المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

القولَ والصمتَ بالإيمان المؤثِّر، المورِث لهذه الصفة من المراقبة، وهذه - طريقك الى الإخلاص والفقه في الدين

[عبد الله الرحيلي]

فهرس الكتاب

- ‌مقدّمة

- ‌الفصل الأول: الإخلاص

- ‌أولاً: الإخلاص والفقه في الدين معاً

-

- ‌ثانياً: تعريف الإخلاص لله تعالى

- ‌مفهوم الإخلاص والتجرد الكامل:

- ‌حكمُ النيّة في العمل:

- ‌ليس مِن لازِمِ اختلال النية أن يكون رياءً

- ‌أقسام الأعمال إذا تخلّفت عنها النية الصالحة

- ‌والخلل في العمل ينقسم إلى قسمين:

- ‌ما يتحقق به صلاح النيّة:

- ‌ثالثاً: دواعي الحرص على الإخلاص

- ‌رابعاً: أهمية الإخلاص واستحضار النيّة

-

- ‌خامساً: آثار إخلاص النية في حياة الإنسان

- ‌الإخلاص المطلوب، نيّةً وعملاً:

- ‌سادساً: مقاييس الإخلاص وعلاماته

- ‌مقدمة:

- ‌المقاييس:

- ‌سابعاً: أمثلةٌ ومظاهرُ تنافي الإخلاص

- ‌ثامناً: طرق معالجة نقص الإخلاص أو فقْده

-

- ‌تاسعاً: نصوص في الإخلاص

- ‌مِن الآيات في الإخلاص:

- ‌مِن الأحاديث في الإخلاص:

-

- ‌عاشراً: التعرف على ما يضادّ الإخلاص؛ لاجتنابه

- ‌تعريف الرياء:

- ‌وسائل إظهار الرياء:

- ‌تفاوت درجات الرياء:

- ‌حكم العبادة إذا طرأَ عليها الرياء:

-

- ‌الفصل الثاني: الفقه في الدين

- ‌أوّلاً: معنى الفقه في الدين

- ‌استعمالٌ غير صحيح:

- ‌ألفاظٌ بُدِّلت معانيها:

- ‌العلاقة بين الفقه والحكمة:

- ‌ثانياً: مجالات الفقه

-

- ‌ثالثاً: أهمية الفقه في الدين

- ‌من يُرِد الله به خيراً يفقهه في الدين:

-

- ‌رابعاً: أحاديث في الفقه في الدين وصفا وتعريفا واثباتا ومدحا

- ‌ليس مِن الفقه:

- ‌في التربية على الفقه:

- ‌في فضْل الفقه والتفقّه:

- ‌أحاديث أخرى في الحكمة:

