الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
سادساً: مقاييس الإخلاص وعلاماته
مقدمة:
نتناول هنا مقاييس الإخلاص وعلاماته: عدماً ووجوداً، وكمالاً ونقصاً؛ إذ الإخلاص إما أن يكون معدوماً لدى المرء، وإما أن يكون موجوداً، ووجوده إما أن يكون على الكمال، أو على النقص، ولمعرفة هذا كله مقاييس يستطيع الإنسان أن يتعرف بها عليه، أذكرها فيما يأتي.
ولكن، أُقدِّم بين يدي ذلك بعض النقاط حول الموضوع فيما يلي:
أ- الإخلاص من الصفات النفسية التي لا تعرف إلا بمعرفة آثارها، فعلى من يريد التعرف على حقيقة الإخلاص أن يرجع إلى النصوص الشرعية التي تتناوله، كما أن عليه أيضا أن يتعرف على آثار الإخلاص في الواقع: واقع نفسه، وواقع الناس، مجتمعاً وأفراداً، سواء أكان إخلاص النية أم إتقان العمل؛ وإنْ كانت نيات الناس من الصعب الحكم عليها؛ ولكن الإنسان يعرف مِن نفسه استقامة نيته من عدمها.
ب- الإخلاص ليس صفة تحصل للمرء ثم تثبت له على الدوام، بل هو صفة تعرض وتزول، تعرض للإنسان عند أسبابها، وتزول بوجود أسباب زوالها. كما مَضَى.
فالمرء يحتاج دائما إلى تحصيل هذه الصفة أو اكتسابها، كما أنه لابدّ له أن يثبت ويستمر على هذا الإخلاص؛ فيجاهد نفسه للحصول عليها، وللاحتفاظ بها.
جـ- والإخلاص درجات: فقد يتم للمرء الاتصاف بصفة الإخلاص، على أتمها، مع التخلص مما ينافيها أو يشوبها.
وقد يتصف بالإخلاص مع بعض الصفات المنقصة لتمامه.
وقد يخلص في عمل دون عمل آخر، فعلى العاقل أن يراقب نفسه في كل ذلك.
فهو يستغرق كل مقاصد الإنسان وأعماله القلبية، وجوارحه الأخرى وأعمالها، فينتج من ذلك:
1-
إخلاص النية والقصد والتوجه، "إنما الأعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى". على ما رواه "عَلْقَمَةَ بْنَ وَقَّاصٍ اللَّيْثِيَّ يَقُولُ سَمِعْتُ عُمَرَ بْنَ الْخَطَّابِ رضي الله عنه عَلَى الْمِنْبَرِ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ إِنَّمَا الأَعْمَالُ بِالنِّيَّاتِ وَإِنَّمَا لِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى فَمَنْ كَانَتْ هِجْرَتُهُ إِلَى دُنْيَا يُصِيبُهَا أَوْ إِلَى امْرَأَةٍ يَنْكِحُهَا فَهِجْرَتُهُ إِلَى مَا هَاجَرَ إِلَيْهِ""1".
2-
إخلاص القول، على ما جاء في الحديث "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلا يُؤْذِ جَارَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ وَمَنْ كَانَ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيَقُلْ خَيْراً أَوْ لِيَصْمُتْ" "2"؛ إذ رَبَطَ النبيُّ صلى الله عليه وسلم
(1) البخاري، ح1، بدء الوحي.
(2)
البخاري، في مواضع متعددة، منها: ح5559، و5560، الأدب، ومسلم في مواضع، منها: ح 67، 68، الإيمان.