الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
[1984]
(لَيْسَ عَلَى النِّسَاءِ الْحَلْقُ) أَيْ لَا يَجِبُ عَلَيْهِنَّ الْحَلْقُ فِي التَّحَلُّلِ إِنَّمَا عَلَى النِّسَاءِ التَّقْصِيرُ أَيْ إِنَّمَا الْوَاجِبُ عَلَيْهِنَّ التَّقْصِيرُ بِخِلَافِ الرِّجَالِ فَإِنَّهُ يَجِبُ عَلَيْهِمْ أَحَدُهُمَا وَالْحَلْقُ أَفْضَلُ كَذَا فِي الْمِرْقَاةِ وَفِي النَّيْلِ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمَشْرُوعَ فِي حَقِّهِنَّ التَّقْصِيرُ وَقَدْ حَكَى الْحَافِظُ الْإِجْمَاعَ عَلَى ذَلِكَ
قَالَ جُمْهُورُ الشَّافِعِيَّةِ فَإِنْ حَلَقَتْ أَجْزَأَهَا
قَالَ الْقَاضِي أَبُو الطَّيِّبِ وَالْقَاضِي حُسَيْنٌ لَا يَجُوزُ
وَقَدْ أَخْرَجَ التِّرْمِذِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَلِيٍّ رضي الله عنه نهى أن تحلق المرأة رأسها
وحديث بن عَبَّاسٍ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ وَالطَّبَرَانِيُّ وَقَدْ قَوَّى إِسْنَادَهُ الْبُخَارِيُّ فِي التَّارِيخِ وَأَبُو حاتم في العلل وحسنه الحافظ وأعله بن القطان ورد عليه بن المواق فأصاب
قاله الشوكاني
0 -
(باب العمرة)
[1986]
هِيَ فِي اللُّغَةِ بِمَعْنَى الزِّيَارَةِ وَفِي الشَّرْعِ عِبَارَةٌ عَنْ أَفْعَالٍ مَخْصُوصَةٍ هِيَ الطَّوَافُ وَالسَّعْيُ دون الوقوف بعرفة ودون المبيت بمزدلفة
(عن بن جريج عن عكرمة) وأخرجه بن خُزَيْمَةَ مِنْ طَرِيقِ مُحَمَّدِ بْنِ بَكْرٍ عَنِ بن جُرَيْجٍ قَالَ قَالَ عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ
وَفِي صحيح البخاري من طريق بن جريج أن عكرمة بن خالد سأل بن عُمَرَ عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ فَقَالَ لَا بأس
قال عكرمة قال بن عمر اعتمر النبي قَبْلَ أَنْ يَحُجَّ
قَالَ الْبُخَارِيُّ وَقَالَ إِبْرَاهِيمُ بن سعد عن بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنِي عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ سَأَلْتُ بن عُمَرَ مِثْلَهُ
وَعِنْدَ أَحْمَدَ فِي مُسْنَدِهِ
من طريق يعقوب بن إبراهيم عن بن إِسْحَاقَ حَدَّثَنَا عِكْرِمَةُ بْنُ خَالِدٍ قَالَ قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ فِي نَفَرٍ مِنْ أَهْلِ مَكَّةَ فَلَقِيتُ عَبْدَ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ فَقُلْتُ إِنَّا لَمْ نَحُجَّ قَطُّ أَفَنَعْتَمِرُ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ نَعَمْ وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ فَقَدِ اعْتَمَرَ رَسُولُ الله عُمَرَهُ كُلَّهَا قَبْلَ حَجِّهِ قَالَ فَاعْتَمَرْنَا
كَذَا فِي فَتْحِ الْبَارِي
[1987]
(لِيَقْطَعَ) وَلِيُبْطِلَ (بِذَلِكَ) أَيْ بِاعْتِمَارِهَا فِي ذِي الْحِجَّةِ (أَمْرَ أَهْلِ الشِّرْكِ) الَّذِينَ يَرَوْنَ أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ أَفْجَرُ الْفُجُورِ فِي الْأَرْضِ وَيَجْعَلُونَ الْمُحَرَّمَ صَفَرًا وَهَذَا مِنْ تَحَكُّمَاتِهِمُ الْبَاطِلَةِ الْمَأْخُوذَةِ مِنْ غَيْرِ أَصْلٍ (وَمَنْ دَانَ دِينَهُمْ) أَيْ تَعَبَّدَ بِدِينِهِمْ وَتَدَيَّنَ بِهِ (إِذَا عَفَا) أَيْ كَثُرَ يُقَالُ عفى الْقَوْمُ إِذَا كَثُرَ عَدَدُهُمْ وَمِنْهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حتى عفوا (الْوَبَرْ) بِفَتْحِ الْوَاوِ وَالْبَاءِ أَيْ وَبَرُ الْإِبِلِ الذي حلق بِالرِّحَالِ
وَلَفْظُ الشَّيْخَيْنِ يَقُولُونَ إِذَا عَفَا الْأَثَرْ أَيِ انْدَرَسَ أَثَرُ الْإِبِلِ وَغَيْرِهَا فِي سَيْرِهَا وَيُحْتَمَلُ أَثَرُ الدَّبَرِ (وَبَرَأَ الدَّبَرْ) بِفَتْحِ الْمُهْمَلَةِ وَالْمُوَحَّدَةِ أَيْ مَا كَانَ يَحْصُلُ بِظُهُورِ الْإِبِلِ مِنَ الْحَمْلِ عَلَيْهَا وَمَشَقَّةِ السَّفَرِ فَإِنَّهُ كَانَ يَبْرَأُ بَعْدَ انْصِرَافِهِمْ مِنَ الْحَجِّ كَذَا فِي الْفَتْحِ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَهَذِهِ الْأَلْفَاظُ تُقْرَأُ سَاكِنَةَ الرَّاءِ لِإِرَادَةِ السَّجْعِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ طَرَفًا مِنْهُ وَلَمْ يُخْرِجَا قِصَّةَ عَائِشَةَ فِي الْعُمْرَةِ وَحَدِيثُ أَبِي دَاوُدَ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
[1988]
