الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1187 - عبد الْعَظِيم بن عبد الْقوي بن عبد الله بن سَلامَة ابْن سعد الْمُنْذِرِيّ
الْحَافِظ الْكَبِير الْوَرع الزَّاهِد زكي الدّين أَبُو مُحَمَّد الْمصْرِيّ
ولي الله والمحدث عَن رَسُول الله صلى الله عليه وسلم والفقيه على مَذْهَب ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم ترتجى الرَّحْمَة بِذكرِهِ وَيُسْتَنْزَلُ رضَا الرَّحْمَن بدعائه
كَانَ رحمه الله قد أُوتِيَ بالمكيال الأوفى من الْوَرع وَالتَّقوى والنصيب الوافر من الْفِقْه وَأما الحَدِيث فَلَا مراء فِي أَنه كَانَ أحفظ أهل زَمَانه وَفَارِس أقرانه لَهُ الْقدَم الراسخ فِي معرفَة صَحِيح الحَدِيث من سقيمه وَحفظ أَسمَاء الرِّجَال حفظ مفرط الذكاء عظيمه والخبرة بأحكامه والدراية بغريبه وَإِعْرَابه وَاخْتِلَاف كَلَامه
ولد فِي غرَّة شعْبَان سنة إِحْدَى وَثَمَانِينَ وَخَمْسمِائة
تفقه على الإِمَام أبي الْقَاسِم عبد الرَّحْمَن بن مُحَمَّد الْقرشِي بن الْوراق
وَسمع من أبي عبد الله الأرتاحي وَعبد الْمُجيب بن زُهَيْر وَمُحَمّد بن سعيد المأموني والمطهر بن أبي بكر الْبَيْهَقِيّ وَرَبِيعَة اليمني الْحَافِظ والحافظ الْكَبِير عَليّ بن الْمفضل الْمَقْدِسِي وَبِه تخرج وَسمع بِمَكَّة من أبي عبد الله بن الْبناء وطبقته وبدمشق
من عمر بن طبرزد وَمُحَمّد بن وهب بن الزنف وَالْخضر بن كَامِل وَأبي الْيمن الْكِنْدِيّ وَخلق
وَسمع بحران والرها والإسكندرية وَغَيرهَا
وتفقه وصنف شرحا على التَّنْبِيه وَله مُخْتَصر سنَن أبي دَاوُد وحواشيه كتاب مُفِيد ومختصر صَحِيح مُسلم وَخرج لنَفسِهِ معجما كَبِيرا مُفِيدا وانتقى وَخرج كثيرا وَأفَاد النَّاس
وَبِه تخرج الْحَافِظ أَبُو مُحَمَّد الدمياطي وَإِمَام الْمُتَأَخِّرين تَقِيّ الدّين ابْن دَقِيق الْعِيد والشريف عز الدّين وَطَائِفَة وعمت عَلَيْهِم بركته وَقد سمعنَا الْكثير ببلبيس على أبي الطَّاهِر إِسْمَاعِيل بن أَحْمد بن إِسْمَاعِيل بن عَليّ بن سيف بإجازته مِنْهُ
قَالَ الذَّهَبِيّ وَمَا كَانَ فِي زَمَانه أحفظ مِنْهُ
قلت وَأما ورعه فأشهر من أَن يحْكى
وَقد درس بِالآخِرَة فِي دَار الحَدِيث الكاملية وَكَانَ لَا يخرج مِنْهَا إِلَّا لصَلَاة الْجُمُعَة حَتَّى إِنَّه كَانَ لَهُ ولد نجيب مُحدث فَاضل توفاه الله تَعَالَى فِي حَيَاته ليضاعف لَهُ فِي حَسَنَاته فصلى عَلَيْهِ الشَّيْخ دَاخل الْمدرسَة وشيعه إِلَى بَابهَا ثمَّ دَمَعَتْ عَيناهُ وَقَالَ أودعتك يَا وَلَدي لله وفارقه سَمِعت أبي رضي الله عنه يَحْكِي ذَلِك وسمعته أَيْضا يَحْكِي عَن الْحَافِظ الدمياطي أَن الشَّيْخ مرّة خرج من الْحمام وَقد أَخذ مِنْهُ حرهَا فَمَا أمكنه الْمَشْي فاستلقى على الطَّرِيق إِلَى جَانب حَانُوت فَقَالَ لَهُ الدمياطي يَا سَيِّدي أما أقعدك على
