الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فصل [مقتضيات الدرجة الثانية من الفقر]
وإذا كان التلوث بالأعراض
(1)
قيدًا يقيد القلوبَ عن سفرها إلى بلد حياتها ونعيمها الذي لا سكن لها غيره، ولا راحة لها إلا فيه، ولا سرور لها إلا في منازله، ولا أمن لها إلا بين أهله؛ فكذلك الذي قد باشر
(2)
قلبُه روحَ التأله، وذاق طعمَ المحبة، وآنسَ نارَ المعرفة، له أعراضٌ دقيقة حاليّة تقيد قلبَه عن مكافحة صريح الحق، وصحة الاضطرار إليه، والفناء التام به، والبقاء الدائم بنوره الذي هو المطلوب من السير والسلوك، وهو الغاية التي شمَّر إليها السالكون، والعلَم الذي أمّه العابدون، ودندن حوله العارفون. فجميع ما يحجب عنه أو يقيد القلبَ نظرُه وهمُّه يكون حجابًا يحجب الواصلَ، ويوقف السالك، وينكس الطالب. فالزهد فيه على أصحاب الهمم العلية متعيِّن تعيُّنَ الواجب المعيّن
(3)
الذي لا بد منه، وهو كزهد السالك إلى الحج في الظلال والمياه التي يمر بها في المنازل.
فالأوَّل مقيد عن الحقائق برؤية الأعراض، والثاني مقيد عن النهايات برؤية الأحوال، فتقيّد كل منهما عن الغاية المطلوبة، وترتب على هذا
(1)
ضبطت الكلمة في الأصل هنا بالعين المهملة، وفي الموضع التالي بالمعجمة، ثمَّ بالمهملة، وستأتي مرَّة أخرى في ص (45) بالمهملة، وفي "ف" في الموضعين الأولين بالمعجمة ثمَّ بالمهملة، ولعل الصواب بالمهملة كما أثبتنا، وكذا في "ن، ك" في المواضع المذكورة كلها.
(2)
"ك، ط": "الذي باشر".
(3)
"المعين": ساقط من "ك، ط".
القيد عدمُ النفوذ
(1)
، وذلك مؤخّر مخلّف.
وإذا عَرَفَ العبدُ هذا وانكشف له علمُه تعيَّن عليه الزهدُ في الأحوال والفقرُ منها، كما تعين عليه الزهدُ في المال والشرف وخلوُّ قلبه منهما. وكما
(2)
كان موجَبُ الدرجة الأولى من الفقرِ الرجوعَ إلى الآخرة، فأوجب الاستغراقُ في همَّ الآخرة نفضَ اليدين من الدنيا ضبطًا أو طلبًا، وإسكات اللسان عنها مدحًا أو ذمًّا؛ فكذلك
(3)
كان موجَبُ هذه الدرجة الثانية الرجوعَ إلى فضل اللَّه عز وجل، ومطالعة سبقه للأسباب
(4)
والوسائط. فبفضل اللَّه وبرحمته
(5)
وُجِدتْ منهم
(6)
الأحوال
(7)
الشريفة، والمقامات العلية، وبفضله ورحمته وصلوا إلى رضاه ورحمته وقربه وكرامته وموالاته.
وكان سبحانه هو الأوَّل في ذلك كلّه، كما أنَّهُ الأوَّل في كلِّ شيء؛ وكان هو الآخر في ذلك، كما هو الآخر في كل شيء. فمن عبده باسمه الأوَّل الآخر
(8)
حصل
(9)
له حقيقة هذا الفقر، فإن انضاف إلى ذلك
(1)
سيأتي تفسير "النفوذ" في ص (388 - 389).
(2)
في الأصل وغيره: "لما"، والصواب ما أثبتنا.
(3)
"ط": "وكذلك".
(4)
"ك، ط": "الأسباب".
(5)
"ك، ط": "ورحمته".
(6)
"ك، ط": "منه".
(7)
"ك، ط": "الأقوال"، تحريف.
(8)
"ن، ك، ط": "والآخر".
(9)
"ك، ط": "حصلت".