الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(1) مؤتمر الإسكان الدولي بين العقل والشرع
(1)
الحمد لله القائل في محكم التنزيل {وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُوا وَاتَّقَوا لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاءِ وَالأَرْضِ وَلَكِن كَذَّبُوا فَأَخَذْنَاهُم بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ} (2). وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك ملكه، والخلق خلقه، والمعتدون على شرعه والمشاركون له في ربوبيته أو إلهيته أو أسمائه وصفاته لا يفلحون {وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآيَاتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُم مِّنْ حَيْثُ لَا يَعْلَمُونَ (182) وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ} (3). وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، بلغ رسالة ربه، وأنقذ الله به البشرية من ظلام الجاهلية إلى نور الإسلام، ومن جور الأديان إلى عدل الإسلام، ومن ضيق الدنيا إلى سعة الدنيا والآخرة. اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين وعلى الآل والأصحاب والتابعين إلى يوم الدين {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (4)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً (70) يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَن يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً} (5).
أمة الإسلام، ويشهد التاريخ قديمًا وحديثًا على تعَدّي الطغاة والمجرمين على حُرُمات الله، والتجاوز على شريعته، ومحاولة صرف الناس عن الملة الحنيفية السّمحة إلى تشريعات وقوانين لم يأذن بها الله، ويشهد التاريخ كذلك
(1) في 4/ 4/ 1415 هـ.
(2)
سورة الأعراف، الآية:96.
(3)
سورة الأعراف، الآيتان: 182، 183.
(4)
سورة التوبة، الآية:119.
(5)
سورة الأحزاب، الآيتان: 70، 71.
أن الله أهلك الذي قال: «ما علمت لكم من إله غيري» وانتقم من الذي قال: «أنا أحيي وأميت» ومنذ زمن المغول وتشريعات جنكيز خان البشرية وإلى زماننا هذا، حيث تنتشر القوانين البشرية المحادة لشرع الله، والبشرية لم تفلح ولم تسعد بهذه القوانين، وأنَّى لها أن تسعد أو تفلح وهي تنحي شرعةَ العليم الخبير {أَلا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ} (1){أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُم مِّنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَن بِهِ اللَّهُ وَلَوْلا كَلِمَةُ الْفَصْلِ لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ وَإِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (2). وعلى الرغم من أن هذه المحاولات العابثة، وهذه الجهود الضخمة المبذولة، بقيت تعاليم السماء منارةً يستضيء بها السالكون، وبقي القرآن الكريم محفوظًا يشهد على عظمة المُنزِل وإعْجاز المُنزِل {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} (3).
إخوة الإسلام، ومؤتمر الإسكان والتنمية الدولي الذي يعقد هذه الأيام في القاهرة، نموذجٌ للتطاول على شرع الله، ومحاولةٌ عابثة للتلاعب بآيات القرآن الكريم، وقد تضمنت مسودة العمل المقدَّمة للمؤتمر من اللجنة التحضيرية خلاصة الأفكار التي أراد مناقشتها في مائة وإحدى وعشرين صفحة مكونة من ستة عشر فصلاً ومما جاء فيها:
1 -
الدعوة إلى الحرية والمساواة بين الرجل والمرأة، والقضاء التام على أي فوارق بينهما، وتجاهل ما قررته الشرائع السماوية، واقتضته الفطرة وحّتمته طبيعة المرأة وتكوينها.
2 -
العودة إلى فتح باب العلاقات الجنسية المحرمة شرعًا، ومناقشة كل ما يخدم هذه القضية بدءًا بزعزعة وضع الأسرة المسلمة ومرورًا باتخاذ كافة
(1) سورة الملك: الآية: 14.
(2)
سورة الشورى، الآية:21.
(3)
سورة الحجر، الآية:9.
الوسائل لمنع الحمل وتقليل النسل، وإضفاء الشرعية على الإجهاض، وإسقاط المواليد، وانتهاءً بإمكانية قيام الأسرة من ذكرين بدل قيامها على ذكر وأنثى.
وباختصار فالمؤتمر والمؤتمرون أباحوا لأنفسهم مناقشة ما جاءت به الشرائع السماوية، وعدم الالتفات إلى ما جاء في القرآن، فضلاً عمّا جاءت به السنة النبوية من أحكام وتشريعات، ولهذا وغيره أفتى مجلس هيئة كبار العلماء بوجوب مقاطعة المؤتمر وقالوا: إن الوثيقة كفرٌ وضلال ومخالفة للإسلام وجميع الشرائع السماوية (1).
