الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
640 - مُحَمَّد بن عبد الله بن تومرت أَبُو عبد الله الملقب بالمهدي المصمودي الهرغي المغربي
صَاحب دَعْوَة السُّلْطَان عبد الْمُؤمن ملك الْمغرب
كَانَ رجلا صَالحا زاهدا ورعا فَقِيها
أَصله من جبل السوس من أقْصَى الْمغرب وَهُنَاكَ نَشأ
ثمَّ رَحل إِلَى الْمشرق لطلب الْعلم
فتفقه على الْغَزالِيّ وإليكا أبي الْحسن الهراسي
وَكَانَ أمارا بِالْمَعْرُوفِ نهاء عَن الْمُنكر خشن الْعَيْش كثير الْعِبَادَة شجاعا بطلا قوي النَّفس صَادِق الهمة فصيح اللِّسَان كثير الصَّبْر على الْأَذَى
يعرف الْفِقْه على مَذْهَب الشَّافِعِي وينصر الْكَلَام على مَذْهَب الْأَشْعَرِيّ
وَكَانَ كثير الْأَسْفَار وَلَا يستصحب إِلَّا عَصا وركوة
وَلَا يصبر عَن النهى عَن الْمُنكر وأوذي بذلك مَرَّات
دخل إِلَى مصر وَبَالغ فِي الْإِنْكَار فبالغوا فِي أَذَاهُ وطرده
وَكَانَ رُبمَا أوهم أَن بِهِ جنونا وَذَلِكَ عِنْد خشيَة الْقَتْل
ثمَّ خرج إِلَى الْإسْكَنْدَريَّة فَأَقَامَ بهَا مُدَّة ثمَّ ركب الْبَحْر وَمضى إِلَى بِلَاده
وَكَانَ قد رأى فِي مَنَامه وَهُوَ بالمشرق كَأَنَّهُ قد شرب مَاء الْبَحْر جَمِيعه كرتين فَلَمَّا ركب السَّفِينَة شرع يُنكر وألزمهم بِالصَّلَاةِ والتلاوة فَلَمَّا انْتهى إِلَى المهدية وصاحبها يَوْمئِذٍ يحيى بن تَمِيم الصنهاجي وَذَلِكَ فِي سنة خمس وَخَمْسمِائة نزل بهَا فِي مَسْجِد مُعَلّق على الطَّرِيق وَكَانَ يجلس فِي طاقته فَلَا يرى مُنْكرا من آلَة الملاهي أَو أواني الْخمر إِلَّا نزل وكسره فتسامع بِهِ النَّاس وَجَاءُوا إِلَيْهِ وقرءوا عَلَيْهِ كتبا فِي أصُول الدّين
وَبلغ خَبره الْأَمِير يحيى فاستدعاه مَعَ جمَاعَة من الْفُقَهَاء فَلَمَّا رأى سمته وَسمع كَلَامه أكْرمه وَسَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ لَهُ أصلحك الله لرعيتك
ثمَّ نزح عَن الْبَلَد إِلَى بجاية فَأَقَامَ بهَا يُنكر كدأبة فَأخْرج مِنْهَا إِلَى قَرْيَة ملالة فَوجدَ بهَا عبد الْمُؤمن بن عَليّ الْقَيْسِي فَيُقَال إِن ابْن تومرت كَانَ قد وَقع بِكِتَاب فِيهِ صفة عبد الْمُؤمن واسْمه
وَصفته رجل يظْهر بالمغرب الْأَقْصَى من ذُرِّيَّة النَّبِي صلى الله عليه وسلم يَدْعُو إِلَى الله يكون مقَامه ومدفنه بِموضع من الْمغرب يُسمى ت ى ن م ل ويجاوز وقته الْمِائَة الْخَامِسَة
فالقى فِي ذهنه أَنه هُوَ وَأَن الله ألْقى فِي روعه ذَلِك كُله من غير أَن يجده فِي كتاب فقد كَانَ رجلا صَالحا مُتَمَكنًا
