الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رَأَيْته غير مرّة وَكَانَ عَلَيْهِ مهابة وجلالة وأنوار الْعلم وَالصَّلَاح ظَاهِرَة عَلَيْهِ
توفّي فِي ذِي الْحجَّة من سنة إِحْدَى وَتِسْعين وَخَمْسمِائة
583 - أَحْمد بن مُحَمَّد بن أَحْمد بن مُحَمَّد بن إِبْرَاهِيم بن سلفة الْحَافِظ الْكَبِير أَبُو ظَاهر بن أبي أَحْمد السلَفِي الْأَصْبَهَانِيّ الجراوآني
وجروآن بِفَتْح الْجِيم وَإِسْكَان الرَّاء ثمَّ الْوَاو ثمَّ الْألف الممدودة ثمَّ النُّون محلّة بأصبهان
وسلفة فِيمَا ذكر شَيخنَا الذَّهَبِيّ لقب لِأَحْمَد وَفِيمَا كنت أحفظه اسْم لوالد إِبْرَاهِيم وَلَعَلَّ الأثبت مَا ذكر شَيخنَا
كَانَ حَافِظًا جَلِيلًا وإماما كَبِيرا وَاسع الرحلة دينا ورعا حجَّة ثبتا فقهيا لغويا انْتهى إِلَيْهِ علو الْإِسْنَاد مَعَ الْحِفْظ والإتقان
قيل مولده سنة اثْنَتَيْنِ وَسبعين وَأَرْبَعمِائَة تخمينا لَا يَقِينا
وَقيل سنة خمس وَسبعين
وَقيل سنة ثَمَان وَسبعين وَهُوَ قَول سَاقِط فَإِن السلَفِي جَاوز الْمِائَة بِلَا ريب
وَقد طلب الحَدِيث وَكتب الْأَجْزَاء وَقَرَأَ بالروايات فِي سنة تسعين وَبعدهَا
وَحكى عَن نَفسه إِنَّه حدث سنة اثنيتن وَتِسْعين وَمَا فِي وَجهه شَعْرَة وَأَنه كَانَ ابْن سبع عشرَة سنة أَو نَحْوهَا
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْغَنِيّ سمعته يَقُول أَنا أذكر قتل نظام الْملك فِي سنة خمس وَثَمَانِينَ وَكَانَ عمري نَحْو عشر سِنِين وَقد كتبُوا عني فِي أول سنة اثْنَتَيْنِ وَتِسْعين وَأَنا ابْن سبع عشرَة سنة أَو أَكثر أَو أقل وَلَيْسَ فِي وَجْهي شَعْرَة كالبخاري يَعْنِي لما كتبُوا عَنهُ
وَأول سَماع السلَفِي سنة ثَمَان وَثَمَانِينَ سمع من الْقَاسِم بن الْفضل الثَّقَفِيّ وَسمع من عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد بن يُوسُف السمسار وَسَعِيد بن مُحَمَّد الْجَوْهَرِي وَمُحَمّد بن مُحَمَّد بن عبد الْوَهَّاب الْمَدِينِيّ وَالْفضل بن عَليّ الْحَنَفِيّ ومكي بن مَنْصُور بن عَلان الكرجي وَمعمر بن أَحْمد اللنباني
وَعمل معجما حافلا لشيوخه الأصبهانيين
ثمَّ رَحل فِي رَمَضَان سنة ثَلَاث وَتِسْعين إِلَى بَغْدَاد وَأدْركَ نصرا ابْن البطر
قَالَ فِيمَا يَحْكِي عَن نَفسه دَخَلتهَا فِي رَابِع شهر شَوَّال فَلم يكن لي همة سَاعَة دُخُولهَا إِلَّا الْمُضِيّ إِلَى ابْن البطر فَدخلت عَلَيْهِ شَيخا عسرا فَقلت قد وصلت من أَصْبَهَان لِأَجلِك