(أَخْبَرَنِي رَسُولُ مَرْوَانَ الَّذِي) صِفَةُ رَسُولٍ (أُرْسِلَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (إِلَى أُمِّ مَعْقِلٍ) وَالْمُرْسِلُ بِكَسْرِ السِّينِ هُوَ مَرْوَانُ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لَفْظُ الَّذِي صِفَةُ مَرْوَانَ وَلَفْظُ أَرْسَلَ بِصِيغَةِ الْمَعْلُومِ وَفَاعِلُهُ مروان وهذا احتمال قوي وتؤيده رواية بن مَنْدَهْ مِنْ طَرِيقِ أَبِي عَوَانَةَ وَفِيهَا الَّذِي أَرْسَلَهُ إِلَى أُمِّ مَعْقِلٍ (فَلَمَّا قَدِمَ) أَبُو مَعْقِلٍ (قَالَتْ أُمُّ مَعْقِلٍ) لِزَوْجِهَا أَبِي مَعْقِلٍ (قَدْ عَلِمْتَ) بِصِيغَةِ الْخِطَابِ (أَنَّ عَلَيَّ حَجَّةٌ) أَيْ بِإِرَادَةِ حَجٍّ لِي كَانَتْ مَعَ رَسُولِ الله لَكِنْ مَا قُدِّرَ لِيَ
الحج مع النبي وَفَاتَنِي وَحَصَلَ لِيَ الْحُزْنُ وَالتَّأَسُّفُ عَلَى فَوْتِ الْمَعِيَّةِ الَّتِي كَانَتْ بَاعِثَةً لِكَثْرَةِ الثَّوَابِ وَتُؤَيِّدُهُ رِوَايَةُ النَّسَائِيِّ وَلَفْظُهُ أَنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ جَعَلَتْ عليها حجة معك وعند بن مَنْدَهْ أَيْضًا جَعَلَتْ عَلَى نَفْسِهَا حَجَّةً مَعَكَ فَلَمْ يَتَيَسَّرْ لَهَا ذَلِكَ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّ عَلَيَّ حَجَّةً فَرْضًا أَوْ نَذْرًا فَلَا يَدُلُّ الْحَدِيثُ عَلَى إِجْزَاءِ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ عَنِ الْحَجِّ وَأَنَّهُ يَسْقُطُ بِهَا الْفَرْضُ عَنِ الذِّمَّةِ بَلِ الْمُرَادُ أَنَّ ثَوَابَ الْعُمْرَةِ فِي رَمَضَانَ كثواب الحج مع رسول الله وَهَذَا التَّأْوِيلُ هُوَ الْمُتَعَيَّنُ
وَلَا شَكَّ أَنَّ رُوَاةَ هَذَا الْحَدِيثِ لَمْ يُتْقِنُوا أَلْفَاظَ الْحَدِيثِ وَلَمْ يَحْفَظُوهَا بَلِ اخْتَلَطُوا وَغَيَّرُوا الْأَلْفَاظَ وَاضْطَرَبُوا فِي الْإِسْنَادِ وَفِيهِ ضَعِيفٌ وَمَجْهُولٌ (حَتَّى دَخَلَا عليه) أي على النبي (إِنَّ عَلَيَّ حَجَّةً) تَقَدَّمَ تَأْوِيلُهُ (بَكْرًا) بِالْفَتْحِ الْفَتِيُّ مِنَ الْإِبِلِ (صَدَقَتْ) زَوْجَتِي أُمُّ مَعْقِلٍ (جَعَلْتُهُ) الْبَكْرَ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) أَيِ الْغَزْوِ وَالْجِهَادِ (عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى الْبَكْرِ (فَإِنَّهُ) الْحَجُّ (فِي سَبِيلِ اللَّهِ) كَمَا أَنَّ الْجِهَادَ فِي سبيل الله
قال الخطابي فِيهِ مِنَ الْفِقْهِ جَوَازُ إِحْبَاسِ الْحَيَوَانِ وَفِيهِ أَنَّهُ جَعَلَ الْحَجَّ مِنَ السَّبِيلِ
وَقَدِ اخْتَلَفَ الناس في ذلك فكان بن عَبَّاسٍ لَا يَرَى بَأْسًا أَنْ يُعْطِيَ الرَّجُلُ مِنْ زَكَاتِهِ فِي الْحَجِّ وَرُوِيَ مِثْلُ ذَلِكَ عن بن عُمَرَ وَكَانَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَإِسْحَاقُ يَقُولَانِ يُعْطِي مِنْ ذَلِكَ الْحَجَّ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَسُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ وَالشَّافِعِيُّ لَا تُصْرَفُ الزَّكَاةُ إلى الحج وسهم السبيل عندهم الْغُزَاةُ وَالْمُجَاهِدُونَ انْتَهَى
وَقَالَ الْمُنْذِرِيُّ قَالَ التِّرْمِذِيُّ وَحَدِيثُ أُمِّ مَعْقِلٍ حَسَنٌ غَرِيبٌ مِنْ هَذَا الْوَجْهِ انْتَهَى
وَقَدْ رُوِيَ مِنْ حَدِيثِ أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ وَهُوَ الْأَسَدِيُّ وَيُقَالُ الْأَنْصَارِيُّ وَحَدِيثُ أُمِّ مَعْقِلٍ فِي إِسْنَادِهِ رَجُلٌ مَجْهُولٌ وَفِي إِسْنَادِهِ أَيْضًا إِبْرَاهِيمُ بْنُ مُهَاجِرٍ الْبَجْلِيُّ الْكُوفِيُّ وَتَكَلَّمَ فِيهِ غير واحد
وقد اختلف على أَبِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ فِيهِ فَرُوِيَ فيه عنه كما ها هنا وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أُمِّ مَعْقِلٍ بِغَيْرِ وَاسِطَةٍ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أَبِي مَعْقِلٍ كَمَا ذَكَرْنَا
وَقَدْ أَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا مِنْ حديث بن عباس قال قال رسول الله لامرأة من الأنصار سماها بن عَبَّاسٍ فَنَسِيتُ اسْمَهَا مَا مَنَعَكِ أَنْ تَحُجِّي مَعَنَا قُلْتُ لَمْ يَكُنْ لَنَا إِلَّا نَاضِحَانِ فَحَجَّ أَبُو وَلَدِهَا وَابْنُهَا عَلَى نَاضِحٍ وَتَرَكَ لَنَا نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ
قَالَ فَإِذَا جَاءَ رَمَضَانُ فَاعْتَمِرِي فَإِنَّ عُمْرَةً فِيهِ تَعْدِلُ حَجَّةً وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ فَإِنَّ عُمْرَةً فِي رَمَضَانَ حَجَّةٌ أَوْ نَحْوًا مِمَّا قَالَ وَسَمَّاهَا فِي رِوَايَةِ مسلم أم
سِنَانٍ
وَفِيهِ قَالَ جَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ فقال رسول الله أَعْطِهَا فَلْتَحُجَّ عَلَيْهِ فَعُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَقْضِي حَجَّةً أَوْ حَجَّةً مَعِي انْتَهَى كَلَامُ الْمُنْذِرِيِّ (إِنِّي امْرَأَةٌ قَدْ كَبِرْتُ) مِنْ بَابِ سَمِعَ أَيْ مِنْ طُولِ عُمُرِي (وَسَقِمْتُ) الْآنَ فَمَا أَدْرِي مَتَى أَحُجُّ (فَهَلْ مِنْ عَمَلٍ يُجْزِئُ) أي يكفي (عني من حجتي) معك (تجزىء حَجَّةً) مَعِي
