الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) السحر (طرق الوقاية والعلاج)
(1)
إن الحملة لله، نحمده ونستعينه، ونستهديه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه، وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آل محمد وأزواجه أمهات المؤمنين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يون الدين، وسلم تسليمًا كثيرًا.
أيها المسلمون، وحيث سبق الحديث عن السحر، حقيقته وحكمه، وجزاء السحرة والذهاب إليهم، وأسباب رواج السحر في بلاد المسلمين .. فإن حديث اليوم استكمال لما سبق، وإذا كان ما سبق تشخيصٌ للداء، فحديث اليوم توصيف للدواء، وتلمسٌ مشروعٌ للوقاية وطرق العلاج.
وليس يخفى أن اتقاء السحر قبل وقوعه أولى وأحرى من التعب في استخراجه بعد الوقوع، ويحفظ الناس من مأثور الحكم:(الوقايةُ خيرٌ من العلاج).
(1) في 8/ 5/ 1417 هـ.
(2)
سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71.
(3)
سورة النساء، الآية 1.
وإليكم، إخوة الإسلام، شيئًا من الطرق الوقائية للسحر قبل وقوعه، وما أحرانا جميعًا بتأملها والعمل بها.
أولاً: تجديد الإيمان في النفوس كلما آنس المرء من نفسه ضعفًا، والالتجاء إلى الله كلما خاف المرء على نفسه عدوًا، ومن يركن إلى الله فإنما يأوي إلى ركنٍ شديدٍ، ومن يتوكل على الله فهو حسبه، وهذا الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم يدعونا إلى تجديد إيماننا ويقول «إن الإيمان ليُخلَق في جوف أحدكم كما يَخلَقُ الثوب، فاسألوا الله أن يجدد الإيمان في قلوبكم» (1).
وأي قوة مهما بلغت، وأي عدو، مهما كانت شراسته، لا شيء أما قوة الله وجبروته {فَسَيَكْفِيكَهُمُ اللَّهُ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ} (2).
ومن لوازم الإيمان الاستمساك بشرع الله أمرًا ونهيًا، علانيةً وسرًا، وهل علمتم أن من أسباب انتشار السحر قديمًا، وفساد بني إسرائيل خصوصًا بعدهم عن الشريعة التي أنزل الله عليهم، ونبذهم تعاليمها، واتباعهم للشياطين الذين استدرجوهم إلى السحر وزينوه لهم، وسولت لهم أن تسخير الجن والإنس والطير والريح لسليمان عليه السلام من اتباع الشياطين:
ثانيا: نشر العلم بقضايا العقيدة، والحرص على سلامتها، وبيان ما يخدشها، وتعميم الوعي بمخاطر السحر والشعوذة، وتحذير الناس منها
(1) صحيح الجامع 2/ 56.
(2)
سورة البقرة، الآية:137.
(3)
سورة البقرة، الآية: 2، وانظر: الأشقر، السحر والشعوذة/ 245.
(4)
انظر الأشقر، السحر والشعوذة/ 245.
بمختلف وسائل الإعلام، وتوسيع دائرة الوعي بمدارس البنين والبنات، وبالطرق المناسبة، واستخدام المحاضرة والندوة والمطوية أسلوبًا من أساليب التوعية عن هذه الأدواء.
ثالثا: تشجيع المؤسسات الحكومية ذات العلاقة على الرقابة الدقيقة لكل ما يرد أو يصدر لهذا البلد الآمن، والأخذ بجزم كل من تسول لهم أنفسهم الإضرار بالآخرين، ولابد من تعاون الناس مع هذه الجهات المسؤولة، وسرعة البلاغ عما يثبت من محاولات الإفساد، والكشف عن أماكن التجمعات المشبوهة، ورصد التحركات المريبة، والله يقول:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبرِّ وَالتَّقْوَى وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ} (1).