- ‌خامساً: من مقاييس الفقه وعلاماته

- ‌سادساً: أمثلةٌ وصورٌ لاختلال الفقه

- ‌سابعاً: صفات الفقيه وعلاماته

-

- ‌الفصل الثالث: الطريقة المنهجية لتحصيل الفقه في الدِّين

- ‌عَرْضٌ عامٌّ للطريقة

- ‌قواعد عامّةٌ لتطبيق الطريقة المطلوبة

- ‌قواعد تطبيقية لازِمةٌ لدراسةِ الحديث وفقهه

-

- ‌روافد تحصيل العلم والفقه

- ‌القراءةُ رافِداً مِن روافد العلم والفقه

-

- ‌مفاتيح العِلْمِ الثلاثة

- ‌الطريقة المثلى لتحصيل مفاتيح العلم الثلاثة

- ‌الخاتمه

-

- ‌الفصل الرابع: نقاط في منهجيّة فِقْهِ الدِّين

- ‌نقاط أساسية في منهجيّة فقْه الدِّين

- ‌أوّلاً: يَلزمنا للوقوف على الحق والأخذ به أمور أهمها

- ‌ثانياً: العِلْم

- ‌ثالثاً: عدّتنا في فهم الكتاب والسنّة

- ‌رابعاً: تيسير الله معرفة الحق، والعمل به

- ‌خامساً: العلم بما تَقُوم به دلالة الدليل

- ‌سادساً: هناك نوع من النقل لا يلزم فيه التثبت دائماً

- ‌سابعاً: القناعة بأهميّة الاجتهاد في فهم النصوص

- ‌ثامناً: التنبه إلى دلالات اللغة، ودِقَّة التعريفات

- ‌تاسعاً: التنبّهُ إلى التفريق بين كلٍّ من الرأي والرواية

- ‌عاشراً: القناعة بعدم تعارُضِ النصوص الشرعية

- ‌الحادي عشر: إعْمالُ عمومات أَلفاظ الكتاب والسنّة

- ‌الثاني عشر: أنواع الاختلاف

- ‌الثالث عشر: التعارض بين النقل والعقل

- ‌الرابع عشر: إدراك المراد بالحجة العقلية

- ‌الخامس عشر: مؤدَّى إبطال دليل العقل

- ‌السادس عشر: خطأُ ذمِّ الرأي مطلقاً

- ‌السابع عشر: المقصود بذَمِّ السلف للرأي

- ‌الثامن عشر: مراعاة مقاصد الشريعة وهداياتها

- ‌التاسع عشر: إدراك عاقبة الصواب والخطأِ في منهج الدعوة

- ‌العشرون: ضرورةُ العقل إلى الرسالة المحمّدية

-

- ‌الفصل الخامس: أمثلةٌ تطبيقية على موضوع الفقه في الدِّين

-

- ‌المثال الأول: وقفةٌ عند حديثٍ لفقْهه

- ‌الأدلة على أنّ هذا فهْمٌ للحديث غير صحيح:

- ‌معنى الحديث:

- ‌أَسباب الخطأِ في فهم النصوص:

- ‌أمثلةٌ للأوصاف العارضة في الأحاديث:

- ‌المثال الثاني: مِن الفقه في الدِّين وفقه الدعوة إليه

- ‌المثال الثالث: مناقشةُ مسألة الاجتهاد في وسائل الدعوة

-

- ‌المثال الرابع: فقه الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر

- ‌مسالك الناس في تَنَكُّب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌شروط الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر:

- ‌موقف الناس من هذه الشروط:

- ‌المعاصي سبب المصائب، والطاعة سبب النعمة:

- ‌مراعاة الموازنة بين المصالح والمفاسد إذا تعارضت:

- ‌الخَاتمَة

الفصل: القولَ والصمتَ بالإيمان المؤثِّر، المورِث لهذه الصفة من المراقبة، وهذه

القولَ والصمتَ بالإيمان المؤثِّر، المورِث لهذه الصفة من المراقبة، وهذه حقيقة الإخلاص.

3-

إخلاص الأعمال: "عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: "قَالَ اللَّهُ تبارك وتعالى أَنَا أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ مَنْ عَمِلَ عَمَلاً أَشْرَكَ فِيهِ مَعِي غَيْرِي تَرَكْتُهُ وَشِرْكَهُ" "1".

والمسلم في حاجةٍ إلى شفافيةٍ في محاسبةِ نفسِهِ في تعامله مع ربه سبحانه؛ وهكذا كان السلف الصالح، على حَدِّ ما ذكره سفيان بن عيينة بقوله:""كان من دعاء مطرّف بن عبد الله: "اللهم إني أستغفرك مما تُبتُ إليك منه ثم عدت فيه، وأستغفرك مما جعلتُه لك على نفسي ثم لم أُوفِ به لك، وأستغفرك مما زعمتُ أني أردتُ به وجهك فخالط قلبي منه ما قد علمتَ""2".

(1) مسلم، ح5300، الزهد والرقائق.

(2)

هذا دعاءٌ كان يدعو به مطرّف بن عبد الله، يُنْظَر: جامع العلوم والحكم

"، لابن رجب، 1/42.

