الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ذكر مَا أظهره الله تَعَالَى لَهُ من الكرامات وَالْأَحْوَال
سمعته يَوْمًا وَقد دخل إِلَى الْبَيْت وَهُوَ يَقُول لزوجته ولدك قد أَخذه قطاع الطَّرِيق فِي هَذِه السَّاعَة وهم يُرِيدُونَ قَتله وَقتل رفاقه فراعها قَول الشَّيْخ رضي الله عنه فَسَمعته يَقُول لَهَا لَا بَأْس عَلَيْك وَإِنِّي قد حجبتهم عَن أَذَاهُ وأذى رفاقه غير أَن مَالهم يذهب وَغدا إِن شَاءَ الله يصل هُوَ ورفاقه فَلَمَّا كَانَ من الْغَد وصلوا كَمَا ذكر الشَّيْخ وَكنت فِيمَن تلقاهم وَأَنا يَوْمئِذٍ ابْن سِتّ سِنِين وَذَلِكَ سنة سِتّ وَخمسين وسِتمِائَة
وحَدثني الشَّيْخ شمس الدّين الخابوري قَالَ خرجت إِلَى زِيَارَة الشَّيْخ وَوَقع فِي نَفسِي أَن أسألة عَن الرّوح وَلما حضرت بَين يَدَيْهِ أنسيت من هيبته مَا كَانَ وَقع فِي نَفسِي من السُّؤَال فَلَمَّا ودعته وَخرجت إِلَى السّفر سير خَلْفي بعض الْفُقَرَاء فَقَالَ لي كلم الشَّيْخ فَرَجَعت إِلَيْهِ فَلَمَّا دخلت عَلَيْهِ قَالَ لي يَا أَحْمد قلت لبيْك يَا سَيِّدي قَالَ مَا تقْرَأ الْقُرْآن قلت بلَى يَا سَيِّدي قَالَ اقْرَأ يَا بني {ويسألونك عَن الرّوح قل الرّوح من أَمر رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ من الْعلم إِلَّا قَلِيلا} يَا بني شَيْء لم يتَكَلَّم فِيهِ رَسُول الله صلى الله عليه وسلم كَيفَ يجوز لنا أَن نتكلم فِيهِ
وحَدثني الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَالب البطائحي قَالَ كَانَ الشَّيْخ يقف على حلب وَنحن مَعَه وَيَقُول وَالله إِنِّي لأعرف أهل الْيَمين من أهل الشمَال مِنْهَا وَلَو شِئْت أَن أسميهم لسميتهم وَلَكِن لم نؤمر بذلك وَلَا انْكَشَفَ سر الْحق فِي الْخلق
وحَدثني الشَّيْخ معضاد بن حَامِد بن خَوْلَة قَالَ كُنَّا مَعَ الشَّيْخ فِي حفر النَّهر الَّذِي سَاقه إِلَى بالس فَاجْتمع عندنَا فِي بعض الْأَيَّام خلق كثير فِي الْعَمَل فَبَيْنَمَا نَحن نعمل إِذْ جَاءَنَا راعد قوي فِيهِ برد كبار فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ مُحَمَّد العقى وَكَانَ من أجل أَصْحَابه يَا سَيِّدي قد جَاءَ هَذَا الراعد وَرُبمَا يعطل الْجَمَاعَة عَن الْعَمَل فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ اعْمَلْ
وَطيب قَلْبك فَلَمَّا دنا الراعد منا استقبله الشَّيْخ وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَيْهِ وَقَالَ خُذ يَمِينا وَشمَالًا بَارك الله فِيك فَتفرق عَنَّا بِإِذن الله وَمَا زلنا نعمل وَالشَّمْس طالعة علينا ودخلنا إِلَى الْبَلَد وَنحن نَخُوض المَاء كَمَا ذكر
وَكَانَ سَبَب عمل هَذَا النَّهر أَنه كَانَ فِي الْبَلَد نهر يعرف بنهر زبيدة وَقد تعطل وَخرب من سِنِين كَثِيرَة وَكَانَ للنَّاس فِيهِ نفع كثير فشكوا ذَلِك إِلَى الْملك النَّاصِر فَأمر باستخراجه واستخرج مِنْهُ جَانب ثمَّ رأى أَنه يغرم عَلَيْهِ مَال كثير فَتَرَكُوهُ ومضوا
فَلَمَّا علم الشَّيْخ ضَرَر النَّاس إِلَيْهِ ونفعهم بِهِ خرج فِي جمَاعَة من الْفُقَرَاء إِلَى الْفُرَات وَجَاء إِلَى مَكَان مِنْهُ وَقَالَ هَاهُنَا أستخرج نَهرا إِلَى بَاب الْبَلَد ينْتَفع النَّاس بِهِ وحفر بِيَدِهِ وحفر الْفُقَرَاء مَعَه فَسمع النَّاس فِي الشط وَغَيره من الْبِلَاد الحلبية فَجَاءُوا أَرْسَالًا يعْملُونَ مَعَه بِحَيْثُ كَانَ يجْتَمع فِي الْيَوْم الْوَاحِد مَا يزِيد على أَربع مائَة رجل فاستخرجه فِي مُدَّة يسيرَة وانتفع النَّاس بِهِ وَهُوَ إِلَى الْآن يعرف بنهر الشَّيْخ
وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح مُحَمَّد بن نَاصِر المشهدي قَالَ كنت عِنْد الشَّيْخ وَقد صلى صَلَاة الْعَصْر فِي الْمَسْجِد الَّذِي كَانَ يُصَلِّي فِيهِ وَقد صلى مَعَه خلق كثير فَقَالَ لَهُ بعض الْحَاضِرين يَا سَيِّدي مَا عَلامَة الرجل المتمكن وَكَانَ فِي الْمَسْجِد سَارِيَة فَقَالَ عَلامَة الرجل المتمكن أَن يُشِير إِلَى هَذِه السارية فتشتعل نورا فَنظر النَّاس إِلَى السارية فَإِذا هِيَ تشتعل نورا أَو كَمَا قَالَ