رابعًا: إصلاح البيوت وعمارتها بالذكر والصلاة وتلاوة القرآن، وفي الحديث «لا تجعلوا بيوتكم مقابر، إن الشيطان ينفر من البيت الذي تقرأ فيه سورة البقرة» (2). وفي حديث آخر قال عليه الصلاة والسلام موجهًا لأثر صلاة النافلة في البيت «اجعلوا من صلاتكم في بيوتكم، ولا تتخذوها قبورًا» (3).
قال النووي معلقًا: (حث على النافلة في البيت لكونه أخفى وأبعد عن الرياء؛ وأصون من المحبطات، وليتبرك البيتُ بذلك، وتنزل فيه الرحمة والملائكة وينفر منه الشيطان)(4).
(1) سورة المائدة، الآية:2.
(2)
رواه مسلم في صحيحه ج 780، 1/ 539
(3)
متفق عليه (خ 1/ 528 فتح، م 6/ 68 النووي).
(4)
شرح مسلم 6/ 68، وقاية الإنسان/ 69.
ودونكم أثر السلام، وهو نوع من الذكر، أدّبنا الله إلى البدء به حين الدخول إلى البيوت فقال جل ذكره {فَإِذَا دَخَلْتُم بُيُوتاً فَسَلِّمُوا عَلَى أَنفُسِكُمْ تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ اللَّهِ مُبَارَكَةً طَيِّبَةً} (1). وأرشدنا إليه المصطفى صلى الله عليه وسلم، واعتبره ضمانًا على الله للحفظ والأمان فقال:«ثلاثة كلهم ضامنٌ على الله عز وجل، وذكر منهم، رجلاً دخل بيته بسلام فهو ضامنٌ على الله سبحانه وتعالى» (2).
ولا تسأل عن أثر قراءة آخر آيتين من سورة البقرة، {آمَنَ الرَّسُولُ .... } {لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَاّ وُسْعَهَا .. } فقد صح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال:«من قرأ بالآيتين من آخر سورة البقرة كفتاه» (3).
ومن المعاني الواردة في قوله (كقتاهُ) أي من الشيطان، ولهذا جاء في حديثٍ آخر «إن الله كتب كتابًا وأنزل منه آيتين، ختم بهما سورة البقرة، لا يقرءان في دار فيقرُّ بها الشيطان ثلاث ليال» (4).
فهل نحضن بيوتنا، ونحفظ أنفسنا وأولادنا وأهلينا بذكر الله والصلاة وتلاوة القرآن
…
مع استبعاد كل ما يجمع الشياطين من الصور والكلاب والغناء ونحوها من المنكرات الأخرى
…
ذلكم لمن رام النجاة في الدنيا والآخرة.
خامسًا: ومما يدفع الله به الإصابة من السحر، التصبح بسبع تمرات من تمر العجوة، وفي ذلك يقول عليه الصلاة والسلام: «من تصبح بسبع تمراتٍ من تمر
(1) سورة النور، الآية:61.
(2)
رواه أبو داود بإسناد حسن، كما قال النووي (الأذكار 2، وقاية الإنسان من الجن والشيطان، وحيد بالي/ 363).
(3)
رواه البخاري (القتح 9/ 55).
(4)
أخرجه الحاكم، وصححه .. (انظر: الأشقر: عالم السحر والشعوذة/ 212).
العجوة لم يُصِبه سمِّ ولا سحر» (1). وقد اشترط كثيرٌ من أهل العلم في التمر أن يكون من العجوة- كما في الحديث- وذهب آخرون إلى أن لفظ العجوة خرج مخرج الغالب، فلو تصبَّح بغيرها نفع، وهو قولٌ قويّ، وإن كان تمر العجوة أكثر نفعًا وتأثيرًا، كذا قال أهل العلم- والله أعلم- (2).
سادسًا: التنبُّه لمخاطر العمالة الوافدة، والاستغناء عن السائقين والخدم ما أمكن، وإذا لزم الأمر فلابد من المراقبة الدقيقة لتصرفاتهم حتى لا يكونوا سببًا في نشر السحر والشعوذة والناس غافلون.
