الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ثمَّ انْتقل إِلَى الْقَاهِرَة وَأعَاد بقبة الشَّافِعِي رضي الله عنه ثمَّ درس بالظاهرية ثمَّ ولي قَضَاء الْقُضَاة وتدريس الشَّافِعِي وَامْتنع أَن يَأْخُذ على الْقَضَاء مَعْلُوما
وَكَانَ فَقِيها فَاضلا حميد السِّيرَة كثير الْعِبَادَة حسن التَّحْقِيق مشاركا فِي عُلُوم غير الْفِقْه كَثِيرَة مشارا إِلَيْهِ بالفتوى من النواحي الْبَعِيدَة
توفّي فِي ثَالِث رَجَب سنة ثَمَانِينَ وسِتمِائَة
فَوَائِد عَن قَاضِي الْقُضَاة ابْن رزين
كَانَ يذهب إِلَى الْوَجْه الَّذِي حَكَاهُ صَاحب التَّتِمَّة أَن الرشد صَلَاح المَال فَقَط ويرتفع الْحجر عَمَّن بلغ رشيدا فِي مَاله وَإِن بلغ سَفِيها فِي دينه
قَالَ ابْن الرّفْعَة سَمِعت قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين فِي مجْلِس حكمه بِمصْر يُصَرح بِاخْتِيَارِهِ وَيحكم بِمُوجبِه ويستدل لَهُ بِإِجْمَاع الْمُسلمين على جَوَاز مُعَاملَة من تَلقاهُ الْغَرِيب من أهل الْبِلَاد مَعَ أَن الْعلم مُحِيط بِأَن الْغَالِب على النَّاس عدم الرشد فِي الدّين والرشد فِي المَال وَلَو كَانَ ذَلِك مَانِعا من نُفُوذ التَّصَرُّفَات لم تجر الأقلام عَلَيْهِ
قلت كَانَ قَاضِي الْقُضَاة بالديار المصرية إِذا جمعُوا بَين قَضَاء الْقَاهِرَة ومصر كَمَا اسْتَقَرَّتْ عَلَيْهِ الْقَاعِدَة من الْأَيَّام الظَّاهِرِيَّة يتوجهون يَوْم الِاثْنَيْنِ وَيَوْم الْخَمِيس إِلَى مصر فَيَجْلِسُونَ بِجَامِع عَمْرو بن الْعَاصِ لفصل الْقَضَاء بَين النَّاس ويحضر عِنْدهم عُلَمَاء مصر وَكَانَ ابْن الرّفْعَة يحضر عِنْد قَاضِي الْقُضَاة تَقِيّ الدّين مجْلِس حكمه إِذا ورد عَلَيْهِم مصر
وَصَحب الشَّيْخ الْجَلِيل السَّيِّد الْكَبِير أَبَا عبد الله الْقرشِي واختص بِهِ وبرع فِي الْعلم وَلزِمَ طَريقَة السّلف فِي التقشف والورع وَكَانَ يلقِي على الطّلبَة كل يَوْم عدَّة دروس من الْفِقْه وَالْأُصُول وَلَا يقبل لأحد شَيْئا
وَكَانَ أول أمره شرابيا يعْمل الشَّرَاب ثمَّ انْتَهَت بِهِ الْحَال إِلَى أَن صَار شيخ الديار المصرية علما وَعَملا وَسُئِلَ فِي ولَايَة الْقَضَاء فَامْتنعَ أَشد الِامْتِنَاع
مولده سنة أَربع وَخمسين وَخَمْسمِائة بجوجر
وَقد نقل عَنهُ ابْن الرّفْعَة فِي الْمطلب فِي بَاب الْوكَالَة فِي الْكَلَام على أَن الْوَكِيل بِالْبيعِ هَل يملك التَّسْلِيم وَالْقَبْض فَقَالَ تَفْرِيعا على القَوْل بِأَنَّهُ لَا يملك إِذا كَانَ التَّوْكِيل فِي البيع وَالشِّرَاء فِي مصر غير الْمصر الَّذِي فِيهِ الْمُوكل هَل تجْعَل الْغَيْبَة مسلطة على التَّسْلِيم حَيْثُ لَا نقُول يثبت ذَلِك فِي حَالَة كَون الْمُوكل فِي الْمصر الَّذِي فِيهِ الْوَكِيل أَو لَا وَكَانَ بعض مَشَايِخنَا يَحْكِي عَن الشَّيْخ الْعَلامَة الْوَرع الْفَقِيه الزَّاهِد أبي الطَّاهِر خطيب الْمُسلمين بِمصْر الأول وتوجيهه ظَاهر للْعُرْف
