المَكتَبَةُ الشَّامِلَةُ السُّنِّيَّةُ

الرئيسية

أقسام المكتبة

المؤلفين

القرآن

البحث 📚

‌(باب في إفراد الحج) - عون المعبود وحاشية ابن القيم - جـ ٥

[العظيم آبادي، شرف الحق]

فهرس الكتاب

- ‌(بَاب زَكَاةِ الْفِطْرِ)

- ‌(بَاب مَتَى تُؤَدَّى)

- ‌(بَاب كَمْ يُؤَدَّى فِي صَدَقَةِ الْفِطْرِ)

- ‌(بَاب مَنْ رَوَى نِصْفَ صَاعٍ مِنْ قَمْحٍ)

- ‌(بَاب فِي تَعْجِيلِ الزَّكَاةِ)

- ‌(باب في الزكاة تحمل من بلد إلى بلد)

- ‌(بَاب مَنْ يُعْطِي مِنْ الصَّدَقَةِ وَحَدُّ الْغِنَى)

- ‌(بَاب مَنْ يَجُوزُ لَهُ أَخْذُ الصَّدَقَةِ وَهُوَ غَنِيٌّ)

- ‌(بَاب كَمْ يُعْطَى الرَّجُلُ الْوَاحِدُ مِنْ الزَّكَاةِ)

- ‌(بَاب مَا تَجُوزُ فِيهِ الْمَسْأَلَةُ)

- ‌(بَاب كَرَاهِيَةِ الْمَسْأَلَةِ)

- ‌(باب في الاستعفاف)

- ‌(بَاب الصَّدَقَةِ عَلَى بَنِي هَاشِمٍ)

- ‌(بَاب الْفَقِيرِ يُهْدِي لِلْغَنِيِّ مِنْ الصَّدَقَةِ)

- ‌(بَاب مَنْ تَصَدَّقَ بِصَدَقَةٍ ثُمَّ وَرِثَهَا)

- ‌(بَاب فِي حُقُوقِ الْمَالِ)

- ‌(بَاب حَقِّ السَّائِلِ)

- ‌(بَاب الصَّدَقَةِ عَلَى أَهْلِ الذِّمَّةِ)

- ‌(بَاب مَا لَا يَجُوزُ مَنْعُهُ)

- ‌(بَاب الْمَسْأَلَةِ فِي الْمَسَاجِدِ)

- ‌(بَاب عَطِيَّةِ مَنْ سأل بالله عز وجل

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُخْرِجُ [1673] مِنْ نَصَرَ يَنْصُرُ (مِنْ مَالِهِ) فَلَا يَبْقَى فِي يَدِهِ شَيْءٌ)

- ‌(باب الرخصة في ذلك)

- ‌(بَاب فِي فَضْلِ سَقْيِ الْمَاءِ)

- ‌(بَاب فِي الْمَنِيحَةِ)

- ‌(بَاب أَجْرِ الْخَازِنِ)

- ‌(بَاب الْمَرْأَةِ)

- ‌(بَاب فِي صِلَةِ الرَّحِمِ)

- ‌(بَاب فِي الشُّحِّ)

- ‌10 - كِتَاب اللُّقَطَةِ

- ‌11 - كِتَاب الْمَنَاسِك

- ‌(بَاب فَرْضِ الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي الْمَرْأَةِ تَحُجُّ بِغَيْرِ مَحْرَمٍ)

- ‌(بَاب لا صرورة)

- ‌(بَابُ التَّزَوُّدِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب التِّجَارَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْكَرِيِّ)

- ‌(بَاب فِي الصَّبِيِّ يَحُجُّ)

- ‌(باب في المواقيت)

- ‌(بَاب الْحَائِضِ تُهِلُّ بِالْحَجِّ)

- ‌(بَاب الطِّيبِ عِنْدَ الْإِحْرَامِ)

- ‌(بَاب التَّلْبِيدِ)

- ‌(بَاب فِي الْهَدْيِ)

- ‌(بَاب فِي هَدْيِ الْبَقَرِ)

- ‌(بَاب فِي الْإِشْعَارِ)

- ‌(باب تعديل الْهَدْيِ)

- ‌(بَاب مَنْ بَعَثَ بِهَدْيِهِ وَأَقَامَ [1757] بِبَلَدِهِ غَيْرَ مُحْرِمٍ)

