الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر خُرُوج هولاكو بن قان تولى بن جنكزخان
اجْتمع هُوَ وعساكره الَّتِى لَا يُحْصى عَددهَا وَلَا يدْرك مددها وَلَا يعدد عَددهَا وَلَا يدْرك وَإِن تَأمل الطّرف أمدها فِي مجْلِس المشورة وَاتَّفَقُوا على الْخُرُوج فِي يَوْم مَعْلُوم فَسَار فِي المغول من الأردو على مهله يقتلع القلاع وَيملك الْحُصُون وأطاع الله لَهُ الْبِلَاد والعباد وَصَارَ لَا يصبح يَوْم إِلَّا وسعده فِي ازدياد حَتَّى إِنَّه حلق فِي يَوْم على صيد فاصطاد ثَمَانِيَة من السبَاع فَأَنْشد بَعضهم إِذْ ذَاك
(من كَانَ يصطاد فِي يَوْم ثَمَانِيَة
…
من الضراغم هَانَتْ عِنْده الْبشر)
وَملك قلاع الإسماعيلية كلهَا وَجَمِيع بِلَاد الرّوم وَصَارَ لَا يمر بِمَدِينَة إِلَّا وصاحبها بَين أَمريْن إِمَّا مُطِيع فَيقدم إِلَى مخيم هولاكو وَهُوَ مخيم عَظِيم المنظر كَبِير الحشمة مَعْمُول من الأطلس الأخمر تحتوشه جنود القندس والقاقم فَيقبل الأَرْض وينعم عَلَيْهِ بِمَا يَقْتَضِيهِ رَأْيه ثمَّ يخرب بِلَاده الَّتِي كَانَ فِيهَا ويصيرها قاعا صفصفا على قَاعِدَة جده جنكزخان وَيكون المتولى لخرابها هُوَ ذَلِك الْملك وَإِمَّا عَاص وَقل وجدان ذَلِك فَلَا يعْصى عَلَيْهِ غير سَاعَات مَعْدُودَة ثمَّ يُحِيط بِهِ الْقَضَاء الْمَقْدُور ويحول بَين رَأسه وعنقه الصارم الْمَشْهُور
وتوجهت الْمُلُوك على اخْتِلَاف ندائها وَامْتِنَاع سلطانها وَعظم مَكَانهَا إِلَى عتباته فَمنهمْ من أَمنه وَأَعْطَاهُ فرمانا ورجعه إِلَى بَلَده وَمِنْهُم من فعل بِهِ غير ذَلِك على مَا يَقْتَضِيهِ البأساء الَّتِي أخبر عَنْهَا شَيْطَان جده وابتدعها من عِنْده كل ذَلِك والخليفة غافل عَمَّا يُرَاد بِهِ
ثمَّ تَوَاتَرَتْ الْأَخْبَار بوصول هولاكو إِلَى أذربيجان بِقصد الْعرَاق وَكَاتب صَاحب الْموصل لُؤْلُؤ الْخَلِيفَة يستنهضه فِي الْبَاطِن وَمَا وَسعه إِلَّا مداراة هولاكو فِي الظَّاهِر وَأرْسل الْخَلِيفَة نجم الدّين البادرائي رَسُولا إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب دمشق يَأْمُرهُ بمصالحة الْملك الْمعز وَأَن يتَّفقَا على حَرْب التتار فامتثلا أَمر الْخَلِيفَة وَفِيمَا بَين ذَلِك تَأتي الْكتب إِلَى الْخَلِيفَة فَإِن وصلت ابْتِدَاء إِلَى الْوَزير لم يوصلها إِلَيْهِ وَإِن وصلت إِلَى الْخَلِيفَة أطلع الْوَزير فيثبطه ويغشه حِين يستنصحه
