المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌الفتن والمخرج منها - شعاع من المحراب - جـ ٢

[سليمان بن حمد العودة]

فهرس الكتاب

- ‌الجزء الثاني

- ‌مقدمة الجزء الثاني

- ‌بين يدي الخطيب

- ‌[1] أهمية خطبة الجمعة:

- ‌[2] هم الخطبة وقلق الخطيب:

- ‌[3] عوامل تأثير الخطبة في السامعين:

- ‌[4] لغة الخطيب وبلاغته:

- ‌[5] الخطيب وضعف الأداء وقلة المردود:

- ‌حقيقة الإيمان

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(1) نواقض الإسلام

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(2) نواقض الإسلام

- ‌الخطبة الثانية

- ‌نقد الذات لماذا

- ‌الخطبة الثانية

- ‌نقد الآخرين (ضوابطه وآدابه)

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(1) السحر، حقيقته وحكمه ولماذا ينتشر

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(2) السحر (طرق الوقاية والعلاج)

- ‌الخطبة الثانية

- ‌آفة العين وطرق الوقاية والعلاج

- ‌الخطبة الثانية

- ‌دلائل الإيمان في القرآن

- ‌الخطبة الثانية

- ‌تمكين ذي القرنين .. الحديث والعبرة

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(1) مؤتمر الإسكان الدولي بين العقل والشرع

- ‌الخطبة الثانية

- ‌(2) مؤتمر الإسكان الدولي العبرة والواجب

- ‌الخطبة الثانية

- ‌دروس من قصة موسى عليه السلام مع فرعون

- ‌الخطبة الثانية

- ‌بين الاتباع والابتداع

- ‌الخطبة الثانية

- ‌كيف تصح القلوب

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الفتن والمخرج منها

- ‌الخطبة الثانية

- ‌زلازل الذنوب

- ‌الخطبة الثانية

- ‌أثر القرآن الكريم

- ‌الخطبة الثانية

- ‌بين المصائب والذنوب

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من فقه الحج ومنافعه

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من كلام النبوة الأولى

- ‌الخطبة الثانية

- ‌من أسرار شهر الصيام

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الصدقة الفاضلة

- ‌الخطبة الثانية

- ‌الخصلتان الحبيبتان

- ‌الخطبة الثانية

الفصل: ‌الفتن والمخرج منها

‌الفتن والمخرج منها

(1)

إن الحمد لله نحمده ونستعينه، ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين، وعلى آل محمد الطيبين، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.

أما بعد فعليكم بوصية الله للأولين والآخرين {وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ} (2). تقوى الله معاشر المسلمين كثرة حين القلة، وقوة حين الضعف والمسكنة، وهي أمان بإذن الله، وفيها مخرج حين المحن والمصائب والفتنة.

أيها المسلمون، وهناك سنة إلهية حين تغيب عن الأذهان، وحين يجهلها المسلمون، يفاجؤون بكل نازلة ويرتبكون عند أدنى مصيبة، ويسهل عليهم أن يحيلوا الأمر لغيرهم، وإن يحملوا الآخرين أخطاءهم.

فمن سنن الله الثابتة بنص القرآن الكريم أن الناس لا تصيبهم مصيبة إلا بما كسبت أيديهم، مع كثرة عفو الله وستره وتجاوزه، قال تعالى:{وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} (3) وما فتئ القرآن يُحَذّر من مخالفة أمر الله ويذكر أنها سبب للمصائب {فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَن تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (4).

(1) في 18/ 4/ 1415 هـ.

(2)

سورة النساء، الآية:131.

(3)

سورة الشورى، الآية:35.

(4)

سورة النور، الآية:63.

ص: 178

ولو كان أحدٌ يعفى من آثار خطئه لعفي عن الصحابة الأبرار رضي الله عنهم، فحين وقع الخطأ منهم حصل ما وقع لهم من الشدة والمصيبة في غزوة أحد وقال الله لهم:{أَوَلَمَّا أَصَابَتْكُم مُّصِيبَةٌ قَدْ أَصَبْتُم مِّثْلَيْهَا قُلْتُمْ أَنَّى هَذَا قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} (1).

وليس لأحد أن يتطير بأحدٍ أو ينسب الشر إليه، مع ما هو واقع فيه هو والمجتمع من حوله من ذنوب وسيئات، وهل نفع آل فرعون حين تطيروا بموسى عليه السلام وحاولوا ترحيل أخطائهم إليه، وتحميل أوزارهم عليه، لقد استنكر القرآن صنيعهم، وأوحى الله فيما أوحى إلى نبيه صلى الله عليه وسلم بيانًا صادقًا لأسباب مصائبهم ونكباتهم فقال تعالي:{وَلَقَدْ أَخَذْنَا آلَ فِرْعَونَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِّن الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130) فَإِذَا جَاءتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِن تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَن مَّعَهُ أَلا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِندَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ} (2).

ويرحم الله أقوامًا كانوا يعرفون أثر معاصيهم في دوابهم التي تحملهم، فإذا أخطؤوا، وجفلت بهم دوابهم تذّكروا خطأهم بتغير خُلُق دوابهم أو بمعصية نسائهم أو لعقوق أبنائهم أو بشدة مواليهم، وعادوا يستغفرون ربهم ويتوبون إليه من أخطائهم، أولئك يرون بنور الله، وأولئك الموفقون لطاعته، وأولئك لا خوف عليهم ولا هم يحزنون.