مصطبة الْحَانُوت وَكَانَ الْحَانُوت مغلقا فَقَالَ فِي الْحَال وَهُوَ فِي تِلْكَ الشدَّة بِغَيْر إِذن صَاحبه كَيفَ يكون وَمَا رَضِي
وَسمعت أبي رضي الله عنه أَيْضا يَحْكِي أَن شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام كَانَ يسمع الحَدِيث قَلِيلا بِدِمَشْق فَلَمَّا دخل الْقَاهِرَة بَطل ذَلِك وَصَارَ يحضر مجْلِس الشَّيْخ زكي الدّين وَيسمع عَلَيْهِ فِي جملَة من يسمع وَلَا يسمع وَأَن الشَّيْخ زكي الدّين أَيْضا ترك الْفتيا وَقَالَ حَيْثُ دخل الشَّيْخ عز الدّين لَا حَاجَة بِالنَّاسِ إِلَيّ
وَمن شعره
(اعْمَلْ لنَفسك صَالحا لَا تحتفل
…
بِظُهُور قيل فِي الْأَنَام وَقَالَ)
(فالخلق لَا يُرْجَى اجْتِمَاع قُلُوبهم
…
لَا بُد من مثن عَلَيْك وَقَالَ)
توفّي فِي الرَّابِع من ذِي الْقعدَة سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة وَهِي السّنة الْمُصِيبَة بأعظم المصائب المحيطة بِمَا فعلت من المعائب المقتحمة أعظم الجرائم الواثبة على أقبح العظائم الفاعلة بِالْمُسْلِمين كل قَبِيح وعار النَّازِلَة عَلَيْهِم بالكفار المسمين بالتتار
وَلَا بَأْس بشرح وَاقعَة التتار على الِاخْتِصَار وحكاية كائنة بَغْدَاد لتعتبر بهَا البصائر وتشخص عِنْدهَا الْأَبْصَار وليجري الْمُسلمُونَ على ممر الزَّمَان دموعهم دَمًا وليدري المؤرخون بِأَنَّهُم مَا سمعُوا بِمِثْلِهَا وَاقعَة جعلت السَّمَاء أَرضًا وَالْأَرْض سما
فَنَقُول استهلت سنة أَربع وَخمسين وسِتمِائَة وَخَلِيفَة الْمُسلمين إِذْ ذَاك أَمِير الْمُؤمنِينَ المستعصم بِاللَّه الإِمَام أَبُو أَحْمد عبد الله الشَّهِيد بن الْمُسْتَنْصر بِاللَّه أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي جَعْفَر الْمَنْصُور بن الظَّاهِر بِأَمْر الله أبي النَّصْر مُحَمَّد بن النَّاصِر لدين الله أبي الْعَبَّاس أَحْمد بن المستضيء بِاللَّه أبي مُحَمَّد الْحسن ابْن الإِمَام المستنجد بِاللَّه أبي المظفر يُوسُف ابْن الإِمَام المقتفي لأمر الله
أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن الإِمَام المستظهر بِاللَّه أَحْمد ابْن الإِمَام الْمُقْتَدِي بِأَمْر الله أبي الْقَاسِم عبد الله ابْن الْأَمِير ذخيرة الدّين أبي الْعَبَّاس مُحَمَّد ابْن الإِمَام الْقَائِم بِأَمْر الله أبي جَعْفَر عبد الله ابْن الإِمَام الْقَادِر بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن ولي الْعَهْد الْأَمِير إِسْحَاق ابْن الإِمَام المقتدر بِاللَّه أبي الْفضل جَعْفَر ابْن الإِمَام المعتضد بِاللَّه أبي الْعَبَّاس أَحْمد ابْن ولي الْعَهْد أبي أَحْمد