وَعَن صَاحب التَّقْرِيب مَا يدل عَلَيْهِ بِزِيَادَة لِأَنَّهُ قَالَ إِذا دفع إِلَيْهِ قدرا من الإبريسم ليحمله إِلَى غَرِيمه ليَشْتَرِي بِهِ جَارِيَة فَفعل لم يلْزمه نقلهَا وَقَالَ الإِمَام إِنَّهَا تحصل فِي يَده فِي حكم الْوَدِيعَة وَللْإِمَام احْتِمَال فِي لُزُوم رد الْجَارِيَة قَالَ وَلَكِن الأَصْل خِلَافه لِأَن من الْتزم رد مَال إِنْسَان وَلم يسْتَأْجر عَلَيْهِ لَا يلْزمه الْوَفَاء بِهِ انْتهى
قلت وَأَظنهُ يُشِير بِبَعْض مشايخه إِلَى السديد التزمنتي فَإِنَّهُ شَيْخه وَهُوَ أَعنِي السديد تلميذ الْخَطِيب أبي الطَّاهِر
وكرامات الْخَطِيب أبي الطَّاهِر مَشْهُورَة وَقد دخل دمشق رَسُولا أرْسلهُ الْملك الْكَامِل إِلَى أَخِيه الْأَشْرَف مُوسَى فِي الصُّلْح بَينهمَا
وَله أَصْحَاب كَثِيرُونَ عَمت عَلَيْهِم بركاته وَعِنْدِي بِخَط القَاضِي الْفَقِيه كَمَال الدّين أَحْمد بن عِيسَى بن رضوَان الْعَسْقَلَانِي صَاحب شرح التَّنْبِيه وَغَيره من المصنفات وَهُوَ الْمَعْرُوف بِابْن القليوبي مُصَنف فِي مَنَاقِب أبي الطَّاهِر سَمَّاهُ الظَّاهِر فِي مَنَاقِب أبي الطَّاهِر قَالَ فِيهِ إِن الْفَقِيه أَبَا الطَّاهِر قصد مصر للاشتغال وَكَانَ على حَالَة من الْقلَّة وَنزل الْمدرسَة الصلاحية الْمُجَاورَة للجامع الْعَتِيق وَلم يحصل لَهُ بَيت بل خزانَة يضع فِيهَا كِتَابه وثوبه وكوزا وإبريقا وَكَانَ مَعَه شَيْء من العنبر قَالَ فَكنت أبخر ذَلِك الْكوز وَإِذا جَاءَ المعيد وَالْتمس مَاء أَتَيْته بذلك الْكوز تقربا إِلَيْهِ وخدمة لَهُ ثمَّ حكى الْكثير من قلَّة ذَات يَده
وَحكى أَن الْفَقِيه ضِيَاء الدّين ولد الشَّيْخ أبي عبد الله الْقُرْطُبِيّ قَالَ أَرْسلنِي وَالِدي إِلَى الْفَقِيه أبي الطَّاهِر يَوْمًا فصادفته فِي الْمِحْرَاب فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وَلم يقم وَكَانَ عَادَته غير ذَلِك فأبلغته الرسَالَة وَبَقِي فِي نَفسِي شَيْء فَلَمَّا رَأَيْته فِي وَقت آخر فسلك عَادَته فِي الْقيام فَقلت لَهُ فَقَالَ أتيتني فِي مَوضِع لَا يُقَام فِيهِ إِلَّا لله تَعَالَى
وَحكى أَنه جَاءَهُ بعض خدم السُّلْطَان وَهُوَ فِي الميعاد وَبَين يَدَيْهِ شمعة يقْرَأ الْقَارئ عَلَيْهَا الميعاد فَتقدم الرَّسُول ليقْرَأ الرسَالَة على الشمعة فاعترضه الشَّيْخ بِيَدِهِ فانجمع ثمَّ سكت سَاعَة وَعَاد لِيَقْرَأهَا فَفعل الشَّيْخ مثل ذَلِك فَرجع ثمَّ عَاد فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ هَذِه الشمعة إِنَّمَا أرصدت لقِرَاءَة الميعاد