- ‌(بَاب فِي رُكُوبِ الْبُدْنِ)

- ‌(بَابَ الْهَدْيِ إِذَا عَطِبَ قَبْلَ أَنْ يَبْلُغَ)

- ‌(بَاب كَيْفَ تُنْحَرُ الْبُدْنُ)

- ‌(باب وَقْتِ الْإِحْرَامِ)

- ‌(بَاب الِاشْتِرَاطِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي إِفْرَادِ الْحَجِّ)

- ‌(بَاب فِي الْإِقْرَانِ)

- ‌(باب الرجل يهل الخ)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يَحُجُّ عَنْ غَيْرِهِ)

- ‌(بَاب كَيْفَ التَّلْبِيَةُ)

- ‌(باب متى يقطع الحاج التَّلْبِيَةَ)

- ‌(بَاب مَتَى يَقْطَعُ الْمُعْتَمِرُ التَّلْبِيَةَ)

- ‌(باب المحرم يؤدب غلامه)

- ‌(بَاب الرَّجُلِ يُحْرِمُ فِي ثِيَابِهِ)

- ‌(بَابُ مَا يَلْبَسُ الْمُحْرِمُ)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَحْمِلُ السِّلَاحَ)

- ‌(بَاب فِي الْمُحْرِمَةِ تُغَطِّي وَجْهَهَا)

- ‌(بَاب فِي الْمُحْرِمِ يُظَلَّلُ)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَحْتَجِمُ)

- ‌(بَاب يَكْتَحِلُ الْمُحْرِمُ)

- ‌(باب المحرم يغتسل)

- ‌(بَاب الْمُحْرِمِ يَتَزَوَّجُ)

- ‌(بَاب مَا يَقْتُلُ الْمُحْرِمُ مِنْ الدَّوَابِّ)

- ‌(بَاب لَحْمِ الصَّيْدِ لِلْمُحْرِمِ)

- ‌(باب الجراد للمحرم)

- ‌(بَاب فِي الْفِدْيَةِ)

- ‌(بَاب الْإِحْصَارِ)

- ‌(بَاب دُخُولِ مَكَّةَ)

- ‌(باب في رفع اليد إِذَا رَأَى الْبَيْتَ)

- ‌(بَاب فِي تَقْبِيلِ الْحَجَرِ)

- ‌(بَاب اسْتِلَامِ الْأَرْكَانِ)

- ‌(بَاب الطَّوَافِ الْوَاجِبِ)

- ‌(بَاب الِاضْطِبَاعِ فِي الطَّوَافِ)

- ‌(بَاب فِي الرَّمَلِ)

- ‌(بَاب الدُّعَاءِ فِي الطَّوَافِ)

- ‌ بَابُ الطَّوَافِ بَعْدَ الْعَصْرِ

- ‌(بَاب طَوَافِ الْقَارِنِ)

- ‌(بَاب طَوَافِ الْقَارِنِ)

- ‌(بَاب الْمُلْتَزَمِ)

- ‌(بَاب صفة حجة النبي)

- ‌(بَاب الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الْخُرُوجِ إِلَى مِنًى)

- ‌(بَاب الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الرَّوَاحِ إِلَى عَرَفَةَ)

- ‌(باب الخطبة بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب مَوْضِعِ الْوُقُوفِ بِعَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الدَّفْعَةِ مِنْ عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ)

- ‌(بَاب التَّعْجِيلِ)

- ‌(بَاب يَوْمِ الْحَجِّ الْأَكْبَرِ)

- ‌(بَاب الْأَشْهُرِ الْحُرُمِ)

- ‌(بَاب مَنْ لَمْ يُدْرِكْ عَرَفَةَ)

- ‌(بَاب النُّزُولِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب أَيِّ يَوْمٍ يَخْطُبُ بِمِنًى)

- ‌(بَاب مَنْ قَالَ خَطَبَ يَوْمَ النَّحْرِ)

- ‌(بَاب أَيِّ وَقْتٍ يَخْطُبُ يَوْمَ النَّحْرِ)

- ‌(بَاب مَا يَذْكُرُ الْإِمَامُ فِي خُطْبَتِهِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب يَبِيتُ بِمَكَّةَ لَيَالِيَ مِنًى)

- ‌(بَاب الصَّلَاةِ بِمِنًى)