ثمَّ دخلت سنة خمس وَخمسين وسِتمِائَة وفيهَا مَاتَ الْملك الْمعز أيبك التركماني صَاحب مصر وتسلطن بعده وَلَده الْملك الْمَنْصُور عَليّ بَين أيبك وترددت رسل هولاكو إِلَى بَغْدَاد وَكَانَت القرابين مِنْهُم واصلة إِلَى نَاس بعد نَاس من غير تحاش مِنْهُم فِي ذَلِك وَلَا خُفْيَة وَالنَّاس فِي غَفلَة عَمَّا يُرَاد بهم ليقضي الله أمرا كَانَ مَفْعُولا
ثمَّ دخلت سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة ذَات الداهية الدهياء والمصيبة الصماء وَكَانَ القان الْأَعْظَم هولاكو قد قصد الألموت وَهُوَ معقل الباطنية الْأَعْظَم وَبهَا الْمُقدم عَلَاء الدّين مُحَمَّد بن جلال الدّين حسن الباطني المنتسب فِي مذْهبه إِلَى الفاطميين العبيديين فَتوفي عَلَاء الدّين وَنزل وَلَده إِلَى خدمَة هولاكو وَسلم قلاعه فَأَمنهُ
ثمَّ وَردت كتب هولاكو إِلَى صَاحب الْموصل لُؤْلُؤ فِي تهيئة الإقامات وَالسِّلَاح فَأخذ يُكَاتب الْخَلِيفَة سرا ويهيء لَهُم مَا يُرِيدُونَ جَهرا والخليفة لَا يَتَحَرَّك وَلَا يَسْتَيْقِظ فَلَمَّا أزف الْيَوْم الْمَوْعُود وَتحقّق أَن الْعَدَم مَوْجُود جهز رَسُوله يعدهم بأموال عَظِيمَة ثمَّ سير مائَة رجل إِلَى الدربند يكونُونَ فِيهِ ويطالعونه بالأخبار فَقَتلهُمْ التتار أَجْمَعِينَ وَركب السُّلْطَان هولاكو إِلَى الْعرَاق وَكَانَ على مقدمته بايجو نوين وَأَقْبلُوا من جِهَة الْبر الغربي عَن دجلة فَخرج عَسْكَر بَغْدَاد وَعَلَيْهِم ركن الدّين الدويدار فَالْتَقوا على نَحْو مرحلَتَيْنِ من بَغْدَاد وانكسر البغداديون وأخذتهم السيوف وغرق بَعضهم فِي المَاء وهرب الْبَاقُونَ ثمَّ سَاق بايجو نوين فَنزل الْقرْيَة مُقَابل دَار الْخلَافَة وَبَينه وَبَينهَا دجلة وَقصد هولاكو بَغْدَاد من جِهَة الْبر الشَّرْقِي ثمَّ إِنَّه ضرب سورا على عسكره وأحاط بِبَغْدَاد فَأَشَارَ الْوَزير على الْخَلِيفَة بمصانعتهم وَقَالَ أخرج أَنا إِلَيْهِم فِي تَقْرِير الصُّلْح فَخرج وتوثق لنَفسِهِ من التتار ورد إِلَى المستعصم وَقَالَ إِن السُّلْطَان يَا مَوْلَانَا أَمِير الْمُؤمنِينَ قد رغب فِي أَن يُزَوّج بنته بابنك الْأَمِير أبي بكر ويبقيك فِي منصب الْخلَافَة كَمَا أبقى صَاحب الرّوم فِي سلطنته وَلَا يُؤثر إِلَّا أَن تكون الطَّاعَة لَهُ كَمَا كَانَ أجدادك مَعَ السلاطين السلجوقية وينصرف عَنْك بجيوشه فمولانا أَمِير الْمُؤمنِينَ يفعل هَذَا فَإِن فِيهِ حقن دِمَاء الْمُسلمين وَبعد ذَلِك يمكننا أَن نَفْعل مَا نُرِيد والرأي أَن تخرج إِلَيْهِ
