الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) السحر، حقيقته وحكمه ولماذا ينتشر
؟ (1)
الحمد لله الذي أنار بنور كتابه دياجير الظُّلم، ونوّر بأنوار هدايته قلوب العرب والعجم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، أحاط علمه بالكائنات، فلا يخفى عليه شيءٌ في الأرض ولا في السموات، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، ما فتئ يحذر الأمة من كل داء يضر بها في الدين والدنيا، ويدعوها إلى الخير والهدى حتى توفاه الله، وترك في الأمة نورين يتجدد ضياؤهما، ولا يزال الناس بخير ما استمسكوا بهما، وعنهما قال:«تركتُ فيكم شيئين لن تضلوا بعدهما، كتاب الله وسنتي، ولن يتفرقا حتى يردا عليَّ الحوض» (2).
اللهم صل وسلم على نبينا محمد، وعلى إخوانه من الأنبياء، وارض اللهم عن آل بيته المؤمنين، وصحابته الخيّرين، والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إنما اليوم الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
فأما بعد فاتقوا الله عباد الله وارجوا اليوم الآخر ولا يصدنكم الشيطان فينسيكم ذكر الله ..
واحذروا أن تكونوا ممن قال الله فيهم: {اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ فَأَنسَاهُمْ ذِكْرَ اللَّهِ أُوْلَئِكَ حِزْبُ الشَّيْطَانِ أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطَانِ هُمُ الْخَاسِرُونَ} (4).
(1) في 1/ 5/ 1417 هـ.
(2)
رواه الحاكم عن أبي هريرة بسند صحيح (صحيح الجامع 3/ 39).
(3)
سورة الحشر، الآية:18.
(4)
سورة المجادلة، الآية:19.
أيها المسلمون، وبقي من الحديث عن نواقض الإسلام، الحديث عن السحر، ذلكم البلاء المستشري، والحقيقة المرة.
داءٌ من أدواء الأمم قديمًا، عرفته، ولسوء أثاره اتهمت به الأنبياء، وهم منه براء {كَذَلِكَ مَا أَتَى الَّذِينَ مِن قَبْلِهِم مِّن رَّسُولٍ إِلَاّ قَالُوا سَاحِرٌ أَوْ مَجْنُونٌ} (1).
وهو مشكلةٌ من مشكلات الزمن حديثًا، وفي عصر التقدم المادي تزداد ظاهرة السحر والشعوذة نفوذًا، وتجري طقوسه في أكثر شعوب العالم تقدمًا، وربما أقيمت له الجمعيات والمعاهد، أو نظمت له المؤتمرات والندوات (2).
وهنا لابد من وقفة تُجيب على عدة أسئلة، منها:
ما معنى السحر؟ وهل له حقيقة؟ وما حكم تعلمه والعمل به؟ وما جزاء السحرة؟ ولماذا يروج السحر في بلاد المسلمين؟ وما حكم الذهاب للسحرة والعرافين؟ وما عقوبة الذاهبين؟ وما هي عوامل الوقاية وطرق الخلاص من السحرة والمشعوذين؟
إخوة الإسلام، أما معنى السحر فيطلق في لغة العرب على كل شيء خفي سببه، ولطف ودق، ولذلك قالوا «أخفى من السحر» (3).
أما تعريفه في الشرع فهو كما قال ابن قدامة: «عقد ورُقى يتكلم به، أو يكتبه، أو يعمل شيئًا يؤثر في بدن المسحور، أو قلبه، أو عقله، من غير مباشرة له» (4).
(1) سورة الذاريات، الآية:52.
(2)
العبد اللطيف، نواقض الإيمان/ 501.
(3)
عالم السحر والشعوذة، الأشقر/ 69.
(4)
المغني 8/ 150.
وهو أنواعٌ مختلفة، وطرائق متباينة، ولذا قال الشنقيطي، رحمه الله:
ومن السحر الصرف والعطف، والصرف هو صرف الرجل عما يهوى، كصرفه مثلاً عن محبة زوجته إلى بغضها، والعطف عملٌ سحري كالصرف، ولكنه يعطف الرجل عما لا يهواه إلى محبته بطرق شيطانية.
