الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
1080 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن عبد الله بن بختيار بن عَليّ الهمامي أَبُو عبد الله ولد بالهمامية من قرى وَاسِط
قَالَ ابْن النجار كَانَ حَافِظًا للْمَذْهَب سديد الْفَتَاوَى ورعا دينا كثير الْعِبَادَة أُرِيد على أَن يَلِي الْقَضَاء بواسط فَلم يجب
توفّي فِي ذِي الْقعدَة سنة أَربع وَثَلَاثِينَ وسِتمِائَة
1081 - مُحَمَّد بن عبد الرَّحْمَن بن الْأَزْدِيّ أَو الْكِنْدِيّ الْمصْرِيّ
كَانَ يُفْتِي مَعَ شيخ الْإِسْلَام عز الدّين بن عبد السَّلَام
وَاخْتصرَ الْمَذْهَب فِي مُصَنف سَمَّاهُ الْهَادِي وَفِيه يَقُول فِيمَن سَهَا وَسلم وَلم يسْجد مَا نَصه فَإِن سلم فأحدث فَعَن لَهُ فَسجدَ بطلت صلَاته على الصَّحِيح انْتهى
وَمرَاده بعن لَهُ فَتطهر وَهَذَا غَرِيب وَالْمَعْرُوف أَنا إِذا قُلْنَا يسْجد عِنْد قرب الْفَصْل قَول الإِمَام وَلَو سلم وأحدث ثمَّ انغمس فِي مَاء على قرب الزَّمَان فَالظَّاهِر أَن الْحَدث فاصل وَإِن لم يطلّ الزَّمَان انْتهى فَأخذ مِنْهُ صَاحب الْهَادِي أَنه إِذا تطهر وَسجد صَار عَائِدًا ثمَّ فرع عَلَيْهِ أَنه إِذا عَاد بطلت لِأَنَّهَا صَلَاة تخللها حدث فَتبْطل على الْمَذْهَب
مجرحة وَعلمت الجبائية مذ قطعهَا أَن الْإِسْلَام يجب مَا قبله وَانْهَزَمَ جَيش الأحيدية فَمَا عَاد مِنْهُم إِلَّا من عَاد إِلَى الْقبْلَة وعرج على الْخَوَارِج فَدَخَلُوا تَحت الطَّاعَة وَعلمت الْأزَارِقَة مِنْهُم أَن فتكات أبيضه المحمدية ونار أسمره الأحمدية لَا قبل لَهُم بهَا وَلَا استطاعة وَقَالَت الميمونية الْيمن من الله وَالشَّر وخنست الأخنسية وَمَا فيهم إِلَّا من تحيز إِلَى فِئَة وفر والتفت إِلَى الروافض فَقَالَت الزيدية ضرب عَمْرو وخَالِد وَبكر زيدا وَقَالَت الإمامية هَذَا الإِمَام وَمن حاد عَنهُ فقد جَاءَ شَيْئا إدا وأيقنت السليمانية أَن جنها حبس فِي القناني وَقَالَت الأزلية هَذَا الَّذِي قدر الله فِي الْأَزَل أَن يكون فَردا وعوذه بالسبع المثاني وَقَالَ المنتظرون هَذَا الإِمَام وَهَذَا الْيَوْم الْمَوْعُود وَجعلت الكيسانية فِي ظلال كيسه وسجل عَلَيْهِم بِالطَّاعَةِ فِي يَوْم مشهود وَنظر إِلَى الجبرية شزرا فَمشى كل مِنْهُم على كره الهوينا كَأَنَّهُ جَاءَ جبرا وَعلمت النجارية أَن صنعها لَا يُقَابل هَذَا الْعَظِيم النجار وَنَادَتْ الضرارية لَا ضَرَر فِي الْإِسْلَام وَلَا ضرار وتطلع على الْقَدَرِيَّة فعبس كل مِنْهُم وَبسر ثمَّ أقبل واستصغر وَكَانَ من الذُّبَاب أقل وأحقر فَقتل كَيفَ قدر وانعطف إِلَى المرجئة وَمَا أرجأهم وَجعل العدمية مِنْهُ خالدية فِي الْهون وساءهم بنارهم ودعا الحلولية فَحل عَلَيْهِم مَا هُوَ أَشد من الْمنية