ص: 45

‌المقاييس:

إن هناك مقاييس يُعرفُ بها حقيقةُ الإخلاص، عدماً ووجوداً، كمالاً ونقصاً، وَيُمْكن للمرء أن يطبقها فيعرف بها حقيقة الأمر، أو يكاد، وهي مقاييسُ متعددة"1"، أذكر الآن شيئاً من أهمها -فيما يبدو لي- "ويلاحظ

(1) ويلاحظ أنني أحياناً أقول في عَدِّها: مِن مقاييس. وأحياناً أقول: مِن علامات. وأحياناً: مِن ثمرات. والمعاني متقاربة، وهذا التنويع مقصود، ومِن دواعي هذا التنويع أن المقياس يكون أحياناً ثمرةً مِن ثمرات الإخلاص، لكن ليس كل مقياس ثمرةً دائماً.

ص: 45

أن الأمثلة التي تصلح مقياساً لمعرفة حقيقة الإخلاص، لا يشترط أن تكون دائرة بين الإيمان والكفر، بل لا مانع أن تكون في باب الفضائل

":

1-

يمكنك معرفة مدى إخلاصك من خلال معرفتك نيتك في العمل، فقد قال النبي صلى الله عليه وسلم:"إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه""1".

وأنت أدرى بنيتك فيما تعمله من عمل، فتنظر: هل عملته لله، أو عملته لغيره.

وقد روى عبادة بن الصامت رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "مَنْ غَزَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلَمْ يَنْوِ إِلا عِقَالاً فَلَهُ مَا نَوَى""2".

2-

الإخلاص يقتضي أن تفعل أشياء من أجل الله وأن تترك أشياء من أجل الله، وبهذا المقياس تستطيع أن تختبر نفسك في الإخلاص: عدماً أو وجوداً، كمالاً أو نقصاً.

3-

من مقاييس الإخلاص أن تعرض عملك على قولك وقولك على عملك فتنظر: هل يطردان في الخير، فذلك من علامات إخلاصك، أو لا يطردان، فذلك خلل في إخلاصك. قال إبراهيم التيمي: "ما عرضت

(1) مسلم، ح 3530، الإمارة.

(2)

النسائي، 3138، 3139، الجهاد، وأحمد، 22184، 22221، 22282، والدارمي، 2416، الجهاد.

ص: 46

قولي على عملي إلا خشيت أن أكون مكذباً""1". والمقصود أن تتعارض النية مع العمل؛ أما في حال الاختلاف بين النية والعمل مع عدم التعارض فليس هذا داخلاً في الذم؛ كما لو قَصَد الإنسان أن يعمل عملاً من أعمال الخير، ولكنه وقَع منه عملٌ آخر مِن أعمال الخير. أو كمَن أراد أن يدفع صدقةً إلى فلان، ولكنها وقعت في يدِ شخص آخر.

4-

من مقاييس الإخلاص أن تسرك حسنتك وأن تسوءك سيئتك؛ لأن الإخلاص يوجب يقظةَ القلب والضمير، وهذه ثمرةٌ من ثمرات هذه اليقظة القلبية.

5-

من علامة الإخلاص أن تتحلى بالمراقبة والمحاسبة لنفسك.

6-

من مقاييس الإخلاص أن يكون سرورك بالحسنة وبثواب الله تعالى أعظم مما تجده في نفسك لو كان لك بتلك الحسنة وبذلك الثواب عرَضٌ دنيوي، أو شهرة

"كسب مادّيّ، أو معنويّ من الناس"، كمَبْلغ من المال مثلاً.

7-

من علامات الإخلاص أن تبكي صادقاً من خشية الله تعالى فيما بينك وبين نفسك، فإن تلك اللحظة لحظة صدق وإخلاص، فإن استمر أثرها في حياتك، وإلا فقد تكون لحظة عارضة، وقد تكون لحظةً خادعة لك ولغيرك؛ فعلى الإنسان أن لا يغتر بِعَبْرَةٍ عَابِرَةٍ أو دَمْعَةٍ قد يكون مثيرها شيئاً آخر غير الإخلاص.