وَحكى من ورعه أَيْضا أَنه سمع الْخَطِيب عز الدّين عبد الْبَاقِي يذكر أَنه دخل يَوْمًا إِلَى منزله وَكَانَ طعامهم إسفيدناج فَسَأَلَهُمْ هَل غسل الْبيض أم لَا فَأَجَابُوهُ أَنه لم يغسل فاستدعى مَمْلُوكه حطلح وَقَالَ خُذ هَذَا الطَّعَام وألقه فِي مَكَان كَذَا فاحتمله إِلَى مَوضِع أَرَادَ إلقاءه فِيهِ فَوجدَ فَقِيرا فَقَالَ لَهُ بِاللَّه عَلَيْك أَنا أَحَق فَقَالَ أعرف الشَّيْخ فَأتى إِلَيْهِ فَأخْبرهُ فَقَالَ هَذَا الطَّعَام فِيهِ لحم بِكَذَا وبيض بِكَذَا وحاجة بِكَذَا وَحسب جملَة مَا صرفه عَلَيْهِ فوزنها وَأَعْطَاهَا لَهُ وَقَالَ اطبخ بهَا غير هَذَا وَلَا تَأْكُل هَذَا فَإِنَّهُ نجس
قَالَ ابْن القليوبي هَذَا مَعَ أَن لأَصْحَاب الشَّافِعِي وَجْهَيْن فِي نَجَاسَة الْبيض يَنْبَنِي على الْخلاف فِي رُطُوبَة فرج الْمَرْأَة
قلت الصَّحِيح الطَّهَارَة وَلَعَلَّ أَبَا الطَّاهِر كَانَ يرى النَّجَاسَة وَإِلَّا فَكيف يذهب هَذَا المَال
وَنَحْو هَذَا مَا حكى عَنهُ أَيْضا أَنه رأى فِي دارة برنية شراب لَهُ فِيهِ على وَجهه وزغة صَغِيرَة فَأمر بإلقائه فِي الْبَحْر
وَحكى أَنه لما توجه السُّلْطَان الْملك الْكَامِل لبَعض أَسْفَاره سَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ وفْق الله السُّلْطَان فَشَغلهُ بِالْحَدِيثِ ثمَّ أعَاد عَلَيْهِ القَوْل فَقَالَ وفْق الله السُّلْطَان ثمَّ عِنْد انْفِصَاله مِنْهُ سَأَلَهُ الدُّعَاء فَقَالَ وفْق الله السُّلْطَان فَلَمَّا خلا السُّلْطَان بِأَصْحَابِهِ تعجب مِنْهُ فَلَمَّا اتَّصل ذَلِك بالشيخ قَالَ يُرِيدنِي أَدْعُو لَهُ بالنصر كَأَنَّهُ مُتَوَجّه إِلَى غَزْو عدوه
وَحكى أَن الشَّيْخ خرج مَعَ الْعَسْكَر فِي غَزْو الفرنج على المنصورة وَأَنه لما حمي الْوَطِيس نزل عَن فرسه وَقَاتل مَعَهم وَأُصِيب بسهام كَثِيرَة قَالَ وَلم يجرح بِشَيْء مِنْهَا
وَذكر أَنه كَانَ يسْرد الصَّوْم لَا يفْطر إِلَّا الْعِيدَيْنِ وَأَيَّام التَّشْرِيق وَأَنه كَانَ يمْكث الْأَيَّام الْكَثِيرَة لَا يتَنَاوَل فِيهَا إِلَّا الْيَسِير من المَاء للسّنة
وَحكى من اهتمامه بحوائج الْخلق أَن شخصا سَأَلَهُ حَاجَة فَقَالَ ذَكرنَاهَا البارحة سبعين مرّة وَأَن قَاضِي الْقُضَاة شرف الدّين ابْن عين الدولة سَأَلَهُ أَن يَدْعُو لَهُ عِنْد طلوعه الْمِنْبَر وَأَنه بعد مُدَّة طَوِيلَة رأى الشَّيْخ ذَاكِرًا لذَلِك الْأَمر قَالَ فَسئلَ الشَّيْخ فَقَالَ لم أنسه فِي جُمُعَة قطّ