وأصبحت الباطنية تَأْخُذ أَقْوَاله وَلَا تتعدى مَذْهَب الظَّاهِرِيَّة وَأما الحشوية قبح الله صنعهم وفضح على رُؤُوس الأشهاد جمعهم فَشَرِبُوا كأسا قطع أمعاءهم وهربوا فِرَارًا إِلَى خسي الْأَمَاكِن حَتَّى عدم النَّاس محشاهم وَصَارَ الْقَائِل بالجهة فِي أخس الْجِهَات وَعرض عَلَيْهِ كل جسم وَهُوَ يضْرب بِسيف الله الْأَشْعَرِيّ وَيَقُول {هَل من مزِيد} هَات حَتَّى نادوا بالثبور وَزَالَ عَن النَّاس افتراؤهم ومكرهم {ومكر أُولَئِكَ هُوَ يبور} وَأما النَّصَارَى وَالْيَهُود فَأَصْبحُوا جَمِيعًا وَقُلُوبهمْ شَتَّى ونفوسهم حيارى وَرَأَيْت الْفَرِيقَيْنِ {سكارى وَمَا هم بسكارى} وَمَا من نَصْرَانِيّ رَآهُ إِلَّا وَقَالَ أَيهَا الْفَرد لَا نقُول بالتثليث بَين يَديك وَلَا يَهُودِيّ إِلَّا سلم وَقَالَ {إِنَّا هدنا إِلَيْك}
هَذَا مَا يتَعَلَّق بعقائد العقائد وفرائد القلائد
وَأما عُلُوم الْحُكَمَاء فَلَقَد تدرع بجلبابها وتلفع بأثوابها وتسرع فِي طلبَهَا حَتَّى دخل من كل أَبْوَابهَا وَأقسم الفيلسوف إِنَّه لذُو قدر عَظِيم وَقَالَ الْمنصف فِي كَلَامه هَذَا {من لدن حَكِيم} وآلى ابْن سينا بِالطورِ إِلَيْهِ من أَن قدره دون هَذَا الْمِقْدَار وَعلم أَن كَلَامه المنثور وَكتابه المنظوم يكَاد سنا برقهما يذهب بالأبصار وَفهم صَاحب أقليدس أَنه اجْتهد فِي الْكَوَاكِب وأطلعها سوافر وجد حَتَّى أبرزها فِي ظلام الضلال غرر نَهَار لَا يتَمَسَّك بعصم الكوافر
وَأما الشرعيات تَفْسِيرا وفقها وأصولا وَغَيرهَا فَكَانَ بحرا لَا يجارى وبدرا
إِلَّا أَن هداه يشرق نَهَارا هَذَا هُوَ الْعلم كَيفَ يَلِيق أَن يتغافل الْمُؤمن عَن هَذَا وَهَذَا هُوَ دوا الذِّهْن الَّذِي كَانَ أسْرع إِلَى كل دَقِيق نفاذا وَهَذَا هُوَ الْحجَّة الثَّابِتَة على قَاضِي الْعقل وَالشَّرْع وَهَذِه هِيَ الْحجَّة الَّتِي يثبت فِيهَا الأَصْل وَيتَفَرَّع الْفَرْع مَا القَاضِي عِنْده إِلَّا خصم هَذَا الجلل إِن ماثله إِلَّا مِمَّن تلبس بِمَا لم يُعْط وَلم يقف عِنْد حد لَهُ وَلَا رسم وَمَا الْبَصْرِيّ إِلَّا فَاقِد بَصَره وَإِن رام لحاق نظره فقد فقد نظر الْعين وَلَا أَبُو الْمَعَالِي إِلَّا مِمَّن يُقَال لَهُ هَذَا الإِمَام الْمُطلق إِن كنت إِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَلَقَد أَجَاد ابْن عنين حَيْثُ يَقُول فِيهِ
(مَاتَت بِهِ بدع تَمَادى عمرها
…
دهرا وَكَاد ظلامها لَا ينجلي)
(وَعلا بِهِ الْإِسْلَام أرفع هضبة
…
ورسا سواهُ فِي الحضيض الْأَسْفَل)
(غلط امْرُؤ بأبى عَليّ قاسه
…
هَيْهَات قصر عَن هداه أَبُو على)
(لَو أَن رسطاليس يسمع لَفْظَة
…
من لَفظه لعرته هزة أفكل)
(ولحار بطليموس لَو لاقاه من
…
برهانه فِي كل شكل مُشكل)
(وَلَو أَنهم جمعُوا لَدَيْهِ تيقنوا
…
أَن الْفَضِيلَة لم تكن للْأولِ)
ولد الإِمَام سنة ثَلَاث وَأَرْبَعين وَقيل أَربع وَأَرْبَعين وَخَمْسمِائة
واشتغل على وَالِده الشَّيْخ ضِيَاء الدّين عمر وَكَانَ من تلامذة محيى السّنة أبي مُحَمَّد الْبَغَوِيّ وَقَرَأَ الْحِكْمَة على الْمجد الجيلي بمراغة وتفقه على الْكَمَال السمناني وَيُقَال إِنَّه حفظ الشَّامِل فِي علم الْكَلَام لإِمَام الْحَرَمَيْنِ
وَكَانَ أول أمره فَقِيرا ثمَّ فتحت عَلَيْهِ الأرزاق وانتشر اسْمه وَبعد صيته وَقصد من أقطار الأَرْض لطلب الْعلم
وَكَانَت لَهُ يَد طولى فِي الْوَعْظ بِلِسَان الْعَرَبِيّ والفارسي ويلحقه فِيهِ حَال وَكَانَ من أهل الدّين والتصوف وَله يَد فِيهِ وَتَفْسِيره ينبىء عَن ذَلِك
وَعبر إِلَى خوارزم بعد مَا مهر فِي الْعُلُوم فَجرى بَينه وَبَين الْمُعْتَزلَة مناظرات أدَّت إِلَى خُرُوجه مِنْهَا ثمَّ قصد مَا وَرَاء النَّهر فَجرى لَهُ أَشْيَاء نَحْو مَا جرى بخوارزم فَعَاد إِلَى الرّيّ ثمَّ اتَّصل بالسلطان شهَاب الدّين الغوري وحظي عِنْده ثمَّ بالسلطان الْكَبِير عَلَاء الدّين خوارزمشاه مُحَمَّد بن تكش ونال عِنْده أَسْنَى الْمَرَاتِب وَاسْتقر عِنْده بخراسان
واشتهرت مصنفاته فِي الْآفَاق وَأَقْبل النَّاس على الِاشْتِغَال بهَا ورفضوا كتب الْمُتَقَدِّمين
وَأقَام بهراة وَكَانَ يلقب بهَا شيخ الْإِسْلَام وَكَانَ كثير الإزراء بالكرامية فَقيل إِنَّهُم وضعُوا عَلَيْهِ من سقَاهُ سما فَمَاتَ
وَكَانَ خوارزمشاه يَأْتِي إِلَيْهِ وَكَانَ إِذا ركب يمشي حوله نَحْو ثَلَاثمِائَة نفس من الْفُقَهَاء وَغَيرهم
وَكَانَ شَدِيد الْحِرْص جدا فِي الْعُلُوم وَأَصْحَابه أَكثر الْخلق تَعْظِيمًا لَهُ وتأدبا مَعَه لَهُ عِنْدهم المهابة الوافرة