[1989]
(الْأَسَدِيِّ أَسَدِ خُزَيْمَةَ) الْأَسَدِيُّ مَنْسُوبٌ إِلَى أَسَدٍ وَالْأَسَدُ كَثِيرُونَ لَكِنْ أُمُّ مَعْقِلٍ هِيَ مَنْسُوبَةٌ إِلَى أَسَدِ بْنِ خُزَيْمَةَ بْنِ مُدْرِكَةَ بْنِ إِلْيَاسَ بْنِ مُضَرَ أَبِي قَبِيلَةٍ عَظِيمَةٍ مِنْ مُضَرَ الْحَمْرَاءِ قَالَهُ فِي تَاجِ الْعَرُوسِ (فَجَعَلَهُ أَبُو مَعْقِلٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ) وَلَمْ يَكُنْ لِي غَيْرُ هَذَا الْجَمَلِ فَكَانَ هَذَا هُوَ السَّبَبُ لِفَوْتِ حَجَّتِي مَعَ رَسُولِ الله (وَأَصَابَنَا مَرَضٌ) بَعْدَ ذَلِكَ (وَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ) بعد رجوعه مع النبي وليس المراد أنه مات قبل خروجه إِلَى الْحَجِّ فَالْعِبَارَةُ فِيهَا تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ قَالَتْ لَنَا نَاضِحٌ فَرَكِبَهُ أَبُو فُلَانٍ وَابْنُهُ وَتَرَكَ نَاضِحًا نَنْضَحُ عَلَيْهِ
وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ قَالَتْ نَاضِحَانِ كَانَا لِأَبِي فُلَانٍ زَوْجِهَا حَجَّ هُوَ وَابْنُهُ عَلَى أَحَدِهِمَا وَكَانَ الْآخَرُ يسقي عليه غلامنا (فلما فرغ) النبي (مِنْ حَجِّهِ) وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ (جِئْتُهُ) أَيْ أَنَا إلى رسول الله (فقال) لي النبي (لَقَدْ تَهَيَّأْنَا) لِلْخُرُوجِ مَعَكَ فَلَمْ نَقْدِرْ عَلَى الْخُرُوجِ وَخَرَجَ أَبُو مَعْقِلٍ مَعَكَ (فَهَلَكَ أَبُو مَعْقِلٍ) بَعْدَ الْحَجِّ (فَأَوْصَى بِهِ) أَيْ جَعَلَهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (فَهَلَّا خَرَجْتِ عَلَيْهِ) أَيْ عَلَى ذَلِكَ الْجَمَلِ الْمُعَدِّ فِي سَبِيلِ اللَّهِ (فَإِنَّهَا) الْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ (كَحَجَّةٍ) مَعِي أَيْ في الثواب
(فَكَانَتْ تَقُولُ) أُمُّ مَعْقِلٍ (الْحَجُّ حَجَّةٌ وَالْعُمْرَةُ عُمْرَةٌ) تَعْنِي مَا هُمَا وَاحِدَةٌ فِي الْمَنْزِلَةِ فكيف جعل النبي عمرة رمضان كحجة (ولا شَكَّ (قَدْ قَالَ هَذَا) الْقَوْلَ أَيِ الْعُمْرَةُ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً (فَمَا أَدْرِي أَلِيَ خَاصَّةً) أَوْ لِجَمِيعِ الْأُمَّةِ عَامَّةً
قَالَ الْحَافِظُ في الفتح قال بن خُزَيْمَةَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ إِنَّ الشَّيْءَ يُشَبَّهُ بِالشَّيْءِ وَيُجْعَلُ عِدْلَهُ إِذَا أَشْبَهَهُ فِي بَعْضِ الْمَعَانِي لَا جَمِيعِهَا لِأَنَّ الْعُمْرَةَ لَا يُقْضَى بها فرض الحج ولا النذر
وقال بن بَطَّالٍ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْحَجَّ الَّذِي نَدَبَهَا إِلَيْهِ كَانَ تَطَوُّعًا لِإِجْمَاعِ الْأُمَّةِ عَلَى أن العمرة لا تجزىء عَنْ حَجَّةِ الْفَرِيضَةِ
فَالْحَاصِلُ أَنَّهُ أَعْلَمَهَا أَنَّ الْعُمْرَةَ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ الْحَجَّةَ فِي الثَّوَابِ لَا أَنَّهَا تَقُومُ مَقَامَهَا فِي إِسْقَاطِ الْفَرْضِ لِلْإِجْمَاعِ عَلَى أَنَّ الِاعْتِمَارَ لَا يُجْزِئُ عَنْ حَجِّ الْفَرْضِ
وَنَقَلَ التِّرْمِذِيُّ عَنْ إِسْحَاقَ بْنَ رَاهَوَيْهِ أَنَّ مَعْنَى الْحَدِيثِ نَظِيرُ مَا جَاءَ أن قل هو الله أحد تعدل ثلث القرآن
وقال بن الْعَرَبِيِّ حَدِيثُ الْعُمْرَةِ صَحِيحٌ وَهُوَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَنِعْمَتِهِ فَقَدْ أَدْرَكَتِ الْعُمْرَةُ مَنْزِلَةَ الْحَجِّ بانضمام رمضان إليها
وقال بن الْجَوْزِيِّ فِيهِ أَنَّ ثَوَابَ الْعَمَلِ يَزِيدُ بِزِيَادَةِ شَرَفِ الْوَقْتِ كَمَا يَزِيدُ بِحُضُورِ الْقَلْبِ وَبِخُلُوصِ الْقَصْدِ
وَقَالَ غَيْرُهُ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ عُمْرَةٌ فَرِيضَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةِ فَرِيضَةٍ وَعُمْرَةٌ نَافِلَةٌ فِي رَمَضَانَ كَحَجَّةِ نَافِلَةٍ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ لِبَرَكَةِ رَمَضَانَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ مَخْصُوصًا بِهَذِهِ الْمَرْأَةِ
قَالَ الْحَافِظُ الثَّالِثُ قَالَ بِهِ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ كَسَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ فَإِنَّهُ قَالَ ولا تعلم هَذَا إِلَّا لِهَذِهِ الْمَرْأَةِ وَحْدَهَا وَهَكَذَا وَقَعَ عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ مِنْ قَوْلِ أُمِّ مَعْقِلٍ وَالظَّاهِرُ حَمْلُهُ عَلَى الْعُمُومِ
انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ
وَقَالَ النَّمَرِيُّ أُمُّ طُلَيْقٍ لَهَا صُحْبَةٌ حَدِيثُهَا مَرْفُوعٌ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً فِيهَا نَظَرٌ
وَقَالَ أَيْضًا أُمُّ مَعْقِلٍ الْأَنْصَارِيَّةُ وَهِيَ أُمُّ طُلَيْقٍ لها كنيتان انتهى
قال الحافظ وزعم بن عَبْدِ الْبَرِّ أَنَّ أُمَّ مَعْقِلٍ هِيَ أُمُّ طُلَيْقٍ لَهَا كُنْيَتَانِ وَفِيهِ نَظَرٌ لِأَنَّ أَبَا معقل مات في عهد النبي وَأَبَا طُلَيْقٍ عَاشَ حَتَّى سَمِعَ مِنْهُ طَلْقُ بْنُ حَبِيبٍ وَهُوَ مِنْ صِغَارِ التَّابِعِينَ فَدَلَّ عَلَى تَغَايُرِ الْمَرْأَتَيْنِ انْتَهَى
قُلْتُ لِحَدِيثِ أُمِّ مَعْقِلٍ طُرُقٌ وَأَسَانِيدُ وَلَا يَخْلُو مِنَ الِاضْطِرَابِ في المتن والإسناد
وقد
ساق بعض أسانيد الْحَافِظُ فِي الْإِصَابَةِ فِي تَرْجَمَةِ أَبِي مَعْقِلٍ وَلِأَجْلِ دَفْعِ الِاضْطِرَابِ وَرَفْعِ التَّنَاقُضِ قَدْ أَوَّلْتُ فِي تَفْسِيرِ بَعْضِ الْأَلْفَاظِ كَمَا عَرَفْتَ
وَالْحَدِيثُ الصَّحِيحُ فِي هَذَا الْبَابِ مَا أَخْرَجَهُ الشَّيْخَانِ عن بن عَبَّاسٍ كَذَا فِي الشَّرْحِ
[1990]
(فَأَتَى) الرَّجُلُ (رَسُولَ الله) بعد ما رجع رسول الله مِنْ حَجَّتِهِ (إِنَّهَا سَأَلَتْنِي الْحَجَّ مَعَكَ) قَبْلَ أَنْ تَخْرُجَ (ذَاكَ) الْجَمَلُ (حَبِيسٌ) أَيْ وَقْفٌ (قال) النبي (أَمَا) بِفَتْحِ الْهَمْزَةِ وَفَتْحِ الْمِيمِ الْمُخَفَّفَةِ حَرْفُ التَّنْبِيهِ (وَإِنَّهَا أَمَرَتْنِي) عَطْفٌ عَلَى أَنَّهَا سَأَلَتْنِي
قَالَ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ وَالَّذِي يَظْهَرُ لِي أن حديث بن عَبَّاسٍ عِنْدَ الشَّيْخَيْنِ فِي قِصَّةِ امْرَأَةٍ مِنَ الْأَنْصَارِ وَأَنَّ حَدِيثَ أُمِّ مَعْقِلٍ عِنْدَ أَهْلِ السُّنَنِ أَنَّهُمَا قِصَّتَانِ وَقَعَتَا لِامْرَأَتَيْنِ وَوَقَعَتْ لِأُمِّ طُلَيْقٍ قِصَّةٌ مِثْلُ هَذِهِ أَخْرَجَهَا أَبُو عَلِيِّ بن السكن وبن مَنْدَهْ وَالدُّولَابِيُّ فِي الْكُنَى مِنْ طَرِيقِ طَلْقِ بْنِ حَبِيبٍ أَنَّ أَبَا طُلَيْقٍ حَدَّثَهُ أَنَّ امْرَأَتَهُ قَالَتْ لَهُ وَلَهُ جَمَلٌ وَنَاقَةٌ أَعْطِنِي جَمَلَكَ أَحُجَّ عَلَيْهِ قَالَ جَمَلِي حَبِيسٌ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قَالَتْ إِنَّهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَنْ أَحُجَّ عَلَيْهِ فَذَكَرَ الْحَدِيثَ وَفِيهِ فَقَالَ رسول الله صَدَقَتْ أُمُّ طُلَيْقٍ وَفِيهِ مَا يَعْدِلُ الْحَجَّ قَالَ عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ وَفِي الْقِصَّةِ الَّتِي في حديث بن عَبَّاسٍ مِنَ التَّغَايُرِ لِلْقِصَّةِ الَّتِي فِي حَدِيثِ غيره ولقوله في حديث بن عَبَّاسٍ إِنَّهَا أَنْصَارِيَّةٌ وَأَمَّا أُمُّ مَعْقِلٍ فَإِنَّهَا أَسَدِيَّةٌ انْتَهَى
وَقَدْ أَخْرَجَ النَّسَائِيُّ نَحْوَهُ مُخْتَصَرًا مِنْ رِوَايَةِ أَبِي مَعْقِلٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ وفيه ذكر العمرة في رمضان وأخرجه بن ماجه مختصرا
قال رسول الله عُمْرَةٌ فِي رَمَضَانَ تَعْدِلُ حَجَّةً انْتَهَى
[1991]
(اعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ) وَرَوَى سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ عَنِ الدَّرَاوَرْدِيِّ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ عَائِشَةَ أن النبي اعْتَمَرَ ثَلَاثَ عُمَرٍ عُمْرَتَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَعُمْرَةً فِي شَوَّالٍ
قَالَ الْحَافِظُ إِسْنَادُهُ قَوِيٌّ
وَقَدْ رَوَاهُ مَالِكٌ عَنْ هِشَامٍ عَنْ أَبِيهِ مُرْسَلًا لَكِنْ قَوْلُهَا فِي شَوَّالٍ مُغَايِرٌ لِقَوْلِ غَيْرِهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا بِأَنْ يَكُونَ وَقَعَ فِي آخِرِ شَوَّالٍ وَأَوَّلِ ذِي القعدة ويؤيده ما رواه بن مَاجَهْ بِإِسْنَادٍ صَحِيحٍ عَنْ مُجَاهِدٍ عَنْ عَائِشَةَ لم يعتمر رسول الله إِلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ بن القيم وظن بعض الناس أن النبي اعْتَمَرَ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ وَاحْتَجَّ بِمَا أَخْرَجَهُ أَبُو دَاوُدَ عَنْ عَائِشَةَ قَالُوا وَلَيْسَ الْمُرَادُ بِهَا ذِكْرُ مَجْمُوعِ مَا اعْتَمَرَهُ فَإِنَّ أَنَسًا وعائشة وبن عَبَّاسٍ وَغَيْرَهُمْ قَدْ قَالُوا إِنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَادَهَا بِهِ أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ مَرَّةً فِي ذِي الْقَعْدَةِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدِّين بْن الْقَيِّم رحمه الله لَمْ يَتَكَلَّم الْمُنْذِرِيُّ عَلَى هَذَا الْحَدِيث وَهُوَ وَهْم فَإِنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِر فِي شَوَّال قَطّ فَإِنَّهُ لَا رَيْب أَنَّهُ اِعْتَمَرَ عُمْرَة الْحُدَيْبِيَة وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَة ثُمَّ اِعْتَمَرَ مِنْ الْعَام الْقَادِم عُمْرَة الْقَضِيَّة وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَة ثُمَّ غَزَا غُزَاة الْفَتْح وَدَخَلَ مَكَّة غَيْر مُحْرِم ثُمَّ خَرَجَ إِلَى هَوَازِن وَحَرْب ثَقِيف ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مَكَّة فَاعْتَمَرَ مِنْ الْجِعْرَانَة وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَة ثُمَّ اِعْتَمَرَ مَعَ حَجَّته عُمْرَة قَرَنَهَا بِهَا وَكَانَ اِبْتِدَاؤُهَا فِي ذِي الْقَعْدَة وَسَيَأْتِي حَدِيث أَنَس بَعْد هَذَا فِي أَنَّ عُمْرَة صلى الله عليه وسلم كُلّهَا كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَة
وَقَدْ رَوَى مَالِك فِي الْمُوَطَّأ عَنْ هِشَام بْن عُرْوَة عَنْ أَبِيهِ أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِر إِلَّا ثَلَاثًا إِحْدَاهُنَّ فِي شَوَّال وَاثْنَتَيْنِ فِي ذِي الْقَعْدَة
وَهَذَا مُرْسَل عِنْد جَمِيع رُوَاة الموطأ
قال بن عَبْد الْبَرّ وَقَدْ رُوِيَ مُسْنَدًا عَنْ عَائِشَة وَلَيْسَ رُوَاته مُسْنَدًا مِمَّنْ يُذْكَر مَعَ مَالِك في صحة النقل
وقال بن شِهَاب اِعْتَمَرَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاث عُمَر اِعْتَمَرَ عَام الْحُدَيْبِيَة فَصَدَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة سِتّ وَاعْتَمَرَ مِنْ الْعَام الْمُقْبِل فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة سَبْع آمِنًا هُوَ وَأَصْحَابه ثُمَّ اِعْتَمَرَ الْعُمْرَة الثَّالِثَة فِي ذِي الْقَعْدَة سَنَة ثَمَان حِين أَقْبَلَ مِنْ الطَّائِف مِنْ الْجِعْرَانَة
وَرَوَى مَعْمَر عَنْ الزُّهْرِيِّ أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم اِعْتَمَرَ أَرْبَعًا فَذَكَرَ مِثْل هَذَا وَكَذَلِكَ فِي حَدِيث عَبْد اللَّه بْن عَمْرو وَغَيْره وَكَذَلِكَ ذَكَر مُوسَى بْن عُقْبَة وَزَادَ وَمِنْهُنَّ وَاحِدَة مَعَ حَجَّته وَكَذَلِكَ قَالَ جَابِر اِعْتَمَرَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاث عُمَر
كُلّهنَّ فِي ذِي الْقَعْدَة إِحْدَاهُنَّ زَمَن الْحُدَيْبِيَة وَالْأُخْرَى فِي
ومرة في شوال
قال بن الْقَيِّمِ وَهَذَا الْحَدِيثُ وَهْمٌ وَإِنْ كَانَ مَحْفُوظًا عَنْهَا فَإِنَّ هَذَا لَمْ يَقَعْ قَطُّ فَإِنَّهُ اعْتَمَرَ أَرْبَعَ عُمَرٍ بِلَا رَيْبٍ الْعُمْرَةُ الْأُولَى كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ عُمْرَةُ الْحُدَيْبِيَةِ ثُمَّ لَمْ يَعْتَمِرْ إِلَّا فِي الْعَامِ الْقَابِلِ عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَخْرُجْ إِلَى مَكَّةَ حَتَّى فَتَحَهَا سَنَةَ ثَمَانٍ فِي رَمَضَانَ وَلَمْ يَعْتَمِرْ ذَلِكَ الْعَامِ ثُمَّ خَرَجَ إِلَى حُنَيْنٍ وَهَزَمَ اللَّهُ أعداؤه فَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ وَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَكَانَ ذَلِكَ في ذي القعدة كما قال أنس وبن عَبَّاسٍ فَمَتَى اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ وَلَكِنْ لَقِيَ الْعَدُوَّ فِي شَوَّالٍ وَخَرَجَ فِيهِ مِنْ مَكَّةَ وَقَضَى عُمْرَتَهُ لَمَّا فَرَغَ مِنْ أَمْرِ الْعَدُوِّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ لَيْلًا وَلَمْ يَجْمَعْ ذَلِكَ الْعَامَ بَيْنَ عُمْرَتَيْنِ وَلَا قَبْلَهُ وَلَا بَعْدَهُ انتهى
قال بن الْقَيِّمِ وَقَوْلُهَا اعْتَمَرَ فِي شَوَّالٍ إِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا فَلَعَلَّهُ فِي عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ حِينَ خَرَجَ فِي شَوَّالٍ وَلَكِنْ إِنَّمَا أَحْرَمَ بِهَا في ذي القعدة وكذا له شَيْخُ مَشَايِخِنَا مُحَمَّدٌ إِسْحَاقُ الْمُحَدِّثُ الدَّهْلَوِيُّ فَقَالَ قَوْلُهَا عُمْرَةً فِي شَوَّالٍ هَذِهِ إِشَارَةٌ إِلَى عُمْرَةِ الْجِعْرَانَةِ الَّتِي وَقَعَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ لكن لما كان خروجه إِلَى حُنَيْنٍ فِي شَوَّالٍ وَكَانَ بَعْدَ رُجُوعِهِ مِنْ حُنَيْنٍ وُقُوعُ هَذِهِ الْعُمْرَةِ فِي هَذِهِ السَّنَةِ فِي هَذَا السَّفَرِ نَسَبَتْهَا إِلَى شَوَّالٍ وَإِنْ كَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ انْتَهَى
