الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فَيُقَال لَهُ فَلم زَاد عَلَيْهِ فِي التَّهَجُّد وجوبا هلا قَالَ إِن من بلغ دَرَجَة النُّبُوَّة يسْتَغْنى عَمَّا يحْتَاج إِلَيْهِ غَيره وَلَو قَالَ لقبل مِنْهُ كَمَا قبل مِنْهُ أَنه أحل لَهُ تِسْعَة من النِّسَاء بل مَا شَاءَ فَإِنَّهُ بِقُوَّة النُّبُوَّة يقوى على الْعدْل مَعَ كَثْرَة النِّسَاء كَمَا قبل من الْمدرس أَن يَأْمر تلامذته بالتكرار السهر لَيْلًا وَهُوَ ينَام وَيَقُول إِنِّي قد بلغت دَرَجَة اسْتَغْنَيْت عَن ذَلِك وَلَيْسَ يتْرك أحد تكراره بِهَذِهِ الشُّبْهَة
وَلَعَلَّ هَذَا الْمَغْرُور إِذا صَار ضحكة للشَّيْطَان سخر مِنْهُ وَقَالَ لَهُ أَنْت أكمل من النَّبِي وَالصديق وكل من واظب على الْفَرَائِض وَعند هَذَا نقطع الطمع من صَلَاحه فَهُوَ مِمَّن قَالَ فيهم {وَإِن تَدعهُمْ إِلَى الْهدى فَلَنْ يهتدوا إِذا أبدا}
مَسْأَلَة
أما مَا ذكره من أَنه لَو اشْتغل بالتكاليف لشغله ذَلِك عَن الْقرْبَة الَّتِي نالها والكمال الَّذِي بلغه فَهُوَ كذب صَرِيح ومحال فَاحش قَبِيح لِأَن التكاليف قِسْمَانِ أَمر وَنهي
فَأَما المنهيات مثل الزِّنَا وَالسَّرِقَة وَالْقَتْل وَالضَّرْب والغيبة وَالْكذب وَالْقَذْف فَترك ذَلِك كَيفَ يشغل عَن الْكَمَال وَكَيف يحجب عَن الْقرْبَة وَأي كَمَال يكون مَوْقُوفا على ركُوب هَذِه القاذورات
وَأما المأمورات فكالزكاة وَالصَّوْم وَالصَّلَاة فَكيف تحجبه الزَّكَاة وَلَو أنْفق جَمِيع مَاله فقد دفع الشواغل عَن نَفسه وَلَو صَامَ جَمِيع دهره فَهَل يفوتهُ بذلك إِلَّا سلطنة الشَّهْوَة فَمَا الَّذِي يفوت من الْكَمَال بترك الْأكل صخوة النَّهَار فِي شهر وَاحِد هُوَ رَمَضَان وَأما الصَّلَاة فتنقسم إِلَى أَفعَال وأذكار وأفعاله قيام وركوع وَسُجُود وَلَا شكّ فِي أَنه لَا يخرج من الْقرْبَة بالأفعال الْمُعْتَادَة فَإِنَّهُ إِن لم يصل فسيكون إِمَّا قَائِما أَو قَاعِدا أَو مُضْطَجعا وَغير الْمُعْتَاد هُوَ السُّجُود وَالرُّكُوع وَكَيف يحجب عَن الْقرْبَة مَا هُوَ سَبَب الْقرْبَة قَالَ الله تَعَالَى لنَبيه صلى الله عليه وسلم {واسجد واقترب}
وَمن عشق ملكا ذَا جمال فَإِذا وضع خَدّه على التُّرَاب بَين يَدَيْهِ استكانة لَهُ وجد فِي قلبه مزِيد روح وراحة وَقرب وَلذَلِك قَالَ صلى الله عليه وسلم (وَجعلت قُرَّة عَيْني فِي الصَّلَاة)
فاستدامه حَال الْقرْبَة واستزادتها فِي السُّجُود وأيسر مِنْهُ فِي الِاضْطِجَاع وَالْقعُود وَمهما ألقِي فِي قلبه أَن السُّجُود سَبَب حرمانه عَن الْقرب كَانَ ذَلِك أنموذجا من حَال إِبْلِيس حَيْثُ ألقِي فِي نَفسه أَن السُّجُود بِحكم الْأَمر سَبَب زَوَال قربته وكماله فَكل ولي سقط من دَرَجَة الْقرْبَة إِلَى دَرَجَة اللَّعْنَة فسببه ترك السُّجُود ومقتداه وإمامه إِبْلِيس وكل ولي أسعد بالترقي إِلَى دَرَجَات الْقرب قيل لَهُ اسجد واقترب ومقتداه وإمامه الرَّسُول صلى الله عَلَيْهِ وَسلم
وَلَا يَنْبَغِي أَن يتَوَهَّم الْوَلِيّ الْخَلَاص عَن خداع إِبْلِيس مادام فِي هَذِه الْحَيَاة بل لَا ينجو عَنهُ الْأَنْبِيَاء حَتَّى أجري على لِسَانه صلى الله عليه وسلم تِلْكَ الغرانيق الْعلَا وَإِن شفاعتهن لترتجى) لَكِن النَّبِي لَا يُقرر على الْخَطَأ كَمَا قَالَ تَعَالَى {وَمَا أرسلنَا من قبلك من رَسُول وَلَا نَبِي إِلَّا إِذا تمنى ألْقى الشَّيْطَان فِي أمْنِيته فَينْسَخ الله مَا يلقِي الشَّيْطَان ثمَّ يحكم الله آيَاته} الْآيَة
وَأما أذكار الصَّلَاة فتكبير وفاتحة وَتشهد لَا فَرِيضَة إِلَّا هَذَا فَمَا وَجه الضَّرُورَة فِي قَوْله الله أكبر وَفِي الْحَمد لله والالتجاء إِلَيْهِ والاستعانة وَطلب الْهِدَايَة إِلَى الصِّرَاط الْمُسْتَقيم وَهَذَا مَضْمُون الْفَاتِحَة وكل ذَلِك مُنَاجَاة مَعَ الله تَعَالَى
وَإِن صَحَّ مَا يَقُوله مثلا فَكل يَوْم الآف نفس فليصرف هَذِه الأنفاس المعدودة إِلَى الذّكر وَالسُّجُود ولينقص هَذِه اللحظات من دَرَجَات كَمَاله ليأمن بِهَذِهِ المكتوبات عَن ضَرَر التنين الَّذِي لَا يعْتد بشر سواهُ ويتخلص من خطر الْخَطَأ فِي هَذَا الِاعْتِقَاد وَلَا شكّ فِي أَن الْخَطَأ مُمكن فِيهِ إِن لم يكن مَقْطُوعًا بِهِ
وَإِن قَالَ إِن صرف الْقلب إِلَى حفظ تَرْتِيب الْأَفْعَال والأذكار هُوَ الَّذِي يشغلني عَن دَرَجَة الْقرب فَهُوَ دَعْوَى محَال لِأَن المقتدى لَا يحْتَاج إِلَى تكلّف الْحِفْظ بل المشتهر غَيره إِذا حفظ بَيْتا مرّة يُنَاسب حَاله لم يعسر التَّغَنِّي بِهِ