طَلْحَة الْمُوفق بِاللَّه ابْن الإِمَام المتَوَكل على الله جَعْفَر ابْن الإِمَام المعتصم بِاللَّه أبي اسحاق مُحَمَّد ابْن الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ هَارُون الرشيد ابْن الإِمَام أَمِير الْمُؤمنِينَ الْمهْدي بِاللَّه أبي عبد الله مُحَمَّد ابْن الإِمَام الْمَنْصُور أبي جَعْفَر عبد الله أَمِير الْمُؤمنِينَ أخي أول خلفاء الْعَبَّاس أَمِير الْمُؤمنِينَ أبي الْعَبَّاس عبد الله السفاح بن مُحَمَّد بن عَليّ بن عبد الله بن الْعَبَّاس عَم الْمُصْطَفى صلى الله عليه وسلم وَرَضي عَنْهُم أَجْمَعِينَ
وَكَانَ الْمُسْتَنْصر وَالِد المستعصم ذَا همة عالية وشجاعة وافرة وَنَفس أبيَّة وَعِنْده إقدام عَظِيم واستخدم جيوشا كَثِيرَة وعساكر عَظِيمَة وَكَانَ لَهُ أَخ يعرف بالخفاجي يزِيد عَلَيْهِ فِي الشجَاعَة والشهامة وَكَانَ يَقُول إِن ملكنى الله الأَرْض لأعبرن بالجيوش نهر جيحون وانتزع الْبِلَاد من التتار وأستأصلهم فَلَمَّا توفّي الْمُسْتَنْصر كَانَ الدويدار والشرابي أكبر الْأُمَرَاء وأعظمهم قدرا فَلم يريَا تَقْلِيد الخفاجي الْأَمر خوفًا مِنْهُ وآثروا المستعصم علما مِنْهُمَا بلينه وانقياده وَضعف رَأْيه لتَكون لَهما الْكِبْرِيَاء فأقاموه واستوزر مؤيد الدّين مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن عَليّ العلقمي وَكَانَ فَاضلا أديبا وَكَانَ شِيعِيًّا رَافِضِيًّا فِي قلبه غل على الْإِسْلَام وَأَهله وحبب إِلَى الْخَلِيفَة جمع المَال والتقليل من العساكر فَصَارَ الْجند يطْلبُونَ من يستخدمهم فِي حمل القاذورات وَمِنْهُم من يكاري على فرسه ليصلوا إِلَى مَا يتقوتون بِهِ
وَكَانَ ابْن العلقمي معاديا للأمير أبي بكر بن الْخَلِيفَة وللدويدار لِأَنَّهُمَا كَانَا من أهل السّنة ونهبا الكرخ بِبَغْدَاد حِين سمعا عَن الروافض أَنهم تعرضوا لأهل السّنة وفعلا بالروافض أمورا عَظِيمَة وَلم يتَمَكَّن الْوَزير من مدافعتهما لتمكنهما فأضمر فِي نَفسه الغل وتحيل فِي مُكَاتبَة التتار وتهوين أَمر الْعرَاق عَلَيْهِم وتحريضهم على أَخذهَا وَوصل من تحيله فِي الْمُكَاتبَة إِلَيْهِم أَنه حلق رَأس شخص وَكتب عَلَيْهِ بِالسَّوَادِ وَعمل على ذَلِك دَوَاء صَار الْمَكْتُوب فِيهِ كل حرف كالحفرة فِي الرَّأْس ثمَّ تَركه عِنْده حَتَّى طلع شعره وأرسله إِلَيْهِم وَكَانَ مِمَّا كتبه على رَأسه إِذا قَرَأْتُمْ الْكتاب فاقطعوه فوصل إِلَيْهِم فحلقوا رَأسه وقرءوا مَا كتبه ثمَّ قطعُوا رَأس الرَّسُول
وَكتب الْوَزير إِلَى نَائِب الْخَلِيفَة بإربل وَهُوَ تَاج الدّين مُحَمَّد بن صلايا وَهُوَ أَيْضا شيعي رِسَالَة يَقُول فِيهَا نهب الكرخ المكرم والعترة العلوية وَحسن التَّمْثِيل بقول الشَّاعِر