8-

من علامات الإخلاص أن تدقق على نفسك في أهليتك إذا التزمت

(1) البخاري: 2- الإيمان، 37- باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر.

ص: 47

بعمل ما، أو أردت الالتزام به، فتنظر: هل أنت متأهل لهذا العمل؟ أو لست متأهلا للقيام به؟ فيلزمك في هذه الحال التأهل له، وإلا تركته إلى سواه، خهل أإذا كان أمامك مجال لتركه من حيث الحكم الشرعي، ومن الإخلاص أن تكون بتركه في تلك الحال أشد سرورا منك لو عملته ولم تبرىء ذمتك منه.

9-

من مقاييس الإخلاص أن تعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنك يراك!.

10-

من علامات الإخلاص رؤية الإنسان تقصيره في حق الله تعالى، مهما عمل من الطاعات، على أن لا يقع في اليأس والقنوط، وإنما يلازم التوبة والاستغفار.

11-

من ثمرات الإخلاص التزامك بالطاعات، وبعدك عن المعاصي وما يوصل إليها، حتى يصبح ذلك طبعاً لازماً لك، وذلك من علامات الإخلاص.

12-

من مقاييس الإخلاص الاستمرار في عمل الخير الذي يتقاضى الإنسان في مقابله أجراً مادّيّاً، لو انقطع عنه ذلك الأجر الماديّ، فلا يتأثر عمله بانقطاع الدنيا عنك. اللهم إلا إذا كان تركه للعمل إنما هو بسبب عدم الاستطاعة حينئذٍ، أو لسبب آخر- غير العمل للدنيا-. المهم أن لا يتأثر العامل بذلك تأثراً عكسياً؛ وحينئذٍ، فإنّ له أجراً، سواء استطاع، أو ظن أنه لا يستطيع، أو عجز عن الاستطاعة، ما دام أنه لا يتأثر بذلك العرَض أو العارض الماديّ.

13-

إذا ذهب حظ النفس الدنيوي في عمل الخير جاء الإخلاص، وإذا انضم

ص: 48

إليه الصواب اكتمل النصاب. أي أن حظوظ النفس المنافية لإخلاص الأعمال، هي المحبطة لها، كما أنّ عدم إصابة الحق، أو الحكم الشرعيّ، مفسدٌ للأعمال؛ وإذا سَلِم العمل من هذين العارضين أصبح عملاً مقبولاً. وبقياس الإنسان لأعماله في الأمر الأول منهما"1" يتبيّن له مدى إخلاصه.

14-

بالمقارنة بين موقفك من الغيب وموقفك من عالم الشهادة تستطيع أن تقيس إخلاصك، أي بنظرك إلى نفسك في موقفها من اليقين بالغيب الذي أخبرك الله به، وموقفها من اليقين بالمشاهَد المحسوس لها، تستطيع أن تعرف مدى يقينك المقتضي للإخلاص.

15-

بالمقارنة بين قدر استجابتك للرغبة في الخير وفي الأجر والثواب، وقدر استجابتك للرغبة في الدنيا تستطيع أن تعرف حقيقة إخلاصك، فمثلا: إذا كانت الصلاة في مسجد النبي صلى الله عليه وسلم بألف صلاة، وأنت في المدينة، وبإمكانك الصلاة فيه-وليس أمامك عوارض شرعية مانعة لك في بعض الصلوات أن تصلي فيه، أو مقتضيات شرعية أخرى يتطلب الفقه في الدين مراعاتها، كالانشغال بواجب أو طاعة أولى من ذلك في ذلك الوقت-فبالنظر حينئذٍ في مقدار استجابتك للرغبة في أجر الصلاة في الحرم، والنظر إلى مقدار استجابتك للموقف ذاته لو كان لك في مكان الأجر عند الله أجراً أو مكسباً عند الناس؛ كما لو كان الافتراض أن يكون لك في مكان الألف صلاة ألف ريال مثلا، فعندها

(1) وَفْق الضوابط التي مضى الحديث عنها في مواضعها مِن هذا الموضوع.