فَخرج أَمِير الْمُؤمنِينَ بِنَفسِهِ فِي طوائف من الْأَعْيَان إِلَى بَاب الطاغية هولاكو وَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا باالله الْعلي الْعَظِيم فَأنْزل الْخَلِيفَة فِي خيمة ثمَّ دخل الْوَزير فاستدعى الْفُقَهَاء والأماثل ليحضروا العقد فَخَرجُوا من بَغْدَاد فَضربُوا أَعْنَاقهم وَصَارَ كَذَلِك يخرج طَائِفَة بعد طَائِفَة فَتضْرب أَعْنَاقهم ثمَّ طلب حَاشِيَة الْخَلِيفَة فَضرب أَعْنَاق الْجَمِيع ثمَّ طلب
أَوْلَاده فَضرب أَعْنَاقهم وَأما الْخَلِيفَة فَقيل إِنَّه طلبه لَيْلًا وَسَأَلَهُ عَن أَشْيَاء ثمَّ أَمر بِهِ ليقْتل فَقيل لهولاكو إِن هَذَا إِن أهريق دَمه تظلم الدُّنْيَا وَيكون سَبَب خراب دِيَارك فَإِنَّهُ ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم وَخَلِيفَة الله فِي أرضه فَقَامَ الشَّيْطَان الْمُبين الْحَكِيم نصير الدّين الطوسي وَقَالَ يقتل وَلَا يراق دَمه وَكَانَ النصير من أَشد النَّاس على الْمُسلمين فَقيل إِن الْخَلِيفَة غم فِي بِسَاط وَقيل رفسوه حَتَّى مَاتَ وَلما جَاءُوا ليقتلوه صَاح صَيْحَة عَظِيمَة وَقتلُوا أمراءه عَن آخِرهم ثمَّ مدوا الجسر وبذلوا السَّيْف بِبَغْدَاد وَاسْتمرّ الْقَتْل بِبَغْدَاد بضعا وَثَلَاثِينَ يَوْمًا وَلم ينج إِلَّا من اختفى
وَقيل إِن هولاكو أَمر بعد ذَلِك بعد الْقَتْلَى فَكَانُوا ألف ألف وَثَمَانمِائَة ألف النّصْف من ذَلِك تِسْعمائَة ألف غير من لم يعد وَمن غرق ثمَّ نُودي بعد ذَلِك بالأمان فَخرج من كَانَ مختبئا وَقد مَاتَ الْكثير مِنْهُم تَحت الأَرْض بأنواع من البلايا وَالَّذين خَرجُوا ذاقوا أَنْوَاع الهوان والذل ثمَّ حفرت الدّور وَأخذت الدفائن وَالْأَمْوَال الَّتِي لَا تعد وَلَا تحصى وَكَانُوا يدْخلُونَ الدَّار فيجدون الخبيئة فِيهَا وَصَاحب الدَّار يحلف أَن لَهُ السنين العديدة فِيهَا مَا علم أَن بهَا خبيئة ثمَّ طلبت النَّصَارَى أَن يَقع الْجَهْر بِشرب الْخمر وَأكل لحم الْخِنْزِير وَأَن يفعل مَعَهم الْمُسلمُونَ ذَلِك فِي شهر رَمَضَان فألزم الْمُسلمُونَ بِالْفطرِ فِي رَمَضَان وَأكل الْخِنْزِير وَشرب الْخمر وَدخل هولاكو إِلَى دَار الْخَلِيفَة رَاكِبًا لَعنه الله وَاسْتمرّ على فرسه إِلَى أَن جَاءَ إِلَى سدة الْخَلِيفَة وَهِي الَّتِي تتضاءل عِنْدهَا الْأسود ويتناوله سعد السُّعُود كَالْمُسْتَهْزِئِ بهَا وانتهك الْحرم من بَيت الْخَلِيفَة وَغَيره
وَأعْطى دَار الْخَلِيفَة لشخص من النَّصَارَى وأريقت الْخُمُور فِي الْمَسَاجِد والجوامع وَمنع الْمُسلمُونَ من الإعلان بِالْأَذَانِ فَلَا حول وَلَا قُوَّة إِلَّا بِاللَّه الْعلي الْعَظِيم