- ‌(بَاب الْقَصْرِ لِأَهْلِ مَكَّةَ)

- ‌(بَاب فِي رَمْيِ الْجِمَارِ)

- ‌(بَاب الْحَلْقِ وَالتَّقْصِيرِ)

- ‌(باب العمرة)

- ‌(باب المهلة بالعمرة تحيض [1995] قبل إِتْمَامُ أَفْعَالِ الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْمَقَامِ فِي الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْإِفَاضَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْمَقَامِ فِي الْعُمْرَةِ)

- ‌(بَاب الْإِفَاضَةِ فِي الْحَجِّ)

- ‌(بَاب الْوَدَاعِ [2002] مِنَ الْبَيْتِ)

- ‌(بَاب الْحَائِضِ تَخْرُجُ بَعْدَ الْإِفَاضَةِ)

- ‌(بَاب طَوَافِ الْوَدَاعِ)

- ‌(بَاب التَّحْصِيبِ)

- ‌(باب من قَدَّمَ شَيْئًا قَبْلَ شَيْءٍ فِي حَجِّهِ)

- ‌(بَاب فِي مَكَّةَ [2016] هَلْ يُبَاحُ فِيهَا شَيْءٌ مَا لَا يُبَاحُ فِي غَيْرِهَا)

- ‌(باب تحريم مَكَّةَ)

- ‌(بَاب فِي نَبِيذِ السِّقَايَةِ)

الفصل: ‌(باب في إفراد الحج)

النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم أَبُوهَا الزُّبَيْرُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بْنِ هَاشِمٍ (آشْتَرِطُ) بِحَذْفِ هَمْزَةِ الِاسْتِفْهَامِ (وَمَحِلِّي) بِفَتْحِ الْمِيمِ وَكَسْرِ الْمُهْمَلَةِ أَيْ مَكَانُ إِحْلَالِي

وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ مَنِ اشْتَرَطَ هَذَا الِاشْتِرَاطَ ثُمَّ عَرَضَ لَهُ مَا يَحْبِسُهُ عَنِ الْحَجِّ جَازَ لَهُ التَّحَلُّلُ وَأَنَّهُ لَا يَجُوزُ التَّحَلُّلُ مَعَ عَدَمِ الِاشْتِرَاطِ وَبِهِ قَالَ جَمَاعَةٌ مِنَ الصَّحَابَةِ مِنْهُمْ عَلِيٌّ وبن مَسْعُودٍ وَعُمَرُ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ وَإِلَيْهِ ذَهَبَ أَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَهُوَ الْمُصَحَّحُ لِلشَّافِعِيِّ كَمَا قَالَ النَّوَوِيُّ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَمَالِكٌ وَبَعْضُ التَّابِعِينَ إِنَّهُ لَا يَصِحُّ الِاشْتِرَاطُ وَهُوَ مروي عن بن عمر

قال البيهقي لو بلغ بن عُمَرَ حَدِيثُ ضُبَاعَةَ لَقَالَ بِهِ وَلَمْ يُنْكِرِ الِاشْتِرَاطَ كَمَا لَمْ يُنْكِرْ أَبُوهُ انْتَهَى

قَالَ الْخَطَّابِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الْمُحْصَرَ يَحِلُّ حَيْثُ يُحْبَسُ وَيَنْحَرُ

هَدْيَهُ هُنَاكَ حَرَمًا كَانَ أَوْ حِلًّا وَكَذَلِكَ فِعْلِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَامَ الْحُدَيْبِيَةِ حِينَ أُحْصِرَ نَحَرَ هَدْيَهُ وَحَلَّ

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ دَمُ الْإِحْصَارِ لَا يُرَاقُ إِلَّا فِي الْحَرَمِ يُقِيمُ الْمُحْصَرُ عَلَى إِحْرَامِهِ وَيَبْعَثُ بِالْهَدْيِ وَيُوَاعِدُهُمْ يَوْمَ يُقَدِّرُ فِيهِ بُلُوغَ الْهَدْيِ الْمَنْسَكَ فَإِذَا كَانَ ذَلِكَ الْوَقْتُ حَلَّ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ مِنْ حَدِيثِ عَائِشَةَ

3 -

(بَاب فِي إِفْرَادِ الْحَجِّ)

[1777]