وَالْحَدِيثُ سَكَتَ عَنْهُ الْمُنْذِرِيُّ
[1992]
(مَرَّتَيْنِ) يُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ بن عُمَرَ لَمْ يَعُدَّ الْعُمْرَةَ الَّتِي قَرَنَهَا النَّبِيُّ بِحَجَّتِهِ وَلَمْ يَعُدَّ أَيْضًا عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ الَّتِي صد عنها (لقد علم بن عُمَرَ) كَأَنَّهَا نَسَبَتْهُ إِلَى نِسْيَانِهِ بَعْدَ عِلْمِهِ بأنها كانت
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
صُلْح قُرَيْش وَالْأُخْرَى فِي رَجْعَته مِنْ الطَّائِف وَمِنْ حُنَيْنٍ مِنْ الْجِعْرَانَة وَهَذَا لَا يُنَاقِض مَا رَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ جَعْفَر عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثَلَاث حِجَج قَبْل أَنْ يُهَاجِر وَحَجَّة بَعْد مَا هَاجَرَ مَعَهَا عُمْرَة فَإِنَّ جَابِرًا أَرَادَ عُمْرَته الْمُفْرَدَة الَّتِي أَنْشَأَ لَهَا سَفَرًا لِأَجْلِ الْعُمْرَة وَلَا يُنَاقِض هَذَا أيضا حديث بن عُمَر أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اِعْتَمَرَ عُمْرَتَيْنِ كَمَا سَيَأْتِي بَعْد هَذَا فَإِنْ كَانَ هَذَا مَحْفُوظًا عَنْ عَائِشَة أَنَّهُ اِعْتَمَرَ فِي شَوَّال فَلَعَلَّهُ عَرَضَ لَهَا فِي ذَلِكَ مَا عَرَضَ لِابْنِ عُمَر مِنْ قَوْله إِنَّهُ اِعْتَمَرَ فِي رَجَب وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَحْفُوظًا عَنْ عَائِشَة كَانَ الْوَهْم مِنْ عُرْوَة أَوْ مِنْ هِشَام وَاَللَّه أَعْلَم بَلْ أَنْ يُحْمَل عَلَى أَنَّهُ اِبْتَدَأَ إِحْرَامهَا فِي شَوَّال وَفَعَلَهَا فِي ذِي الْقَعْدَة
فَتَتَّفِق الْأَحَادِيث كُلّهَا
وَاَللَّه أَعْلَم
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله قال بن حزم صدقت عائشة وصدق بن عُمَر
لِأَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِر مُنْذُ هَاجَرَ إِلَى الْمَدِينَة عُمْرَة كَامِلَة مُفْرَدَة
إِلَّا اِثْنَتَيْنِ كَمَا قَالَ بن عُمَر وَهُمَا عُمْرَة الْقَضَاء
وَعُمْرَة الْجِعْرَانَة عَام حنين
أَرْبَعَ عُمَرٍ
وَقَدْ رَوَى مُجَاهِدٌ وَعُرْوَةُ بْنُ الزُّبَيْرِ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ أَنَّهُ قَالَ اعتمر النبي أربع كَمَا عِنْدَ الْبُخَارِيِّ وَغَيْرِهِ (قَدِ اعْتَمَرَ ثَلَاثًا) عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ سَنَةَ سِتٍّ وَالْعُمْرَةَ فِي الْعَامِ الْمُقْبِلِ وَعُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ (سِوَى الَّتِي قَرَنَهَا بِحَجَّةِ الْوَدَاعِ) وَهِيَ الرَّابِعَةُ وَكَانَتْ سَنَةَ عَشْرٍ مَعَ حَجَّةِ الْوَدَاعِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَأَخْرَجَهُ بن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا بِنَحْوِهِ
[1993]
(أَرْبَعَ عُمَرٍ) بِضَمِّ الْعَيْنِ وَفَتْحِ الْمِيمِ جَمْعُ عُمْرَةٍ هُوَ مَفْعُولُ اعْتَمَرَ (عُمْرَةَ الْحُدَيْبِيَةِ) بِتَخْفِيفِ الْيَاءِ وَتَشْدِيدِهَا قِيلَ هِيَ اسْمُ بِئْرٍ وَقِيلَ شَجَرَةٌ وَقِيلَ قَرْيَةٌ قَرِيبٌ مِنْ مَكَّةَ أَكْثَرُهَا فِي الْحَرَمِ وَهِيَ عَلَى تِسْعَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ ذَهَبَ رَسُولُ اللَّهِ مُعْتَمِرًا إِلَى هَذَا الْمَوْضِعِ فَاجْتَمَعَ قُرَيْشٌ وَصَدُّوهُ مِنْ دُخُولِ مَكَّةَ فَصَالَحَهُمْ وَرَجَعَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ الْعَامَ الْمُقْبِلَ وَلَمْ يَعْتَمِرْ وَلَكِنْ عَدُّوهَا مِنَ الْعُمَرِ لِتَرَتُّبِ أَحْكَامِهَا مِنْ إِرْسَالِ الْهَدْيِ وَالْخُرُوجِ عَنِ الْإِحْرَامِ فَنَحَرَ وَحَلَقَ وَكَانَتْ فِي ذِي الْقَعْدَةِ (وَالثَّانِيَةَ) بِالنَّصْبِ عَطْفٌ عَلَى عُمْرَةِ الحديبية أي العمرة الثانية (حين تواطؤوا عَلَى عُمْرَةٍ مِنْ قَابِلٍ) أَيْ تَوَافَقُوا وَصَالَحُوا فِي الْحُدَيْبِيَةِ عَلَى أَدَاءِ الْعُمْرَةِ فِي السَّنَةِ الْقَابِلَةِ وَهِيَ أَيْضًا فِي ذِي الْقَعْدَةِ سَنَةَ سَبْعٍ (وَالثَّالِثَةَ مِنَ الْجِعْرَانَةِ) فِيهَا لُغَتَانِ إِحْدَاهُمَا بِكَسْرِ الْجِيمِ وَسُكُونِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَفَتْحِ الرَّاءِ مُخَفَّفَةً وَبَعْدَ الْأَلِفِ نُونٌ وَالثَّانِيَةُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ وَتَشْدِيدِ الرَّاءِ وَهِيَ مَا بَيْنَ الطَّائِفِ وَمَكَّةَ وَهِيَ إِلَى مَكَّةَ أَقْرَبُ فَهِيَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ أَيْضًا سَنَةَ ثَمَانٍ وَهِيَ بَعْدَ الْفَتْحِ (وَالرَّابِعَةَ الَّتِي قَرَنَ مَعَ حَجَّتِهِ) هِيَ فِي سَنَةِ عَشْرٍ وَكَانَتْ أَفْعَالُهَا فِي ذِي الْحَجَّةِ بِلَا خِلَافٍ وَأَمَّا إِحْرَامُهَا فَالصَّحِيحُ أَنَّهُ كَانَ في ذي القعدة