(أُمُور تضحك السُّفَهَاء مِنْهَا
…
ويبكى من عواقبها اللبيب)
فَلهم أُسْوَة بالحسين حَيْثُ نهب حريمه وأريق دَمه
(أَمرتهم أمرى بمنعرج اللوى
…
فَلم يستبينوا الرشد إلاضحى الْغَد)
وَقد عزموا لَا أتم الله عزمهم وَلَا أنفذ أَمرهم على نهب الْحلَّة والنيل بل سَوَّلت لَهُم أنفسهم أمرا فَصَبر جميل وَالْخَادِم قد أسلف الْإِنْذَار وَعجل لَهُم الْإِعْذَار
(أرى تَحت الرماد وميض نَار
…
ويوشك أَن يكون لَهَا ضرام)
(وَإِن لم يطفها عقلاء قوم
…
يكون وقودها جثث وهام)
(فَقلت من التَّعَجُّب لَيْت شعرى
…
أيقظان أُميَّة أم نيام)
(فَإِن يَك قَومنَا أضحوا نياما
…
فَقل هبوا لقد حَان الْحمام)
قلت وَهَذِه الأبيات كلهَا فِي غَايَة الْحسن خَاطب بهَا علوان بن الْمقنع أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهِي
(أَمِير الْمُؤمنِينَ عَلَيْك مني
…
سَلام الله مَا ناح الْحمام)
(تَحِيَّة حَافظ للْعهد رَاع
…
كنشر الرَّوْض باكره الْغَمَام)
(أرى خلل الرماد وميض جمر
…
ويوشك أَن يكون لَهُ ضرام)
(فَإِن النَّار بالعودين تذكى
…
وَإِن الْحَرْب أَوله كَلَام)
(وَإِن لم يطفها عقلاء قوم
…
يكون وقودها جثث وهام)
(فَقل لبني أُميَّة لَيْت شعرى
…
أيقضان أُميَّة أم نيام)
(وَقد ظهر الْخُرَاسَانِي مَعَه
…
بَنو الْعَبَّاس والجيش اللهام)
(فَإِن لم تجمعُوا جَيْشًا يضيق الْعرَاق
…
بِهِ عَلَيْهِم والشآم)
(فلاقوهم كَمَا لَاقَى عليا
…
بصفين مُعَاوِيَة الْهمام)
(وَكَانَ عَليّ أقوى مِنْهُ عزما
…
وَأَعْلَى رُتْبَة وَهُوَ الإِمَام)
(وَلَا يأخذكم حذر وَخَوف
…
فَمَا يغنى إِذا حام الْحمام)
(فَإِن كَانَت لكم يَوْمًا عَلَيْهِم
…
فَذَاك الْقَصْد وَانْقطع الْكَلَام)
(وَإِن ظفروا فَمَا تحمى حَرِيم
…
لكم عَنْهُم وَلَا الْبَيْت الْحَرَام)
(وَلَا بمقام إِبْرَاهِيم تعطوا
…
أَمَانًا مِنْهُم وَهُوَ الْمقَام)
(فموتوا فِي ظُهُور الْخَيل صبرا
…
كَمَا قد مَاتَ قبلكُمْ الْكِرَام)
(وَلَا تتدرعوا أَثوَاب ذل
…
وعار قد تدرعها اللئام)
(فَإِن الضيم لَا صَبر عَلَيْهِ
…
لمن شهِدت بسؤدده الْأَنَام)
(وَتلك وَصِيَّة من ذِي وَلَاء
…
لَهُ فِي حفظ عهدكم ذمام)
(وَإِلَّا فَهُوَ يقتلكم جَمِيعًا
…
وَيهْلك مَا لديكم وَالسَّلَام)
فَكَانَ جوابي بعد خطابي لَا بُد من الشنيعة بعد قتل جَمِيع الشِّيعَة وَمن إحراق كتاب الْوَسِيلَة والذريعة فَكُن لما نقُول سميعا وَإِلَّا جرعناك الْحمام تجريعا إِلَى أَن يَقُول فلأفعلن بلبي كَمَا قَالَ المتنبي
(قوم إِذا أخذُوا الأقلام من غضب
…
ثمَّ استمروا بهَا مَاء المنيات)
(نالوا بهَا من أعاديهم وَإِن بعدوا
…
مَا لَا ينَال بِحَدّ المشرفيات)
ولآتينهم بِجُنُود لَا قبل لَهُم بهَا ولأخرجنهم مِنْهَا أَذِلَّة وهم صاغرون