وحَدثني الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَالب البطائحي قَالَ كنت بِحَضْرَة الشَّيْخ وَقد نازله حَال فَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم أَيْن مراكش فَقلت يَا سَيِّدي فِي الغرب قَالَ وبغداد قلت فِي الشرق قَالَ وَعزة المعبود لقد أَعْطَيْت فِي هَذِه السَّاعَة حَالا لَو أردْت أَن أَقُول لبغداد كوني مَكَان مراكش ولمراكش كوني مَكَان بَغْدَاد لكانتا
وحَدثني أَيْضا قَالَ سُئِلَ الشَّيْخ وَأَنا حَاضر عَن الرجل المتمكن مَا علامته وَكَانَ بَين يَدَيْهِ طبق فِيهِ شَيْء من الْفَاكِهَة والرياحين فَقَالَ أَن يُشِير بسن إِلَى هَذَا الطَّبَق فيرقص جَمِيع مَا فِيهِ فَتحَرك جَمِيع مَا كَانَ فِي الطَّبَق وَنحن نَنْظُر إِلَيْهِ
وَسمعت الشَّيْخ الصَّالح العابد إِسْمَاعِيل بن أبي الْحسن الْمَعْرُوف بِابْن الْكرْدِي يَقُول حججْت مَعَ أَبَوي فَلَمَّا كُنَّا بِأَرْض الْحجاز وَسَار الركب فِي بعض اللَّيَالِي وَكَانَ أبواي راكبين فِي محارة وَكنت أَمْشِي تحتهَا فَحصل لي شَيْء من القولنج فعدلت إِلَى مَكَان وَقلت لعَلي أستريح ثمَّ ألحق الركب فَنمت فَلم أشعر إِلَّا وَالشَّمْس قد طلعت وَلم أدر كَيفَ أتوجه ففكرت فِي نَفسِي وَفِي أَبَوي فَإِنَّهُ لم يكن مَعَهُمَا من يَخْدُمهُمَا وَلَا من يقوم بشأنهما غَيْرِي فَبَكَيْت عَلَيْهِمَا وعَلى نَفسِي فَبَيْنَمَا أَنا أبْكِي إِذْ سَمِعت قَائِلا يَقُول أَلَسْت من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي بكر بن قوام فَقلت بلَى وَالله فَقَالَ سل الله بِهِ فَإِنَّهُ يُسْتَجَاب لَك فَسَأَلت الله بِهِ كَمَا قَالَ فوَاللَّه مَا استتم الْكَلَام إِلَّا وَهُوَ وَاقِف عِنْدِي وَقَالَ لَا بَأْس عَلَيْك وَوضع يَده فِي يَدي وَسَار بِي يَسِيرا وَقَالَ هَذَا جمل أَبَوَيْك فسمعتهما وهما يَبْكِيَانِ عَليّ فَقلت لَا بَأْس عَلَيْكُمَا وأخبرتهما بِمَا وَقع لي
وحَدثني أَيْضا قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ الشَّيْخ رضي الله عنه فِي تربة الشَّيْخ رَافع رضي الله عنه وَنحن نَنْظُر إِلَى الْفُرَات إِذْ لَاحَ لنا على شاطئ الْفُرَات رجل فَقَالَ الشَّيْخ أَتَرَوْنَ ذَلِك الرجل الَّذِي على شاطئ الْفُرَات فَقُلْنَا نعم فَقَالَ إِنَّه من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَهُوَ من أَصْحَابِي وَقد قصد زيارتي من بِلَاد الْهِنْد وَقد صلى الْعَصْر فِي منزله وَتوجه إِلَيّ وَقد زويت لَهُ الأَرْض فخطا من منزله خطْوَة إِلَى شاطئ الْفُرَات وَهُوَ يمشي من الْفُرَات
إِلَى هَا هُنَا تأدبا مِنْهُ معي وعلامة مَا أَقُول لكم أَنه يعلم أَنِّي فِي هَذَا الْمَكَان فيقصده وَلَا يدْخل الْبَلَد فَلَمَّا قرب من الْبَلَد عرج عَنهُ وَقصد الْمَكَان الَّذِي فِيهِ الشَّيْخ وَالْجَمَاعَة فجَاء وَسلم وَقَالَ يَا سَيِّدي أَسأَلك أَن تَأْخُذ عَليّ الْعَهْد أَن أكون من أَصْحَابك فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ وَعزة المعبود أَنْت من أَصْحَابِي فَقَالَ الْحَمد لله لهَذَا قصدتك وَاسْتَأْذَنَ الشَّيْخ فِي الرُّجُوع إِلَى الْبَلَد فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَيْن أهلك قَالَ فِي الْهِنْد قَالَ مَتى خرجت من عِنْدهم قَالَ صليت الْعَصْر وَخرجت لزيارتك فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ أَنْت اللَّيْلَة ضيفنا فَبَاتَ عِنْد الشَّيْخ وبتنا عِنْده
فَلَمَّا أَصْبَحْنَا من الْغَد قَالَ السّفر فَخرج الشَّيْخ وَخَرجْنَا فِي خدمته لوداعه فَلَمَّا صرنا فِي الصَّحرَاء وَأخذ فِي وداع الشَّيْخ وضع الشَّيْخ يَده بَين كَتفيهِ وَدفعه فَغَاب عَنَّا وَلم نره فَقَالَ الشَّيْخ وَعزة المعبود فِي دفعتي لَهُ وضع رجله فِي بَاب دَاره بِالْهِنْدِ أَو كَمَا قَالَ
