الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وَقَالَ ابْن النجار إِمَام الْفُقَهَاء على الْإِطْلَاق ورباني الْأمة بالِاتِّفَاقِ ومجتهد زَمَانه وَعين وقته وأوانه وَمن شاع ذكره فِي الْبِلَاد واشتهر فَضله بَين الْعباد واتفقت الطوائف على تبجيله وتعظيمه وتوقيره وتكريمه وخافه المخالفون وانقهر بحججه وأدلته المناظرون وَظَهَرت بتنقيحاته فضائح المبتدعة والمخالفين وَقَامَ بنصر السّنة وَإِظْهَار الدّين وسارت مصنفاته فِي الدُّنْيَا مسير الشَّمْس فِي الْبَهْجَة وَالْجمال وَشهد لَهُ الْمُخَالف والموافق بالتقدم والكمال
انْتهى
وَفِي كَلَام المترجمين كَثْرَة فَلَا نطيل فَفِيمَا ذَكرْنَاهُ مقنع وبلاغ
ذكر بقايا من تَرْجَمته رضي الله عنه
قَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ قَرَأت فِي كتاب كتبه الْغَزالِيّ إِلَى أبي حَامِد بن أَحْمد بن سَلامَة بالموصل فَقَالَ فِي خلال فصوله أما الْوَعْظ فلست أرى نَفسِي أَهلا لَهُ لِأَن الْوَعْظ زَكَاة نصابه الاتعاظ فَمن لَا نِصَاب لَهُ كَيفَ يخرج الزَّكَاة وفاقد الثَّوْب كَيفَ يستر بِهِ غَيره وَمَتى يَسْتَقِيم الظل وَالْعود أَعْوَج وَقد أوحى الله تَعَالَى إِلَى عِيسَى ابْن مَرْيَم عليه السلام عظ نَفسك فَإِن اتعظت فعظ النَّاس وَإِلَّا فاستحي مني
وَقَالَ أَيْضا سَمِعت أَبَا سعيد مُحَمَّد بن أسعد بن مُحَمَّد بن الْخَلِيل النوقاني بمرو ومذاكرة فِي دَارنَا يَقُول حضرت درس الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ لكتاب إحْيَاء عُلُوم الدّين فَأَنْشد
(وحبب أوطان الرِّجَال إِلَيْهِم
…
مآرب قَضَاهَا الْفُؤَاد هنالكا)
(إِذا ذكرُوا أوطانهم ذكرتهم
…
عهود الصِّبَا فِيهَا فحنوا لذلكا)
قَالَ فَبكى وأبكى الْحَاضِرين
وَقَالَ أَيْضا سَمِعت أَبَا نصر الْفضل بن الْحسن بن عَليّ الْمقري مذاكرة بمرو يَقُول دخلت على الإِمَام الْغَزالِيّ مودعا فَقَالَ لي احْمِلْ هَذَا الْكتاب إِلَى الْمعِين النَّائِب أبي الْقَاسِم الْبَيْهَقِيّ
ثمَّ قَالَ لي وَفِيه شكاية على الْعَزِيز الْمُتَوَلِي للأوقاف بطوس وَكَانَ ابْن أخي الْمعِين فَقلت لَهُ كنت بهراة عِنْد عَمه الْمعِين وَكَانَ الْعِمَاد الطوسي جَاءَ بِمحضر فِي الثَّنَاء على الْعَزِيز وَعَلِيهِ خطك وَكَانَ عَمه قد طرده وهجره فَلَمَّا رأى شكرك وثناءك عَلَيْهِ قربه ورضى عَنهُ
فَقَالَ الإِمَام الْغَزالِيّ سلم الْكتاب إِلَى الْمعِين واقرأ عَلَيْهِ هَذَا الْبَيْت وَأنْشد
(وَلم أر ظلما مثل ظلم ينالنا
…
يساء إِلَيْنَا ثمَّ نؤمر بالشكر)
وَقَالَ أَبُو عبد الله مُحَمَّد بن يحيى بن عبد الْمُنعم الْعَبدَرِي الْمُؤَذّن رَأَيْت بالإسكندرية فِي سنة خَمْسمِائَة فِي إِحْدَى شَهْري الْمحرم أَو صفر فِيمَا يرى النَّائِم كَأَن الشَّمْس طلعت من مغْرِبهَا فَعبر ذَلِك بعض المعبرين ببدعة تحدث فيهم فَبعد أَيَّام وصلت المراكب بإحراق كتب الإِمَام أبي حَامِد الْغَزالِيّ بالمرية