ص: 49

ستعلم من نفسك ما موقفك في كلٍ، وما الفرق بين الموقفين؟ وما مقدار يقينك وإخلاصك ورغبتك في ثواب الله وفي الدار الآخرة!!

وتذكّر حديث أبي هريرة رضي الله عنه في الهم بتحريق المتخلفين عن صلاة الجماعة، وفيه "وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَوْ يَعْلَمُ أَحَدُهُمْ أَنَّهُ يَجِدُ عَرْقاً سَمِيناً أَوْ مِرْمَاتَيْنِ حَسَنَتَيْنِ لَشَهِدَ الْعِشَاءَ""1".

فالإخلاص دافع قوي لفعل شيء لله أو ترك شيء لله، فإذا ما راقبت نفسك في هذا، تستطيع أن تتعرف على حقيقة إخلاصك لله.

وقد تشتد دلالة ما تفعله لله أو تركه لله عند وجود العوارض القوية الصارفة عن الفعل أو عن الترك التي ليست معتبرةً شرعاً.

والانتصار على العوارض القاطعة عن الله تعالى من علامات التوفيق والإخلاص وكذلك الانتصار على العوارض القاطعة عن الطاعات، حينما لا تكون مراعاتها مطلوبة شرعا، أو لا تكون عذرا شرعيا.

16-

من علامات الإخلاص أن يستوي حالك في العمل لله تعالى عندما تكون خاليا، وعندما تكون مع الناس، بل تكون في الخلوة أكثر اجتهادا في الخير وفي الطاعة.

17-

من مقاييس الإخلاص، أن تنظر إذا عملت طاعة لله تعالى خاليا، ثم اطلع عليك بعض الناس، هل يسرك ذلك افتخارا وشهرة عند الناس أم لا؟ فإنك بهذا تعرف مدى إخلاصك في هذه الطاعة لله تعالى.

(1) البخاري، ح608، الأذان.

ص: 50

18-

من علامات الإخلاص، أن يحيك الإثم في نفسك، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لنَوَّاسِ بْنِ سَمْعَانَ:"الْبِرُّ حُسْنُ الْخُلُقِ وَالإِثْمُ مَا حَاكَ فِي نَفْسِكَ وَكَرِهْتَ أَنْ يَطَّلِعَ عَلَيْهِ النَّاسُ""1"؛ فهذا علامةٌ على الإثم، وعلامةٌ على الإخلاص أيضاً؛ لأنه ليس كل الناس يحيك الإثم في صدره بحيث يمنعه من ارتكابه.

19-

من علامات الإخلاص لهذا الدين، أن يسعى المرء في تعلم العلم الشرعي، وأن يتعلم كل ما يحتاجه الإنسان لمعرفة دينه وعبادة ربه.

20-

من علامات الإخلاص في العمل، أن تحاسب نفسك على أجرة العمل، ومتى ما رأيت رجلا يأخذ الأجرة ولا يحاسب نفسه على ذلك العمل وعلى أدائه له على أحسن وجه، وعلى تحقيقه للغرض المطلوب من وراء ذلك العمل، فاعلم أنه غير مخلص، وبمثل هذا تضيع الأمة، فاحذر أن تكون من هذا الصنف، فإنهم أعداء أنفسهم وأعداء الأمة معا، شعروا بهذا أم لم يشعروا، ولا عبرة بمن مات شعوره، ومات قلبه، نسأل الله السلامة والعافية.

21-

بإمكانك التعرف على حقيقة إخلاصك في كل حالة من حالات هذه الحياة، ولا سيما في الحالات الآتية"2":

- إذا خلوت.

- وإذا غضبت.

(1) مسلم، ح4633، في البر والصلة. وفي ح4632 قال:((في صدرك)) .

(2)

الرحيلي، "الأخلاق الفاضلة، قواعد ومنطلقات لاكتسابها"، الرياض، ط. الأولى 1417هـ.

ص: 51

- وإذا قدرت.

- وإذا احتجت.

- وإذا استغنيت.

- وإذا طمعت.