وَسمعت الْأَمِير الْكَبِير الْمَعْرُوف بالأخضري وَكَانَ قد أسن يَحْكِي لوالدي قَالَ كنت مَعَ الْملك الْكَامِل لما توجه إِلَى الشرق فَلَمَّا نزلنَا بالس قصدنا زِيَارَة الشَّيْخ مَعَ فَخر الدّين عُثْمَان وَكُنَّا جمَاعَة من الْأُمَرَاء فَبَيْنَمَا نَحن عِنْده إِذْ دخل رجل من الْجند فَقَالَ يَا سَيِّدي كَانَ لي بغل وَعَلِيهِ خَمْسَة آلَاف دِرْهَم فَذهب مني وَقد دللت عَلَيْك
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ اجْلِسْ وَعزة المعبود قد قصرت على آخذه الأَرْض حَتَّى مَا بقى لَهُ مَسْلَك إِلَّا بَاب هَذَا الْمَكَان وَهُوَ الْآن يدْخل فَإِذا دخل وَجلسَ فأشير إِلَيْك بِالْقيامِ فَقُمْ وَخذ بغلك وَمَالك
فَلَمَّا سمعنَا كَلَام الشَّيْخ قُلْنَا لَا تقوم حَتَّى يدْخل هَذَا الرجل فَبَيْنَمَا نَحن جُلُوس إِذْ دخل الرجل فَأَشَارَ الشَّيْخ إِلَيْهِ فَقَامَ وقمنا مَعَه فَوَجَدنَا الْبَغْل وَالْمَال بِالْبَابِ وَأَخذه صَاحبه
فَلَمَّا حَضَرنَا عِنْد السُّلْطَان أخبرناه بِمَا رَأينَا من الشَّيْخ فَقَالَ أحب أَن أَزورهُ فَقَالَ فَخر الدّين عُثْمَان إِن الْبَلَد لَا يحمل دُخُول مَوْلَانَا السُّلْطَان فسير إِلَيْهِ فَخر الدّين عُثْمَان فَقَالَ لَهُ السُّلْطَان يحب أَن يراك وَإِن الْبَلَد لَا يحمل دُخُوله فَهَل يرى سَيِّدي الشَّيْخ يخرج إِلَيْهِ ليراه
فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ يَا فَخر الدّين إِذا رحت أَنْت عِنْد صَاحب الرّوم يطيب للْملك الْكَامِل فَقَالَ لَا قَالَ فَكَذَلِك أَنا إِذا رحت إِلَى عِنْد الْملك الْكَامِل لَا يطيب لأستاذي وَلم يخرج إِلَيْهِ
وحَدثني الشَّيْخ الإِمَام الْعَالم شمس الدّين الخابوري قَالَ كنت أَكثر من ذكر الشَّيْخ عِنْد الْفُقَهَاء بِالْمَدْرَسَةِ النظامية بحلب فَقَالُوا يجب أَن نزوره مَعَك ونسأله عَن أَشْيَاء من فقه وَتَفْسِير وَغَيرهمَا فعزمنا على زيارته إِلَى بالس فَبَيْنَمَا نَحن عازمون إِذْ جَاءَ بعض الْفُقَرَاء فَقَالَ الشَّيْخ يَدْعُوك فَقلت أَيْن هُوَ فَقَالَ فِي زَاوِيَة الشَّيْخ أبي الْفَتْح الْكِنَانِي وَكَانَ من أَصْحَابه رضي الله عنه فَخرجت أَنا وَجَمَاعَة من الْفُقَهَاء إِلَى زيارته
قَالَ فَلَمَّا حَضَرنَا عِنْده قَالَ الشَّيْخ مُحَمَّد العفتى مَا شَأْن هَؤُلَاءِ الْفُقَهَاء فَقلت جَاءُوا ليزوروا الشَّيْخ ويسلموا عَلَيْهِ فَقَالَ قد حدث أَمر عَجِيب قلت وَأي شَيْء قد حدث قَالَ قد ألْجم الشَّيْخ كل وَاحِد مِنْهُم بلجام وَقد مثل سره سبع
وَهُوَ ينظر فِي وَجه كل وَاحِد مِنْهُم فَلَمَّا طَال بِنَا الْمجْلس وَلم يَجْسُر أحد مِنْهُم أَن يتَكَلَّم فَقَالَ لَهُم الشَّيْخ لم لَا تتكلموا لم لَا تسألوا فَمَا جسر أحد مِنْهُم أَن يتَكَلَّم فَقَالَ لَهُم الشَّيْخ لم لَا تتكلموا لم لَا تسألوا فَمَا جسر أحد مِنْهُم أَن يتَكَلَّم
فَقَالَ الشَّيْخ للَّذي على يَمِينه مسألتك كَذَا وَالْجَوَاب عَنْهَا كَذَا فَمَا زَالَ حَتَّى أَتَى على آخِرهم فَقَامُوا بأجمعهم وَاسْتَغْفرُوا الله تَعَالَى وتابوا
وحَدثني الشَّيْخ شمس الدّين الخابوري قَالَ سَأَلت الشَّيْخ عَن قَوْله تَعَالَى {إِنَّكُم وَمَا تَعْبدُونَ من دون الله حصب جَهَنَّم أَنْتُم لَهَا وَارِدُونَ} وَقد عبد الْعَزِيز وَعِيسَى بن مَرْيَم
فَقَالَ تَفْسِيرهَا {إِن الَّذين سبقت لَهُم منا الْحسنى أُولَئِكَ عَنْهَا مبعدون}
فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي أَنْت لَا تعرف تكْتب وَلَا تقْرَأ فَمن أَيْن لَك هَذَا
فَقَالَ يَا أَحْمد وَعزة المعبود لقد سَمِعت الْجَواب فِيهَا كَمَا سَمِعت سؤالك
وحَدثني بعض التُّجَّار من أهل بلدنا قَالَ خرجنَا مسافرين من بالس إِلَى حماة وَكَانَ قد بلغنَا أَن الطَّرِيق مخيف ووافينا الشَّيْخ فِي خروجنا فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي قد بلغنَا أَن الطَّرِيق مخيف ونشتهي أَن لَا تغفل عَنَّا وَلَا تنام وَتَدْعُو لنا فَقَالَ إِن شَاءَ الله تَعَالَى