فَقَالَ اقْرَأ
جعل بدل الرَّاء غينا
فَقَرَأت عَلَيْهِ وَأَنا متك لأجل دَمًا مل بِي
فَقَالَ أبْصر ذَا الْكَلْب
فاعتذرت إِلَيْهِ بالدماميل وبكيت من كَلَامه وقرأت سَبْعَة عشر حَدِيثا وَخرجت
ثمَّ قَرَأت عَلَيْهِ نَحوا من خَمْسَة وَعشْرين جُزْءا وَلم يكن بِذَاكَ
وَسمع بِبَغْدَاد أَيْضا من أبي بكر الطريثيثي وَأبي عبد الله بن البسرى وثابت بن بنْدَار والموجودين بهَا إِذْ ذَاك
وَعمل معجما لشيوخها
ثمَّ حج وَسمع فِي طَرِيقه بِالْكُوفَةِ من أبي الْبَقَاء المعمر بن مُحَمَّد الحبال
وبمكة من الْحُسَيْن بن عَليّ الطَّبَرِيّ
وبالمدينة من أبي الْفرج الْقزْوِينِي
وَعَاد إِلَى بَغْدَاد فتفقه بهَا واشتغل بِالْعَرَبِيَّةِ
ثمَّ رَحل إِلَى الْبَصْرَة سنة خَمْسمِائَة فَسمع من مُحَمَّد بن جَعْفَر العسكري وَجَمَاعَة
وبزنجان من أبي بكر أَحْمد بن مُحَمَّد بن زنجوية
وبهمذان من أبي غَالب أَحْمد بن مُحَمَّد الْمُزَكي وَطَائِفَة
وجال فِي الْجبَال ومذنها
وَسمع بِالريِّ والدينور وقزوين وساوة ونهاوند
وَكَذَلِكَ طَاف بِلَاد أذربيجان إِلَى دربند فَسمع بأماكن وَعَاد إِلَى الجزيرة من ثغر آمد
وَسمع بخلاط ونصيبين والرحبة
وَقدم دمشق سنة تسع وَخَمْسمِائة بِعلم جم فَأَقَامَ بهَا عَاميْنِ وَسمع بهَا من أبي طَاهِر الحنائي وَأبي الْحسن ابْن الموازيني وَخلق
ثمَّ مضى إِلَى صور وَركب مِنْهَا الْبَحْر الْأَخْضَر إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة واستوطنها إِلَى الْمَوْت
لم يخرج مِنْهَا إِلَّا مرّة فِي سنة سبع عشرَة إِلَى مصر فَسمع من أبي صَادِق الْمَدِينِيّ والموجودين بهَا وَعَاد وَجمع معجما ثَالِثا لشيوخه فِيمَا عدا بَغْدَاد وأصبهان
سمع مِنْهُ بِبَغْدَاد من شُيُوخه ورفاقه أَبُو عَليّ البرداني وهزارسب بن عوض وَأَبُو عَامر الْعَبدَرِي وَعبد الْملك بن يُوسُف وَسعد الْخَيْر الأندلسي
وروى عَنهُ شيخة الْحَافِظ مُحَمَّد بن طَاهِر وسبطة أَبُو الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مكي وَبَينهمَا فِي الْمَوْت مائَة وَأَرْبع وَأَرْبَعُونَ سنة
وروى عَنهُ أَيْضا الْحَافِظ سعد الْخَيْر وَعلي بن إِبْرَاهِيم السَّرقسْطِي
وَأَبُو الْعِزّ مُحَمَّد بن عَليّ الملقاباذي وَالطّيب بن مُحَمَّد الْمروزِي