وَمن تصانيفه التَّفْسِير والمطالب الْعَالِيَة وَنِهَايَة الْعُقُول وَالْأَرْبَعِينَ والمحصل وَالْبَيَان والبرهان فِي الرَّد على أهل الزيغ والطغيان والمباحث الْعمادِيَّة والمحصول وعيون الْمسَائِل وإرشاد النظار وأجوبة الْمسَائِل البخارية والمعالم وتَحْصِيل الْحق والزبدة وَشرح الإشارات وعيون الْحِكْمَة وَشرح الْأَسْمَاء الْحسنى
وَقيل شرح مفصل الزَّمَخْشَرِيّ فِي النَّحْو ووجيز الْغَزالِيّ فِي الْفِقْه وَسقط الزند لأبي الْعَلَاء وَله طَريقَة فِي الْخلاف ومُصَنف فِي مَنَاقِب الشَّافِعِي حسن وَغير ذَلِك
وَأما كتاب السِّرّ المكتوم فِي مُخَاطبَة النُّجُوم فَلم يَصح أَنه لَهُ بل قيل إِنَّه مختلق عَلَيْهِ
حكى الأديب شرف الدّين مُحَمَّد بن عنين أَنه حضر درسه مرّة وَهُوَ شَاب وَقد وَقع ثلج كَبِير فَسَقَطت بِالْقربِ مِنْهُ حمامة وَقد طردها بعض الْجَوَارِح فَلَمَّا وَقعت رَجَعَ عَنْهَا الْجَارِح فَلم تقدر الْحَمَامَة على الطيران من الْخَوْف وَالْبرد فَلَمَّا قَامَ الإِمَام من الدَّرْس وقف عَلَيْهَا ورق لَهَا وَأَخذهَا قَالَ ابْن عنين فَقلت فِي الْحَال
(يَا ابْن الْكِرَام المطعمين إِذا شتوا
…
فِي كل مسغبة وثلج خاشف)
(العاصمين إِذا النُّفُوس تطايرت
…
بَين الصوارم والوشيج الراعف)
(من أنبأ الورقاء أَن محلكم
…
حرم وَأَنَّك ملْجأ للخائف)
(وفدت إِلَيْك وَقد تدانى حتفها
…
فحبوتها ببقائها المستأنف)
(لَو أَنَّهَا تحبى بِمَال لانثنت
…
من راحتيك بنائل متضاعف)
(جَاءَت سُلَيْمَان الزَّمَان بشكوها
…
وَالْمَوْت يلمع من جناحي خاطف)
(قدم لواه الْفَوْت حَتَّى ظله
…
بإزائه يجْرِي بقلب واجف)
وَاعْلَم أَن شَيخنَا الذَّهَبِيّ ذكر الإِمَام فِي كتاب الْمِيزَان فِي الضُّعَفَاء وكتبت أَنا على كِتَابه حَاشِيَة مضمونها أَنه لَيْسَ لذكره فِي هَذَا الْمَكَان معنى وَلَا يجوز من وُجُوه عدَّة أَعْلَاهَا أَنه ثِقَة حبر من أَحْبَار الْأمة وَأَدْنَاهَا أَنه لَا رِوَايَة لَهُ فَذكره فِي كتب الروَاة مُجَرّد فضول وتعصب وتحامل تقشعر مِنْهُ الْجُلُود
وَقَالَ فِي الْمِيزَان لَهُ كتاب أسرار النُّجُوم سحر صَرِيح
قلت وَقد عرفناك أَن هَذَا الْكتاب مختلق عَلَيْهِ وَبِتَقْدِير صِحَة نسبته إِلَيْهِ لَيْسَ بِسحر فليتأمله من يحسن السحر وَيَكْفِيك شَاهدا على تعصب شَيخنَا عَلَيْهِ ذكره إِيَّاه فِي حرف الْفَاء حَيْثُ قَالَ الْفَخر الرَّازِيّ وَلَا يخفى أَنه لَا يعرف بِهَذَا وَلَا هُوَ اسْمه أما اسْمه فمحمد وَأما مَا اشْتهر بِهِ فَابْن الْخَطِيب وَالْإِمَام فَإِذا نظرت أَيهَا الطارح رِدَاء