(أَفْرَدَ الْحَجَّ) قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْإِفْرَادُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْحَجِّ فِي أَشْهُرِهِ وَيَفْرُغُ مِنْهُ ثُمَّ يَعْتَمِرُ وَالتَّمَتُّعُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهَا ثُمَّ يَحُجُّ مِنْ عَامِهِ وَالْقِرَانُ أَنْ يُحْرِمَ بِهِمَا جَمِيعًا

قَالَ الْخَطَّابِيُّ لَمْ تَخْتَلِفِ الْأُمَّةُ فِي أَنَّ الْإِفْرَادَ وَالْقِرَانَ وَالتَّمَتُّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ كُلَّهَا جَائِزَةٌ غَيْرَ أَنَّ طَوَائِفَ الْعُلَمَاءِ اخْتَلَفُوا فِي الْأَفْضَلِ مِنْهَا فَقَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ الْإِفْرَادُ أَفْضَلُ وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ وَالثَّوْرِيُّ الْقِرَانُ أَفْضَلُ وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ التَّمَتُّعُ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجِّ هُوَ الْأَفْضَلُ

وَكُلٌّ مِنْ هَذِهِ الطَّوَائِفِ ذَهَبَ إِلَى حَدِيثٍ وَذَكَرَ أَبُو دَاوُدَ وَتِلْكَ الْأَحَادِيثُ عَلَى اخْتِلَافِهَا مُجْمَلًا وَمُفَسَّرًا وَعَلَى حَسَبِ مَا وَقَعَ لَهُ فِي الرِّوَايَةِ وَسَيَأْتِي الْبَيَانُ عَلَى شَرْحِهَا وَكَشْفِ مَوَاضِعِ الْإِشْكَالِ مِنْهَا فِي مَوَاضِعِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى

غَيْرَ أَنَّ نَفَرًا مِنَ

ص: 134

الْمُلْحِدِينَ طَعَنُوا فِي أَحَادِيثِ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَفِي أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَالنَّقْلِ مِنْ أَئِمَّةِ الْحَدِيثِ وَقَالُوا لَمْ يَحُجَّ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ قِيَامِ الْإِسْلَامِ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً فَكَيْفَ يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تِلْكَ الْحَجَّةَ مُفْرِدًا وَقَارِنًا وَمُتَمَتِّعًا وَأَفْعَالُ نُسُكِهَا مُخْتَلِفَةٌ وَأَحْكَامُهَا غَيْرُ مُتَّفِقَةٍ وَأَسَانِيدُهَا كُلُّهَا عِنْدَ أَهْلِ الرِّوَايَةِ وَنَقَلَةِ الْأَخْبَارِ جِيَادٌ صِحَاحٌ ثُمَّ قَدْ وُجِدَ فِيهَا هَذَا التَّنَاقُضُ وَالِاخْتِلَافُ يُرِيدُونَ بِذَلِكَ تَوْهِينَ الْحَدِيثِ وَتَصْغِيرَ شَأْنِهِ وَضَعْفَ أَمْرِ حَمَلَتِهِ وَرُوَاتِهِ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالتِّرْمِذِيُّ والنسائي وبن مَاجَهْ

[1778]

(عَنْ هِشَامٍ) أَيْ حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ وَحَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ وَوُهَيْبٌ كُلُّهُمْ عَنْ هِشَامٍ (مُوَافِينَ هِلَالِ ذِي الْحِجَّةِ) أَيْ مُقَارِنِينَ لِاسْتِهْلَالِهِ وَكَانَ خُرُوجُهُمْ قَبْلَهُ بِخَمْسٍ فِي ذِي الْقَعْدَةِ كَمَا صَرَّحْتُ بِهِ فِي رِوَايَةِ الْعُمْرَةِ الَّتِي ذَكَرَهَا مُسْلِمٌ (لَوْلَا أَنِّي أَهْدَيْتُ لَأَهْلَلْتُ بِعُمْرَةٍ) أَيْ خَالِصَةٍ لَكِنَّ الْهَدْيَ يَمْنَعُ الْإِحْلَالَ قَبْلَ الْحَجِّ كَالْقِرَانِ وَالْإِفْرَادِ

