الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
قاعدة في ذكر طريق قريب موصِل
(1)
إلى الاستقامة في الأحوال والأقوال والأعمال.
وهي شيئان:
أحدهما: حراسة الخواطر وحفظها، والحذر كل الحذر
(2)
من إهمالها والاسترسال معها. فإنَّ أصلَ الفساد كله من قِبلها يجيء؛ لأنَّها هي بذر الشيطان والنفس في أرض القلبِ، فإذا تمكن بذرُها تعاهدها الشيطان بسقيه مرَّةً بعد أخرى حتَّى تصير إرادات، ثُمَّ يسقيها حتَّى تصير
(3)
عزائم، ثُمَّ لا يزال بها حتى تثمر الأعمال.
ولا ريبَ أنَّ دفعَ الخواطر أيسرُ من دفع الإرادات والعزائم، فيجد العبدُ نفسه عاجزًا أو كالعاجز عن دفعها بعد أن صارت إرادة جازمة، وهو المفرِّط إذ
(4)
لم يدفعها وهي خاطر ضعيف؛ كمن تهاون بشرارة من نار وقعت في حطَبٍ يابسٍ، فلمَّا تمكنت منه عجزَ عن إطفائها
(5)
.
فإن قلتَ: فما الطريقُ إلى حفظ الخواطر؟
قلتُ: أسباب عدَّة:
(1)
"ك، ط": "طريق يوصل". وقد استدركت كلمة "قريب" في حاشية "ك"، والقطرية.
(2)
"كل الحذر" ساقط من "ك، ط".
(3)
"ط": "تكون".
(4)
"ك، ط": "إذا".
(5)
وانظر: عدة الصابرين (96)، والداء والدواء (236).
أحدها: العلم الجازم باطلاع الرب تعالى، ونظره إلى قلبك، وعلمه بتفصيل خواطرك.
الثاني: حياؤك منه.
الثالث: إجلالك له أن يرى مثل تلك الخواطر في بيته الذي خلقه
(1)
لمعرفته ومحبته.
الرابع: خوفك منه أن تسقط من عينه بتلك الخواطر.
الخامس: إيثارك له أن يساكن
(2)
قلبك غير محبته.
السادس: خشيتك أن تتولَّد تلك الخواطر، ويستعر شرارُها، فتأكلَ ما في القلب من الإيمان ومحبة اللَّهِ، وتذهب
(3)
به جملةً
(4)
، وأنتَ لا تشعر.
السابع: أن تعلم أنَّ تلك الخواطر بمنزلة الحَبِّ الذي يُلقى للطائر ليصاد به، فاعلم أنَّ كلَّ خاطر منها فهو حبَّة في فخ منصوب لصيدك، وأنت لا تشعر.
الثامن: أن تعلمَ أنَّ تلك الخواطر الرديئة لا تجتمع هي وخواطر الإيمان ودواعي المحبة والإنابة أصلًا، بل هي ضدها من كل وجه، وما اجتمعا في قلبٍ إلا وغلبَ أحدُهما صاحبَه، وأخرجه، واستوطن مكانه.
(1)
"ط": "خلق".
(2)
"ك، ط": "تساكن".
(3)
"ب، ط": "فتذهب". "ك": "فيذهب".
(4)
"ف": "كله" تحريف.
فما الظن بقلب غلبت خواطرُ النفس والشيطان فيه خواطرَ الإيمان والمحبة والمعرفة
(1)
فأخرجتها، واستوطنت مكانها؟ لكن لو كان للقلب حياة لشعر بألم ذلك، وأحسَّ بمصابه.
التاسع: أن يُعلم
(2)
أنَّ تلك الخواطر بحر من بحور الخيال لا ساحل له، فإذا دخل القلبُ في غمراته غرق فيه، وتاه في ظلماته، فيطلب الخلاص منه، فلا يجد إليه سبيلًا. فقلبٌ تملكه الخواطر بعيدٌ من الفلاح، معذَّبٌ، مشغولٌ بما لا يفيد.
العاشر: أنَّ تلك الخواطر هي وادي الحمقى وأماني الجاهلين، فلا تثمر لصاحبها إلا الندامةَ والخزيَ. وإذا غلبت على القلب أورثته الوساوسَ، وعزلته عن سلطانه
(3)
، وأفسدت عليه رعيته، وألقته في الأسر الطويل.
كما أنَّ هذا معلومٌ في الخواطرِ النفسانية، فهكذا الخواطر الإيمانية الرحمانية، هي أصل الخير كلِّه. فإنَّ أرض القلب متى
(4)
بُذِرَ فيها خواطرُ الإيمان والخشية والمحبة والإنابة والتصديق بالوعد ورجاءِ الثوابِ، وسُقِيَت مرَّةً بعد مرَّةٍ، وتعاهدها صاحبُها بحفظها ومراعاتها والقيام عليها، أثمرت له كلَّ فعل جميل، وملأت قلبَه من الخيرات، واستعملت جوارحَه في الطاعات واستقرَّ بها الملك في سلطانه،
(1)
"ك، ط": "المعرفة والمحبة".
(2)
الأصل غير منقوط، فيجوز أن يقرأ "تعلم" كما سبق في السابع والثامن. والمثبت من "ف" وغيرها، وقد ضبط في "ب" بضم أوله.
(3)
"ك، ط": "سلطانها".
(4)
"ط": "إذا".