وإذا كان هذا المؤتمر غير مستغربٍ وقوعه من الدول الكافرة، إذ هو في عداد الهجمات الشرسة على الإسلام والمسلمين، فإن مما يندى له الجبين استجابة الدول في العالم الإسلامي للمشاركة فيه، وأدهى من ذلك وأمرَ أن تحتضنه حاضرة من حواضر العالم الإسلامي؟ .
إخوة الإسلام، وتعالوا بنا لننظر في ظروف عقد المؤتمر، زمانًا، ومكانًا.
أما الزمان الذي يعقد فيه المؤتمر فهو زمان بدأت الأمة المسلمة تفيق من رقدتها وتحس بالمخاطر المحدقة بها، وهو زمان تنامى فيه الشعور الإسلامي، وبدأ الوعي بتعاليم الدين والعودة إلى قيم الإسلام تنتشر بين أجيال المسلمين، وبدأ الاهتمام بصناعة الأسرة المسلمة ويكثر نسل المسلمين، هو زمان بواكير الصحوة وإن كان بعد ثمة غفوة، وإن كان ثم مطاردة وجلة وظلمة.
وهو من جانب آخر زمان التضليل الإعلامي وفشوُّ النفاق الاعتقادي، هو زمان التخطيط الماكر والكيد المحكم من قبل الأعداء، فالحرب الباردة تصفي أو على الأقل يؤجل النظر فيها وتجمد آلياتها، والنظام العالمي الجديد تحاك
(1) انظر جريدة الرياض العدد 10251 في 25/ 3/ 1415 هـ.
خيوطه ويبرز بديلاً للحياة والمستقبل، ولعل المؤتمر ثمرة من ثمار هذا التخطيط الماكر، وإفراز مبكر لهذا النظام العالمي المزعوم؟ .
أما ظروف المكان فأرض الكنانة مصر العزيزة، حيث المآثر الإسلامية القديمة، وحيث درج الأنبياء عليهم السلام، وحيث العلم والعلماء، مصر يرتبط بها العالم الإسلامي قديمًا وحديثًا تبعث إليه البعوث وتصدر إليه الأفكار، وفوق ذلك كله فهي واحدة من مناطق الكثافة السكانية، فلا غَرو أن يركز عليها وأن تختار أرضها مقرًا للمؤتمر والمؤتمرين.
ولكِ الله يا مصر كم دهاك من خطوب، ولك الله يا شعب مصر كم بليت بغارات الأعداء، وكم جثم على أرضك من زعماء اعتبروا الأعداء أصدقاء؟ !
إخوة الإيمان، وثمة سؤال مهم لابد أن نطرحهُ ونجيب عليه لماذا يعقد المؤتمر في ديار المسلمين ويُدعى له المسلمون، والدول المخططة له لا تحتاج إلى بنوده ولا تضيف توصياته إن كانت جديدة إلى واقعها فالنسل محدد، والاختلاط واقع والإجهاض سائد، والحياة الاجتماعية بشكل عام ووضع الأسرة بشكل خاص، من التفكك والضياع لا مزيد عليه، والزنا واللواط، وانتشار الجنس الثالث، وكل ما يخطر ببالك مما صور البهيمية والانحطاط الخلقي مشرعة له الأبواب، وتحميه الديمقراطية وتدعو له الحرية المزعومة.
فلماذا إذًا تحرص هذه الدول على عقد مثل هذا المؤتمر؟
الإجابة باختصار حتى من دخل في النفق المظلم من أبناء المسلمين، ويدخل نفق الرذيلة من لم يدخله بعد باسم التنمية والإسكان أو ما شابهها من عبارات خادعة كاذبة.
أيها المسلمون، والمسلم كيس فطن، ويجب ألا ينخدع بمعسول الكلام وظاهر القول، وأن يعي جيدًا ما يريده الأعداء لنا، فهدف المؤتمر تحطيم القيم عند المسلمين، والقصد تنحية شرع الله عن الوجود، ولئن طنطن المؤتمرون حول الخدمات الصحية للمرأة فما موقع الإجهاض من الصحة المزعومة، وهل يكون علاج مرض الإيدز أو غيره من أموال العلاقات الجنسية المحرمة بفتح الباب على مصراعيه للعلاقات الجنسية والإباحية المطلقة، سبحانك هذا بهتان عظيم؟
ولئن تنادى المنافقون بتوفير فرص التعليم للمرأة فيما علاقة ذلك بالحرص الشديد على الاختلاط مع الرجال، وتجربة التعليم المختلط ثبت فشلها وصيحات الخطر تسمع من هنا وهناك محذرة منها، ومؤكدة ضعف الحصيلة العلمية من ورائها حيث تهدر الفوارق بين الجنسين، وتطغى العلاقات الجنسية بين المختلطين، وهل لم يبق من أنواع الثقافة إلا الثقافة الجنسية يُنَشّأَ عليها أبناء المسلمين في سن الطفولة والمراهقة كما في الوثيقة الظالمة؟ .