هَذَا مِمَّا يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِتَفْضِيلِ التَّمَتُّعِ وَمِثْلُهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَوَجْهُ الدَّلَالَةِ مِنْهُمَا أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَا يَتَمَنَّى إِلَّا الْأَفْضَلَ وَفِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ تَصْرِيحٌ بِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ مُتَمَتِّعًا (ارْفِضِي عُمْرَتَكِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي مَعْنَاهُ فَقَالَ بَعْضُهُمْ اتْرُكِيهَا وَأَخِّرِيهَا عَلَى الْقَضَاءِ وَقَالَ الشَّافِعِيُّ إِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تَتْرُكَ الْعَمَلَ لِلْعُمْرَةِ مِنَ الطَّوَافِ وَالسَّعْيِ لِأَنَّهَا تَتْرُكُ الْعُمْرَةَ أَصْلًا وَإِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تُدْخِلَ الْحَجَّ عَلَى الْعُمْرَةِ فَتَكُونَ قَارِنَةً

قُلْتُ وَعَلَى هَذَا الْمَذْهَبِ تَكُونُ عُمْرَتُهَا مِنَ التَّنْعِيمِ تَطَوُّعًا لَا عَنْ وَاجِبٍ وَلَكِنْ أَرَادَ أَنَّ يُطَيِّبَ نَفْسَهَا فَأَعْمَرَهَا وَكَانَتْ قَدْ سَأَلَتْهُ ذَلِكَ

وَقَدْ رُوِيَ مَا يُشْبِهُ هَذَا الْمَعْنَى فِي حَدِيثِ جَابِرٍ

ص: 135

انْتَهَى كَلَامُهُ (لَيْلَةُ الصَّدَرِ) أَيْ لَيْلَةُ طَوَافِ الصَّدَرِ وَهُوَ بِفَتْحِ الصَّادِ وَالدَّالِ الْمُهْمَلَتَيْنِ بِمَعْنَى رُجُوعِ الْمُسَافِرِ مِنْ مَقْصِدِهِ وَمِنْهُ قَوْلُهُ صلى الله عليه وسلم لِلْمُهَاجِرِ إِقَامَةُ ثَلَاثٍ بَعْدَ الصَّدَرِ يَعْنِي بِمَكَّةَ بَعْدَ أَنْ يَقْضِيَ نُسُكَهُ

قَالَ فِي اللِّسَانِ وَالصَّدَرُ الْيَوْمُ الرَّابِعُ مِنْ أَيَّامِ النَّحْرِ لِأَنَّ النَّاسَ يَصْدُرُونَ فِيهِ عَنْ مَكَّةَ إِلَى أَمَاكِنِهِمْ

وَفِي الْمَثَلِ تَرَكْتُهُ عَلَى مِثْلِ لَيْلَةِ الصَّدَرِ يَعْنِي حِينَ صَدَرَ النَّاسُ مِنْ حَجِّهِمْ (لَيْلَةُ الْبَطْحَاءِ) قَالَ فِي اللِّسَانِ الْبَطْحَاءُ مَسِيلٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى

قَالَ الْجَوْهَرِيُّ الْأَبْطَحُ مَسِيلٌ وَاسِعٌ فِيهِ دِقَاقُ الْحَصَى وَبَطْحَاءُ مَكَّةَ وَأَبْطُحُهَا مَعْرُوفَةٌ وَمِنًى مِنَ الْأَبْطَحِ انْتَهَى

وَالْمَعْنَى أَنَّ عَائِشَةَ طَهُرَتْ فِي لَيْلَةٍ مِنْ أَيَّامِ نُزُولِ الْبَطْحَاءِ وَهِيَ مِنًى فَكَانَتْ طَهَارَتُهَا فِي لَيْلَةٍ مِنْ لَيَالِي أَيَّامِ مِنًى وَاللَّهُ أَعْلَمُ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وبن ماجه

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة صَرِيحَة بِأَنَّهَا أَهَلَّتْ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَمَرَهَا رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَمَّا حَاضَتْ أَنْ تُهِلّ بِالْحَجِّ فَصَارَتْ قَارِنَة

وَلِهَذَا قَالَ لَهَا النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم يَكْفِيك طَوَافك بِالْبَيْتِ وَبَيْن الصَّفَّا وَالْمَرْوَة لِحَجِّك وَعُمْرَتك مُتَّفَق عَلَيْهِ وَهُوَ صَرِيح فِي رَدّ قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا رَفَضَتْ إِحْرَام الْعُمْرَة رَأْسًا وَانْتَقَلَتْ إِلَى الْإِفْرَاد وَإِنَّمَا أُمِرَتْ بِرَفْضِ أَعْمَال الْعُمْرَة مِنْ الطَّوَاف وَالسَّعْي حَتَّى تَطْهُر لَا بِرَفْضِ إِحْرَامهَا