فإن النفس في هذه الأحوال تعود تلقائيا إلى سجيتها، وتنكشف لك حقيقتها، فأما المخلص لله فإن إخلاصه يمنعه من الخروج عن طاعة الله، مهما كانت حاله، ومهما كانت ظروفه، وأما من فقد الإخلاص أو ضعف عنده الإخلاص، فإنه يستجيب لمطالب هواه، ونفسه الأمارة بالسوء، ويقع أسيراً لظرفه. والأمر يحتاج إلى مراقبة ومجاهدة. وقد جاء في أوصاف المنافق: "

وإذا خاصم فجر" "1".

22-

من علامات الإخلاص، أن تحاسب نفسك على مقدار الجهد والهم والتفكير الذي تبذله ابتغاء وجه الله تعالى والدار الآخرة، في مقابل ما تبذله لمطالب الدنيا البحتة -وإن أردت بها النية الصالحة- وأن تحاسب نفسك على مقدار ما تبذله من جهد، وهم، وتفكير، في نصرة الإسلام والمسلمين، والدعوة إلى هذا الدين، في مقابل ما تبذله من ذلك لمطالبك الخاصة.

والقاعدة الصحيحة، والتي لا يشك فيها مؤمنان -ولو نظرياً، لا عملياً- هي: أن الحياة الآخرة هي الحياة، وأن الحياة الدنيا في مقابلها ليست بشيء، وإنما هي متاع الغرور.

وعلى هذا الأساس تستطيع أن تتعرف على نفسك، وعلى حقيقة إخلاصك ودرجته، وذلك بالنظر إلى الذي أخلصت له عملك أكثر،

(1) البخاري، ح 33، الإيمان، ومسلم، ح88، الإيمان.

ص: 52

وبذلت له همك وجهدك أكثر، وتتعرف على حقيقة زَهْوِك بالدعوة إلى الله تعالى، وإياك والتماس الأعذار لنفسك فإنها كثيرة، ولكن لا يثبت منها إلا القليل، أو لا يكاد أن يثبت منها شيء عند الله تعالى.

23-

من علامات الإخلاص في العمل، أن يستوي معه حال العامل على الإخلاص في حال وجود الرقيب والرئيس مثلا، وفي غيابه، فلا يختلف نصحا وزيادة ونقصا بوجود المشرف والرقيب، ولا بغيابه.

ومن علامات الإخلاص في العمل أن لا يتمنى العامل أن يطلع عليه من له إليه حاجة.

24-

من علامة الإخلاص في أعمال الخير والدعوة، أن يستوي عند العامل تحقق نتائج الأعمال على يديه، أو على يدي أخيه المسلم، لأن هذا هو المقصود، اللهم إلا أن يتمنى أن تتحقق على يديه على سبيل الغبطة ومحبة الخير، ومن شأن هذا أن لا يتأثر تأثرا سلبيا من ظهور النتائج المرجوة على يد غيره من المسلمين، وأن لا يكون عائقا لظهورها على يد غيره، بل يسره أن يحقق الله تعالى الخير على يد إخوانه المسلمين.

25-

ليس من الإخلاص أن يعمل الإنسان عمل الخير لأجل حَمْدِ الناس، أو لأجل الشهرة، وما إلى ذلك، وقد قال صلى الله عليه وسلم: "

فمن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه" "1".

26-

من علامات الإخلاص، قبول الحق ممن جاء به، وعدم رفض الحق

(1) البخاري، ح1، بدء الوحي.

ص: 53

لأي سبب من الأسباب.

27-

ومن علامات الإخلاص، الاعتراف للآخرين بما فيهم من فضل.

28-

ليس من الإخلاص، أن يعرض الداعية دعوته من خلال الإكثار من الحديث عن إنجازاته الدعوية، وتجاربه الطويلة في الدعوة وأعمال الخير، من غير مقتض شرعي لذلك.

29-

من علامات عدم الإخلاص، عدم الثبات في مواجهة الضغوط، والمحن، والشدائد، ومغريات الحياة، الصارفة عن عمل الخير والدعوة إليه، والثبات عليه.