سابعًا: ونظرًا لسهولة انتشار السحر والشعوذة عند النساء أكثر منه في الرجال فينبغي على المرأة أن تحفظ نفسها في بيتها ولا تُكثر من الخروج للأسواق، وألا ترتاد الأماكن المشبوهة، وعلى الأزواج أن يحافظوا على أهليهم في بيوتهم ويوفروا لهم حوائجهم.
ثامنًا: أما الحصنُ الحصين، والسبب الوافي المنيع- بإذن الله- من كل سوء ومكروه فهو المحافظة على الأوراد الشرعية في الصباح والمساء، وهي صالحة للاستشفاء قبل وقوع السحر أو بعد وقوعه، وكيف لا؟ وهي الأدوية الإلهية كما يسميها ابن القيم، رحمه الله، ومع مسيس حاجة الإنسان لهذه الأذكار فما أكثر ما يقع التفريط فيها! وإليكم نماذج منها وأثرها:
(أ) فمن قرأ أية الكرسي حين يأوي إلى فراشه لم يزل عليه من الله حافظ ولا يقربه شيطان حتى يصبح. كذلك صح الخبر (3).
(1) متفق عليه.
(2)
انظر: احذروا السحر والسحرة/ العلوان/ 3.
(3)
البخاري 4/ 487، الفتح.
(ب) ومن قرأ بالآيتين الأخيرتين من سورة البقرة كفتاه، وقد سبق البيان.
(جـ) وقراءة {قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ} و {قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاس} حين تُمسي وحين تصبح ثلاث مرات، يكفيك من كل شيء (1)، كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم.
(د) وكان عليه الصلاة والسلام يعوذ الحسن والحسين ويقول: إن أباكما كان يعوذ بهما إسماعيل وإسحاق «أعوذ بكلمات الله التامة من كل شيطان، وهامة، ومن كل عين لامة) (2). والهامة ذات السموم، وقيل: كل ما له سم يقتل، واللامة: كل داء وآفة تلمّ بالإنسان من جنون وخبل (3).
(هـ) وصح في الخبر عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: «من نزل منزلاً فقال: أعوذ بكلمات الله التامات من شر ما خلق، لم يضره شيء حتى يرتحل من منزله ذلك» .
فهل يصعب عليك ذلك يا أخا الإسلام وأنت محتاجٌ لذلك لكثرة حلولك وارتحالك؟ وهل تعجز أن تقول في صباح كل يوم ومساء كل ليلة «بسم الله الذي لا يضر مع اسمه شيء في الأرض ولا في السماء» ثلاث مرات؟ وهي كفيلة بإذن الله أن لا يضرك أي شيء كما صح عن النبي صلى الله عليه وسلم (4).
أيها المسلمون، وكتب الأذكار مليئةٌ بالآيات القرآنية والأحاديث النبوية التي يدفع الله بها، ويمنع من كل مكروه .. وحري بالمسلم أن يطالعها ويعمل بها
(1) رواه أبو داود 4/ 321 والترمذي 5/ 227 وحسنه النسائي وجود الألباني إسناده.
(2)
أخرجه أبو داود وابن ماجه والترمذي وقال: حسن صحيح (الصحيح المسند في أذكار اليوم والليلة- العدوي- 108).
(3)
قاله الخطابي (انظر الصحيح المسند- لمصطفى العدوي/ 108).
(4)
صحيح المسند للعدوي/ 94.
ويحافظ على ورده منها صباحًا ومساءً، وأن يعلمها أهله وذويه، ومع المحافظة لابد من الصدق والإيمان والثقة بالله والاعتماد عليه، وانشراح الصدر لما دلت عليه، فبذلك ينفع الله بهذه الأوراد، ويدفع، كما قرره أهل العلم (1).
نفعني الله وإياكم بهدى القرآن وسنة المصطفى عليه الصلاة والسلام.
(1) انظر: رسالة في حكم السحر والكهانة/ ابن باز ص 7.
(2)
سورة الإسراء، الآيات: 82 - 84.