الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
ومن هذا قول أبي يزيد
(1)
: "قيل لي ما تريد؟ قلتُ: أريد أن لا أريد، لأنِّي أنا المراد وأنت المريد"
(2)
.
فيقال: ليس المراد من "العوامّ" في كلامهم العامَّة
(3)
الجهال، وإنَّما مرادهم بهذه اللفظة عموم السالكين، دون أهل الخصوص الواصلين إلى
(4)
منازل الفناء وعين الجمع. وإذا عرف هذا فالكلام على ما ذكر في الإرادة من وجوه:
أحدها: أنَّ الإرادة هي مَركَب العبودية، وأساس بنائها الذي لا تقوم إلا عليه، فلا عبودية لمن لا إرادة له. بل أكمل الخلق
(5)
عبوديّةً ومحبّةً، وأصحّهم حالًا، وأقومهم معرفةً = أتمّهم إرادةً. فكيف يقال: إنَّها حِلية
(6)
العوامّ أو من منازل العوامّ؟
الوجه الثاني:
أنَّه يلزم من هذا أن تكون المحبّة من منازل العوام، وتكون معلولةً أيضًا؛ لأنَّها إرادة تامَّة للمحبوب
(7)
، ووجود المحبة بلا إرادة كوجود الإنسانية من غير حيوانية، وكوجود
(8)
مقام الإحسان
= (2/ 301).
(1)
البسطامي، الزاهد المشهور.
(2)
محاسن المجالس لابن العريف (76 - 77)، وسيصرَّح المؤلف بالنقل عنه بعد قليل.
(3)
"ب": "العوام".
(4)
"إلى" ساقط من "ب، ك، ط".
(5)
زاد في المطبوعة هنا: "أكملهم"، وزاد الواو قبل "أتمهم" فاختلَّ السياق.
(6)
في الأصل: "حيلة"، وهو سبق قلم. وكذا في "ف، ب".
(7)
"ب": "إرادة لمحبوبه".
(8)
"ب": "وجود".
بدون الإيمان والإسلام. فإذا كانت الإرادة معلولةً
(1)
وهي من منازل العوامّ لزم أن تكون المحبة كذلك.
فإن قيل: المحبة التي لا علّة فيها هي
(2)
تجرُّد المحبّ عن الإرادة، وفناؤه بإرادة محبوبه عن إرادته
(3)
قيل: هذا هو حقيقة الإرادة أن ينفي
(4)
مرادَه مرادُ محبوبه، فلو لم يكن مريدًا لمراد محبوبه لم يكن موافقًا له في الإرادة، والمحبّة هي موافقة المحبوب في إرادته، فعاد الأمرُ إلى ما أشرنا إليه أنَّ المعلول من ذلك ما تعلق بحظّ المريد دون حقّ
(5)
محبوبه. فإذا صارت إرادتُه موافِقةً لإرادة محبوبه لم تكن تلك الإرادةُ من منازل العوامّ ولا معلولةً، بل هذه أشرفُ منازل الخواصّ وغاية مطالبهم. وليس وراءها إلا التجرّد عن كلِّ إرادة، والفناء بشهوده عن إرادة ما يريد. وهذا هو الذي يشير إليه السالكون إلى منازل الفناءِ ويجعلونه غايةَ الغايات. وهذا عند الكُمَّل
(6)
نقص وتغبير
(7)
في وجه المحبة، وهضم لجانب العبودية، وفناءٌ بحظّ المحبّ من مشاهدته
(8)
جمالَ محبوبه
(9)
وفنائه فيه عن حقّ المحبوب ومراده. فهو الوقوف مع
(1)
في الأصلِ: "من معلولة"، ولعله سهو. وكذا في "ف".
(2)
"هي" ساقط من "ب".
(3)
"ف": "إراداته" خلاف الأصل.
(4)
"ك، ط": "يبقى"، والأصل غير منقوط.
(5)
"حق" ساقط من "ك، ط".
(6)
"ك، ط": "أهل الكمال".
(7)
"ك، ط": "تغيير"، تصحيف.
(8)
"ب، ك": "مشاهدة".
(9)
"ف": "كمال محبوبه" خلاف الأصل.
نفس الحظّ، والهروب عن حقّ المحبوب ومراده.
وهل مثل هذا إلا كمثل رجلين ادَّعيا محبةَ ملِك، فحضرا بين يديه، فقال: ما تريدان؟ فقال أحدهما: أُريدُ أن لا أريد شيئًا، بل أفنى عن إرادتي، وأكون أنا المراد، وأنت تريد بي ما تشاء. وقال الآخر: بل
(1)
أريد أن أنفق أنفاسي وذرّاتي
(2)
في محابّك ومرضاتك منفِّذًا لأوامرك مشمِّرًا في طاعتك، أتوجّه حيث توجهني وأفعل ما تأمرني، هذا الذي أريده
(3)
. فقال
(4)
للآخر: وأنا أريد منك أن تفعل مثل هذا، فإنِّي سأبعثكما في أشغالي ومهماتي. فأمَّا أحدهما فقال: لاحظ لي سوى اتباع مرضاتك والقيام بحقوقك. وقال الآخر: لا أُريد إلا مشاهدتَك، والنظر إليك، والفناءَ فيك. فهل يكونان في نظره سواءً؟ وهل تستوي منزلتهما عنده؟
ولو أنعموا النظر لعلموا أنَّ صاحبَ الفناء هو طالبُ الحظِّ الواقفُ معه، وأنّ الآخرَ وإن لم ينسلخ من الحظّ، ولكنّ حظَّه مرادُ المحبوب منه، لا مرادُه هو من المحبوب؛ وبين الأمرين من الفرق كما بين الأرض والسماءِ
(5)
. فالعجب ممن يفضّل صاحبَ الحظّ الذي يريده من محبوبه على من صارَ حظّه مراد محبوبه منه! بل الفناء الكامل أن يفنى بإرادته عن إرادة ما سواه
(6)
، وبحبّه عن حبّ ما سواه، وبرجائه عن رجاءِ ما سواه،
(1)
"بل": ساقط من "ط".
(2)
"ب": "إرادتي".
(3)
"ب": "أريد".
(4)
"ب": "فقال الملك".
(5)
"ب": "بين السماء والأرض".
(6)
"ب، ك، ط": "من سواه".