وَحكى من كراماته الْكثير فَمن ذَلِك قَالَ ابْن القليوبي أَخْبرنِي شَيْخي - يَعْنِي وَالِده - قَالَ أخذت مرّة كتابا من كتب الشَّيْخ فَأصَاب ظَاهر جلده نَجَاسَة فَخَشِيت أَن يضع الشَّيْخ يَده عَلَيْهَا وَبهَا رُطُوبَة فيتنجس قَالَ فَصَبَبْت المَاء على الْجلد بِحَيْثُ طهر ومررت بِالْكتاب بعد مُدَّة فَقَالَ لي من أذن لَك أَن تغسل الْجلد
قَالَ وَأَخْبرنِي الشَّيْخ عماد الدّين بن سِنَان الدولة قَالَ كَانَت لي نُسْخَة من التَّنْبِيه يَعْنِي مليحة حَفظتهَا خلا بَاب الْقَرَاض وَكَانَ الشَّيْخ تقدم إِلَى الْجَمَاعَة أَن يعرضُوا فِي الْغَد وَكَانَ من عَادَة الشَّيْخ أَن يَأْخُذ كتاب الطَّالِب فيفتحه ويستقرئه مِنْهُ وخطر لي أَن أشرط الورقة من الْكتاب فَإِذا فَتحه لم ير ذَلِك الْبَاب فَلَمَّا أصبح واستعرض الْجَمَاعَة وانتهت النّوبَة إِلَيّ تقدّمت وناولته الْكتاب فَقَالَ دَعه مَعَك اقْرَأ بَاب الْقَرَاض فَقلت وَالله يَا سَيِّدي أحفظ الْكتاب كُله خلا هَذَا الْبَاب فَقَالَ مَا حملك على قطع الورقة وإفساد الْمَالِيَّة
قَالَ وَكَانَ إِذا لحظ شخصا انْتفع بألحاظه وَإِذا أعرض عَنهُ خيف عَلَيْهِ مغبة إعراضه
وَحكى أَن بعض فُقَهَاء الْمَذْهَب - مِمَّن ذكر لَهُ وَالِده أَنه كَانَ إِذا تحدث فِي الْفِقْه كَانَ يَقُول لغلامه اشْتَرِ كَذَا وَكَذَا لسُهُولَة الْفِقْه عَلَيْهِ وَخِفته على لِسَانه جلس مَعَ الشَّيْخ فِي مجْلِس قَالَ وَكَانَ الشَّيْخ إِذا حضر مَجْلِسا أَكثر من ذكر كرامات شَيْخه الْقرشِي قَالَ فاتفق حضورهما عِنْد الْفَقِيه شرف الدّين ابْن التلمساني شَارِح التَّنْبِيه فسلك الشَّيْخ عَادَته فِي حكايات شَيْخه الْقرشِي وَغَيره من الصَّالِحين لينْتَفع بهَا سامعها وتشغله عَن الْغَيْبَة فَقَالَ لَهُ ذَلِك الْفَقِيه أخبرنَا عَن نَفسك فَقَالَ لَهُ أخْبركُم عَن نَفسِي مَرضت مرضة أشرفت فِيهَا على الْمَوْت فَدخل عَليّ الشَّيْخ الْقرشِي عَائِدًا فَذهب عني مَا كنت أجد وَصليت الصُّبْح بسورتين طويلتين فَأخذ ذَلِك الْفَقِيه يتحدث فَأَعْرض عَنهُ الشَّيْخ فَقتل بعد أَيَّام بِبَعْض بساتين دمشق
وَحكى أَن بعض طلبته نعس فِي الدَّرْس فَضرب الشَّيْخ إِحْدَى يَدَيْهِ على الْأُخْرَى فانتبه الشَّخْص فَقَالَ لَهُ سَالم سَالم وَإِذا بِهِ قَارب أَن يَحْتَلِم فَلَمَّا أيقظه الشَّيْخ سلم
قَالَ وَأَخْبرنِي شَيْخي قَالَ كنت أُصَلِّي خلف الشَّيْخ فأصابتني حقنة شَدِيدَة وَاشْتَدَّ ألمي بِسَبَبِهَا بِحَيْثُ كنت مفكرا إِذا خرجت من الصَّلَاة أَي الْجِهَات أنتحيها لإزالتها وَإِذا بالشيخ عرض لَهُ حَال بكاء شَدِيد وأهوى إِلَى سجادته وَأَخذهَا وَقد خرج من الصَّلَاة وقدمني مَكَانَهُ فَلم يبْق بِي شَيْء مِمَّا كَانَ بِي وَكَأَنَّهُ حمل عني مَا كنت أَجِدهُ فانتقل إِلَيْهِ وَزَالَ عني