30-

ليس من الإخلاص أن يتطلع العامل والداعية إلى الريادة والصدارة والرئاسة، من غير مقتضٍ شرعيٍّ مؤكَّد.

31-

ليس من الإخلاص ادّعاء الإخلاص، من غير مقتضٍ شرعي، ولا سيما نشْره على الملأ، في الصحف وسائر وسائل الإعلام، ككتابة الأسماء: "طبع على نفقة المحسن الكبير

" "مَبَرَّة فلان أو المحسن الكبير

". إلى آخر أمثال هذه العبارات، ولابدّ من التنبيه هنا إلى أنه قد يقع في هذا النوع من مظاهر الرياء-في الغالب- مَن لا يَقصده؛ فليس كل مَن صَدرت منه مثل هذه العبارات يكون قد وقع في الرياء حقيقةً؛ ومِن ثم لا يَصحُّ لك التجاسر بالحكم على الناس بالرياء والقطع به عليهم في مثل هذه الأحوال، وإنما فائدة معرفة هذه الحقيقة الحذر مِن الوقوع في ذلك، والتحذير منه.

ص: 54

32-

من علامات الإخلاص، أن يحاسب الإنسان نفسه على حقوق الآخرين، وعلى مصالحهم، وأن لا يسعى في تحقيق مصالحه، ولو على حساب الآخرين، فمن علامات الإخلاص النصح لكل مسلم، وإيثاره على نفسه إن أمكن.

33-

من علامات الإخلاص، القيام بالواجب الشرعي فيما يتعلق بالنصيحة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، والنقد البنَّاء، وفق أحكام الشريعة ومصالحها، بغض النظر عن رضَا الناس، وسخطهم، قربهم وبعدهم.

فالإخلاص يقتضي النقد البنَّاء: نصحاً للمنقود، وحباً للخير، ولا سيما إذا كان الإنسان في مكان العالم، أو في مكان الطالب، أو في مكان المرءوس أو في نحوها من الحالات التي قد تستدعي أن يضعف الإنسان أمام مصالحه القريبة أو الغريبة، عن القيام بواجب النصح.

34-

ليس من الإخلاص عدم إبداء الرأي في موضعه، أو عدم النصيحة في موضعها، أو عدم الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر، خوفا من شيء ما من دون الله تعالى، أو طمعا في شيء ما عند غير الله تعالى. وليس من الإخلاص أن ترى المرء يداهن في آرائه.

وليس من الإخلاص، إبداء الرأي أو الكلمة ليس وفق قناعة المرء ووفق ما يقتضيه الإخلاص، وإنما لأمور أخرى تنافي الإخلاص: كالرغبة في معارضة فلان من الناس.

أو الحرص على الظهور.

أو إثبات المرء وجوده.

ص: 55

أو أي سبب آخر غير الإخلاص.

35-

مِن علامات الإخلاص في التربية والتعليم أن يُطَبِّق قول الإمام النووي في هذا الباب: "وينبغي أن يُشْفق على الطالب، ويعتني بمصالحه كاعتنائه بمصالح ولده ومصالح نفسه، ويُجري المتعلمَ مجرى ولده في الشفقة عليه، والصبر على جفائه، وسوء أدبه، ويعذره في قلة أدبه في بعض الأحيان، فإن الإنسان معرّض للنقائص، لا سيما إن كان صغير السن""1".

36-

من علامة الإخلاص الخوف من النفاق والرياء، قال ابن أبي مليكة:"أدركت ثلاثين من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم،كلهم يخاف النفاق على نفسه، ما منهم أحد يقول: إنه على إيمان جبريل وميكائيل". وقال الحسن: "ما خافه إلا مؤمن، ولا أَمِنَهُ إلا منافق""2".

(1) التبيان، للنووي: 23-24.

(2)

البخاري: 2- الإيمان، 37 - باب خوف المؤمن أن يحبط عمله وهو لا يشعر. وقد ذكر الأثرين بصيغة الجزم.

ص: 56