ثمَّ إِنَّه أَخذ يتطلب صفة عبد الْمُؤمن فَرَأى فِي الطَّرِيق شَابًّا قد بلغ أشده على الصّفة الَّتِي ألقيت فِي روعه فَقَالَ يَا شَاب مَا اسْمك
فَقَالَ عبد الْمُؤمن
فَقَالَ الله أكبر أَنْت بغيتي فَأَيْنَ مقصدك
قَالَ الْمشرق لطلب الْعلم
قَالَ قد وجدت علما وشرفا اصحبني تنله
ثمَّ نظر فِي حليته فوافقته فَألْقى إِلَيْهِ سره
ثمَّ اجْتمع على ابْن تومرت جمع كثير لما رَأَوْهُ من قوته فِي الْحق وَصَبره على طلب الْمَعيشَة وورعه وَعلمه
فَدخل مراكش وملكها عَليّ بن يُوسُف بن تاشفين وَكَانَ حَلِيمًا متواضعا فَأخذ ابْن تومرت فِي الْإِنْكَار على عَادَته حَتَّى أنكر على ابْنه الْملك وَذَلِكَ فِي قصَّة طَوِيلَة فَبلغ خَبره الْملك وَذكر أَنه تحدث فِي تَغْيِير الدولة فَتكلم مَالك بن وهيب الأندلسي الْفَقِيه فِي أمره وَقَالَ نَخَاف من فتح بَاب يعسر علينا سَده
وَكَانَ ابْن تومرت وَأَصْحَابه مقيمين بِمَسْجِد خراب بِظَاهِر الْبَلَد فأحضروا فِي محفل من الْعلمَاء فَقَالَ الْملك سلوا هَذَا مَا يَبْغِي
فكلموه وَقَالُوا مَا الَّذِي يذكر عَنْك من القَوْل فِي حق هَذَا الْملك الْعَادِل الْحَلِيم المنقاد إِلَى الْحق
فَقَالَ أماما نقل عني فقد قلته ولى من وَرَائه أَقْوَال
وَكَانَ من قَول القَاضِي فِي مساءلة ابْن تومرت أَن الْملك يُؤثر طَاعَة الله على هَوَاهُ وينقاد إِلَى الْحق
فَقَالَ ابْن تومرت فَأَما قَوْلك إِنَّه يوثر طَاعَة الله على هَوَاهُ وينقاد إِلَى الْحق فقد حضر اعْتِبَار صِحَة هَذَا القَوْل عَلَيْهِ ليعلم بتعريه عَن هَذِه الصّفة أَنه مغرور بِمَا تَقولُونَ لَهُ وتطرونه بِهِ مَعَ علمكُم أَن الْحجَّة عَلَيْهِ متوجهة فَهَل بلغك يَا قَاضِي أَن الْخمر تبَاع جهارا وتمشي الْخَنَازِير بَين الْمُسلمين وَتُؤْخَذ أَمْوَال الْيَتَامَى وَعدد كثيرا من ذَلِك حَتَّى ذرفت عينا الْملك وأطرق حَيَاء
فَقَالَ مَالك بن وهيب إِن عِنْدِي نصيحة إِن قبلهَا الْملك حمد عَاقبَتهَا وَإِن تَركهَا لم آمن عَلَيْهِ
فَقَالَ وَمَا هِيَ
قَالَ إِنِّي خَائِف عَلَيْك من هَذَا الرجل وَأرى أَن تسجنه وتسجن أَصْحَابه وتنفق عَلَيْهِم كل يَوْم دِينَارا وَإِلَّا أنفقت عَلَيْهِ خزائنك
فوافقه الْملك
فَقَالَ الْوَزير أَيهَا الْملك يقبح أَن تبْكي من موعظة هَذَا ثمَّ تسيء إِلَيْهِ فِي مجْلِس وَاحِد وَأَن يظْهر مِنْك الْخَوْف مَعَ عظم ملكك وَهُوَ رجل فَقير لَا يملك سد جوعه
