الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
واستقامت له رعيته.
ولهذا لما تحقَّقت طائفة من السالكين ذلك عملت على حفظ الخواطر، وكان
(1)
ذلك هو سيرَها وعملها
(2)
. وهذا نافع لصاحبه بشرطين: أحدهما: أن لا يترك به واجبًا ولا سنَّة، الثاني: أن لا يجعلَ مجرَّد حفظِها هو المقصود. بل لا يتم ذلك إلا بأن يجعل موضعها خواطرَ الإيمان والمحبة والإنابة والتوكل والخشية، فيفرغ قلبه من تلك الخواطر، ويعمره بأضدادها. وإلا فمتى عمل على تفريغه منهما معًا كان خاسرًا، فلا بدَّ من التفطن لهذا.
ومن هنا غلِطَ أقوامٌ من أرباب السلوك، وعملوا على إلقاءِ الخواطرِ وإزالتها جملةً، فبذر فيها الشيطان أنواع الشبه والخيالات، فظنّوها تحقيقًا وفتحًا رحمانيًّا، وهم فيها غالطون، وإنَّما هي خيالات وفتوحات شيطانية
(3)
. والميزان هو الكتاب الناطق، والفطرة السليمة، والعقل المؤيد بنور النبوة، واللَّه المستعان.
فصل
(4)
الثاني
(5)
: صدق التأهب للقاءِ اللَّه عز وجل
. وهذا
(6)
من أنفع ما للعبدِ وأبلغِه في حصول استقامته. فإنَّ من استعدَّ للقاءِ اللَّه انقطعَ قلبه عن
(1)
"ك، ط": "فكان".
(2)
"ب، ك": "جلَّ عملها"، وهي قراءة محتملة. "ط":"جلَّ أعمالها".
(3)
"وفتوحات" ساقط من "ط".
(4)
"فصل" ساقط من "ب".
(5)
"ب": "والسبب الثاني". وقد سقط "الثاني" من "ط".
(6)
"وهذا" ساقط من "ط".
الدنيا
(1)
ومطالبها، وخمدت من نفسه نيرانُ الشهوات، وأخبتَ قلبُه إلى ربِّه تعالى
(2)
، وعكفت همته على اللَّه وعلى محبته وإيثار مرضاته. واستحدث
(3)
همَّةً أخرى وعلومًا أخر، وولد ولادةً أخرى تكون نسبةُ قلبه فيها إلى الدار الآخرة كنسبة جسمه إلى هذه الدار بعد أن كان في بطن أمِّه، فيولد قلبُه ولادةً حقيقية، كما ولد جسمه حقيقة. وكما كان بطن أمه حجابًا لجسمه عن هذه الدار، فهكذا نفسه وهواه حجاب لقلبه عن الدار الآخرة، فخروج قلبه عن نفسه بارزًا إلى الدار الآخرة كخروج جسمه عن بطن أمه بارزًا إلى هذه الدارِ. وهذا معنى ما يذكر عن المسيح صلى الله عليه وسلم أنَّه قال:"يا بني إسرائيل، إنَّكم لن تلجوا ملكوتَ السماء حتَّى تولدوا مرَّتين"
(4)
.
ولمَّا كان أكثر الناس لم يولدوا هذه الولادة الثانية ولا تصوروها -فضلًا عن أن يصدقوا بها- فيقول القائل: كيف يولد الرجل الكبير أم
(5)
كيف يولد القلب، لم يكن لهم إليها همَّة ولا عزيمة، إذ كيف يعزم على الشيء من لا يعرفه ولا يصدّقه؟ ولكن إذا كُشِفَ حجاب الغفلة عن القلب صدَّق بذلك وعلم أنَّه لم يولد قلبُه بعد.
والمقصود أنَّ صدق التأهّب للقاءِ اللَّهِ هو مفتاح جميع الأعمال الصالحة، والأحوال الإيمانية، ومقامات السالكين إلى اللَّه ومنازل
(1)
"ك، ط": "الدنيا وما فيها ومطالبها".
(2)
"ك، ط": "إلى اللَّه".
(3)
"ك، ط": "واستحدثت".
(4)
تقدَّم في ص (29).
(5)
"ط": "أو".
السائرين إليه، من اليقظة والتوبة والإنابة والمحبة والرجاءِ والخشية والتفويض والتسليم وسائر أعمالِ القلوب والجوارح. فمفتاحُ ذلك كلِّه صدقُ التأهب والاستعداد للقاءِ اللَّهِ، والمفتاح بيد الفتَّاحِ العليم، لا إلهَ غيره، ولا ربَّ سواه.