النهي عن المنكر من الإيمان، وأبو داوود في كتاب الصلاة، باب خطبة يوم العيد، والنسائي في كتاب الإيمان، باب تفاضل أهل الإيمان.
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
ودرجة هذا الحديث: أنه صحيح؛ لصحة سنده وللمشاركة فيه، وغرضه: الاستشهاد به لحديث عائشة.
وقد سبق تخريج هذا الحديث للمؤلف في كتاب الصلاة، باب ما جاء في صلاة العيدين رقم (357)، حديث رقم (1249).
قال القرطبي: والقول بأن أول من بدأ بالخطبة يوم العيد قبل الصلاة مروان بن الحكم .. هو أصح ما روي في أول من قدم الخطبة قبل الصلاة؛ كما يدلُّ عليه قول مروان للرجل: (قد ترك ما هنالك).
وروي أول من فعل ذلك عمر، وقيل: عثمان، وقيل: ابن الزبير، وقيل: معاوية رضي الله تعالى عنهم أجمعين.
قلت: وبعيد أن يصح شيء من ذلك عن مثل هؤلاء؛ لأنهم شاهدوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وصلوا معه أعيادًا كثيرة.
والصحيح المنقول عنه صلى الله عليه وسلم والمتواتر عند أهل المدينة: تقديم الصلاة على الخطبة، فكيف يعدل أحد منهم عما فعله النبي صلى الله عليه وسلم وداوم عليه إلى أن توفي؟ ! فإن صح عن واحد من هؤلاء أنه قدم ذلك .. فلعله إنما فعله؛ لما رأى من انصراف الناس عن الخطبة تاركين لاستماعها مستعجلين، أو ليدرك الصلاة من تأخر وبعد منزله، ومع هذين التأويلين، فلا ينبغي أن تترك سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لمثل ذلك، وأولئك الملأ أعلم وأجل من أن يصيروا إلى ذلك.
وأما مروان وبنو أمية .. فإنما قدموها؛ لأنهم كانوا في خطبهم ينالون من علي رضي الله تعالى عنه، ويسمعون الناس ذلك، فكان الناس إذا صلوا معهم ..
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
===
انصرفوا عن سماع خطبهم لذلك، فلما رأى مروان ذلك، أو من شاء من بني أمية .. قدموا الخطبة؛ ليسمعوا الناس من ذلك ما يكرهون.
والصواب تقديم الصلاة على الخطبة، وقد حكى فيه بعض علمائنا الإجماع. انتهى منه.
* * *
وجملة ما ذكره المؤلف في هذا الباب: أحد عشر حديثًا:
الأول منها للاستدلال، والثالث للاستئناس، والرابع للمتابعة، والبواقي للاستشهاد.
والله سبحانه وتعالى أعلم