الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
(2) مؤتمر الإسكان الدولي العبرة والواجب
(1)
الحمد لله رب العالمين، قال وهو أصدق القائلين {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ} (2)، وأشهد إلا إله إلا الله وحده لا شريك له يتولى الصالحين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله النبي الأمين عليه وعلى سائر الأنبياء والمرسلين أفضل الصلاة وأزكى التسليم.
أمَّا بعد فاتقوا الله معاشر المسلمين والتزموا شرعه وقفوا عند حدوده: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ} (3)، {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنظُرْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ} (4).
معاشر المسلمين كان حديثي إليكم في الجمعة الماضية عن مؤتمر السكان بين العقل والشرع، ووعدتكم استكمال الحديث في هذه الخطبة عن الدروس التي نبتغي أن نعيها وندركها، والموقف الذي يجب أن نتخذه ونعمل به إزاء هذا المؤتمر وأمثاله.
فالمؤتمر أولاً يؤكد العداوة الظاهرة من اليهود والنصارى واللادينيين للإسلام وأهله، وهذه دول الكفر تتنادى من بقاع الأرض للتآمر على المسلمين، وهتك ما بقي لهم من خلق وحياء، واستغلال ضعف المسلمين وتفرق كلمتهم في فرض الوصاية عليهم وإملاء القوانين والدساتير والبنود المناسبة لهم حتى وإن صادمت عقائد المسلمين أو كانت طعنة نجلاء في نحورهم وتنحية متعمدة لما
(1) 11/ 4/ 1415 هـ.
(2)
سورة البقرة، الآية:120.
(3)
سورة التوبة، الآية:119.
(4)
سورة الحشر، الآية:18.
جاءت به شرائعهم، وصدق الله إذ يقول:{وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلَا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى} (1).
وليس يخفى أن هذه العداوة قديمة تتجدد عبر القرون، والمطلعون يؤكدون أن هذا المؤتمر حلقة قي سلسلة تحكم حلقاتها في هذا الزمان فقد سبقه مؤتمر للسكان الأول في بوخارست عام 1974 م، ثم أعقبه المؤتمر الثاني للسكان والمعقود بالمكسيك عام 1984 م، وهذا المؤتمر الثالث وما برحت الأمم المتحدة وهياكلها المخصصة تثير هذه القضية وتروج لها عالميًا عبر العقود، وتتخذ لها سياسة النفس الطويل، وسياسة التخطيط طويل المدى {وَلا يَحِيقُ الْمَكْرُ السَّيِّئُ إِلَاّ بِأَهْلِهِ (2)} (3).
والمؤتمر يكشف هوية الأمم المتحدة وأمثالها من المنظمات العالمية التي يسيطر عليها اليهود والنصارى، ويكشف أهدافها، وإنك لتعجب من أمينها الصليبي (بطرس غالى) حين يقول في المؤتمر (واعتبر أن دور الأمم المتحدة في قضايا السكان والتنمية مكمل لدورها في حفظ السلام والأمن الدوليين)(4).
ونحن نقول: وهل نجحت أصلاً هيئة الأمم المتحدة في حفظ السلام والأمن في العالم، والواقع يشهد بفشلها في الصومال، وانحيازها المكشوف مع النصارى الصرب ضد مسلمي البوسنة والهرسك حتى تستكمل دورها في القضايا الأخرى، أم أن تلك أقنعة تتستر بها، وتعمل وفق أهدافها ما يخدم مصالحها ويحقق رسالتها
(1) سورة البقرة، الآية:120.
(2)
سورة فاطر الآية 43.
(3)
انظر مقال د. عبد العزيز السنبل: مؤتمر السكان والتنمية لماذا؟ الجزيرة.
(4)
الحياة، العدد 11524، في 1/ 4/ 1415 هـ.
والمتأمل في الموضوعات المطروحة للنقاش في المؤتمر يدرك هدف الغرب وحرصهم على فرض الحضارة الغربية وقِيَمها البالية على كافة شعوب العالم، ويدرك أيضًا محاولة الغرب ترحيل مشكلاته إلى الآخرين، وإجبارهم على حل هذه المشكلات وتقنينها، فالإجهاض مثلاً- وهو من أكبر القضايا المثيرة للجدل- مشكلة كبرى وقضية مثيرة للجدل هناك، وتتصدر الأخبار عندهم حوادث قتل الأطباء الذين يمارسون عمليات الإجهاض، وتقف بعض الجمعيات تدافع عن القاتلين، لأنهما حين قتلا إنما كانا يدافعان عن حق الأجنة في الحياة.
إذًا هذه مشكلة وهي تحتاج إلى دراسة وتقنين، وهذا المؤتمر فرصة لدراستها وتقنينها، ولو كانت على حساب الآخرين، وزواج الرجل بالرجل يمارس علنًا في ظل هذه الحضارة المزعومة، بل وتحميها وتباركها (الكنيسة المضللة)، وفي جامعة فرجينيا مثلاً- وهي من أكبر الجامعات تميزًا في أمريكا يعرض الأستاذ في مقرر الأصول الاجتماعية للتربية على الطلبة فيلمًا وثائقيًا لهذه الظاهرة وفيه يظهر العروسان وعدد من المدعوين في الكنيسة، والقسيس وهو يتحدث عن الحياة الزوجية وأهميتها ويطلب منها مراعاة كل منهما للآخر والمحافظة على مشاعره، فهل يتصور عاقل هذا الزواج؟ وهل من قيم الحضارة ترحيل هذه المشكلات للآخرين (1).