وَأَمَّا قَوْله وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ هَدْي فَهُوَ مُدْرَج مِنْ كَلَام هِشَام كَمَا بَيَّنَهُ وَكِيع وَغَيْره عَنْهُ حَيْثُ فَصَلَ كَلَام عائشة من كلام هشام وأما بن نُمَيْر وَعَبَدَة فَأَدْرَجَاهُ فِي حَدِيثهمَا وَلَمْ يُمَيِّزَاهُ وَاَلَّذِي مَيَّزَهُ مَعَهُ زِيَادَة عِلْم وَلَمْ يُعَارِض غَيْره فَابْن نُمَيْر وَعَبَدَة لَمْ يَقُولَا قَالَتْ عَائِشَة وَلَمْ يَكُنْ فِي شَيْء مِنْ ذَلِكَ هَدْي بَلْ أَدْرَجَاهُ وَمَيَّزَهُ غَيْرهمَا

وَأَمَّا قَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا أَحْرَمَتْ بِحَجٍّ ثُمَّ نَوَتْ فَسْخه بِعُمْرَةٍ ثُمَّ رَجَعَتْ إِلَى حَجّ مُفْرَد فَهُوَ خِلَاف مَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ نَفْسهَا وَخِلَاف مَا دَلَّ عَلَيْهِ قَوْل النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَهَا يَسَعك طَوَافك لِحَجِّك وعمرتك والنبي صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا أَمَرَهَا أَنْ تُهِلّ بِالْحَجِّ لَمَّا حَاضَتْ

ص: 136

[1779]

(فَلَمْ يَحِلُّوا حَتَّى كَانَ يَوْمُ النَّحْرِ) الْمُحَقِّقُونَ قَالُوا فِي نُسُكِهِ صلى الله عليه وسلم إِنَّهُ الْقِرَانُ فَقَدْ صَحَّ ذَلِكَ مِنْ رِوَايَةِ اثْنَيْ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ رضي الله عنهم بِحَيْثُ لَا يُحْتَمَلُ التَّأْوِيلُ

وَقَدْ جَمَعَ أَحَادِيثَهُمُ بن حَزْمٍ الظَّاهِرِيُّ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَذَكَرَهَا حَدِيثًا حَدِيثًا

قَالُوا وَبِهِ يَحْصُلُ الْجَمْعُ بَيْنَ أَحَادِيثِ الْبَابِ

أَمَّا أَحَادِيثُ الْإِفْرَادِ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّ الرَّاوِيَ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْحَجِّ فَزَعَمَ أَنَّهُ مُفْرِدٌ بِالْحَجِّ فَأَخْبَرَ عَلَى حَسَبِ ذَلِكَ وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِإِفْرَادِ الْحَجِّ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَحُجَّ بَعْدَ الِافْتِرَاضِ إِلَّا حَجَّةً وَاحِدَةً

وَأَمَّا أَحَادِيثُ التَّمَتُّعِ فَمَبْنِيَّةٌ عَلَى أَنَّهُ سَمِعَهُ يُلَبِّي بِالْعُمْرَةِ فَزَعَمَ أَنَّهُ مُتَمَتِّعٌ وَهَذَا لَا مَانِعَ مِنْهُ مِنْ إِفْرَادِ نُسُكٍ بِالذِّكْرِ لِلْقَارِنِ عَلَى أَنَّهُ قَدْ يَخْتَفِي الصَّوْتُ بِالثَّانِي وَيُحْتَمَلُ أَنَّ الْمُرَادَ بِالتَّمَتُّعِ الْقِرَانُ لِأَنَّهُ مِنْ إِطْلَاقَاتِ الْقَدِيمَةِ وَهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ الْقِرَانَ تَمَتُّعًا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ قال المنذري وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

كَمَا أَخْبَرَتْ بِذَلِكَ عَنْ نَفْسهَا وَأَمَرَهَا أَنْ تَدَع الْعُمْرَة وَتُهِلّ بِالْحَجِّ