وَعَن الإِمَام فَخر الْإِسْلَام أبي بكر الشَّاشِي لما ولي نظام الْملك أَبَا حَامِد درس النظامية بِبَغْدَاد وَقدم إِلَيْهَا فِي سنة أَربع وَثَمَانِينَ وَأَرْبَعمِائَة اجْتمع عَلَيْهِ الْفُقَهَاء وَقَالُوا لَهُ قد علم سيدنَا أَن الْعَادة أَن من درس بِهَذِهِ الْبقْعَة عمل دَعْوَة للفقهاء ويحضرهم سَمَاعا ونريد أَن تكون دعوتك كرتبتك فِي الْعلم
فَقَالَ الْغَزالِيّ سمعا وَطَاعَة لَكِن على أحد أَمريْن إِمَّا أَن يكون التَّقْدِير إِلَيْكُم وَالتَّعْيِين لي أَو بِالْعَكْسِ
فَقَالُوا بل التَّقْدِير إِلَيْك والتعين لنا فنريد الدعْوَة الْيَوْم
فَقَالَ لَهُم فالتقدير حِينَئِذٍ مني على حسب مَا يمكنني وَهُوَ خبز وخل وبقل
فَقَالُوا لَا وَالله بل التَّعْيِين لَك وَالتَّقْدِير لنا ونريد أَن يكون فِي هَذِه الدعْوَة من الدَّجَاج كَذَا وَمن الحلو كَذَا
فَقَالَ سمعا وَطَاعَة وَالتَّعْيِين بعد سنتَيْن
فَقَالُوا قد عجزنا وَسلمنَا الْكل إِلَيْك لعلمنا أننا إِن جرينا مَعَك على قَاعِدَة النّظر حلت بَيْننَا وَبَين الظفر من هَذِه الدعْوَة بِقَضَاء الوطر
وَكَانَ فِي زَمَاننَا شخص يكره الْغَزالِيّ يذمه ويستعيبه فِي الديار المصرية فَرَأى النَّبِي صلى الله عليه وسلم فِي الْمَنَام وَأَبا بكر وَعمر رضي الله عنهما بجانبه وَالْغَزالِيّ جَالس بَين يَدَيْهِ وَهُوَ يَقُول يَا رَسُول الله هَذَا يتَكَلَّم فِي
وَأَن النَّبِي صلى الله عليه وسلم قَالَ هاتوا السِّيَاط وَأمر بِهِ فَضرب لأجل الْغَزالِيّ وَقَامَ هَذَا الرجل من النّوم وَأثر السِّيَاط على ظَهره وَلم يزل وَكَانَ يبكي ويحكيه للنَّاس
وسنحكي مَنَام أبي الْحسن بن حرزهم المغربي الْمُتَعَلّق بِكِتَاب الْإِحْيَاء وَهُوَ نَظِير هَذَا
وَحكى لي بعض الْفُقَهَاء أهل الْخَيْر بالديار المصرية أَن شخصا تكلم فِي الْغَزالِيّ فِي درس الشَّافِعِي وسبه فَحمل هَذَا الحاكي من ذَلِك هما مفرطا وَبَات تِلْكَ اللَّيْلَة فَرَأى الْغَزالِيّ فِي النّوم فَذكر لَهُ مَا وجد من ذَلِك فَقَالَ لَا تحمل هما غَدا يَمُوت
فَلَمَّا أصبح توجه إِلَى درس الشَّافِعِي فَوجدَ ذَلِك الْفَقِيه قد حضر طيبا فِي عَافِيَة ثمَّ خرج من الدَّرْس فَلم يصل إِلَى بَيته إِلَّا وَقد وَقع من على الدَّابَّة وَدخل بَيته فِي حَال التّلف وَتُوفِّي آخر ذَلِك النَّهَار
وَمِمَّا يعد من كرامات الْغَزالِيّ أَيْضا أَن السُّلْطَان عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين صَاحب الْمغرب الملقب بأمير الْمُسلمين وَكَانَ أَمِيرا عادلا نزها فَاضلا عَارِفًا بِمذهب مَالك خيل إِلَيْهِ لما دخلت مصنفات الْغَزالِيّ إِلَى الْمغرب أَنَّهَا مُشْتَمِلَة على الفلسفة المحضه
وَكَانَ الْمَذْكُور يكره هَذِه الْعُلُوم فَأمر بإحراق كتب الْغَزالِيّ وتوعد بِالْقَتْلِ من وجد عِنْده شَيْء مِنْهَا فاختلت حَاله وَظَهَرت فِي بِلَاده مَنَاكِير كَثِيرَة وقويت عَلَيْهِ الْجند وَعلم من نَفسه الْعَجز بِحَيْثُ كَانَ يَدْعُو الله بِأَن يقيض للْمُسلمين سُلْطَانا يقوى على أَمرهم وَقَوي عَلَيْهِ عبد الْمُؤمن بن عَليّ
وَلم يزل من حِين فعل بكتب الْغَزالِيّ مَا فعل فِي عكس ونكد إِلَى أَن توفّي