وَأَخْبرنِي شيخ قَالَ كَانَ الشَّيْخ مرّة فِي الدَّرْس فِي بَاب الْهِبَة فَانْتهى إِلَى أَنه يسْتَحبّ لمن وهب لأولاده أَن يُسَوِّي بَينهم ثمَّ أَخذ يمثل بِابْني السطحي وهما أَخَوان طالبان فِي الدَّرْس فَقَالَ كَمَا لَو وهب وَالِد هذَيْن لأَحَدهمَا دَوَاة وَترك الآخر فَقَالَ أَحدهمَا وَالله يَا سيدنَا هَكَذَا اتّفق
ثمَّ حكى ابْن القليوبي من اعْتِقَاد أهل عصره فِيهِ حَتَّى الْيَهُود وَالنَّصَارَى وتبركهم بِخَطِّهِ واستشفاء مرضاهم مِمَّا ينقلونه من خطه شَيْئا كثيرا
وَحكى أَنه أُرِيد على الْقَضَاء فَامْتنعَ فَقيل لَهُ استخر فَقَالَ إِنَّمَا يستخار فِي أَمر خفيت مصْلحَته وجهات عاقبته وَأَن الطّلبَة اجْتَمعُوا فِي الْبَلَد وَكَانَ قد شاع فِي أثْنَاء المراددة بَينه وَبَين السُّلْطَان أَنه ولي فَجَاءَهُمْ وَقَالَ بنراي بنراي يُشِير إِلَى أَنه على الْحَالة الْمَعْهُودَة مِنْهُ
وَحكى أَنه كَانَ لَا يحب مقامات الحريري وَلم تكن فِي كتبه مَعَ كثرتها لما فِيهَا من الْأَحَادِيث المختلقة وَأَنه كَانَ لَا يرى نُسْخَة من ملخص الإِمَام فَخر الدّين ابْن الْخَطِيب إِلَّا اشْتَرَاهَا حَتَّى لَا تقع فِي أَيدي النَّاس فَقيل لَهُ هَذَا مِنْهُ نسخ كَثِيرَة فَقَالَ فِيهِ تقليل للمفسدة
وَحكى أَن كتبه كَانَت كَثِيرَة وَأَنه كَانَ يعيرها لمن يعرف وَلمن لَا يعرف سَافر بهَا الْمُسْتَعِير أم لم يُسَافر بهَا وَكَانَ يَقُول مَا أعرت كتابا إِلَّا ظَنَنْت أَنه لَا يرجع إِلَيّ فَإِذا عَاد عددت ذَلِك نعْمَة جَدِيدَة
ثمَّ عدد ابْن القليوبي جمَاعَة من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي الطَّاهِر ابْتَدَأَ مِنْهُم بِذكر وَالِده الشَّيْخ ضِيَاء الدّين أبي الرّوح عِيسَى بن رضوَان
توفّي الْفَقِيه أَبُو الطَّاهِر سحر يَوْم الْأَحَد سَابِع ذِي الْقعدَة سنة ثَلَاث وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة بِمصْر وَدفن بسفح المقطم
قَالَ ابْن القليوبي وقبره مَشْهُور بإجابة الدُّعَاء عِنْده وَالنَّاس يقصدونه لذَلِك سَمِعت وَالِدي يَقُول قبر الشَّيْخ الدرياق المجرب
وَسمعت أَنه لم يشْهد بِمصْر جَنَازَة كجنازته لِكَثْرَة الْعَالم بهَا وَكَانَ الْملك الْكَامِل غَائِبا فِي الشَّام فَحَضَرَ الْجِنَازَة وَلَده السُّلْطَان الْملك الْعَادِل وصادف ذَلِك شدَّة حر فَيُقَال إِنَّه صحب الْجِنَازَة عدَّة إبل كَثِيرَة لأجل المَاء وَقيل إِنَّه لم يشْهد بِمصْر بعد جَنَازَة الْمُزنِيّ صَاحب الشَّافِعِي مثل جَنَازَة الْفَقِيه أبي الطَّاهِر