وَقد روى عَن هَؤُلَاءِ الثَّلَاثَة عَنهُ الْحَافِظ أَبُو سعد ابْن السَّمْعَانِيّ وَمَات ابْن السَّمْعَانِيّ قبله بِأَرْبَع عشرَة سنة
وروى عَنهُ أَيْضا الصائن هبة الله بن عَسَاكِر وَيحيى بن سعدون الْقُرْطُبِيّ
وروى عَنهُ بِالْإِجَازَةِ جمَاعَة مَاتُوا قبله مِنْهُم القَاضِي عِيَاض
وَحدث عَنهُ أُمَم مِنْهُم حَمَّاد الْحَرَّانِي والحفاظ عَليّ بن الْمفضل وَعبد الْغَنِيّ وَعبد الْقَادِر الرهاوي والفقيه بهاء الدّين بن الجميزي والسبط وخلائق آخِرهم أَبُو بكر مُحَمَّد بن الْحسن السفاقسي ابْن أُخْت الْحَافِظ عَليّ ابْن الْمفضل الْمُتَوفَّى سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة روى عَن السلَفِي المسلسل بالأولية حضورا وَلم يكن عِنْده سواهُ
قَالَ شَيخنَا الذَّهَبِيّ لَا أعلم أحدا فِي الدُّنْيَا حدث نيفا وَثَمَانِينَ سنة سوى السلَفِي
تفقه السلَفِي على إِلْكيَا أبي الْحسن الطَّبَرِيّ وفخر الْإِسْلَام الشَّاشِي ويوسف ابْن عَليّ الزنجاني
وَأخذ الْأَدَب عَن أبي زَكَرِيَّا التبريزي وَغَيره
وَقَرَأَ الْقُرْآن بالروايات
ذكره ابْن عَسَاكِر فَقَالَ سمع من لَا يُحْصى وَحدث بِدِمَشْق فَسمع مِنْهُ أَصْحَابنَا وَلم أظفر بِالسَّمَاعِ مِنْهُ
وَسمعت بقرأءته من شُيُوخ عدَّة
ثمَّ خرج إِلَى مصر واستوطن الْإسْكَنْدَريَّة وَتزَوج بهَا امْرَأَة ذَات يسَار
وحصلت لَهُ ثروة بعد فقر وتصوف
وَصَارَت لَهُ بالإسكندرية وجاهة
وَبنى لَهُ الْعَادِل عَليّ بن إِسْحَاق ابْن السلار أَمِير مصر مدرسة بالإسكندرية
وحَدثني عَنهُ أخي وَأَجَازَ لي
انْتهى
وَابْن السلار وَزِير الْخَلِيفَة الظافر العبيدي صَاحب مصر وَهَذِه عَادَة وزراء العبيديين يسمون بالملوك
وَكَانَ ابْن السلار هَذَا سنيا شافعيا ولي ثغر الْإسْكَنْدَريَّة مُدَّة قبل الوزراء وَبنى الْمدرسَة إِذْ ذَاك
وَقَالَ ابْن السَّمْعَانِيّ هُوَ ثِقَة ورع متقن مُثبت حَافظ فهم لَهُ حَظّ من الْعَرَبيَّة كثير الحَدِيث حسن الْفَهم والبصيرة فِيهِ
وَقَالَ الْحَافِظ عبد الْقَادِر الرهاوي سَمِعت من يَحْكِي عَن الْحَافِظ ابْن نَاصِر أَنه قَالَ عَن السلَفِي كَانَ بِبَغْدَاد كَأَنَّهُ شعلة نَار فِي تَحْصِيل الحَدِيث
قَالَ عبد الْقَادِر وَكَانَ لَهُ عِنْد مُلُوك مصر الجاه والكلمة النافذة مَعَ مُخَالفَته لَهُم فِي الْمَذْهَب وَكَانَ لَا تبدو مِنْهُ جفوة لأحد وَيجْلس للْحَدِيث فَلَا يشرب مَاء وَلَا يبصق وَلَا يتورك وَلَا يبدوا لَهُ قدم وَقد جَاوز الْمِائَة