وسافرنا فَلَمَّا بلغنَا حماة وَأَنا رَاكب على دَابَّتي وَقد أَخَذَنِي النعاس وَإِذا أَنا بشخص قد وضع يَده فِي عضدي وَقَالَ نَحن مَا نمنا فَلَا تنام أَنْت ففتحت عَيْني فَإِذا أَنا بالشيخ فَسلم عَليّ وَمَشى معي وَقَالَ قد بلغناك إِلَى حماة وَتَرَكَنِي وَمضى
وحَدثني الشَّيْخ تَمام بن أبي غَانِم قَالَ كُنَّا جُلُوسًا مَعَ الشَّيْخ ظَاهر الْبَلَد فِي زمن الرّبيع وَحَوله جمَاعَة من النَّاس فَقَالَ وَعزة المعبود إِنِّي لأنظر إِلَى سَاق الْعَرْش كَمَا أَنِّي أنظر إِلَى وُجُوهكُم
وَحكى الْحَاج أَيُّوب البشمنتي قَالَ حججْت فِي زمن الشَّيْخ رضي الله عنه فَلَمَّا كَانَ ليَالِي منى وَأَنا جَالس على رَاحِلَتي أتلو شَيْئا من الْقُرْآن وَإِذا أَنا بالشيخ رضي الله عنه قَائِم إِلَى جَانِبي فَأخذ بعضدي وَسلم عَليّ وَمضى فَلَمَّا قدمنَا بالس أَخْبرنِي الْجَمَاعَة قَالُوا سَأَلنَا عَنْك الشَّيْخ فَقَالَ لنا هُوَ جَالس بمنى على رَاحِلَته وَهُوَ يَتْلُو فِي سُورَة كَذَا وَكَذَا وَهَذِه يَدي فِي عضده فَقلت لَهُم وَالله الْأَمر كَمَا قَالَ
وحَدثني بعض التُّجَّار من أهل بلدنا قَالَ دخلت إِلَى حلب مَعَ عمي وَكنت شَابًّا فأخذني بعض أَهلِي إِلَى مَكَان وأحضر خمرًا وَقَالَ لي اشرب فَلَمَّا تناولت الْقدح لأشرب إِذا أَنا بالشيخ وَاقِف بَين يَدي وضربني فِي صَدْرِي بِيَدِهِ وَقَالَ قُم واخرج وَكنت فِي مَكَان عَال فَسَقَطت مِنْهُ على وَجْهي ورأسي وَخرج الدَّم من وَجْهي ورأسي فَرَجَعت إِلَى عمي وَالدَّم يقطر مني فَسَأَلَنِي من فعل بك هَذَا فَأَخْبَرته بِمَا جرى فَقَالَ الْحَمد لله الَّذِي جعل لأوليائه بك عناية وَعَلَيْك حماية
وحَدثني الشَّيْخ شمس الدّين الخابوري خطيب جَامع حلب قَالَ كُنَّا مَعَ الشَّيْخ فَلَا يمر على صَخْر وَلَا على شَيْء إِلَّا سلم عَلَيْهِ وَكَانَ الشَّيْخ شمس الدّين يَقُول كَانَ فِي نَفسِي أَن أسأَل الشَّيْخ عَن خطاب هَذِه الْأَشْيَاء لَهُ هَل يخلق الله تَعَالَى لَهَا فِي الْوَقْت لِسَانا تخاطبه بِهِ أَو يُقيم الله تَعَالَى إِلَى جَانبهَا من يخاطبه عَنْهَا ففاتني وَلم أسأله عَن ذَلِك
وَعنهُ أَيْضا قَالَ كُنَّا مَعَ الشَّيْخ فِي بعض أَسْفَاره فدعي إِلَى مَكَان فَلَمَّا دنونا إِلَى ذَلِك الْمَكَان تغير لَونه وَجعل يسترجع استرجاعا كثيرا فَقلت يَا سَيِّدي أَي شَيْء حدث فَقَالَ إِنَّا لما أَقبلنَا على هَذِه الْقرْيَة جَاءَت أَرْوَاح الْأَمْوَات تسلم عَليّ وَفِيهِمْ شَاب حسن الْوَجْه يَقُول قتلت ظلما قتلني رجلَانِ من أهل هَذِه الْقرْيَة كنت أرعى لَهما غنما وهما أَخَوان فقتلاني فِي زمن الْملك الْعَزِيز وَذَلِكَ أَنَّهُمَا اتهماني ببنت لَهما وَكنت بَرِيئًا مِنْهَا
قَالَ الشَّيْخ شمس الدّين وَكَانَ الرّجلَانِ اللَّذَان فعلا ذَلِك الْفِعْل يسمعان كَلَام الشَّيْخ وَكَانَ بيني وَبَينهمَا معرفَة فَلَمَّا خلوت بهما قَالَا لي يَا فلَان إِن مَا قَالَ الشَّيْخ وَالله إِنَّه لحق وصحيح وَنحن قَتَلْنَاهُ فَقلت لَهما مَا حملكما على ذَلِك قَالَا السَّبَب الَّذِي قَالَه الشَّيْخ ثمَّ تبين لنا أَنه من غَيره وَأَنه كَانَ بَرِيئًا مِنْهُ كَمَا قَالَ الشَّيْخ رضي الله عنه
وحَدثني الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَاهِر البطائحي الْمَعْرُوف بالضرير قَالَ توفّي وَالِدي بِدِمَشْق فَقَالَ أَصْحَابه لَا نَدعك تجْلِس على سجادته حَتَّى تَأْتِينَا بِإِجَازَة من بَيت سَيِّدي أَحْمد رضي الله عنه فتوجهت لذَلِك وسافرت إِلَى البطائح فَوَافَقَ عبوري على بالس فقصدت زِيَارَة الشَّيْخ وَلم أكن رَأَيْته قبل ذَلِك وَلَا رَآنِي فَلَمَّا أَقبلت عَلَيْهِ رحب بِي وأكرمني وحَدثني بِجَمِيعِ مَا وَقع فِي أسفاري وأحوالي وَمَا قصدته وَقَالَ إِنَّك تقدم الْعرَاق وتقضي حَاجَتك بِهِ وتعود إِلَيّ سرعَة فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي وَمَا هِيَ حَاجَتي فَقَالَ أَن تُعْطى إجَازَة بالمشيخة وَأَن تكون مَكَان أَبِيك وَكَانَ الْأَمر كَمَا قَالَ
