الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الإخلاص، على طبيعة النفس مع الإخلاص، وأنّها متردِّدةٌ، لا تستقر على حالٍ.
ونحن في دعوة الناس إلى الإخلاص لابدّ أن نُقَرِّر لَهم أن تحصيلَ الإخلاص مُيَسَّرٌ وبابَه مفتوحٌ، وأن كل من أراده، وصدَقَ مع الله في ذلك، فسينالُه.
ومما يُراد بعبارة: "إن الإخلاص عزيز نفيسٌ"، مثلاً، شحْذ الهمَمِ وترغيبها في تحصيله؛ لأنه شيءٌ نفيسٌ؛ فيستحق الجهد والمجاهدة.
رابعاً: أهمية الإخلاص واستحضار النيّة
يكفي في بيان أهمية الإخلاص ما يلي:
- أمْرُ الله به؛ وهو الأمر الذي لا يَسَع عبيدَ الله وعبادَه الإعراضُ عنه، أو تجاهله.
- أنه شرطٌ لصحة العمل -كما سبق- فلا يقبل الله تعالى عملاً بدونه.
كما قال تعالى: {يَوْمَ لا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُون إِلَاّ مَنْ أَتَى اللهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ} "1".
{يَوْمَ تُبْلَى السَّرَائِرُ. فَمَا لَهُ مَنْ قُوَّةٍ وَلَا نَاصِر} "2".
{وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُوراً} "3".
(1) 89: الشعراء: 26.
(2)
9-10: الطارق: 86.
(3)
23: الفرقان: 25.
(4)
110: الكهف: 18.
- أن الناس جميعاً يبعثون على نياتهم: "يهلكون مهلكاً واحداً ويَصْدرون مصادر شتَّى"؛ بحسب نياتهم؛ فمنهم الناجي من عذاب الله ومنهم الهالك؛ فعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الزُّبَيْرِ، أَنَّ عَائِشَةَ قَالَتْ: عَبَثَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَنَامِهِ؛ فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ صَنَعْتَ شَيْئاً فِي مَنَامِكَ لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ. فَقَالَ: "الْعَجَبُ! إِنَّ نَاساً مِنْ أُمَّتِي، يَؤُمُّونَ بِالْبَيْتِ، بِرَجُلٍ مِنْ قُرَيْشٍ قَدْ لَجَأَ بِالْبَيْتِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ خُسِفَ بِهِمْ". فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ! إِنَّ الطَّرِيقَ قَدْ يَجْمَعُ النَّاسَ. قَالَ: "نَعَمْ فِيهِمُ الْمُسْتَبْصِرُ، وَالْمَجْبُورُ، وَابْنُ السَّبِيلِ. يَهْلِكُونَ مَهْلَكاً وَاحِداً وَيَصْدُرُونَ مَصَادِرَ شَتَّى؛ يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ عَلَى نِيَّاتِهِمْ""1".
ويكفي بياناً لأهمية الإخلاص، أنه هو الشيء الوحيد الذي يتأسف على فقده العاملون، ويحزن على فواته المفرطون، أعني إخلاص العبودية لله، وإخلاص العمل له سبحانه، وكل ما هو من مقتضياته:
فقد قال تعالى:
(1) مسلم،، ح2884، الفتن وأشراط الساعة، وبنحوه البخاري، 2118، البيوع.
(2)
165-167: البقرة: 2.
ولهذا ينبغي استحضار النيّة الصالحة دائماً في كل عملٍ يعمله الإنسان.
وينبغي تحرير النيّة، وتخليصها من الشوائب.
وهُناك جانبٌ مهمٌّ متعلق باستحضار النية في الأعمال، واستحضار طلب الأجر، أو السلامة مِن إثم المعصية، وهو أنه بهذا الاستحضار "تتحول العادات إلى عبادات، أو تزداد المقاصد الحسنة في العبادات؛ فيكون أجر العمل الواحد كأجر عددٍ من الأعمال""3".
وقد قال الله، سبحانه، في الهدْي والأضاحي:{لَن يَّنَالَ اللهَ لُحُومُهَا وَلَا دِمَاؤُهَا وَلَكِن يَّنَالُهُ التَّقْوَى مِنكُم} "4".
(1) 54-56: الزمر: 39.
(2)
64-67: الزمر: 39.
(3)
جهود الإمام النووي ومنهجه في الدعوة إلى الله، رسالة ماجستير أعدّها، تحت إشرافي، الأخ: عبد الناصر اللوغاني، المبحث الثالث: صفات الداعية وآدابه.
(4)
37: الحج: 22.
"والتداخل بين الإخلاص والنية، غير منكر، إلا أن النية قد تكون أعمَّ من وجهٍ، فإن الإخلاص لا يتصور من غير نية، بخلاف النيّة، فقد توجد بغير إخلاص، كما أن النيّة تتميز بالتعدد في المرادات، فيمكن للعامل أن ينوي بعملٍ واحد، أموراً عديدة مختلفة، فإن كانت حسنة، ازداد ثوابه بزيادة تلك المقاصد الحسنة، وإن كانت مشوبة، فله من الخير والشر بقسطه.
وعلى المسلم- لاسيما الداعية- بعد تحرير قصده فيما يتعلق بأعماله الصالحة، ومنها قيامه بالدعوة وتكاليفها، أن يحرص على استحضار النوايا الصالحة فيها، كدلالة الناس على الخير، ونشر العلم، ونصرة الدين، وتثبيت المؤمنين، وخذلان الباطل وأنصاره، والاقتداء برسل الله صلى الله تعالى عليهم أجمعين، وسِواها من النوايا والمقاصد العاليات الساميات.
وهذا باب واسع، يَفتح الله تعالى على عباده منه ما يشاء"""1".
قال الإمام النووي: ""اعلم أنه ينبغي لمن أراد شيئاً من الطاعات، وإن قلَّ، أن يُحضر النية، وهو أن يقصد بعمله رضا الله عز وجل، وتكون نِيَّتَه حال العمل، ويدخل في هذا جميع العبادات، من الصلاة والصوم، والوضوء والتيمم، و....، وإنكار المنكر، والأمر بالمعروف، و....، وحضور مجالس العلم والأذكار، وزيارة الصالحين، و
…
، ومذاكرة العلم، والمناظرة فيه، وتكراره، وتدريسه، وتعليمه، ومطالعته، وكتابته، وتصنيفه، والفتاوى، وكذلك ما أشبه هذه الأعمال، حتى ينبغي له إذا أكل، أو شرب، أو نام، يقصد بذلك
(1) المصدر السابق، المبحث الثالث: صفات الداعية وآدابه.