والسحر محرم في جميع شرائع الرسل عليهم السلام (2) وهو أحد نواقض الإسلام- كما علمتِ- حتى قال الشيخ محمد بن عبد الوهاب، يرحمه الله: فمن فعله أو رضي به كفر، والدليل قوله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ} (3).
وقد دل القرآن الكريم، والأحاديث الصحيحة، وأقوال أهل العلم على أن للسحر حقيقة، كيف لا؟ والله يقول:{وَمِن شَرِّ النَّفَّاثَاتِ فِي الْعُقَدِ} (4)، ويقول {وَاتَّبَعُوا مَا تَتْلُوا الشَّيَاطِينُ عَلَى مُلْكِ سُلَيْمَانَ وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيْاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ .. } (5)، ويقول عن موسى عليه السلام: {يُخَيَّلُ إِلَيْهِ مِن سِحْرِهِمْ أَنَّهَا تَسْعَى (66) فَأَوْجَسَ فِي نَفْسِهِ خِيفَةً مُّوسَى (67) قُلْنَا لا تَخَفْ إِنَّكَ أَنتَ الأَعْلَى (68)
(1) أضواء البيان 4/ 444.
(2)
العلوان، التبيان/ 50.
(3)
سورة البقرة، الآية:102.
(4)
سورة الفلق، الآية:4.
(5)
سورة البقرة: الآية: 102.
وَأَلْقِ مَا فِي يَمِينِكَ تَلْقَفْ مَا صَنَعُوا إِنَّمَا صَنَعُوا كَيْدُ سَاحِرٍ وَلا يُفْلِحُ السَّاحِرُ حَيْثُ أَتَى} (1)، وفي الحديث المتفق على صحته: عن عائشة، رضي الله عنها، قالت:(سحر رسول الله صلى الله عليه وسلم رجل من بني زريق يقال له لبيد ابن الأعصم حتى كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يخيل إليه أنه يفعل الشيء، وما يفعله (2) .. الحديث).
قال النووي: (والصحيح أن السحر له حقيقة، وبه قطع الجمهور، وعليه عامة العلماء، ويدل عليه الكتاب والسنة الصحيحة المشهورة)(3). بل قال الخطابي بعد أن أثبت حقيقة السحر، ورد على المنكرين:(ففي السحر جهلٌ، والرد على من نفاه لغوٌ وفضل)(4).
إخوة الإيمان، أما مكمن الخطر فهو في تعليمه، والعمل به، لما في ذلك من الكفر والإشراك بالله من جانب، وإلحاق الأذى والضرر بعباد الله من جانب آخر، قال الله تعالى:{وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ وَمَا هُم بِضَآرِّينَ بِهِ مِنْ أَحَدٍ إِلَاّ بِإِذْنِ اللَّهِ وَيَتَعَلَّمُونَ مَا يَضُرُّهُمْ وَلَا يَنفَعُهُمْ وَلَقَدْ عَلِمُوا لَمَنِ اشْتَرَاهُ مَا لَهُ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ وَلَبِئْسَ مَا شَرَوْا بِهِ أَنفُسَهُمْ لَوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ} (5).
ويبين الشيخ السعدي- يرحمه الله- وجه إدخال السحر في الشرك والكفر فيقول: (السحر يدخل في الشرك من جهتين: من جهة ما فيه من استخدام الشياطين ومن التعلُّق بهم، وربما تقرب إليهم بما يحبون، ليقوموا بخدمته،
(1) سورة طه، الآيات: 66 - 69.
(2)
البخاري مع الفتح 15/ 222، ومسلم، كتاب السلام، باب السحر.
(3)
انظر الفتح 15/ 222، الصارم البتار، وحيد بالي/ 46.
(4)
شيخ السنة 12/ 188.
(5)
سورة البقرة، الآية:102.
ومطلوبه، ومن جهة ما فيه من دعوى علم الغيب، ودعوى مشاركة الله في علمه، وسلوك الطرق المفضية إلى ذلك، وذلك من شُعَب الشرك والكفر) (1).