فَلَمَّا قدمت البطائح وَدفع إِلَيّ إجَازَة وسجادة وَخرجت لأتوضأ للصَّلَاة فأوقع الله تَعَالَى فِي قلبِي الشوق إِلَيْهِ فألقيت الْإِجَازَة فِي المَاء وتوجهت إِلَيْهِ فَلَمَّا قدمت عَلَيْهِ وجدت بِحَضْرَتِهِ خلقا كثيرا وَهُوَ يتَكَلَّم لَهُم فَجَلَست مَعَ النَّاس أسمع كَلَامه فَتكلم طَويلا ثمَّ الْتفت إِلَيّ وَقَالَ يَا إِبْرَاهِيم قلت لبيْك يَا سَيِّدي قَالَ أَنْت لي ومريدي وَقَالَ لمن فِي حَضرته انْظُرُوا إِلَى جَبهته فنظروا فَقَالَ مَا تَشْهَدُون فِي جَبهته قَالُوا بأجمعهم نشْهد بَين عَيْنَيْهِ هِلَال نور فَقَالَ هَذَا شعار أَصْحَابِي
فتقدمت إِلَيْهِ وَأخذ عَليّ الْعَهْد وصرت من أَصْحَابه رضي الله عنه
وسمعته أَيْضا قَالَ كنت مُقيما عِنْد الشَّيْخ فخطر لي السّفر إِلَى الْعرَاق فاستأذنته فِي السّفر فَأذن لي وَقَالَ إِبْرَاهِيم أُرِيد أَن أَخْلَع عَلَيْك خلعة لَا تدخل بهَا على أحد إِلَّا ابتهج بك وخدمك بِسَبَبِهَا فَكَانَ كَمَا قَالَ مَا دخلت على أحد إِلَّا خدمني وأكرمني
فَلَمَّا دخلت بَغْدَاد نزلت فِي بعض الرَّبْط فخدموني وأكرموني فدعي أهل الرِّبَاط لَيْلَة إِلَى مَكَان وَكنت فِي صحبتهم فَلَمَّا دَخَلنَا إِلَى الْمَكَان الَّذِي دعينا إِلَيْهِ وَجَلَسْنَا وَكَانَ فِيهِ خلق كثير فَقَامَ مِنْهُم رجل تركي وَقَالَ يَا أَصْحَابنَا على هَذَا الْفَقِير الشَّامي خلعة لم أر مثلهَا فَقلت لَهُم هِيَ من صدقَات شَيْخي عَليّ فَقَالَ الْجَمِيع أعَاد الله علينا من بركته وبركة أَمْثَاله
وَسمعت وَالِدي رحمه الله يَقُول لما كَانَ فِي سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة وَكَانَ الشَّيْخ فِي حلب وَقد حصل فِيهَا مَا حصل من فتْنَة التتار وَكَانَ فِي الْمدرسَة الأَسدِية فَقَالَ يَا بني اذْهَبْ إِلَى الدَّار الَّتِي لنا فلعلك تَجِد مَا نَأْكُل قَالَ فَذَهَبت كَمَا قَالَ إِلَى الدَّار فَوجدت الشَّيْخ عِيسَى الرصافي وَكَانَ من أَصْحَابه مقتولا فِي الدَّار وَقد حرق وَعَلِيهِ دلق الشَّيْخ لم يَحْتَرِق وَلم تمسه النَّار فَأَخَذته وَخرجت بِهِ فوجدني بعض بني جهبل وَكَانُوا من أَصْحَابه فَسَأَلَنِي فَأَخْبَرته بِخَبَر الدلق فَحلف عَليّ بِالطَّلَاق وَأَخذه مني
وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح الناسك الشَّيْخ إِسْمَاعِيل بن سَالم الْمَعْرُوف بالكردي قَالَ كَانَ لي غنم وَكَانَ عَلَيْهَا رَاع فسرح بهَا يَوْمًا على عَادَته فَلَمَّا كَانَ وَقت رُجُوعه لم يرجع فَخرجت فِي طلبه فَلم أَجِدهُ وَلم أجد لَهُ خَبرا فَرَجَعت إِلَى الشَّيْخ فَوَجَدته وَاقِفًا على بَاب دَاره فَلَمَّا رَآنِي قَالَ لي ذهبت الْغنم قلت نعم يَا سَيِّدي قَالَ قد أَخذهَا اثْنَا عشر رجلا وهم قد ربطوا الرَّاعِي بوادي كَذَا وَقد سَأَلت الله تَعَالَى أَن يُرْسل عَلَيْهِم النّوم وَقد فعل
فَامْضِ إِلَى مَكَان كَذَا تجدهم نياما وَالْغنم ربطا إِلَّا وَاحِدَة قَائِمَة ترْضع سخلتها
قَالَ فمضيت إِلَى الْمَكَان الَّذِي قَالَ فَوجدت الْأَمر كَمَا قَالَ وَاحِدَة قَائِمَة ترْضع سخلتها
قَالَ فسقت الْغنم وَجئْت إِلَى الْبَلَد رضي الله عنه
وحَدثني الشَّيْخ شمس الدّين الدبالعي قَالَ حَدثنِي فلك الدّين ابْن الخزيمي قَالَ كنت بِالشَّام فِي السّنة الَّتِي أخذت فِيهَا بَغْدَاد بعد أَن ضَاقَ صَدْرِي من جِهَة مَا أصَاب الْمُسلمين وَأَهلي أَيْضا فسافرت لآخذ خبر أَهلِي وَكَانَ سَفَرِي على بالس فقصدت زِيَارَة الشَّيْخ فَأَتَيْته فَسلمت عَلَيْهِ وَجَلَست بَين يَدَيْهِ فَحَدثني فشرح الله صَدْرِي فَقَالَ لي أهلك سلمُوا إِلَّا أَخَاك مَاتَ وَأهْلك فِي مَكَان صفته كَذَا وَكَذَا والناظر عَلَيْهِم رجل صفته كَذَا وقبالة الدَّرْب الَّذِي هم فِيهِ دَار فِيهَا شجر