فانقاد الْملك لكَلَام الْوَزير وَصَرفه وَسَأَلَهُ الدُّعَاء
فَقيل إِن ابْن تومرت لما خرج من عِنْده لم يزل وَجهه تِلْقَاء وَجهه إِلَى أَن فَارقه
فَقيل لَهُ نرَاك تأدبت مَعَ الْملك
فَقَالَ أردْت أَلا يُفَارق وَجْهي الْبَاطِل حَتَّى أغيره مَا اسْتَطَعْت
وَلما خرج قَالَ لأَصْحَابه لَا مقَام لنا بمراكش مَعَ وجود مَالك بن وهيب وَإِن لنا بأغمات أَخا فِي الله فنقصده فَلَنْ نعدم مِنْهُ رَأيا وَدُعَاء وَهُوَ الْفَقِيه عبد الْحق بن إِبْرَاهِيم المصمودي
فسافر فِي جماعته إِلَيْهِ فأنزلهم فَبَثَّ إِلَيْهِ سره وَمَا اتّفق لَهُ
فَقَالَ هَذَا الْموضع لَا يحميكم وَإِن أحصن الْأَمَاكِن المجاوة لهَذَا الْبَلَد تينملل
وَهُوَ مسيرَة يَوْم فِي هَذَا الْجَبَل فانقطعوا فِيهِ مُدَّة ريثما ينسى ذكركُمْ
فَلَمَّا سمع ابْن تومرت بِهَذَا الِاسْم تجدّد لَهُ ذكر اسْم الْموضع الَّذِي رَآهُ فِي الْكتاب فقصده مَعَ أَصْحَابه
فَلَمَّا أَتَوْهُ ورآهم أهل ذَلِك الْمَكَان على تِلْكَ الصُّورَة فَعَلمُوا أَنهم طلاب علم فتلقوهم وأكرموهم وأنزلوهم
وَبلغ الْملك سفرهم فسر بذلك
وتسامع أهل الْجَبَل بوصول ابْن تومرت فجاؤوه من النواحي يتبركون بِهِ
وَكَانَ كل من أَتَاهُ استدناه وَعرض عَلَيْهِ مَا فِي نَفسه فَإِن أَجَابَهُ أَضَافَهُ إِلَى خواصه وَإِن خَالفه أعرض عَنهُ
وَكَثُرت أَتْبَاعه
وَمن كَلَام عبد الْوَاحِد بن عَليّ التَّمِيمِي المراكشي صَاحب كتاب المعجب أَن ابْن تومرت لما ركب الْبَحْر وَأخذ يُنكر على أهل الْمركب مَا يرَاهُ من المناكر ألقوه فِي الْبَحْر وَأقَام نصف يَوْم يجْرِي فِي المَاء مَعَ السَّفِينَة وَلم يغرق فأنزلوه إِلَيْهِ من أطلعه وعظموه إِلَى أَن نزل ببجاية وَوعظ بهَا ودرس وَحصل لَهُ الْقبُول فَأمره صَاحبهَا بِالْخرُوجِ منهاخوفا مِنْهُ فَخرج وَوَقع بعيد الْمُؤمن وَكَانَ بارعا فِي خطّ الرمل وَوَقع بجفر فِيمَا قيل وصحبهما من ملالة عبد الْوَاحِد المشرقي فَتوجه الثَّلَاثَة إِلَى أقْصَى الْمغرب
وَقيل إِنَّه لَقِي عبد الْمُؤمن بِبِلَاد متيجة فَرَآهُ يعلم الصّبيان فَأسر إِلَيْهِ وعرفه بالعلامات
وَكَانَ عبد الْمُؤمن قد رأى رُؤْيا وَهِي أَنه يَأْكُل مَعَ أَمِير الْمُسلمين عَليّ بن يُوسُف فِي صَحْفَة قَالَ ثمَّ زَاد أكلي على أكله ثمَّ اختطفت الصحفة مِنْهُ فقصصتها على عَابِر فَقَالَ هَذِه لَا يَنْبَغِي أَن تكون لَك إِنَّمَا هِيَ لرجل ثَائِر يثور على أَمِير الْمُسلمين إِلَى أَن يغلب على بِلَاده