أما الغافلون .. أما اللاهون السادرون، فأولئك تمر المصائب تترى فلا يعون أو يتذكرون، ويُفتنون في كل عام مرةً أو مرتين ثم لا يتوبون ولا هم يذكرون

وتلك علامة من علامات موت القلوب، ولا قيمة للجسد إذا انتفخ على حساب

(1) سورة آل عمران، الآية:165.

(2)

سورة الأعراف، الآيتان: 130، 131.

ص: 179

ضمور القلب وهزاله، والأدهى من ذلك أن يموت ويصاب بالران، ويقفل عليه:{كَلَاّ بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِم مَّا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (1)، {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} (2)، {فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (3).

إخوة الإيمان، وكان المسلمون في عصور العزة والغلَبة والتمكين لدين الله يخشون الفتن والمصائب، وقد أخرج الإمام أحمد الطبراني بسند حسن من حديث خالد بن الوليد، رضي الله عنه، أن رجلاً قال له:(يا أبا سليمان، اتق الله فإن الفتن ظهرت، فقال: أما وابن الخطاب حي فلا، إنما تكون بعده، فينظر الرجل، فيفكر هل يجد مكانًا لم ينزل له مثل ما نزل بمكانه الذي هو به من الفتنة والشر فلا يجد، فتلك الأيام التي ذكر رسول الله صلى الله عليه وسلم بين يدي الساعة أيام الهرج)(4).

فإذا كان هذا واردًا في القرون المفضلة فلا تسأل عن القرون اللاحقة، لاسيما والرسول صلى الله عليه وسلم يقول في الحديث الصحيح:«لا يأتي عليكم زمان إلا والذي بعده أشد منه حتى تلقوا ربكم» (5).

فإذا عُلم وقع الفتن في كل زمان، وكثرتها في آخر الزمان، فالسؤال المهم: ما هي أسباب الفتن ودواعي المصائب؟ وما علاقة أهل الزمان بقلة الفتن أو كثرتها؟

نجد الإجابة واضحةً في كتاب الله، فكلما انتشر الفساد وظهرت المنكرات

(1) سورة المطففين، الآية:14.

(2)

سورة محمد، الآية:24.

(3)

سورة الحج، الآية:46.

(4)

فتح الباري، 13/ 15.

(5)

رواه البخاري، انظر الفتح 13/ 20 وفيه إيضاح للمقصود ص 21.

ص: 180

وعمت، وغاب المصلحون والمنكرون، وكثر الطالحون على حساب الصالحين، كلما اشتدت المصائب، واستحكمت الفتن. قال تعالى:{ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُم بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ} (1). ويقول تعالى: {وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْمٍ وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ} (2) ويقول تعالى: {ادْعُوا رَبَّكُمْ تَضَرُّعاً وَخُفْيَةً إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ (55) وَلَا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلَاحِهَا وَادْعُوهُ خَوْفاً وَطَمَعاً إِنَّ رَحْمةَ اللَّهِ قَرِيبٌ مِّنَ الْمُحْسِنِينَ} (3).

وتأمل في آيات الأعراف بين أثر الإيمان والتقوى، وآثار التكذيب والمعاصي والذنوب، يقول تعالى عن الأولى:{وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ} (4) ثم يقول عن الأخرى: {وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (5). ثم يقول تعالى: {أَوَلَمْ يَهْدِ لِلَّذِينَ يَرِثُونَ الأَرْضَ مِن بَعْدِ أَهْلِهَا أَن لَّوْ نَشَاءُ أَصَبْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَنَطْبَعُ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَهُمْ لَا يَسْمَعُونَ} (6).

وهذا يعني أن أهل الزمان هم المسؤولون عن المصائب والذنوب إذا فسدوا، وهم المستفيدون من آثار البركات والخيرات إذا صلحوا، وكل واحدٍ منهم

(1) سورة الروم، الآية:41.

(2)

سورة هود، الآية:17.

(3)

سورة الأعراف، الآيتان: 55، 56.

(4)

سورة الأعراف/ الآية: 96.

(5)

سورة الأعراف، الآية:96.

(6)

سورة الأعراف، الآية:100.

ص: 181

بسلوكه الشخصي يُساهِمُ في إصلاح المجتمع وإفساده، ويتحمّل كفلاً من تبعةِ هذا الفساد إذا كان من المفسدين، وله نصيبه من الأجر إن كان من المصطلحين.

نعم أيها المسلمون، ليس لنا أن نحمل مسؤوليتنا غيرنا، أو أن نقذف دائمًا بأخطائنا على غيرنا .. صحيح أن المسؤولية تتفاوت .. ولكن لكلٍ نصيبه، وعلى كلٍ مسؤوليته.

فلنتق الله جميعًا، ولنعلم أننا في مركبٍ واحد، على كلِّ منا حفظ هذا المركب من الغرق، فإلقاء اللائمة على الآخرين دائمًا لا يكفي وتحميل المسؤولية كلها جهة بعينها غير صحيح.

فدعوا الأنانية والاتكالية، وليأخذ كلٌ منّا نصيبه، وليبدأ إصلاح نفسه، ومن تحت يده على هدى من كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم .. وثقوا أن التعاون على البر والتقوى طريق للفلاح والنجاح، وتعاونوا على البر والتقوى، ولا تعاونوا على الإثم والعدوان {وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعاً وَلَا تَفَرَّقُوا} (1).

نفعني الله وإياكم بهدي كتابه.

(1) سورة آل عمران، الآية:103.

ص: 182