الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
نقص
(1)
في حقِّه؟ وهل فوق هذا كمال، فيطلبه العبد؟
ثمَّ يقال: لو كان فوقه شيء أكمل منه، لكان اشتغالُ العبد به وطلبُه إيَّاه اشتغالًا بحظّه أيضًا، فيكون ناقصًا، فأين الكمال؟ فإن قلتم: في تركِه حظوظَه كلَّها، قيل لكم: وتركُه هذا الحظّ أيضًا هو من حظوظه، فإنَّه لا يبقى معطَّلًا فارغًا خِلْوًا
(2)
من الإرادة أصلًا، بل لا بدّ له من إرادة ومراد، وكل إرادة عندكم
(3)
رجوع إلى الحظّ، فأيّ شيء اشتغل
(4)
به وبإرادته كان وقوفًا مع حظّه
(5)
، فياللَّه العجب متى يكون عبدًا محضًا خالصًا لربه؟
يوضِّح هذا
(6)
الوجه الثامن:
أنَّ الحيّ لا ينفكّ عن الإرادة ما دام شاعرًا بنفسه، وإنَّما ينفكّ عنها إذا غاب عنه شعوره بعارضٍ من العوارض، فالإرادة من لوازم الحياة، فدعوى أنَّ الكمال في التجرّد عنها دعوى باطلة مستحيلة طبعًا وحسًّا. بل الكمال في التجرّد عن الإرادة التي تُزاحِم مرادَ المحبوب، لا عن الإرادة التي توافق مرادَه.
الوجه التاسع:
قوله "الجمع والوجود فيما يراد بالعبد، لا فيما يريد. . . " إلى آخره، فيقال: هذا على نوعين:
(1)
كتب ناسخ "ف": ". . . العبد به وطلبه إيَّاه نقص" لنزول بصره إلى السطر التالي من الأصل.
(2)
"خلوًا" ساقط من "ط".
(3)
"ب، ك، ط": "لكم".
(4)
سقط "شيء" من "ك". وفي "ط": "فأي اشتغال به".
(5)
"ب، ك، ط": "عن حظِّه".
(6)
"ف": "يوضحه"، خلاف الأصل.
أحدهما: ما يراد بالعبد
(1)
من المقدور الذي يجري عليه بغير اختياره، كالفقر والغنى، والصحّة والمرض، والحياة والموت، وغير ذلك. فهذا لا ريب أنَّ الكمال
(2)
فناءُ العبد فيه عن إرادته، ووقوفُه مع ما يراد به، لا يكون له إرادةٌ تُزاحِمُ إرادةَ اللَّه منه
(3)
؛ كحال الثلاثة الذين قال أحدهم: أنا أحبّ الموت للقاءِ اللَّه، وقال الآخر: أحبّ البقاء لطاعته وعبادته. فقال الثالث: غلطتما، ولكن أنا أحبّ من ذلك ما يحبّ: فإن كان يحبّ إماتتي أحببتُ الموت، وإن كان يحبّ حياتي أحببتُ الحياة، فأنا أحبّ ما يحبّه من الحياة والموت. فهذا أكمل منهما، وأصحّ حالًا. فهذا
(4)
فيما يراد بالعبد.
والنوع الثاني: ما يراد من العبد من الأوامر والقربات. فهذا ليس الكمال إلا في إرادته، وإن فرَّقَتْه، فهو مجموع في تفرقته، متفرّق في جمعيّته. وهذا
(5)
حال الكُمَّل
(6)
من النَّاس: متفرّق الإرادة في الأمر، مجتمع على الأمر؛ فهو مجموع عليه، متفرق فيه. ولا يكون فعل المرادات المختلفة بإرادة واحدة بالعين. وإنَّما غايتها أن تكون هنا إرادتان: أحدهما
(7)
: إرادة واحدة للمراد المحبوب.
(1)
"ب": "من العبد"، غلط.
(2)
"الكمال" ساقط من "ب".
(3)
"ب": "إرادة تزاحمه إرادة منه".
(4)
"فهذا" ساقط من "ك، ط".
(5)
"ب": "فهذا".
(6)
"ط": "الكملة".
(7)
كذا في الأصل و"ف، ك". والمقصود: نوعان: أحدهما. . . والثاني. وفي "ب، ط": "إحداهما".
والثاني
(1)
: إرادات متفرّقة لحقّه ومحابّه وما أمر به، فهي
(2)
وإن تعدَّدت وتكثّرت فمرجعها إلى مراد واحد بإرادة واحدة
(3)
كلية، وكلُّ فعل منها له إرادة جزئية تخصّه
(4)
.
الوجه العاشر: أنَّ قول أبي يزيد: "أريد أن لا أريد" تناقض بيِّن، فإنَّه قد أراد عدم الإرادة. فإذا قال:"أريد أن لا أُريد" يقال له: فقد أردت! وأحسن من هذا أن يكون الجواب: "أُريد ما تريد، لا ما لا تريد"
(5)
. وإذا
(1)
"ب، ط": "الثانية".
(2)
في الأصل: "فهو"، سبق قلم، وكذا في "ف، ب". والمثبت من "ك، ط".
(3)
"واحدة" ساقط من "ك، ط".
(4)
"ك، ط": "محضة"، تحريف.
(5)
"ب، ك": "لا ما لا أريد"، وهو خلف من القول. وفي "ط":"أريد ما يريد لا ما أريد". وقد نقل المؤلف قول أبي يزيد في مدارج السالكين (2/ 106) وعقَّب عليه بأنَّه "في التحقيق عين المحال الممتنع عقلًا وفطرةً وحسًّا وشرعًا. فإنَّ الإرادة من لوازم الحيّ". لكنَّه حمله من قبل في المدارج نفسه (1/ 549) على محمل حسن. وفسَّره بصون الإرادة وقبضها عمَّا سوى اللَّه سبحانه. وقد جعل شيخ الإسلام ابن تيمية هذا القول "أريد أن لا أريد" ونحوه من الكلام المجمل، فإنَّما يمدح منه سقوط إرادته التي لم يؤمر بها. وإن أريد بطلان إرادته بالكلية فهو مخالف لضرورة الحسّ والعقل. مجموع الفتاوى (3/ 117). وقول الشيخ عبد القادر "وعلامة فناء إرادتك بفعل اللَّه أنَّك لا تريد مرادًا قط، فلا يكن لك غرض، ولا تقف لك حاجة ولا مرام لأنَّك لا تريد مع إرادة اللَّه سواها. . . " فسَّره شيخ الإسلام بأن لا تريد مرادًا لم تؤمر بإرادته. ثمَّ قال: "وهذا الموضع يلتبس على كثير من المسالكين، فيظنون أنَّ الطريقة الكاملة أن لا يكون للعبد إرادة أصلًا، وأنَّ قول أبي يزيد: "أريد أن لا أريد" -لمَّا قيل له: ماذا تريد؟ - نقص وتناقض، لأنَّه قد أراد! ويحملون كلام المشايخ الذين يمدحون بترك الإرادة على ترك الإرادة مطلقًا، وهذا غلط منهم على الشيوخ =