العصبية عَن كَتفيهِ الجانح إِلَى جعل الْحق بمرأى عَيْنَيْهِ إِلَى رجل عمد إِلَى إِمَام من أَئِمَّة الْمُسلمين وَأدْخلهُ فِي جمَاعَة لَيْسَ هُوَ مِنْهُم أَعنِي رُوَاة الحَدِيث فَإِن الإِمَام لَا رِوَايَة لَهُ وَدعَاهُ باسم لَا يعرف بِهِ ثمَّ نظرت إِلَى قَوْله فِي آخر الْمِيزَان إِنَّه لم يتَعَمَّد فِي كِتَابه هوى نفس وأحسنت بِالرجلِ الظَّن وأبعدته عَن الْكَذِب أوقعته فِي التعصب وَقلت قد كرهه لأمور ظَنّهَا مقتضية الْكَرَاهَة وَلَو تأملها الْمِسْكِين حق التَّأَمُّل وأوتي رشده لأوجبت لَهُ حبا عَظِيما فِي هَذَا الإِمَام وَلكنهَا الحاملة لَهُ على هَذِه الْعَظِيمَة والمردية لَهُ فِي هَذِه الْمُصِيبَة العميمة نسْأَل الله السّتْر والسلامة
وَذكر أَن الإِمَام وعظ يَوْمًا بِحَضْرَة السُّلْطَان شهَاب الدّين الغوري وحصلت لَهُ حَال فاستغاث يَا سُلْطَان الْعَالم لَا سلطانك يبْقى وَلَا تلبيس الرارزي يبْقى {وَأَن مردنا إِلَى الله}
وَبلغ من أَمر الحشوية أَن كتبُوا لَهُ رِقَاعًا فِيهَا أَنْوَاع السَّيِّئَات وصاروا يضعونها على منبره فَإِذا جَاءَ قَرَأَهَا فَقَرَأَ يَوْمًا رقْعَة ثمَّ اسْتَغَاثَ فِي هَذِه الرقعة أَن ابْني يفعل كَذَا فَإِن صَحَّ هَذَا فَهُوَ شَاب أَرْجُو لَهُ التَّوْبَة وَأَن امْرَأَتي تفعل كَذَا فَإِن صَحَّ هَذَا فَهِيَ امْرَأَة لَا أَمَانَة لَهَا وَأَن غلامي يفعل كَذَا وجدير بالغلمان كل سوء إِلَّا من حفظ الله وَلَيْسَ فِي شَيْء من الرّقاع - وَللَّه الْحَمد - أَن ابْني يَقُول إِن الله جسم وَلَا يشبه بِهِ خلقه وَلَا أَن زَوْجَتي تعتقد ذَلِك وَلَا غلامي فَأَي الْفَرِيقَيْنِ أوضح سَبِيلا
قَالَ أَبُو عبد الله الْحسن الوَاسِطِيّ سَمِعت الإِمَام بهراة ينشد على الْمِنْبَر عقيب كَلَام عَاتب فِيهِ أهل الْبَلَد
(الْمَرْء مَا دَامَ حَيا يستهان بِهِ
…
ويعظم الرزء فِيهِ حِين يفتقد)
أخبرنَا أَبُو عبد الله الْحَافِظ إِذْنا خَاصّا أخبرنَا الْكَمَال عمر بن إلْيَاس بن يُونُس المراغي أخبرنَا التقي يُوسُف بن أبي بكر النَّسَائِيّ بِمصْر أخبرنَا الْكَمَال مَحْمُود بن عمر الرَّازِيّ قَالَ سَمِعت الإِمَام فَخر الدّين يُوصي بِهَذِهِ الْوَصِيَّة لما احْتضرَ لتلميذه إِبْرَاهِيم بن أبي بكر الْأَصْبَهَانِيّ