فَلَمَّا قدمت بَغْدَاد وجدت الْأَمر كَمَا أَخْبرنِي رضي الله عنه وَأَنا سكنت الدَّرْب الَّذِي أخبر عَنهُ الشَّيْخ وَرَأَيْت الدَّار الَّتِي فِيهَا الشّجر وَهِي شَجَرَة رمان وَغَيرهَا
وحَدثني الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَالب البطائحي قَالَ كنت جَالِسا عِنْد الشَّيْخ فجَاء إِنْسَان فَقَالَ يَا سَيِّدي ذهب البارحة لي جمل وَعَلِيهِ حمل فَلم يرد الشَّيْخ عَلَيْهِ جَوَابا فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي إِن الرجل ملهوف على ذهَاب جمله فَلَعَلَّ أَن تجيبه
فَقَالَ لي يَا إِبْرَاهِيم إِنَّه لما قَالَ لي جملي رَأَيْت رسنه بِيَدِهِ فبرز من القتب سيف فَقلع رسنه من يَده وَمَا بقى لَهُ فِيهِ رزق فأستحيي أَن أوحشه بِالرَّدِّ
وَمِنْه أَنه حضر جَنَازَة وَكَانَ فِيهَا جمَاعَة من أَعْيَان الْبَلَد فَلَمَّا جَلَسُوا لدفن الْمَيِّت جلس القَاضِي والخطيب والوالي فِي نَاحيَة وَجلسَ الشَّيْخ والفقراء فِي نَاحيَة وَتكلم القَاضِي
والوالي فِي كرامات الْأَوْلِيَاء وَأَنه لَيْسَ لَهَا حَقِيقَة وَكَانَ الْخَطِيب رجلا صَالحا فَلَمَّا قَامُوا ليعزوا أهل الْمَيِّت جَاءَ الْجَمَاعَة ليسلموا على الشَّيْخ فَقَالَ الشَّيْخ يَا خطيب أَنا لَا أسلم عَلَيْك فَقَالَ وَلم يَا سَيِّدي فَقَالَ إِنَّك لم ترد غيبَة الْأَوْلِيَاء وَلم تنتصر لَهُم
والتفت الشَّيْخ إِلَى القَاضِي والوالي وَقَالَ أَنْتُمَا تنكران كرامات الْأَوْلِيَاء فَمَا تَحت أرجلكما قَالَا لَا نعلم قَالَ تَحت أرجلكما مغارة ينزل إِلَيْهَا بِخمْس دَرَجَات فِيهَا شخص مدفون هُوَ وَزَوجته وَهَا هُوَ قَائِم يخاطبني وَيَقُول كنت ملك هذَيْن البلدين نَحْو ألف عَام وَهُوَ على سَرِير وَزَوجته قبالته وَلَا تَبْرَح من هَذَا الْمَكَان حَتَّى يكْشف عَنْهَا فَدَعَا بفؤوس وكشف الْمَكَان وَالْجَمَاعَة حاضرون فوجدوه كَمَا قَالَ الشَّيْخ والمغارة إِلَى هَذَا التَّارِيخ مَفْتُوحَة ترى وَتشهد على جَانب طَرِيق حلب
وحَدثني الإِمَام الْعَالم الصاحب محيي الدّين ابْن النّحاس رحمه الله قَالَ كَانَ الشَّيْخ يتَرَدَّد إِلَى قَرْيَة تريدم وَكَانَ لَهَا مَسْجِد صَغِير من قبلي الْقرْيَة لَا يسع النَّاس فخطر لي أَن أبني مَسْجِدا أكبر مِنْهُ من شمَالي الْقرْيَة فَقَالَ لي الشَّيْخ وَنحن جُلُوس فِي الْمَسْجِد يَا مُحَمَّد لم لَا تبني مَسْجِدا يكون أكبر من هَذَا
فَقلت لَهُ يَا سَيِّدي قد خطر لي هَذَا الْأَمر إِن شَاءَ الله تَعَالَى
فَقَالَ لَا تبنه حَتَّى توقفني على الْمَكَان الَّذِي تُرِيدُ أَن تبني فِيهِ
فَقلت نعم
فَلَمَّا أردْت أَن أبني جِئْت إِلَيْهِ فَقلت لَهُ فَقَامَ معي وَجِئْنَا إِلَى الْمَكَان الَّذِي خطر لي فَقلت هَذَا الْمَكَان يَا سَيِّدي فَرد كمه على أَنفه وَجعل يَقُول أُفٍّ أُفٍّ لَا يَنْبَغِي أَن يبْنى هُنَا مَسْجِد فَإِن هَذَا الْمَكَان مسخوط على أَهله ومخسوف بهم فتركته وَلم أبنه
فَلَمَّا كَانَ بعد مُدَّة احتجنا إِلَى اسْتِعْمَال لبن من ذَلِك الْمَكَان فَلَمَّا كشفناه وَجَدْنَاهُ
كَمَا قَالَ الشَّيْخ رضي الله عنه نواويس مقلبة على وجوهها وَالْمَكَان إِلَى هَذَا التَّارِيخ يعرف بقرية تريدم
وحَدثني الشَّيْخ الصَّالح الناسك الْوَرع عَليّ بن سعيد الْمَعْرُوف بالزريزير قَالَ أَخذ عَليّ الشَّيْخ الْعَهْد وَأَنا شَاب فخطر لي زِيَارَة الْقُدس فاستأذنته فِي ذَلِك فَقَالَ يَا بني أَنْت شَاب وأخشى عَلَيْك فألححت عَلَيْهِ فَإِذن لي وَقَالَ سأجعل سري عَلَيْك كالقفص الْحَدِيد وَقَالَ لي إِذا قدمت قصير دمشق فَادْخُلْ الْقرْيَة واسأل عَن الشَّيْخ عَليّ بن الْجمل وزره فَإِنَّهُ من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى
قَالَ فَلَمَّا دخلت الْقرْيَة سَأَلت عَنهُ فدللت عَلَيْهِ فَلَمَّا طرقت الْبَاب خرج إِلَيّ بعض أَهله وَقَالَ لي ادخل يَا عَليّ باسمي فَإِن الشَّيْخ قد أوصى بك وَقَالَ يقدم عَلَيْكُم فَقير اسْمه عَليّ من أَصْحَاب الشَّيْخ أبي بكر بن قوام فأذنوا لَهُ بِالدُّخُولِ حَتَّى أجيء