ويقول الذهبي: ( .. فترى خلقًا كثيرًا من الضلال يدخلون في السحر، ويظنون أنه حرام فقط، وما يشعرون أنه الكفر .. )(2).
أيها المسلمون، ولهذا جاء تحذير المصطفى صلى الله عليه وسلم عن السحر أكيدًا شديدًا، وجاء حكم الشريعة في السحرة صارمًا عدلاً، يقول عليه الصلاة والسلام:«اجتنبوا السبع الموبقات .. » (3) فعد منهن السحر، والموبقات هي المهلكات.
وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام: «ثلاثة لا يدخلون الجنة مدمن خمر، وقاطع رحم، ومصدق بالسحر» (4).
وفي حديث ثالث يبلغ تحذير النبي صلى الله عليه وسلم أن يقول: «ليس منا من تطير أو تُّطيَّر له، أو تكهن أو تُكهِّن له، أو سَحر أو سُحر له، ومن أتى كاهنًا فصدقه بما يقول فقد كفر بما أنزل على محمد صلى الله عليه وسلم» (5).
أما حكم السحرة وحدهم فيتولى ابن تيمية، رحمه الله:(أكثر العلماء على أن الساحر كافر يجب قتله، وقد ثبت قتل الساحر عن عمر بن الخطاب، وعثمان بن عفان، وحفصة بنت عمر، وعبد الله بن عمر، وجنوب بن عبد الله)(6).
(1) القول السديد من 74، 75.
(2)
الكبائر: 41، العبد اللطيف، نواقض الإيمان/ 517.
(3)
رواه البخاري ومسلم (ح 2766، ح 89).
(4)
رواه أحمد وأبو يعلى والطبراني، قال الهيثمي: ورجال أحمد وأبي يعلى ثقات (المجمع 5/ 74).
(5)
رواه البزار وقال المنذري: إسناده جيد، الترغيب 4/ 32، وحسنه الألباني في تخريج الحلال والحرام برقم 289.
(6)
الفتاوى 29/ 384.
وعن بجالة بن عبدة أنه قال: كتب عمر بن الخطاب أن اقتلوا كل ساحر وساحرة، فقتلنا ثلاث سواحر) (1). وفي رواية عن أبي داود بسند صحيح عن بُجالة ابن عبدة قال: جاءنا كتاب عمر، رضي الله عنه، قبل موته بسنة:(اقتلوا كل ساحر .. )(2).
قال ابن قدامة معلقًا على هذا الأثر: (وهذا اشتهر فلم يُنكَر، فكان إجماعًا)(3).
وإنما جاء حكم الشريعة بقتل الساحر لأنه مفسد في الأرض يفوق بين المرء وزوجه، ويؤذي المؤمنين والمؤمنات، ويزرع البغضاء، ويشيع الرعب، ويفسد على الأُسَر ودها، ويقطع على المتوادين حبهم وصفاءهم، وفي بقائه على وجه الأرض فساد كبير على الأفراد والمجتمعات، وفي قتله قطع لفساده، وإراحة البلاد والعباد من خُبثه وبلائه. والله لا يحب المفسدين.
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم {قُلْ إِنَّ الَّذِينَ يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ لَا يُفْلِحُونَ (69) مَتَاعٌ فِي الدُّنْيَا ثُمَّ إِلَيْنَا مَرْجِعُهُمْ ثُمَّ نُذِيقُهُمُ الْعَذَابَ الشَّدِيدَ بِمَا كَانُوا يَكْفُرُونَ} (4).
نفعني الله وإياكم بهدي كتابه
…
(1) أخرجه أبو داود وأحمد والبيهقي وابن حزم في المنفى وصححه 13/ 740، 773. (العبد اللطيف، نواقض الإيمان/ 512).
(2)
العنوان: احذروا السحر والسحرة/ 1.
(3)
المغني 8/ 153. عن نواقض الإيمان/ 512.
(4)
سورة يونس، الآيتان: 69، 70.