هَذِه بَغْدَاد لم تكن دَار كفر قطّ جرى عَلَيْهَا هَذَا الَّذِي لم يَقع مُنْذُ قَامَت الدُّنْيَا مثله وَقتل الْخَلِيفَة وَإِن كَانَ وَقع فِي الدُّنْيَا أعظم مِنْهُ إِلَّا أَنه أضيف لَهُ هوان الدّين وَالْبَلَاء الَّذِي لم يخْتَص بل عَم سَائِر الْمُسلمين وَهَذَا أَمر قدره الله تَعَالَى فثبط لَهُ عزم هَذَا الْخَلِيفَة ليقضي الله مَا قدره
وَلَقَد حُكيَ أَن الْخَلِيفَة كَانَ قَاعِدا يقْرَأ الْقُرْآن وَقت الْإِحَاطَة بسور بَغْدَاد فَرمى شخص من التتار بِسَهْم فَدخل من شرفات الْمَكَان الَّذِي كَانَ فِيهِ وَكَانَت وَاحِدَة من بَنَاته بَين يَدَيْهِ فأصابها السهْم فَوَقَعت ميتَة
وَيُقَال كتب الدَّم على الأَرْض إِذا أَرَادَ الله أمرا سلب ذَوي الْعُقُول عُقُولهمْ وَإِن الْخَلِيفَة قَرَأَ ذَلِك وَبكى وَإِن هَذَا هُوَ الْحَامِل على أَن أطَاع الْوَزير فِي الْخُرُوج إِلَيْهِم
وَللَّه مَا فعلت زَوْجَة أَمِير الْمُؤمنِينَ قيل إِن هولاكو دَعَاهَا ليواقعها فشرعت تقدم لَهُ تحف الْجَوَاهِر وأصناف النفائس تشغله عَمَّا يرومه فَلَمَّا عرفت تصميمه على مَا عزم عَلَيْهِ اتّفقت مَعَ جَارِيَة من جواريها على مكيدة تخيلتها وحيلة عقدتها فَقَالَت لَهَا إِذا نزعت ثِيَابك وَأَرَدْت أَن أقدك نِصْفَيْنِ بِهَذَا السَّيْف فأظهري جزعا عَظِيما فَأَنا إِذْ ذَاك أَقُول لَك افعلي أَنْت هَذَا بِي فَإِن هَذَا سيف من ذخائر أَمِير الْمُؤمنِينَ وَهُوَ لَا يُؤثر إِذا ضرب بِهِ وَلَا يجرح شَيْئا فَإِذا أَنْت ضربتيني فَلْيَكُن الضَّرْب بِكُل قواك على نفس المقتل
ثمَّ جَاءَت إِلَى هولاكو وَقَالَت هَذَا سيف الْخَلِيفَة وَله خُصُوصِيَّة وَهِي أَنه يضْرب بِهِ الرجل فَلَا يجرحه إِلَّا إِذا كَانَ الضَّارِب الْخَلِيفَة ثمَّ دعت الْجَارِيَة وَقَالَت أجرب بَين يَدي السُّلْطَان فِيهَا فَلَمَّا عَايَنت الْجَارِيَة السَّيْف مُصْلِتًا وَالضَّرْب آتِيَا صاحت صَيْحَة عَظِيمَة وأظهرت الْجزع شَدِيدا فَقَالَت السيدة رضى الله عَنْهَا وَيلك أما علمت أَنه سيف أَمِير الْمُؤمنِينَ مَالك أتخشينه أما تعرفينه خذيه واضربيني بِهِ فَأَخَذته فضربتها بِهِ فقدتها نِصْفَيْنِ وَمَاتَتْ وَمَا ألمت بِعَارٍ وَلَا جعلت فرَاش ابْن عَم رَسُول الله صلى الله عليه وسلم فراشا للْكفَّار فتحسر هولاكو وَعلم أَنَّهَا مكيدة
وَقد رَأَيْت مثل هَذِه الْحِكَايَة جرى فِي الزَّمن الْمَاضِي لبَعض الصَّالِحَات راودها عَن نَفسهَا بعض الفاجرين كَمَا حكى ذَلِك الدبوسي من الْحَنَفِيَّة فِي كِتَابه رَوْضَة الْعلمَاء
ويحكى أَن شخصا من أهل مصر قَالَ كنت نَائِما حِين بلغ خبر بَغْدَاد وَأَنا متفكر كَيفَ فعل الله ذَلِك فَرَأَيْت فِي الْمَنَام قَائِلا يَقُول لَا تعترض على الله فَهُوَ أعلم بِمَا يفعل فَاسْتَيْقَظت واستغفرت الله تَعَالَى