وإذا كان الإنسان أهم عامل في التنمية فلماذا نصت فصول الوثيقة على التنفير من الزواج المبكر، ومعاقبة من يتزوج قبل السن القانونية لولا أنه يراد تجفيف المنابع وتقليل جمهور المسلمين، وإتاحة بدائل أخرى يتمرغ المنخدعون بها في أوحال الرذيلة بعيدًا عن دفء الأسرة وحنان الأمومة والأبوة للطفل.
بل وما علاقة السماح بحرية الجنس وإباحة أنواع الاقتران الأخرى غير الزواج- والتي نصت عليها بنود الوثيقة- بموضوع التنمية لولا أن هذه وتلك وغيرها من أفكار سيئة هي بيت القصيد، وأما شعارات التنمية ومصطلحات التعليم والصحة ونحوها ليست إلا أغطية مضللة ينخدع بها البسطاء ويكشف زيفها العقلاء {وَمَن لَّمْ يَجْعَلِ اللَّهُ لَهُ نُوراً فَمَا لَهُ مِن نُّورٍ} (1).
(1) سورة النور، الآية:40.
إخوة الإسلام- في كل مكان- وكما يستطيع المنطق السليم كشف حقيقة المؤتمر وأهدافه، يستطيع المتأمل كذلك إسقاط فكرة المؤتمر الأساسية التي زعم المؤتمرون أنهم جاؤوا لمناقشتها ووضع الحلول لها، إذ تقوم فكرة المؤتمر على النظر في مشكلة الانفجار السكاني، وقلة الموارد وحتمية الفقر للشعوب وتضاعف الديون على الدول، والواقع يقول أن الشعوب الإسلامية ليس فيها انفجار سكاني إذا ما قورنت بالشعوب الكافرة الأخرى كالصين مثلاً، وبلاد المسلمين من أكثر البلاد موارد لو أحسن استغلالها، وهي أحوج ما تكون إلى كثرة السكان التي تسهم في استخراج مواردها ويستغني شعوبها عن استيراد العمالة من شعوب الأرض الأخرى- كما هو الواقع الآن.
ولو كانت هذه الدول الكافرة صادقة في حل إشكالية الفقر للشعوب لما أحرقت كل عام كميات هائلةً من المنتجات الزراعية خشية تأثير الأسعار ولبعثت بها إلى من تراهم رأى العين يتضورون جوعًا ويموتون فقرًا.
ولو نطقت البحار لشهدت على الكميات من الموارد التي تهدر فيها وللسبب ذاته فأين حل مشكلة الفقر والحال تلك؟ بل وأين حل المشكلة وكيف نستطيع التوفيق بين مزاعم هذه الدول في حل مشكلة الفقر المستقبلية المتوقعة، وواقعها الحاضر يشهد على فرض العقوبات الاقتصادية على شعوبها حتى يهلكوا لقلة الغذاء والدواء ويتآمروا جميعًا على ممارسة الحصار الاقتصادي على دول حتى يحاولوا عزلها عن الدول الأخرى؟
أما الديون المتراكمة على الدول النامية فيدرك الغرب الكافر أنها لن تحل بقلة السكان وتخفيض النسل، وهم وغيرهم يعلمون أن الديون تعود بالدرجة الأولى إلى إهدار موارد الأمة وعدم الاستفادة من كل طاقتها، وإضافة إلى تزايد السرقات من الزعماء والقادة لهذه الموارد لحساباتهم الخاصة، ومن حولهم من
المنافقين المنتفعين، وبالتالي فليست مشكلة الفقر شبحًا مخيفًا للأعداء لهذه الدرجة، وليست النية صادقة لحل إشكال العالم النامي كما يزعمون، وهم أقل وأبخل من النظر والتصدي لهذه القضية، وصدق الله إذا يقول لأسلافهم من الكافرين {قُل لَّوْ أَنتُمْ تَمْلِكُونَ خَزَآئِنَ رَحْمَةِ رَبِّي إِذاً لأَمْسَكْتُمْ خَشْيَةَ الإِنفَاقِ وَكَانَ الإنسَانُ قَتُوراً} (1).
(1) سورة الإسراء، الآية:100.