قَالَ فَدخلت وَجَلَست حَتَّى جَاءَ الشَّيْخ فَقُمْت وسلمت عَلَيْهِ فَرَحَّبَ بِي وَقَالَ لي يَا عَليّ البارحة جَاءَنِي الشَّيْخ وأوصاني بك وَأَيْضًا فَلَا بَأْس عَلَيْك فَإِن سر الشَّيْخ عَلَيْك كالقفص الْحَدِيد فأقمت عِنْده ثمَّ تَوَجَّهت إِلَى الْقُدس فَلَمَّا وصلت إِلَيْهِ وجدت إنْسَانا خَارج الْبَلَد وَقد حمي الْحر فَسلمت عَلَيْهِ فَرد عَليّ السَّلَام وَقَالَ يَا بني أَبْطَأت عَليّ فَإِنِّي من الْغَدَاة فِي هَذَا الْموضع أنتظرك فَخفت مِنْهُ وخشيت أَن يكون صَاحب رِيبَة فَقَالَ لي يَا عَليّ لَا تخف فَإِن الشَّيْخ جَاءَنِي وأوصاني بك فسرت مَعَه إِلَى منزله فَوضع لي طَعَاما وَقَالَ كل فَأكلت فَلَمَّا جَاءَ وَقت الصَّلَاة قَالَ قُم حَتَّى نصلي فِي الْحرم فقمنا ودخلنا الْحرم وصلينا الصَّلَوَات الْخمس وعدنا إِلَى الْمنزل فَلَمَّا جَاءَ اللَّيْل قَامَ وَلم يزل يُصَلِّي حَتَّى طلع الْفجْر
وَكلما أحس بِي مستقيضا جلس فَإِذا نمت قَامَ فصلى فأقمت عِنْده أَيَّامًا ثمَّ تَوَجَّهت رإلى زِيَارَة الْخَلِيل صلى الله عليه وسلم فَخرج معي وودعني فَلَمَّا كنت قرب الْخَلِيل خرج عَليّ أَرْبَعَة نفر قطاع طَرِيق فَلَمَّا قربوا مني وَإِذا بهم قد بهتُوا ونظروا إِلَى ورائي فَنَظَرت فَإِذا شخص وَاقِف وَعَلِيهِ ثِيَاب بيض وَهُوَ ملثم فَقَالَ لي امْضِ فِي طريقك فمضيت وَلم يزل معي حَتَّى أشرفت على الْخَلِيل وَرَأَيْت الْبَلَد ورأيته وَاقِفًا يَدْعُو فَدخلت الْبَلَد وزرت
فَلَمَّا عدت إِلَى بالس بدأت بِالسَّلَامِ على الشَّيْخ فَلَمَّا سلمت عَلَيْهِ أَخْبرنِي بِجَمِيعِ مَا وَقع لي فِي سَفَرِي وَقَالَ لَوْلَا ذَلِك الملثم لأخذ قطاع الطَّرِيق ثِيَابك فَعلمت بِأَنَّهُ كَانَ الشَّيْخ رضي الله عنه
قلت وَهَكَذَا يَنْبَغِي أَن يكون الشَّيْخ على المريد فَإِنَّهُ قد قيل الشَّيْخ من جمعك فِي حضورك وحفظك فِي مغيبك وهذبك بأخلاقه وأدبك بإطراقه وأنار باطنك بإشراقه
وَسمعت وَالِدي رحمه الله يَقُول كَانَ من أَصْحَاب الشَّيْخ رجل يُقَال لَهُ الْحَاج مهْدي كثير التَّرَدُّد إِلَى دمشق فَقَالَ لَهُ الشَّيْخ يَا حَاج مهْدي إِذا قدمت دمشق فقف عِنْد بَاب مَسْجِد الْقصب وناد يَا شيخ مظفر فسيجيبك فَقل لَهُ الشَّيْخ أَبُو بكر بن قوام يسلم عَلَيْك وَيَقُول لَك أَنْت من الْأَوْلِيَاء الَّذين لَا يعلمُونَ بِأَنْفسِهِم
وأدركنا نَحن الشَّيْخ مظفرا وزرناه وَكَانَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ رضي الله عنه من أَوْلِيَاء الله تَعَالَى وَكَانَ يقْصد بالزيارة ورأيته ينتمي إِلَى الشَّيْخ وَيَقُول أَنا من أَصْحَابه فَإِنَّهُ أَخْبرنِي بحالي وَلم يرني
وحَدثني الشَّيْخ أَبُو الْمجد بن أبي الثَّنَاء قَالَ كنت عِنْد الشَّيْخ وَقد قدم عَلَيْهِ الشَّيْخ نجم الدّين البادرائي مُتَوَجها إِلَى بَغْدَاد وَقد ولاه الْخَلِيفَة الْقَضَاء فَسَمعته يَقُول للشَّيْخ يَا سَيِّدي قد ولاني الْخَلِيفَة قَضَاء بَغْدَاد وَأَنا كارهه فَقَالَ لَهُ طيب بهَا قَلْبك فَإنَّك لَا تحكم فِيهَا وحدثه أَشْيَاء
وَسمعت الشَّيْخ يَقُول لَهُ يَا شيخ نجم الدّين هَذَا إِنْسَان صفته كَذَا وَكَذَا من أَعْيَان النَّاس وَهُوَ قريب من الْملك النَّاصِر خاطره مُتَعَلق بك وَهُوَ يُشِير إِلَيْك بِخِنْصرِهِ فَقَالَ لَهُ صدقت يَا سَيِّدي هَذَا الشَّخْص دفع إِلَيّ فص خَاتم لَهُ قيمَة وَقَالَ لي يكون عنْدك وَدِيعَة وَالله مَا أعلم أحدا من خلق الله تَعَالَى علم بِهَذَا الفص حِين دَفعه إِلَيّ وَقد حفظته فِي مزدوجتي من حذري عَلَيْهِ وَكَانَ كَمَا قَالَ الشَّيْخ فَإِن الشَّيْخ نجم الدّين قدم بَغْدَاد وَمَات وَلم يحكم بَين اثْنَيْنِ