وَأما الْوَزير فَإِنَّهُ لم يحصل على مَا أمل وَصَارَ عِنْدهم أخس من الذُّبَاب وَنَدم حَيْثُ لَا يَنْفَعهُ النَّدَم ويحكى أَنه طلب مِنْهُ يَوْمًا شعير فَركب الْفرس بِنَفسِهِ وَمضى ليحصله لَهُم وَهَذَا يشتمه وَهَذَا يَأْخُذ بِيَدِهِ وَهَذَا يصفعه بعد أَن كَانَت السلاطين تَأتي فَتقبل عتبَة دَاره
والعساكر تمشي فِي خدمته حَيْثُ سَار من ليله ونهاره وَأَن امْرَأَة رَأَتْهُ من طاق فَقَالَت لَهُ يَا ابْن العلقمي هَكَذَا كنت تركب فِي أَيَّام أَمِير الْمُؤمنِينَ فَخَجِلَ وَسكت وَقد مَاتَ غبنا بعد أشهر يسيرَة وَمضى إِلَى دَار مقبره وَوجد مَا عمل حَاضرا
وَأما ابْن صلايا نَائِب إربل فَإِن هولاكو ضرب عُنُقه
ثمَّ جَاءَت رسل هولاكو إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب الشَّام وَصُورَة كِتَابه إِلَيْهِ يعلم سُلْطَان ملك نَاصِر أَنه لما توجهنا إِلَى الْعرَاق وَخرج إِلَيْنَا جنودهم فقتلناهم بِسيف الله ثمَّ خرج إِلَيْنَا رُؤَسَاء الْبَلَد ومقدموها فأعدمناهم أَجْمَعِينَ ذَلِك بِمَا قدمت أَيْديهم وَبِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ وَأما مَا كَانَ من صَاحب الْبَلدة فَإِنَّهُ خرج إِلَى خدمتنا وَدخل تَحت عبوديتنا فَسَأَلْنَاهُ عَن أَشْيَاء كذب فِيهَا فَاسْتحقَّ الإعدام أجب ملك البسيطة وَلَا تقولن قلاعي المانعات ورجالي المقاتلات فساعة وقوفك على كتَابنَا نجْعَل قلاع الشَّام سماءها أَرضًا وطولها عرضا وَأرْسل غير مَا كتاب فِي هَذَا الْمَعْنى
ثمَّ فِي سنة سبع وَخمسين وسِتمِائَة نزل على آمد وَبعث إِلَى صَاحب ماردين يُطَالِبهُ فَجعل صَاحبهَا يتعلل بِالْمرضِ وَأرْسل أَوْلَاده وهداياه جَهرا إِلَى هولاكو وَأرْسل فِي الْبَاطِن يستحث الْملك النَّاصِر على محاربة التتار ثمَّ عبر لَهُ جَيش عَظِيم إِلَى الْفُرَات بعد أَن استولى على حران والرها والجزيرة فجَاء الْخَبَر إِلَى صَاحب حلب فجفل النَّاس بهَا
وَعظم الْخطب وَعم الْبلَاء ثمَّ قاربوا حلب فَخرج إِلَيْهِم جمَاعَة من عسكرها فهزموهم ونازلوا الْبَلدة وَقتلُوا خلقا كثيرا ثمَّ رحلوا عَنْهَا طَالِبين أعزاز وَكَانَ الْمُقدم على هَذَا الْجَيْش أسموط بن هولاكو ثمَّ عبر هولاكو الْفُرَات بِنَفسِهِ فِي الْمحرم سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة ونازلت عساكره حلب وركبوا الأسوار من كل نَاحيَة بعد أَن نقبوا وخندقوا فهرب الْمُسلمُونَ إِلَى جِهَة القلعة وبذلت التتار السَّيْف فِي الْعَالم وامتلأت الطرقات بالقتلى وَبَقِي الْقَتْل والنهب والحريق إِلَى رَابِع عشر صفر ثمَّ نُودي بِرَفْع السَّيْف وَأذن المؤذنون يَوْمئِذٍ بالجامع وأقيمت الْخطْبَة وَالصَّلَاة ثمَّ أحاطوا بالقلعة وحاصروها