إخوة الإسلام، لقد بلغت البهيمية عند هؤلاء ذروتها، وتصدع جدران الأسرة وتحطمت أركانها، وغرقوا في الوحل واعترفوا بالضياع فأرادوا جر غيرهم وإشراك العالم في مشكلاتهم، ولم يكن ذلك منسجمًا ولا متوازنًا مع ما بلغوه من العلم المادي، والتقدم التكنولوجي، وهذا أحد زعمائهم، السيناتور (ويلم
(1) انظر مقال الدكتور/ محمد عبد العليم مرسي، مؤتمر السكان والتنمية هذا، الشرق الأوسط، عدد 576 في 10/ 9/ 1994 م.
فوليرايت) رئيس لجنة العلاقات الخارجية في الكونجرس الأمريكي لعدة دورات، ومؤلف كتاب (حماقة القوة) يُسأل عن انطباعه حين حققت أمريكا ما حققت في عالم الفضاء فيقول غير مبهور ولا مأخوذ بما وصلوا إليه (لقد وضعنا رجلاً على سطح القمر ولكن أقدامنا مغروسة في الوحل).
وهو بذلك يشير إلى المآسي الأخلاقية والاجتماعية التي يعاني منها المجتمع (1).
فهل يفيق المغرمون بهذه الحضارة وهل يكون الأتباع أشد عجبًا من المتبوعين، وهل يكون الأدعياء من أهل الدار الأصلاء؟
{فَإِنَّهَا لا تَعْمَى الأَبْصَارُ وَلَكِن تَعْمَى الْقُلُوبُ الَّتِي فِي الصُّدُورِ} (2).
والمؤتمر رسالة مكشوفة لإفساد الأسرة المسلمة وهدِّ بنيانها وهو سهم طائش، ظالم تجاه المرأة، إذ يملأ رحمها زورًا وبهتانًا ثم يعمد إلى إجهاضها ظلما وعدوانًا، وهو تحريض مسيس لثورتها على الأصول والثوابت وتشكيك لها في الوحيين: في القرآن والسنة، ولا أخال المرأة المسلمة الواعية تجهل مداخلهم الخفية من أبواب الحرية، والمساواة، والتعليم والثقافة، تلك التي تستجر بسطاء النساء وتعي ما وراءها الواعيات من النساء.
ومن دروس المؤتمر أنه كشف عن جهل أو ضعف بعض المسلمين الذين شاركوا فيه دون استحضار هذه القيم والمعاني والأهداف المرسومة سلفًا، وأعطت مؤشرًا لبعض من يثقون بالغرب ثقة عمياء ويتخذونهم أولياء والله تعالى
(1) المرجع السابق.
(2)
سورة الحج، الآية:46.
وكشف المؤتمر عن المنافقين الذين يتعاملون مع المسلمين بوجه ويتعاملون مع الكافرين بوجه آخر، وأولئك يروجون للمؤتمر ويدفعون عجلته أكثر من أصحابه، بل يصورون المؤتمر فرصة لتوضيح مبادئ الإسلام، والهدف من التشكيك في أصول الإسلام وثوابته، فالمؤتمر وإن كانت ديار المسلمين تحضنه فهو غربي المنشأ والتخطيط، صليبي الغرض والهدف، يبرز فيه الفاتيكان مناقَشًا ومعترضًا ظاهرًا والله أعلم بما يدور ويخطط في الخفاء، وحين يكون يوم الأحد إجازة للمؤتمرين فذلك إحكام للنصارى السيطرة على المؤتمر شكلاً ومضمونًا. والله المستعان.
إخوة الإيمان، ومع ذلك كله ومع غير هذه الوقفات والدروس التي يطول سردها فينبغي ألا يخامر المسلمين أدنى شك في دينهم، أو يدخل اليأس والإحباط إلى قلوبهم، وهذا هو الواجب الأول على المسلم تجاه هذه المؤتمرات، بل ينبغي أن يزداد المؤمن ثقة بدينه وحماسًا للتمسك به ونشره، فليس يحارب إلَاّ الأقوياء، وليس يبتلى إلا المؤمنون الأشداء، ولو لم يكن هذا الدين من العظمة والسمو والقدرة على غزو الآخرين والتأثير فيهم لما هابه الأعداء وخططوا للقضاء عليه، فإذا كان هذا مع ما في المسلمين من ضعف ومع ما في تطبيق تعاليم الإسلام من قصور في واقع المسلمين فكيف لو عادت للمسلمين قوتهم، وكيف لو سادت الأرض أحكام الإسلام
…
الله أكبر إنه التخوف من شبح الإسلام، والقلق لهذه القوة المسلمة أن تتفجر يومًا من الأيام،
(1) سورة الممتحنة، الآية:1.
فليس أمام قوى الكفر إلَاّ أن يمنعوا الانفجار، وليس لهم بُدٌ من التخطيط لإبعاد المسلمين عن هذا الإسلام ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين، يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون.
نفعني الله وإياكم ....