الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- وقال: {أوْ يوبِقْهُنّ بما كسبوا، ويَعْفُ عن كثير} "1".
- وقال: {وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ فَإِنَّ الإِنسَانَ كَفُورٌ} "2".
- وقال تعالى: {وَمَا كَانَ اللَّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنْتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللَّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} "3".
(1) 34: الشورى: 42.
(2)
48: الشورى: 42.
(3)
33: الأنفال: 8.
مراعاة الموازنة بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت:
وجماعُ ذلك داخل في القاعدة العامّة فيما إذا تعارضت المصالح والمفاسد، والحسنات والسيّئات، أو تزاحمت، فإنّه يجب ترجيحُ الراجح منها؛ فيما إذا ازدحمت المصالح والمفاسد، وتعارَضت المصالح والمفاسد.
فإن الأمر والنهْيَ -إنْ كان مَتَضمِّناً لتحصيل مصلحة ودَفْع مفسدة -فيُنظَرُ في المعارض له، فإن كان الذي يفوت من المصالح، أو يحصل من المفاسد أكثر، لم يكن مأموراً به، بل يكون محرَّماً، إذا كانت مفسدتُه أكثرَ من مصلحته.
ميزان تقدير المصالح والمفاسد هو ميزان الشرع:
لكن اعتبار مقادير المصالح والمفاسد هو بميزان الشريعة، فمتى قَدِرَ الإنسانُ على اتِّباع النصوص لم يَعْدل عنها، وإلا اجتهد رأيه لمعرفة الأشباه والنظائر، وقلَّ أن تُعْوِزَ النصوصُ مَنْ يكون خبيراً بها، وبدلالتها على الأحكام.
مثال للموازنة بين المصالح والمفاسد:
وعلى هذا إذا كان الشخص والطائفة جامعين بين معروف ومنكر، بحيث لا يفرّقون بينهما، بل إمّا أن يفعلوهما جميعاً أو يتركوهما جميعاً = لم يَجُزْ أن يؤمروا بمعروف، ولا أن يُنهوا عن مُنْكر، بل يُنظر:
- فإنْ كان المعروف أكثر أُمر به، وإن استلزم ما هو دونه من المنكر.
- ولم يُنْهَ عن مُنكرٍ يستلزم تفويت معروفٍ أعظمَ منه، بل يكون النهي حينئذٍ من باب الصَدّ عن سبيل الله، والسعي في زوال طاعته وطاعة رسوله صلى الله عليه وسلم، وزوال فعل الحسنات.
- وإن كان المنكر أغلب، نُهي عنه، وإن استلزم فوات ما هو دونه من المعروف، ويكون الأمر بذلك المعروف، المستلزم للمنكر الزائد عليه، أمراً بمنكرٍ، وسعياً في معصية الله ورسوله.
- وإنْ تكافأ المعروف والمنكر المتلازمان؛ لم يؤمر بهما ولم يُنْهَ عنهما.
فتارةً يَصْلح الأمرُ.
وتارةً يصلح النهي.
وتارة لا يصلح أمرٌ ولا نهيٌ حيث كان المعروف والمنكر متلازمين.
وذلك في الأمور المعيَّنة الواقعة.
وأما مِن جهةِ النوع: فيؤْمر بالمعروف مطلقاً، ويُنهى عن المنكر مطلقاً.
وفي الفاعل الواحد والطائفة الواحدة يؤمَرُ بمعروفها ويُنهى عن منكرها، ويُحمد محمودُها، ويُذمُّ مذمومها- بحيث لا يتضمّن الأمر بمعروفٍ فواتَ معروفٍ أكبرَ منه، أو حصولَ منْكَر فوقه، ولا يتضمّن النهْيُ عن المنكر حصول ما هو أَنْكرُ منه، أو فواتَ معروفٍ أرجح منه-.
وإذا اشتبه الأمرُ، استبانَ المؤمنُ حتى يتبيّن له الحق، فلا يُقْدِم على الطاعة إلا بعلمٍ ونيّة، وإذا تركها كان عاصياً. فتَرْكُ الواجب معصية.
وفعلُ ما نُهي عنه من الأمر معصيةٌ. وهذا باب واسع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.
مثال آخر للنظر للمصالح والمفاسد:
ومن هذا الباب تَرْك النبي صلى الله عليه وسلم لعبد الله بن أبيّ بن سَلول وأمثاله من أئمةِ النفاق والفجور؛ لِما لهم من أعوان؛ فإزالةُ المنكر بنوعٍ من عقابه مستلزمةٌ إزالة معروف أكبر من ذلك بغضبٍ قومه وحميّتهم، وبنفورِ الناس إذا سمعوا أنّ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقتل أصحابه، ولهذا لما خطبَ الناسَ في قضيّة الإفك بما خَطَبَهم به، واعتذر عنه، وقال له سعد بن مُعاذ قوله الذي أحسنَ فيه = حمي له سعد بن عبادة -مع حُسْن إيمانه وصدقه- وتعصَّب لكلٍّ منهم قبيلَةٌ، حتى كادت تكون فتنة""1".
وبهذا يُعْلم أهمية الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، وعِظَمُ شأنه، كما يُعْلَمُ أهمية الإتيان به على وجْهه، ومراعاة الصفات المطلوبة في القيام به، وأنه لم يُحْسِن كلٌّ ممن تركه ومن قام به متنكباً الهدْي المطلوب فيه شرعاً. وأنه يجب الأخذ بجميع النصوص وجميع الأحكام الشرعية.
(1) الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، لابن تيمية، ص20-22. وعنه أخذت- بتصرّف في بعض المواضع، وتقديم وتأخير- جلَّ ما نُقِل هنا.