الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
وبالتوكّل عليه عن التوكّل على ما سواه؛ ليس أن تفنى بحظك منه عن مراده منك. وهذا موضع يشتبه علمًا وحالًا وذوقًا إلا على من فتح اللَّه عليه بفرقانٍ
(1)
بين هذا وهذا.
الوجه الثالث:
أنَّ الإرادة إنَّما تكون ناقصةً بحسب نقصان المراد، فإذا كان مرادها أشرف المراد
(2)
فإرادته أشرف الإرادات. ثمَّ إذا كانت الوسيلة إليه أجل الوسائل، وأنفعها، وأكملها، فإرادتها كذلك. فلا تخرج إرادته عن إرادةِ أشرف الغايات، وإرادةِ أقرب الوسائل إليه وأنفعها. فأي علَّة في هذه الإرادة
(3)
؟ وأي شيء فوقها للخواصّ؟
الوجه الرابع:
أنَّ نقصان الشيء يكون من وجهين: أحدهما: أن يوجب ضررًا. والثاني: أن تكون له ثمرة نافعة لكن يشغل عمَّا هو أكمل منه. وكلاهما منتفٍ عن الإرادة، فكيف تكون ناقصة معلولة؟
فإنْ قيل: لمَّا كان الوقوف معها رجوعًا إلى النفس وتفرّقًا ووقوفًا مع حظّ المريد كانت ناقصة، قيل: هذا منشا الغلط.
وجوابه ب
الوجه الخامس:
وهو أن يقال: قوله "إنَّ الإرادة تفرّق". فإنْ أردتم بالتفرّق شهود المريد لإرادته ومراده
(4)
ولعبوديته ولمعبوده ولمحبّته ومحبوبه
(5)
، فلم قلتم إنَّ هذا التفرّق نقص؟ وهل هذا إلا عين الكمال؟ وهل تتمّ العبودية إلا بهذا؟ فإنَّ من شهد عبوديته وغاب بها عن
(1)
في "ب": "أن يفرِّق" وفي حاشيتها: "خ بالفرقان".
(2)
"ط": "المرادات".
(3)
"ب": "الإرادات"، خطأ.
(4)
"ك، ط": "لمراده".
(5)
"ك، ط": "لمحبوبه".
معبوده كان محجوبًا
(1)
، ومن شهد المعبودَ وغابَ به عن شهود عبوديته وقيامه بما أمره به كان ناقص
(2)
العبودية ضعيف الشهود، وهل الكمال إلا شهود المعبود مع شهود عبادته؟ فإنَّها عين حقّه ومراده ومحبوبه من عبده. فهل يكون شهود العبد لحقّ محبوبه ومراده منه وأنَّه قائم به ممتثل له نقصًا، وتكون غيبته عن ذلك وإعراضه عنه وفناؤه عن شهوده كمالًا؟ وهل هذا إلا قلب للحقائق؟ فغاية صاحب هذا الحال والمقام أن يكون معذورًا بضيق قلبه عن شهود هذا وهذا، إمَّا لضعف المحل، أو لغلبة الوارد وعجزه عن احتمال شيء آخر معه. فأمَّا أن يكون هذا هو الكمال المطلوب والآخر نقص فكلّا. وأين مقامٍ من يشهد
(3)
عبوديته، ومنَّة اللَّه عليه فيها، وتوفيقَه لها، وجعلَه محلًّا وآلةً لها
(4)
-وهو ناظر مع ذلك إلى معبوده بقلبه، شاهدًا له، فانيًا
(5)
عن شهود غيره في عبوديته- من مقام من لا يتّسع لهذا وهذا؟
وتأمَّل حال أكمل الخلق وأفضلهم
(6)
وأشدّهم حبًّا للَّه صلى الله عليه وسلم، كيف كان في عبادته جامعًا بين الشهودين، حتّى كان لا يغيب عن أحوال المأمومين، فضلًا عن شهود عبادته، فكان
(7)
يراعي أحوالهم وهو في ذلك المقام بين يدي ربِّه تعالى؛ فالكُمَّل
(8)
من أمّته على منهاجه وطريقته
(1)
"ط": "محبوبًا"، تحريف شنيع.
(2)
في الأصل: "ناقصًا"، سبق قلم.
(3)
"ف": "شهد"، والقراءة المثبتة أرجح.
(4)
"لها" ساقط من "ك، ط".
(5)
"ب": "شاهدٌ له فانٍ".
(6)
"ب": "أفضل الخلق وأكملهم".
(7)
"ط": "وكان".
(8)
"ك": "فالكامل". "ط": "فالكملة".