الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
- أن يكون العمل عبادةً مأذوناً للإنسان فيها أن يَحصل مِن ورائها على شيء من المكاسب الدنيوية، إذا جاءت تبعاً، أو جاءت بسبب هذه العبادة، إذا لم يكن هذا القصد الثاني مخلاًّ بالنية الصالحة، كالجهاد مع الغنيمة؛ لكن يُبطل هذه العبادة أن يَعْمد الإنسان إلى الجهاد قصداً للمغنم فقط، أو إلى المغنم في الأصل ونيةِ الجهاد في سبيل الله تبعاً.
وكذلك في حال استواء القصدين؛ فإنّ الذي يترجح، بمقتضى الأدلة، التحاق ذلك بحالاتِ عدم الإخلاص المحبطة للعمل؛ لأن معنى أن يكون العمل لله: أن تكون إرادةُ وجه الله كافيةً في الاستقلال بتحريك الإنسان للعمل، ولعل هذا مقياسٌ صحيح مطّرد للتفريق بين الإخلاص وعدمه، وللتفريق بين المقاصد الدنيوية، أو المصالح الدنيوية، المنافية للإخلاص
وغير المنافية له.
حكمُ النيّة في العمل:
- النيّة في اللغة: هي نوعٌ مِن القصْدُ، والإرادة"1". وهي الباعثُ الذي يختفي وراء أعمالنا، ويكون سبباً في القيام بها.
والنيّة الباعثة على القيام بطاعةٍ ما:
إما أن تكون نيّةً صالحة: وهي تلك النيّة التي تدفع صاحبها إلى القيام بالطاعة متِّجِهاً بها إلى الله تعالى، مستشعراً في ذلك معنى العبودية لله والتعبّد
(1) "جامع العلوم والحكم
…
"، لابن رجب، الرياض، مكتبة العبيكان، 1418هـ-1997م، 1/26.
والقربة، فهذه هي النيّة الصالحة التي لا يقبل الله تعالى عملاً بدونها.
وإما أن تكون النيّة نيّةً غير صالحة، وهي تلك النيّة التي تدفع صاحبها للتوجه بالعمل من أعمال الطاعة لغير الله تعالى، إما جزئياً: وهو التشريك في النيّة، ومنه الرياء، والشرك الأصغر، أو كليّاً: وهو الرياء المحض، فذلك من عبادةِ ما سِوى الله معه سبحانه.
فأنت ترى، بهذا، كيف أثّرت النيّة في قبول العمل عند الله، عز وجل، أو في ردِّه على صاحبه. إن الصورة أمام الناس هي أن هذا العمل طاعةٌ: مِن صلاةٍ أو صيامٍ أو حجٍ، ويقول الناس: صلّى فلان، أو صام فلان، أو حج فلان؛ لأنهم يرونه قد ذهب إلى الحج مثلاً، وأَتى بالأعمال الظاهرة المأمور بها شرعاً، ولكنه عند الله تعالى، تُقَدِّمُهُ نيتُه أو تؤخّرُهُ:
فإنْ كانت نيته صالحة خالصة لله سبحانه، وكان عملُهُ قد وافق ما أمره الله به، فهو قد حَجَّ حقيقةً.
وأمّا إن كان قد نوى بحجه غير الله تعالى؛ فهو وإن كانت الصورة أنه قد حج، إلا أنه عند الله لم يحج، لأن نيته قد أحبطت ذلك العمل الطيب، وأبطلت أجره، بل لم يَقِف الأمر عند هذا الحدّ- أعني بطلان العمل، وفوات الأجر- بل يتعداه إلى الوزْر، لأن هذا الحج مثلاً، وهو عملٌ من أعمال الطاعة، انقلب بالنية السيئة إلى معصيةٍ يحاسَبُ عليها الإنسان، ويقول الله له يوم القيامة: لَمْ تعمل هذا من أجلي، اذهب للذي عملته من أجله يكافئك عليه.
والنية الصالحة سببٌ لدخول الإنسان الجنة ونَيْل رضا الله، والنية السيئة سببٌ لدخول الإنسان النار، والوقوع في سخط الله؛ ففي الصحيحين