كذا في عمدة القارىء
قال المنذري وأخرجه الترمذي وبن مَاجَهْ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ غَرِيبٌ وَذَكَرَ أَنَّهُ رُوِيَ مرسلا
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَعَدَّتْ عَائِشَة وَأَنَس إِلَى هَاتَيْنِ الْعُمْرَتَيْنِ عُمْرَة الْحُدَيْبِيَة الَّتِي صُدَّ عَنْهَا وَالْعُمْرَة الَّتِي قَرَنَهَا بِحَجَّتِهِ فَتَأَلَّفَتْ أَقْوَالهمْ وَانْتَفَى التَّعَارُض عَنْهَا
ثُمَّ قال الشيخ بن الْقَيِّم رحمه الله بَعْد قَوْل الْمُنْذِرِيِّ وَذَكَرَ بعضهم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خَرَجَ مُعْتَمِرًا فِي رَمَضَان إِلَى أَنْ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَكَانَ اِبْتِدَاء خُرُوجهمْ لَهَا فِي رَمَضَان وَهَذَا لَا يَصِحّ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم يَخْرُج فِي رَمَضَان إِلَى مَكَّة إِلَّا في غزاة الفتح ولم يعتمر منها
[1994]
(هُدْبَةُ) بِضَمِّ الْهَاءِ وَسُكُونِ الدَّالِ وَفِي صَحِيحٍ هَدَّابٌ وَهُمَا وَاحِدٌ (إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ) أَيِ الْعُمْرَةُ كُلُّهَا فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي فِي حَجَّتِهِ كَانَتْ فِي ذِي الْحِجَّةِ قاله الحافظ وقال بن الْقَيِّمِ وَلَا تَنَاقُضَ بَيْنَ حَدِيثِ أَنَسٍ أَنَّهُنَّ فِي ذِي الْقَعْدَةِ إِلَّا الَّتِي مَعَ حَجَّتِهِ وبين قول عائشة وبن عباس لم يعتمر رسول الله إِلَّا فِي ذِي الْقَعْدَةِ لِأَنَّ مَبْدَأَ عُمْرَةِ الْقِرَانِ كَانَ فِي ذِي الْقَعْدَةِ وَنِهَايَتَهَا كَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ مَعَ انْقِضَاءِ الْحَجِّ فَعَائِشَةُ وبن عَبَّاسٍ أَخْبَرَا عَنِ ابْتِدَائِهَا وَأَنَسٌ أَخْبَرَ عَنِ انْقِضَائِهَا (أَتْقَنْتُ) مِنَ الْإِتْقَانِ وَهُوَ الْحِفْظُ وَالضَّبْطُ التام (من ها هنا) الَّذِي يَأْتِي بَعْدَ ذَلِكَ وَهُوَ مِنْ قَوْلِهِ عُمْرَةً زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ إِلَى آخِرِ الْحَدِيثِ (مِنْ هُدْبَةَ) بْنِ خَالِدٍ (وَسَمِعْتُهُ) أَيِ الْقَوْلَ الْمَذْكُورَ آنِفًا (مِنْ أَبِي الْوَلِيدِ) الطَّيَالِسِيِّ (وَلَمْ أَضْبُطْهُ) أَيْ لَمْ أَحْفَظْهُ كَمَا يَنْبَغِي ثُمَّ شَرَعَ فِي بَيَانِ لَفْظِ هُدْبَةَ فَقَالَ (عُمْرَةً زَمَنَ الْحُدَيْبِيَةِ) نُصِبَ بِاعْتَمَرَ وَهِيَ الْعُمْرَةُ الْأُولَى (أَوْ مِنَ الْحُدَيْبِيَةِ) هَذَا شَكٌّ مِنْ أَحَدِ الرُّوَاةِ فَوْقَ أَبِي دَاوُدَ وَهَكَذَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ بِالشَّكِّ وَأَمَّا الْبُخَارِيُّ فَأَخْرَجَهُ مِنْ غَيْرِ شَكٍّ وَلَفْظُهُ عمرته من الحدييبة (وَعُمْرَةَ الْقَضَاءِ فِي ذِي الْقَعْدَةِ) مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ هِيَ الْعُمْرَةُ الثَّانِيَةُ وَهِيَ عُمْرَةُ الْقَضَاءِ والقضية وإنما سميت بهما لأنه قَاضَى قُرَيْشًا لَا أَنَّهَا وَقَعَتْ قَضَاءً عَنِ العُمْرَةِ الَّتِي صَدَرَ عَنْهَا إِذْ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَكَانَتَا عُمْرَةً وَاحِدَةً وَهَذَا مَذْهَبُ الْمَالِكِيَّةِ وَالشَّافِعِيَّةِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ
وَقَالَ الْحَنَفِيَّةُ هِيَ قضاء عنها قال بن الْهُمَامِ فِي فَتْحِ الْقَدِيرِ شَرْحِ الْهِدَايَةِ وَتَسْمِيَةُ الصَّحَابَةِ وَجَمِيعِ السَّلَفِ إِيَّاهَا بِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ظَاهِرٌ خِلَافُهُ وَتَسْمِيَةُ بَعْضِهِمْ إِيَّاهَا عُمْرَةَ الْقَضِيَّةِ لَا يَنْفِيهِ فَإِنَّهُ اتَّفَقَ فِي الْأُولَى مُقَاضَاةُ النَّبِيِّ أَهْلَ مَكَّةَ عَلَى أَنْ يَأْتِيَ مِنَ الْعَامِ الْمُقْبِلِ فَيَدْخُلَ مَكَّةَ بِعُمْرَةٍ وَيُقِيمَ ثَلَاثًا وَهَذَا الْأَمْرُ قَضِيَّةٌ تَصِحُّ إِضَافَةُ هَذِهِ الْعُمْرَةِ إِلَيْهَا فَإِنَّهَا عُمْرَةٌ كَانَتْ عَنْ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَهِيَ قَضَاءٌ عَنْ تِلْكَ الْقَضِيَّةِ فَتَصِحُّ إِضَافَتُهَا إِلَى كل منهما فلا تستلزم الإضافة إلى القضية نفي القضاء والإضافة إلى القضاء تفيد ثبوته فيثبت مفيد ثُبُوتُهُ بِلَا مُعَارِضٍ انْتَهَى (وَعُمْرَةً مِنَ الْجِعْرَانَةِ) هِيَ الثَّالِثَةُ (غَنَائِمَ) جَمْعُ غَنِيمَةٍ وَهِيَ مَا نِيلَ مِنْ أَهْلِ الشِّرْكِ عَنْوَةً وَالْحَرْبُ قَائِمَةً والفيء ما ينل مِنْهُمْ بَعْدَ أَنْ تَضَعَ الْحَرْبُ أَوْزَارَهَا (حُنَيْنٍ