وَسَار ابْن تومرت إِلَى أَن نزل فِي مَسْجِد لظَاهِر تلمسان وَكَانَ قد وضع لَهُ هَيْبَة فِي النُّفُوس وَكَانَ طَوِيل الصمت كثير الانقباض إِذا انْفَصل عَن مجْلِس الْعلم لَا يكَاد يتَكَلَّم
أَخْبرنِي شيخ عَن رجل من الصَّالِحين كَانَ معتكفا فِي ذَلِك الْمَسْجِد أَن ابْن تومرت خرج لَيْلَة فَقَالَ أَيْن فلَان
قَالُوا مسجون
فَمضى من وقته وَمَعَهُ رجل حَتَّى أَتَى بَاب الْمَدِينَة فدق على البواب دقا عنيفا فَفتح لَهُ بِسُرْعَة فَدخل حَتَّى أَتَى الْحَبْس وابتدر إِلَيْهِ السجانون يتمسحون بِهِ ونادى يَا فلَان
فَأجَاب فَقَالَ اخْرُج فَخرج والسجانون باهتون لَا يمنعونه وَخرج بِهِ حَتَّى أَتَى الْمَسْجِد
وَكَانَت هَذِه عَادَته فِي كل مَا يُريدهُ لَا يتَعَذَّر عَلَيْهِ قدسخرت لَهُ الرِّجَال
وَعظم شَأْنه بتلمسان إِلَى أَن انْفَصل عَنْهَا وَقد استحوذ على قُلُوب كبرائها فَأتى فاس فأظهر الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَكَانَ جلّ مَا يَدْعُو إِلَيْهِ علم الِاعْتِقَاد على طَريقَة الأشعرية
وَكَانَ أهل الْمغرب ينافرون هَذِه الْعُلُوم ويعادون من ظَهرت عَلَيْهِ فَجمع وَالِي فاس الْفُقَهَاء لَهُ فناظرهم فَظهر عَلَيْهِم لِأَنَّهُ وجد جوا خَالِيا وناسا لَا علم لَهُم بالْكلَام فأشاروا على الْمُتَوَلِي بِإِخْرَاجِهِ فَسَار إِلَى مراكش وكتبوه بِخَبَرِهِ إِلَى ابْن تاشفين فَجمع لَهُ الْفُقَهَاء فَلم يكن فيهم من يعرف المناظرة إِلَّا مَالك ابْن وهيب وَكَانَ متفننا قد نظر فِي الفلسفة فَلَمَّا سمع كَلَامه استشعر حِدته وذكاءه فَأَشَارَ على أَمِير الْمُسلمين ابْن تاشفين بقتْله وَقَالَ هَذَا لَا تؤمن غائلته وَإِن وَقع فِي بِلَاد المصامدة قوى شَره
فتوقف عَن قَتله دينا فَأَشَارَ عَلَيْهِ بحبسه
فَقَالَ غُلَام أسجن مؤمنالم يتَعَيَّن لنا عَلَيْهِ حق وَلَكِن يخرج عَنَّا
فَخرج هُوَ وَأَصْحَابه إِلَى السوس وَنزل بتينملل
وَمن هَذَا الْموضع قَامَ أمره وَبِه قَبره
فَلَمَّا نزله اجْتمع إِلَيْهِ وُجُوه المصامدة فشرع فِي بَث الْعلم وَالدُّعَاء إِلَى الْخَيْر وكتم أمره وصنف لَهُ عقيدة بلسانهم وَعظم فِي أَعينهم وأحبته قُلُوبهم
فَلَمَّا استوثق مِنْهُم دَعَا إِلَى الْأَمر بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْي عَن الْمُنكر ونهاهم عَن سفك الدِّمَاء
فأقاموا على ذَلِك مُدَّة وَأمر رجَالًا مِنْهُم مِمَّن استصلح عُقُولهمْ بِنصب الدعْوَة واستمالة رُؤَسَاء الْقَبَائِل