بَلغنِي أَن سُلْطَان مصر حضر عِنْده للسماع فَجعل يتحدث مَعَ أَخِيه فزبرهما وَقَالَ أيش هَذَا نَحن نَقْرَأ الحَدِيث وأنتما تتحدثان
قَالَ وَبَلغنِي أَنه فِي مُدَّة مقَامه بالإسكندرية وَهِي أَربع وَسِتُّونَ سنة مَا خرج إِلَى بُسْتَان وَلَا فُرْجَة غير مرّة وَاحِدَة بل كَانَ عَامَّة دهره ملازما مدرسته وَمَا كُنَّا نكاد ندخل عَلَيْهِ إِلَّا نرَاهُ مطالعا فِي شَيْء
وَكَانَ حَلِيمًا متحملا كفاء الغرباء
وَقد سَمِعت بعض فضلاء همذان يَقُول السلَفِي أحفظ الْحفاظ
قَالَ عبد الْقَادِر وَكَانَ آمرا بِالْمَعْرُوفِ ناهيا عَن الْمُنكر أَزَال من جواره مُنكرَات كَثِيرَة
وَجَاء جمَاعَة من المقرئين بالألحان فأرادوا أَن يقرءوا فَمَنعهُمْ من ذَلِك وَقَالَ هَذِه الْقِرَاءَة بِدعَة بل اقْرَءُوا ترتيلا
فقرءوا كَمَا أَمرهم
قلت الْقِرَاءَة بالألحان جَائِزَة مَا لم يفرط بِحَيْثُ يزِيد حرفا أَو ينقص حرفا
وَقَالَ ابْن نقطة فِي السلَفِي كَانَ حَافِظًا ثِقَة جوالا فِي الْآفَاق سآلا عَن أَحْوَال الرِّجَال شجاعا
سمع الذهلي والمؤتمن السَّاجِي وَأَبا عَليّ البرداني وَأَبا الْغَنَائِم النَّرْسِي وخميسا الْحَوْزِيِّ
وحَدثني عَنهُ عبد الْعَظِيم الْمُنْذِرِيّ الْحَافِظ قَالَ لما أَرَادوا قِرَاءَة سنَن النَّسَائِيّ على السلَفِي أَتَوْهُ بنسخة سعد الْخَيْر وَهِي مصححة قد سَمعهَا من الدوني فَقَالَ اسْمِي فِيهَا
فَقَالُوا لَا
فاجتذبها من يَد القارىء بغيظ وَقَالَ لَا أحدث إِلَّا من أصل فِيهِ اسْمِي وَلم يحدث بِالْكتاب
وَقَالَ لي عبد الْعَظِيم إِن أَبَا الْحسن الْمَقْدِسِي قَالَ حفظت أَسمَاء وكنى وَجئْت إِلَى السلفى وذاكراته بهَا فَجعل يذكرهَا من حفظه وَمَا قَالَ لي أَحْسَنت
وَقَالَ مَا هَذَا شَيْء مليح أَنا شيخ كَبِير فِي هَذِه الْبَلدة هَذِه السنين لَا يذاكرني أحد وحفظي هَكَذَا
انْتهى
ويحكى عَن السلَفِي أَنه كَانَ إِذا اشْتَدَّ الطلق بِامْرَأَة جَاءَ أَهلهَا إِلَيْهِ فَكتب لَهُم ورقة تعلق عَلَيْهَا فتخلص بِإِذن الله تَعَالَى وَلَا يعلم مَا يكْتب فِيهَا ثمَّ كشف عَن ذَلِك فَإِذا هُوَ يكْتب فِيهَا اللَّهُمَّ إِنَّهُم ظنُّوا بِنَا خيرا فَلَا تخيبنا وَلَا تكذب ظنهم
وَكَانَ السلَفِي مغرى بِجمع الْكتب حصل مِنْهَا الْكثير وَكتب بِخَطِّهِ لَا سِيمَا من الْأَجْزَاء مَا لَا يعد كَثْرَة