الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
رأوا المنكرَ فلم يُغيّروه، أوشك أن يَعُمهم اللهُ بعِقابٍ منه" "1".
- ولأن الله تعالى، الذي أوجب القيام بهذا الواجب، قد أَمر أن تُراعى فيه صفاتٌ أو شرائط؛ فمَن لم يأتِ بها لا يكون أتى به حقيقةً، وإنما صورةً.
ومِن ذلك مراعاة العِلم والدليل، والحكمة، والرفق واللين، ورعاية المصالح ودفع المفاسد المعتبرة شرعاً، والصبر على الأذى.
(1) ابن ماجه، 4005، الفتن، وأحمد، 1، و17، و54. وبينها اختلافٍ يسير.
شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:
ولا يكون عمله صالحاً إنْ لم يكن بعلمٍ وفقه، كما قال عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه:"مَنْ عَبَد الله بغير علم كان يُفسد أكثر مما يُصْلح"، وكما في حديث مُعاذ بن جبل رضي الله عنه:"العلم إمامُ العمل، والعمل تابِعُهُ".
وهذا ظاهر؛ فإن القصد والعمل إن لم يكن بعلمٍ كان جهلاً، وضلالاً، واتّباعاً للهوى -كما تقدم-.
وهذا هو الفرق بين أهل الجاهلية وأهل الإسلام.
فلابد من العلم بالمعروف والمنكر.
والتمييز بينهما.
ولابد من العلم بحال المأمور وحال المنهي.
ومن الصلاح أن يأتي بالأمر والنهي على الصراط المستقيم، والصراط المستقيم أقربُ الطرق، وهو الموصل إلى حصول القصد.
- ولابد في ذلك من الرفق، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم: "ما كان الرفق في شيء إلا
ذ زانه، ولا كان العُنْف في شيءٍ إلا شانه" "1"، وقال صلى الله عليه وسلم: "إن الله رفيق يحب الرفق في الأمر كله، ويُعطي عليه ما لا يُعطي على العُنْف" "2".
- ولابد أيضاً أن يكون حليماً، صبوراً على الأذى؛ فإنّه لابد أن يَحْصل له أذىً، فإن لم يَحْلم ويصبر فإنه يُفسد أكثر مما يُصْلِح، كما قال لقمان لابنه:{وَأْمُرْ بِالْمَعْرُوفِ وَانْهَ عَنْ الْمُنكَرِ وَاصْبِرْ عَلَى مَا أَصَابَكَ إِنَّ ذَلِكَ مِنْ عَزْمِ الأُمُورِ} "3".
ولهذا أمر الله الرُسُل -وهم أئمة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر- بالصبر، كقوله لخاتم الرسل صلى الله عليه وسلم، بل ذلك مقرون بتبليغ الرسالة، فإنّه أول ما أُرسل أُنزلت عليه سورةُ:{يا أيّها المدّثّر} ، بعد أن أُنزلت سورة:{اقرأ} ، التي بها نُبّئ.
- فقال الله تعالى: {يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ "1" قُمْ فَأَنذِرْ "2" وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ "3" وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ "4" وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ "5" وَلا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ"6" وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ "7"} "4".
- فافتتح آيات الإرسال إلى الخَلْق بالأمر بالإنذار، وختمها بالصبر.
- ونفْس الإنذار أمرٌ بالمعروف ونهيٌ عن المنكر؛ فعُلم أنه يجب بعده الصبر.
- وقال تعالى: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} "5".
- وقال تعالى: {وَاصْبِرْ عَلَى مَا يَقُولُونَ وَاهْجُرْهُمْ هَجْراً جَمِيلاً} "6".
(1) أحمد، 25181، لكن بلفظ:(مَا كَانَ الرِّفْقُ فِي شَيْءٍ قَطُّ إِلا زَانَهُ وَلا عُزِلَ عَنْ شَيْءٍ إِلا شَانَهُ) .
(2)
مسلم، 2593، البر والصلة والآداب، وعند البخاري: (إن الله رفيق يحب الرفق في
الأمر كله) . 6927، استتابة المرتدين.
(3)
17: لقمان: 31.
(4)
1-7: المدثر: 74.
(5)
48: الطور: 52.
(6)
10: المزمل: 73.
- وقال: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنْ الرُّسُلِ} "1".
- وقال: {فَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ وَلا تَكُنْ كَصَاحِبِ الْحُوتِ} "2".
- وقال: {وَاصْبِرْ وَمَا صَبْرُكَ إِلا بِاللهِ} "3".
- وقال: {وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللهَ لا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ} "4".
فلابد من هذه الثلاثة: العلمُ، والرفق، والصبر.
- العلم قبل الأمر والنهي، والرفق معه.
- والصبر بعده.
- وإن كان كلٌّ من الثلاثة لابد أن يكون مستصْحَباً في هذه الأحوال.
وهذا كما جاء في الأثر عن بعض السَلَف، ورووه مرفوعاً، ذكره القاضي أبو يعلى في "المعتمد":"لا يأمر بالمعروف وينهى عن المنكر إلا مَنْ كان فقيهاً فيما يأمر به، فقيهاً فيما ينهى عنه، رفيقاً فيما يأمرُ به، رفيقاً فيما ينهى عنه، حليماً فيما يأمر به، حليماً فيما ينهى عنه""5".
"وإذا كان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أعظم الواجبات أو المستحبّات لابُدّ أن تكون المصلحةُ فيها راجحة على المفسدة. إذْ بهذا بُعثتِ الرُسُل، ونَزَلت الكتب، والله لا يحبّ الفساد، بل كلُّ ما أَمَرَ الله به هو صلاح.
(1) 35: الأحقاف: 46.
(2)
48: القلم: 68.
(3)
127: النحل: 16.
(4)
115: هود: 11.
(5)
الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، للإمام ابن تيمية، ص18-20، و28-31.