الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
الثواب، ولكنه ينقص، ويعاقب على مقدار قصد الرياء، ويثاب على مقدار قصد الثواب، وحديث:"أنا أغنى الشركاء عن الشرك"، محمول على ما إذا تساوى القصدان، أو أَنّ قصْد الرياء أرجح.
* وأما المراءَى به، وهو الطاعات: فيقسم إلى الرياء بأصول العبادات، وإلى الرياء بأوصافها، وهو ثلاث درجات:
- الرياء بالإيمان، وهو إظهار كلمة الشهادة، وباطنُهُ مكذِّبٌ؛ فهو مخلّد في النار في الدرك الأسفل منها، وفي هؤلاء أنزل الله تعالى:{إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} "1".
- وقريبٌ منهم الباطنية، الذين يُظهرون الموافقة في الاعتقاد ويبطنون خلافه، ومنهم الرافضة أهل التقيّة الذين يظهرون لكل فريق أنهم منهم، تقيّةً.
- والرياء بالعبادات كما قدّمناه، وهذا إذا كان الرياء في أصل المقصد، وأما إذا عرض الرياء بعد الفراغ من فعل العبادة لم يؤثر فيه، إلا إذا ظهر العمل للغير وتحدّث به.
وقد أخرج الديلمي مرفوعاً: "إن الرجل ليعمل عملاً سراً فيكتبه الله عنده سراً، فلا يزال به الشيطان حتى يتكلم به؛ فيمحى من السر والعلانية، وكتب رياءً".
(1) 1: المنافقون:63.
حكم العبادة إذا طرأَ عليها الرياء:
وأما إذا قارن باعث الرياء باعث العبادة، ثم ندم في أثناء العبادة فأوجب البعض من العلماء الاستئناف؛ لعدم انعقادها، وقال بعضهم: يلغو
* جميع ما فعله إلا التحريم، وقال بعض: يصح؛ لأن النظر إلى الخواتيم، كما لو بدأ بالإخلاص وصحبه الرياء من بعده.
قال الغزالي: القولان الأخيران خارجان عن قياس الفقه.
وقد أخرج الواحدي في أسباب النزول جواب جندب بن زهير لَمّا قال للنبي صلى الله عليه وسلم: إني أعمل العمل لله، وإذا اطّلع عليه سرّني، فقال صلى الله عليه وسلم:"لا شريك لله في عبادته"، وفي رواية:"إن الله لا يقبل ما شورك فيه"، رواه ابن عباس.
وروي عن مجاهد أنه جاء رجل إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال: إني أتصدق وأصل الرحم، ولا أصنع ذلك إلا لله، فيُذكَر ذلك منّي، وأُعجب به. فلم يقل النبي صلى الله عليه وآله وسلم له شيئاً حتى نزلت الآية، يعني قوله تعالى:{فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلا صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً} "1".
ففي الحديث دلالة على أن السرور بالاطلاع على العمل رياء، ولكنه يُعارضه ما أخرجه الترمذي من حديث أبي هريرة- وقال: حديث غريب"2"- قال: "قلت: يا رسول الله بينا أنا في بيتي في صلاتي إذْ دخل عليّ رجل؛ فأعجبني الحال التي رآني عليها. فقال رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: لك أجران""3".
وفي الكشاف من حديث جندب أنه صلى الله تعالى عليه وآله وسلم قال له: "لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية".
(1) 110: الكهف: 18.
(2)
وهذا حكْمٌ منه على الحديث بالضعف، بحسب اصطلاح الترمذي الذي دلَّ عليه الاستقراء. وبناءً على هذا؛ فإنه لا يُبْنى على الحديث الضعيف الأحكام؛ لكن الحديث عند ابن ماجه سنده لا بأس به.
(3)
ابن ماجه، 4226، الزهد. بنحوه.
وقد رجح هذا الظاهر قوله تعالى: {وَمِنْ الأَعْرَابِ مَنْ يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ وَيَتَّخِذُ مَا يُنفِقُ قُرُبَاتٍ عِنْدَ اللَّهِ وَصَلَوَاتِ الرَّسُولِ أَلا إِنَّهَا قُرْبَةٌ لَهُمْ سَيُدْخِلُهُمْ اللَّهُ فِي رَحْمَتِهِ} "1".
فدل على أن محبة الثناء من رسول الله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم، لا تنافي الإخلاص، ولا تُعدّ من الرياء.
ويُتأول الحديث الأول بأن المراد بقوله: "إذا اطُّلع عليه سرّني"، لمحبته الثناء عليه، فيكون الرياء في محبته للثناء على العمل، وإن لم يخرج العمل عن كونه خالصاً، وحديث أبي هريرة ليس فيه تعرّضٌ لمحبته الثناء من المطلع عليه، وإنما هو مجرد محبة لما يصدر عنه وعَلِم به غيره.
ويحتمل أن يراد بقوله: فيعجبه. أي يعجبه شهادة الناس له بالعمل الصالح؛ لقوله صلى الله تعالى عليه وآله وسلم: "أنتم شهداء الله في الأرض""2".
وقال الغزالي: وأما مجرد السرور باطّلاع الناس إذا لم يبلغ أمره بحيث يؤثِّر في العمل، فبعيدٌ أن يُفسد العبادة""3".
(1) 99: التوبة: 9.
(2)
في البخاري، 1367، الجنائز: أَنَس بْنَ مَالِكٍ ?: قال: مَرُّوا بِجَنَازَةٍ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا خَيْراً، فَقَالَ النَّبِيُّ ?:(وَجَبَتْ) . ثُمَّ مَرُّوا بِأُخْرَى؛ فَأَثْنَوْا عَلَيْهَا شَرّاً؛ فَقَالَ: (وَجَبَتْ) . فَقَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، ?: مَا وَجَبَتْ؟. قَالَ: (هَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ خَيْراً؛ فَوَجَبَتْ لَهُ الْجَنَّةُ، وَهَذَا أَثْنَيْتُمْ عَلَيْهِ شَرّاً؛ فَوَجَبَتْ لَهُ النَّارُ؛ أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ) . وأخرجه مسلم، 949، الجنائز، وقال في آخره: (
…
أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ، أَنْتُمْ شُهَدَاءُ اللَّهِ فِي الأَرْضِ) .
(3)
سبل السلام: 4/366-369. والعناوين الفرعية مِن عملي، لا مِن كلام الصنعاني.