وَأرْسل صَاحب حلب إِلَى الْملك النَّاصِر صَاحب الشَّام يستحثه وَوصل الْخَبَر إِلَى دمشق بأخذهم حلب فهرب الْملك النَّاصِر بعد أَن كَانَ جبى الْأَمْوَال وَجمع الجموع وَنزل على بَرزَة بعساكر عَظِيمَة ثمَّ رأى الْعَجز فهرب ووصلت رسل التتار إِلَى دمشق وقرىء الفرمان بِأَمَان أهل دمشق وَمَا حواليها
وَأما حماة فَإِن صَاحبهَا كَانَ حضر إِلَى بَرزَة ليتجهز مَعَ الْملك النَّاصِر فَلَمَّا سمع أهل الْبَلَد فِي غيبته بِأخذ حلب أرْسلُوا إِلَى هولاكو يسْأَلُون عطفه وسلموا الْبَلَد وهرب صَاحب حماة مَعَ الْملك النَّاصِر فسارا نَحْو مصر فَلَمَّا وصلا قطيا تقدم صَاحب حماة وَهُوَ الْملك الْمَنْصُور وَدخل مصر وبقى النَّاصِر فِي عَسْكَر قَلِيل فتوجهوا إِلَى تيه بني إِسْرَائِيل خوفًا من المصريين
وَأما التتار فوصلوا إِلَى غَزَّة واستولوا على مَا خَلفهم وتسلموا قلعة دمشق وَجعلُوا بهَا نَائِبا ثمَّ تفَرقُوا فِي بِلَاد الشَّام يَفْعَلُونَ مَا يختارون وطافوا فِي دمشق بِرَأْس
الْملك الْكَامِل الشَّهِيد صَاحب ميافارقين وَقد كَانُوا حاصروه سنة وَنصفا وَمَا زَالَ ظَاهرا عَلَيْهِم إِلَى أَن فنى أهل الْبَلَد لفناء الأقوات
ثمَّ سَار النَّاصِر وَأَخُوهُ وحاشيته إِلَى هولاكو وَكَانَ جَاءَ كتاب هولاكو قبل وُصُوله إِلَى دمشق فقرئ بِدِمَشْق وَصورته أما بعد فَنحْن جنود الله بِنَا ينْتَقم مِمَّن عتا وتجبر وطغى وتكبر وَنحن قد أهلكنا الْبِلَاد وأبدنا الْعباد وقتلنا النِّسَاء وَالْأَوْلَاد فأيها الْبَاقُونَ أَنْتُم بِمن مضى لاحقون وأيها الغافلون أَنْتُم إِلَيْهِم تساقون وَنحن جيوش الهلكة لَا جيوش الملكة مقصودنا الانتقام وملكنا لَا يرام ونزيلنا لَا يضام وعدلنا فِي ملكنا قد اشْتهر وَمن سُيُوفنَا أَيْن المفر
(أَيْن المفر وَلَا مفر لهارب
…
وَلنَا البسيطان الثرى وَالْمَاء)
(ذلت لهيبتنا الْأسود وأصبحت
…
فِي قبضنا الْأُمَرَاء وَالْخُلَفَاء)
وَنحن إِلَيْكُم صائرون وَلكم الْهَرَب وعلينا الطّلب
(ستعلم ليلى أَي دين تداينت
…
وَأي غَرِيم بالتقاضي غريمها)
دمرنا الْبِلَاد وأيتمنا الْأَوْلَاد وأهلكنا الْعباد وأذقناهم الْعَذَاب
وشمخت النَّصَارَى بِدِمَشْق وصاروا يرفعون الصَّلِيب ويمرون بِهِ فِي الْأَسْوَاق وَالْخمر مَعَهم يرشونه على الْمَسَاجِد والمصلين وَمن رأى الصَّلِيب وَلَا يقوم لَهُ عاقبوه