يَقُول العَبْد الراجي رَحْمَة ربه الواثق بكرم مَوْلَاهُ مُحَمَّد بن عمر بن الْحسن الرَّازِيّ وَهُوَ أول عَهده بِالآخِرَة وَآخر عَهده بالدنيا وَهُوَ الْوَقْت الَّذِي يلين فِيهِ كل قَاس وَيتَوَجَّهُ إِلَى مَوْلَاهُ كل آبق أَحْمد الله بالمحامد الَّتِي ذكرهَا أعظم مَلَائكَته فِي أشرف أَوْقَات معارجهم ونطق بهَا أعظم أنبيائه فِي أكمل أَوْقَات شهاداتهم وأحمده بالمحامد الَّتِي يَسْتَحِقهَا عرفتها أَو لم أعرفهَا لِأَنَّهُ لَا مُنَاسبَة للتراب مَعَ رب الأرباب
وصلواته على مَلَائكَته المقربين والأنبياء وَالْمُرْسلِينَ وَجَمِيع عباد الله الصَّالِحين
اعلموا أخلائي فِي الدّين وإخواني فِي طلب الْيَقِين أَن النَّاس يَقُولُونَ إِن الْإِنْسَان إِذا مَاتَ انْقَطع عمله وتعلقه عَن الْخلق وَهَذَا مُخَصص من وَجْهَيْن الأول أَنه إِن بَقِي مِنْهُ عمل صَالح صَار ذَلِك سَببا للدُّعَاء وَالدُّعَاء لَهُ عِنْد الله تَعَالَى أثر الثَّانِي مَا يتَعَلَّق بالأولاد وَأَدَاء الْجِنَايَات
أما الأول فاعلموا أَنِّي كنت رجلا محبا للْعلم فَكنت أكتب من كل شَيْء شَيْئا لأقف على كميته وكيفيته سَوَاء كَانَ حَقًا أَو بَاطِلا إِلَّا أَن الَّذِي نطق بِهِ فِي الْكتب الْمُعْتَبرَة أَن الْعَالم الْمَخْصُوص تَحت تَدْبِير مدبره المنزه عَن مماثلة التحيزات مَوْصُوف بِكَمَال الْقُدْرَة وَالْعلم وَالرَّحْمَة وَلَقَد اختبرت الطّرق الكلامية والمناهج الفلسفية فَمَا رَأَيْت فِيهَا فَائِدَة تَسَاوِي الْفَائِدَة الَّتِي وَجدتهَا فِي الْقُرْآن لِأَنَّهُ يسْعَى فِي تَسْلِيم العظمة والجلال لله وَيمْنَع عَن التعمق فِي إِيرَاد المعارضات والمناقضات وَمَا ذَاك إِلَّا للْعلم بِأَن الْعُقُول البشرية تتلاشى فِي تِلْكَ المضايق العميقة والمناهج الْخفية فَلهَذَا أَقُول كل مَا ثَبت بالدلائل الظَّاهِرَة من وجوب وجوده ووحدته وبراءته عَن الشُّرَكَاء كَمَا فِي الْقدَم والأزلية وَالتَّدْبِير والفعالية فَذَلِك هُوَ الَّذِي أَقُول بِهِ وَألقى الله بِهِ وَأما مَا يَنْتَهِي الْأَمر فِيهِ إِلَى الدقة والغموض وكل مَا ورد فِي الْقُرْآن والصحاح الْمُتَعَيّن للمعنى الْوَاحِد فَهُوَ كَمَا قَالَ وَالَّذِي لم يكن كَذَلِك أَقُول يَا إِلَه الْعَالمين إِنِّي أرى الْخلق مطبقين على أَنَّك أكْرم الأكرمين وأرحم الرَّاحِمِينَ فَكل مَا مده قلمي أَو خطر ببالي فأستشهد وَأَقُول إِن علمت مني أَنِّي أردْت بِهِ تَحْقِيق