الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الخطبة الثانية
الحمد لله القوي العزيز، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى إخوانه وآله، وارض اللهم عن أصحابه والتابعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
إخوة الإسلام، وفي إطار ما يجب على المسلم عمله إزاء هذه المؤتمرات فليس يكفي مجرد الاعتقاد بعظمة هذا الدين ومعرفة خبث الكافرين وتخطيطهم بل لابد من خطوة عملية ألا وهي العمل بما شرع الله والانتهاء عن ما حرم الله، ورفض القوانين البشرية المخالفة لذلك مهما قُنَّنت ومهما هذبت ما دامت تتعارض مع نصوص الكتاب والسنة، ودعوة الآخرين إلى ذلك بالقول والعمل.
وعلى أهل الاختصاص المساهمة بتوضيح الصورة- كلٌ فيما يخصه- فأساتذة الجامعات المختصون يؤصلون بحوثهم عن الأسرة المسلمة ويطرحونها نموذجًا رفيعًا للتطبيق ويبينون للناس حقيقة الوضع السكاني في العالم الإسلامي مقارنًا بالانفجار السكاني في العالم الآخر، وما وراء ذلك من أهداف.
وتطرح قضية التحديد للنسل واحدة من مخططات الأعداء، ويكشف عن مساوئ التعليم المختلط، وتبرز الإحصائيات في آثار الجريمة بسبب العلاقات الجنسية الشاذة، ويكشف الأطباء عن آثار الإجهاض، وأسباب انتشار أمراض الجنس المحرمة، ويربطون بين أنظمة الإسلام وتشريعاته وتوفر الأجواء الصحية النظيفة.
ولابد من حماية الأسرة السلطة من المؤثرات المضللة والدعايات المغرضة عبر وسائل الإعلام كلها، فحرب الإعلام اليوم حرب ضروس.
والغزو الثقافي أقصر طريق توصّل إليه الأعداء في غزو المسلمين فلننتبه لهذا جيدًا.
ولابد من الاهتمام بالمرأة على الخصوص، حماية وتربية وإقناعًا، وتثقيفها بالثقافة الإسلامية الواعية ضمانة كبرى بإذن الله دون هجمات الأعداء، وعلى المؤسسات التربوية والإعلامية كفل كبير من هذه المسؤولية، ومن ذا الذي لا يستطيع منا أن يهتم بأسرته، أو يعني بأمه أو زوجته وبنته وأخته، إنها مسؤولية فردية يحتمها الواجب الشرعي أساسًا، وتؤكدها الظروف المحيطة بنا وسهام الأعداء المسمومة الموجهة لنا.
وعلى العلماء، والمفكرين، والجمعيات والمنظمات الإسلامية، والمنابر بشكل عام أن يسهموا في تنوير الأمة وكشف هذه الغمة، بعقد المؤتمرات والندوات، وتأليف الكتب ونشر الإحصائيات والدعوة بكل وسيلة لحماية الفضيلة، والتحذير من الرَّذيلة، وإقامة المحاورات والمناظرات الجادة التي تحق الحق، وتبطل الباطل ويستبين بها سبيل المجرمين.
وينبغي أن تُؤصِّلَ هذه المؤتمرات وتلك المؤامرات عداوتنا للكافرين، وتحدد عمق الهوة بين المسلمين والكافرين والمنافقين، وتكشف لنا عن عمق تخطيطهم واعتمادهم الدراسة والتنظيم أساسًا لطروحاتهم، ومن الحماقة والجهل أن يُتَصور أن هذا المؤتمر وليد الساعة وتتجاوز مدة تنظيمه السنة أو السنتين مثلاً وحتى أؤكد ذلك أُشِير إلى كتاب صدر لأحد مفكريهم قبل ما يقرب من ثلاثين عامًا بعنوان:(شمس الإسلام تسطع على الغرب)، وذكر فيه ثلاث مقومات للمسلمين تسهم في نصرة المسلمين وتفوقهم ويهدد بالخطر القادم على غيرهم، هذه المقومات هي:
1 -
الموقع الجغرافي.
2 -
الموارد المتوفرة.
3 -
الخصوبة في الإنتاج (يعني كثرة النسل).
فهل هذا المؤتمر وما قبله أسلوب من أساليب التعويق لهذا الخطر القادم ليس ذلك ببعيد ولا مستغرب؟
وينبغي كذلك أن لا يدعونا هذا التخطيط الماكر للتشنج أو مجرد الاستنكار والشجب ليس إلا، بل يجب أن يؤكد ذلك دعوتنا إلى عمل وتخطيط وإنتاج نثبت به قدراتنا للآخرين، ونخرج بحلول عملية نغيظ بها الكافرين، ونُبصِّر بها الحائرين ونكشف الغمة عن المترددين، فعددنا كبير، وطاقاتنا كثيرة، ومفكرونا ليسوا أقل شأنًا من مفكريهم، ولكنا بحاجة إلى لَمِّ الشمل، وتوحيد الكلمة والاستفادة من طاقتنا والتعاون فيما يخدم المصلحة ويحقق نصرة الدين وإعلاء كلمة المسلمين.
إخوة الإسلام وعلى الرغم من الحضور الكبير للمؤتمر، فحضور المؤتمر لا يمثل وجهة نظر الشعوب الإسلامية، فهناك دول لم تشارك فيه، وهناك هيئات وجمعيات ومنظمات استنكرته، وهناك أصوات واحتجاجات ومسيرات، وهذه وتلك تؤكد الوعي عند طائفة من المسلمين، يجب ألَاّ تستقل نفسها أو تنخدع بالصياغات والتعديلات الطفيفة التي لا تأتي على أصل المؤتمر وهدفه.
وثمة واجب آخر على من تلبَّس واشترك، أو دخل بحسن نية فاتضح له الهدف أن يكشف ما في المؤتمر من ممارسات وأباطيل، وأن يكون أمينًا في نقله دقيقًا في تصويره، وأن يعتبر نفسه النذير العريان لمن لا يزال مخدوعًا وما راءٍ كمن سمع؟
والحق بغية المسلم، واللبيب لا يخضع والحر لا يكذب، والشجاع لا يتردد، والناطق بالباطل شيطان ناطق، والساكت عن الحق شيطان أخرس.
وأخيرًا إخوة الإسلام وكما قال تعالى: {فَعَسَى أَن تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً} (1)، وما يدريكم أن يكون هذا المؤتمر نقطة ضوء للمسلمين وبداية حركة مثمرة لأهل القرآن، فالضغط يولد الانفجار، والنار تصفي الذهب من الشوائب، والفرج حين تشتد الأزمة، والنور يبدو حين تستحكم الظلمة، والله لا يعجزه شيء في الأرض ولا في السماء.
(1) سورة النساء، الآية:19.