وحَدثني زكي الدّين أَبُو بكر بن أَيُّوب التكريتي قَالَ كنت فِي السّنة الَّتِي أخذت فِيهَا بَغْدَاد مَعَ عمي الْحَاج عَليّ بياع فِي حلب وَكَانَ الشَّيْخ فِي قَرْيَة علم فَقَالَ عمي وَكَانَ من أَصْحَابه يَا بني اذْهَبْ إِلَى الشَّيْخ فسله عَن أهلنا ومالنا وَعَن وَلَدي حُسَيْن وَعَن سفر بَغْدَاد وَمَا كنت رَأَيْت الشَّيْخ قبل وَكنت أحب أَن أرَاهُ
قَالَ فَخرجت إِلَيْهِ فَلَمَّا رَآنِي قَالَ أَنْت أَبُو بكر بن أَيُّوب فَقلت نعم قَالَ أرسلك عمك الْحَاج عَليّ تسْأَل عَن الْأَهْل وَالْمَال وَعَن وَلَده حُسَيْن وَعَن السّفر إِلَى بَغْدَاد
أما الْأَهْل فَأسر الْبَعْض وَسلم الْبَعْض وَأما المَال فَإِنَّهُ مدفون تَحت عتبَة بَاب الدَّار وَلم أستثبت مَا قَالَ فِيهِ وَأما حُسَيْن فَإِنَّهُ أسر وسوف تَجْتَمِع بِهِ وَفِي جَبينه أثر وَقع وَأما السّفر إِلَى بَغْدَاد وَقَالَ لي أتعرف دَار الشاطبية فَقلت أعرفهَا لَكِن مَا دختلها فَقَالَ فِي هَذِه السَّاعَة قد أخرجُوا التاتار مِنْهَا بركَة ذهب وهم يقتسمونه فأخرجت الدواة وكتبت الْيَوْم والشهر والساعة الَّتِي أَخْبرنِي فِيهَا
قَالَ أَبُو بكر وَكنت شَابًّا حسن الصُّورَة وَكَانَ فِي حلب امْرَأَة قد حصل لَهَا فِي إِرَادَة فظفرت بِي يَوْمًا وراودتني عَن نَفسِي فتمنعت عَلَيْهَا فعضتني فِي كَتِفي فأثرت فِيهِ وَبقيت أَيَّامًا لَا يعلم بهَا أحد إِلَّا الله فَلَمَّا أردْت السّفر من عِنْده خرج معي لوداعي فَلَمَّا خلا بِي قَالَ مَا هَذِه العضة الَّتِي فِي كتفك فَاسْتَحْيَيْت مِنْهُ فَقَالَ تب وَلَا تعد لمثلهَا وسافرنا إِلَى بَغْدَاد فَلَمَّا قدمنَا سَأَلت عَن ذَلِك الذَّهَب الَّذِي أَخذ من دَار الشاطبية فدللت على إِنْسَان كَانَ حَاضرا فَجئْت إِلَيْهِ وَسَأَلته فَقَالَ نعم كنت حَاضرا وكتبت الْيَوْم والشهر والساعة فَقلت لَهُ أخرج لي دستورك فَأخْرجهُ وقابلته على دستور فَوجدت التَّارِيخ التَّارِيخ لَا يزِيد عَلَيْهِ وَلَا ينقص عَنهُ
وحَدثني الشَّيْخ خُزَيْمَة بن نصر البلعرانى قَالَ قدم علينا الشَّيْخ فَاجْتمع النَّاس ليسلموا عَلَيْهِ وَكنت فيهم وَأَنا شَاب فَسَمعته يَقُول قد جَاءَ الْأَمْوَات يسلمُوا عَليّ وَفِيهِمْ شَاب أشقر فِي يَده سكين وَعَلِيهِ قَمِيص ملطخ بِالدَّمِ وَهُوَ يَقُول قتلت بِهَذِهِ السكين أتعرفونه فَسكت الْجَمَاعَة وَلم يجبهُ أحد مِنْهُم فَقَالَ مالكم كأنكم مَا تعرفونه فَقَالُوا نعم فَقَالَ هُوَ يَقُول اسْمِي نصر فَقلت أَنا هُوَ أبي يَا سَيِّدي قَالَ صدقت
وَقَالَ الْجَمَاعَة كلهم هُوَ أَبوهُ يَا سَيِّدي الْآن عرفنَا فَإِن أَبَاهُ قتل وَهُوَ شَاب وَقَالَ أَيْضا فيهم شيخ طَوِيل يَقُول أَنا أعرف بِابْن الطَّحَّان مت مُنْذُ أَرْبَعمِائَة سنة فَقَالَ الْجَمَاعَة عندنَا أَمْلَاك تعرف بأملاك بني الطَّحَّان إِلَى الْآن
وَسمعت الشَّيْخ إِبْرَاهِيم بن الشَّيْخ أبي طَالب البطائحي فَقَالَ قصدت زِيَارَة الشَّيْخ فصحبت فِي طريقي أَقْوَامًا فتحدثوا فِي الْخمر ومجالسته وآلته فَلَمَّا دخلت على الشَّيْخ قَالَ مَا هَذِه الْحَالة قلت مَا هِيَ يَا سَيِّدي قَالَ بَين يَديك خمر وآلته فَقلت يَا سَيِّدي صَحِبت أَقْوَامًا فتحدثوا فِي الْخمر فأثر عَليّ مَا قلت قَالَ صدقت يَا بني صَاحب الأخيار وجانب الأشرار مَا اسْتَطَعْت فَإِن صحبتهم عَار فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَة
قلت هَذَا بعض مَا ذكره جَامع المناقب ثمَّ عقد بعده فصولا لما كَانَ عَلَيْهِ هَذَا الشَّيْخ الْجَلِيل من المجاهدة وَالْعَمَل الدَّائِم ولفرائد كَلَامه وفوائده ولاطراحه للتكلف وتواضعه ورأفته ورقته
ثمَّ ذكر أَنه توفّي يَوْم الْأَحَد سلخ رَجَب سنة ثَمَان وَخمسين وسِتمِائَة بقرية يُقَال لَهَا علم بِالْقربِ من حلب وَدفن هُنَاكَ فِي تَابُوت لأجل النقلَة فَإِنَّهُ أوصِي بذلك وَقَالَ أَنا لَا بُد أَن أنقل إِلَى الأَرْض المقدسة وَكَانَ كَمَا قَالَ فَإِنَّهُ نقل بعد مَوته باثنتي عشرَة سنة إِلَى جبل قاسيون وَدفن بالزاوية الْمَعْرُوفَة بهم وَقد زرت قَبره مَرَّات