الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه.
وعلى الرغم من أهمية التغيير باليد في الموضع الذي يُحْتاج فيه عقلاً وشرعاً إلى التغيير بها، إلا أن هذا التغيير باليد على ذلك الفهم ليس هو المراد بالحديث.
الأدلة على أنّ هذا فهْمٌ للحديث غير صحيح:
ومما يدلّ على أن هذا الفهم ليس هو المراد بالحديث ما يأتي:
1-
لأن الله تعالى قد أمر بالدعوة إليه بالحكمة -كما دعانا إلى الحكمة في كل شيء على مقتضى ما جاء به هذا الدين من أحكام وتوجيهات-: {ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُم بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ} . {إِذَهَبَا إِلَى فِرْعَونَ إِنَّهُ طَغَى فَقُولا لَهُ قَولاً لَيِّناً
…
} .
وليس من الحكمة التغيير دائماً باليد، بل قد يترتب عليه مفاسد أكبر.
ولو استعرض المرء النصوص في أدب الدعوة، وتغيير المنكر، وطُرُق ذلك، لأدرك -بيقين- أن فَهْم الحديث على هذا المعنى خروج عما تقضي به تلك النصوص.
2-
ولأن حمْل الحديث على هذا المعنى الخطأ يتعارض مع أصل المعنى الذي جاء من أجله الحديث، وهو تغيير المنكر: " من رأى منكم منكراً فليغيره
…
"، فالمقصود هو تغيير المنكر، وهذا يقتضي أن يترسم الإنسان هَدْي الإسلام في تغيير المنكر، وأن يراعي الغاية الشرعية من هذا، وذلك يوجب على من يتولى هذا التغيير أن يأخذ بالأسباب، والطرق، والوسائل، اللازمة لتحقيق هذه الغاية.
فالمقصود من الأمر بالتغيير إزالة المنكر، لا إبقاء المنكر، ولا تثبيته بأي
سبب، أو إحداث منكر أكبر منه.
ومن المعلوم أن التغيير باليد مباشرة، مع عدم الحاجة لها، كثيراً ما يُحْدِث: فتنة، أو إصراراً من صاحب المنكر على منكره، أو يُحْدِث منكراً أكبر منه؛ فإذا كان التغيير باليد ينتج عنه مثل هذه المنكرات التي هي أعظم من المنكر المأمور بإزالته؛ فكيف يُتصوّر أن يأمر الرسول به صلى الله عليه وسلم في تلك الأحوال؟! كيف يُتصوّر أن يأمر بعمل المنكر وهو ينهى عن إقرار المنكر؟! لقد فُهِم الحديث خطأ، ونسي بهذا الفهم ما ينبغي مراعاته في الأمر بالمعروف، والنهي عن المنكر. وقد قيل:"ليكن أمرك بالمعروف، بالمعروف، ونهيك عن المنكر غيرَ منكر""1".
3-
ولأن من المعلوم عقلاً أن الإقدام على إزالة المنكر باليد دائماً في كل الأحوال، مع عدم الحاجة لها ممجوج في العقول والفِطَر، فَيَستغرب العاقل من الإقدام على إِعمال اليد لمنعه من خطأ ارتكبه مع عدم الحاجة لها. ومثل هذا لا يأمر به الدين، ولا يدعو إليه سيد المرسلين.
4-
ومن المعلوم أن الواجب على الداعي والمحتسب، أنه إنما يَلجأ إلى الشدّة في موضعها وعند الحاجة لها، وإذا لم تكن لها حاجة فمن الخطأ ومن المنكر أن يلجأ الداعية لاستخدامها، ويُتصوّر هذا حتى في حق منْ له ولايةٌ أو سلطان، فمثلاً لو أخطأ ابنك فهل من المقبول أن تبدأ مباشرة بضربه ليقلع عن الخطأ في حين أنك لم تَنْهه، ولم تَقُلْ له بخصوص هذا الخطأ شيئاً، وكان
(1) ابن تيمية، "الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:، بيروت، دار الكتاب الجديد، 1396هـ-1976م، تحقيق د. صلاح الدين المنجد، ص:17.