بِالصَّرْفِ وَادٍ بَيْنَهُ وَبَيْنَ مَكَّةَ ثَلَاثَةُ أَمْيَالٍ وَكَانَتْ فِي سَنَةِ ثَمَانٍ فِي زَمَنِ غَزْوَةِ الفتح ودخل عليه بِهَذِهِ الْعُمْرَةِ إِلَى مَكَّةَ لَيْلًا وَخَرَجَ مِنْهَا لَيْلًا إِلَى الْجِعْرَانَةِ فَبَاتَ بِهَا فَلَمَّا أَصْبَحَ وَزَالَتِ الشَّمْسُ خَرَجَ فِي بَطْنِ سَرِفَ حَتَّى جَامَعَ الطَّرِيقَ وَمِنْ ثَمَّ خَفِيَتْ هَذِهِ الْعُمْرَةُ عَلَى كَثِيرٍ مِنَ النَّاسِ
قَالَهُ الْقَسْطَلَّانِيُّ (وَعُمْرَةً مَعَ حَجَّتِهِ) فِي ذِي الْحِجَّةِ هِيَ الرَّابِعَةُ
وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ مِنْ طَرِيقِ هُدْبَةَ بْنِ خَالِدٍ
وَأَخْرَجَ أَيْضًا الْبُخَارِيُّ مِنْ طَرِيقِ أَبِي الْوَلِيدِ وَسَاقَ مَتْنَهُ بِالضَّبْطِ وَالْإِتْقَانِ وَأَخْرَجَهُ الترمذي
فائدة ولم يحفظ عن النبي أَنَّهُ اعْتَمَرَ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً وَاحِدَةً وَلَمْ يَعْتَمِرْ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ
فَإِنْ قِيلَ فَبِأَيِّ شَيْءٍ يَسْتَحِبُّونَ الْعُمْرَةَ فِي السَّنَةِ مِرَارًا خُصُوصًا فِي رَمَضَانَ ثُمَّ لَمْ يُثْبِتُوا ذَلِكَ عن النبي قيل إن النبي كَانَ يَشْتَغِلُ فِي الْعِبَادَاتِ بِمَا هُوَ أَهَمُّ مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَمْ يَكُنْ يُمْكِنُهُ الْجَمْعُ بَيْنَ تِلْكَ الْعِبَادَاتِ وَبَيْنَ الْعُمْرَةِ فَإِنَّهُ لَوِ اعْتَمَرَ مِرَارًا لَبَادَرَتِ الْأُمَّةُ إِلَى ذَلِكَ وَكَانَ يَشُقُّ عليها وقد كان يترك النبي كَثِيرًا مِنَ الْعَمَلِ وَهُوَ يُحِبُّ أَنْ يَعْمَلَهُ خَشْيَةَ الْمَشَقَّةِ عَلَيْهِمْ
وَلَمَّا دَخَلَ الْبَيْتَ خَرَجَ مِنْهُ حَزِينًا فَقَالَتْ لَهُ عَائِشَةُ فِي ذَلِكَ فَقَالَ إِنِّي أَخَافُ أَنْ أَكُونَ قَدْ شَقَقْتُ عَلَى أُمَّتِي وَهَمَّ أَنْ يَنْزِلَ يَسْتَسْقِي مَعَ سُقَاةِ زَمْزَمَ لِلْحَاجِّ فَخَافَ أَنْ يُغْلَبَ أَهْلُهَا عَلَى سِقَايَتِهِمْ بَعْدَهُ
وَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ الْعُمْرَةُ إِلَى الْعُمْرَةِ كَفَّارَةٌ لِمَا بَيْنَهُمَا وَالْحَجُّ الْمَبْرُورُ لَيْسَ لَهُ جَزَاءٌ إِلَّا الْجَنَّةُ رَوَاهُ الشَّيْخَانِ مِنْ حَدِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ وَلَفْظُ التِّرْمِذِيِّ من حديث بن مَسْعُودٍ مَرْفُوعًا تَابِعُوا بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّفْرِيقَ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ فِي التَّكْرَارِ وَتَنْبِيهٌ عَلَى ذَلِكَ إِذْ لَوْ كَانَتِ الْعُمْرَةُ بِالْحَجِّ لَا تُعْقَلُ فِي السَّنَةِ إِلَّا مَرَّةً لَسَوَّى بَيْنَهُمَا وَلَمْ يُفَرَّقَا
وَقَدْ ندب النبي إِلَى ذَلِكَ بِلَفْظِهِ فَثَبَتَ الِاسْتِحْبَابُ مِنْ غَيْرِ تَقْيِيدٍ
وَلَا شَكَّ أَنَّ الْحَدِيثَ فِيهِ دَلِيلٌ عَلَى اسْتِحْبَابِ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الِاعْتِمَارِ خِلَافًا لِقَوْلِ مَنْ قَالَ يُكْرَهُ أَنْ يُعْتَمَرَ فِي السَّنَةِ أَكْثَرَ مِنْ مَرَّةٍ كَالْمَالِكِيَّةِ وَهَذَا الْقَوْلُ لَا يَصِحُّ وَالصَّحِيحُ جَوَازُ الِاسْتِكْثَارِ مِنَ الِاعْتِمَارِ وَخَالَفَ مالكا مطرف من أصحابه وبن الْمَوَّازِ قَالَ مُطَرِّفٌ لَا بَأْسَ بِالْعُمْرَةِ فِي السنة مرارا
وقال بن الْمَوَّازِ أَرْجُو أَنْ لَا يَكُونَ بِهِ بَأْسٌ
وَقَدِ اعْتَمَرَتْ عَائِشَةُ مَرَّتَيْنِ فِي شَهْرٍ وَلَا أَدْرِي أَنْ يُمْنَعَ أَحَدٌ مِنَ التَّقَرُّبِ إِلَى اللَّهِ بِشَيْءٍ مِنَ الطَّاعَاتِ وَلَا مِنَ الِازْدِيَادِ مِنَ الْخَيْرِ فِي مَوْضِعٍ وَلَمْ يَأْتِ بِالْمَنْعِ مِنْهُ نَصٌّ
وَهَذَا قَوْلُ الْجُمْهُورِ
وَيَكْفِي فِي هذا أن النبي أَعْمَرَ عَائِشَةَ مِنَ التَّنْعِيمِ سِوَى عُمْرَتِهَا الَّتِي كَانَتْ أَهَلَّتْ بِهَا وَذَلِكَ فِي عَامٍ وَاحِدٍ وَاعْتَمَرَتْ عَائِشَةُ فِي سَنَةٍ مَرَّتَيْنِ
فَقِيلَ لِلْقَاسِمِ لَمْ يُنْكِرْ عَلَيْهَا أَحَدٌ فَقَالَ أَعَلَى أُمِّ الْمُؤْمِنِينَ
وَكَانَ أَنَسٌ إِذَا جَمَّمَ رَأْسَهُ خَرَجَ فَاعْتَمَرَ
وَعَنْ عَلِيٍّ أَنَّهُ كَانَ يَعْتَمِرُ فِي السنة مرارا
ذكره بن الْقَيِّمِ وَأَطَالَ الْكَلَامَ فِيهِ