بَاطِل أَو إبِْطَال حق فافعل بِي مَا أَنا أَهله وَإِن علمت مني أَنِّي مَا سعيت إِلَّا فِي تقديس اعتقدت أَنه الْحق وتصورت أَنه الصدْق فلتكن رحمتك مَعَ قصدي لَا مَعَ حاصلي فَذَاك جهد الْمقل وَأَنت أكْرم من أَن تضايق الضَّعِيف الْوَاقِع فِي زلَّة فأغثني وارحمني واستر زلتي وامح حوبتي يَا من لَا يزِيد ملكه عرفان العارفين وَلَا ينقص ملكه بخطأ الْمُجْرمين وَأَقُول ديني مُتَابعَة الرَّسُول مُحَمَّد صلى الله عليه وسلم وكتابي الْقُرْآن الْعَظِيم وتعويلي فِي طلب الدّين عَلَيْهِمَا اللَّهُمَّ يَا سامع الْأَصْوَات وَيَا مُجيب الدَّعْوَات وَيَا مقيل العثرات
أَنا كنت حسن الظَّن بك عَظِيم الرَّجَاء فِي رحمتك وَأَنت قلت أَنا عِنْد ظن عَبدِي بِي وَأَنت قلت {أم من يُجيب الْمُضْطَر إِذا دَعَاهُ} فَهَب أَنِّي مَا جِئْت بِشَيْء فَأَنت الْغَنِيّ الْكَرِيم فَلَا تخيب رجائي وَلَا ترد دعائي واجعلني آمنا من عذابك قبل الْمَوْت وَبعد الْمَوْت وَعند الْمَوْت وَسَهل عَليّ سَكَرَات الْمَوْت فَإنَّك أرْحم الرَّاحِمِينَ
وَأما الْكتب الَّتِي صنفتها واستكثرت فِيهَا من إِيرَاد السؤالات فَلْيذكرْنِي من نظر فِيهَا بِصَالح دُعَائِهِ على سَبِيل التفضل والإنعام وَإِلَّا فليحذف القَوْل السيء فَإِنِّي مَا أردْت إِلَّا تَكْثِير الْبَحْث وشحذ الخاطر والاعتماد فِي الْكل على الله
الثَّانِي وَهُوَ إصْلَاح أَمر الْأَطْفَال فالاعتماد فِيهِ على الله
ثمَّ إِنَّه سرد وَصيته فِي ذَلِك إِلَى أَن قَالَ وَأمرت تلامذتي وَمن لي عَلَيْهِ حق إِذا أَنا مت يبالغون فِي إخفاء موتِي ويدفنوني على شَرط الشَّرْع فَإِذا دفنوني قرأوا عَليّ مَا قدرُوا عَلَيْهِ من الْقُرْآن ثمَّ يَقُولُونَ يَا كريم جَاءَك الْفَقِير الْمُحْتَاج فَأحْسن إِلَيْهِ
هَذَا آخر الْوَصِيَّة
وَقَالَ الإِمَام فِي تَفْسِيره وَأَظنهُ فِي سُورَة يُوسُف عليه السلام وَالَّذِي جربته من طول عمري أَن الْإِنْسَان كلما عول فِي أَمر من الْأُمُور على غير الله صَار ذَلِك سَببا للبلاء والمحنة والشدة والرزية وَإِذا عول على الله وَلم يرجع إِلَى أحد من الْخلق حصل ذَلِك الْمَطْلُوب على أحسن الْوُجُوه فَهَذِهِ التجربة قد استمرت لي من أول عمري إِلَى هَذَا الْوَقْت الَّذِي بلغت فِيهِ إِلَى السَّابِع وَالْخمسين فَعِنْدَ هَذَا أَسْفر قلبِي على أَنه لَا مصلحَة للْإنْسَان فِي التعويل على شَيْء سوى فضل الله وإحسانه انْتهى