وَهَذَا كَانَ بِسَرِف قَبْل أَنْ يَأْمُر أَصْحَابه بِفَسْخِ حَجّهمْ إِلَى الْعُمْرَة فَإِنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِذَلِكَ عَلَى الْمَرْوَة

وَقَوْله إِنَّهَا أَشَارَتْ بِقَوْلِهَا فَكُنْت فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ إِلَى الْوَقْت الَّذِي نَوَتْ فِيهِ الْفَسْخ فِي غَايَة الْفَسَاد فَإِنَّ صَرِيح الْحَدِيث يَشْهَد بِبُطْلَانِهِ فَإِنَّهَا قَالَتْ فَكُنْت فِيمَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ فَلَمَّا كَانَ فِي بَعْض الطَّرِيق حِضْت فَهَذَا صَرِيح فِي أَنَّهَا حَاضَتْ بَعْد إِهْلَالهَا بِعُمْرَةٍ

وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحَادِيثهَا عَلِمَ أَنَّهَا أَحْرَمَتْ أَوَّلًا بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَدْخَلَتْ عَلَيْهَا الْحَجّ فَصَارَتْ قَارِنَة ثُمَّ اِعْتَمَرَتْ مِنْ التَّنْعِيم عُمْرَة مُسْتَقِلَّة تَطْيِيبًا لِقَلْبِهَا

وَقَدْ غَلِطَ فِي قِصَّة عَائِشَة مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ مُفْرِدَة فَإِنَّ عُمْرَتهَا مِنْ التَّنْعِيم هِيَ عُمْرَة الْإِسْلَام الْوَاجِبَة

وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ مُتَمَتِّعَة ثُمَّ فَسَخَتْ الْمُتْعَة إِلَى إِفْرَاد وَكَانَتْ عُمْرَة التَّنْعِيم قَضَاء لِتَلِك الْعُمْرَة

وَغَلِطَ مَنْ قَالَ إِنَّهَا كَانَتْ قَارِنَة وَلَمْ يَكُنْ عَلَيْهَا صَدَقَة وَلَا صَوْم وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا يَجِب عَلَى الْمُتَمَتِّع

وَمَنْ تَأَمَّلَ أَحَادِيثهَا عَلِمَ ذَلِكَ وَتَبَيَّنَ لَهُ أَنَّ الصَّوَاب مَا ذَكَرْنَاهُ

وَاَللَّه أَعْلَم

ص: 137

[1781]

(فَأَهْلَلْنَا بِعُمْرَةٍ) اخْتَلَفَتِ الرِّوَايَاتُ فِي إِحْرَامِ عَائِشَةَ اخْتِلَافًا كَثِيرًا وَبَسَطَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ (انْقُضِي رَأَسَكِ) بِضَمِّ الْقَافِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ أَيْ حِلِّي ضَفْرَ شَعْرِكِ وَفِي رِوَايَةِ الْبُخَارِيِّ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِلَفْظِ وَافْعَلِي مَا يَفْعَلُ الْحَاجُّ غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ (وَامْتَشِطِي) أَيْ سَرِّحِي بِالْمُشْطِ

قَالَ الْحَافِظُ قَالَ الْخَطَّابِيُّ اسْتَشْكَلَ بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ أَمْرَهُ لَهَا بِنَقْضِ رَأْسِهَا ثُمَّ بِالِامْتِشَاطِ وَكَانَ الشَّافِعِيُّ يَتَأَوَّلُهُ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَهَا أَنْ تَدَعَ الْعُمْرَةَ وَتُدْخِلَ عَلَيْهِ الْحَجَّ فَتَصِيرُ قَارِنَةً قَالَ وَهَذَا لَا يُشَاكِلُ الْقِصَّةَ وَقِيلَ إِنَّ مَذْهَبَهَا أَنَّ الْمُعْتَمِرَ إِذَا دَخَلَ مَكَّةَ اسْتَبَاحَ مَا يَسْتَبِيحُهُ الْحَاجُّ إِذَا رَمَى الْجَمْرَةَ قال وهذا لا يعلم وجودها لَا يُعْلَمُ وَجْهُهُ وَقِيلَ كَانَتْ مُضْطَرَّةً إِلَى ذَلِكَ

قَالَ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ نَقْضُ رَأْسِهَا كَانَ لِأَجْلِ الْغُسْلِ لِتُهِلَّ بِالْحَجِّ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَتْ مُلَبِّدَةً فَتَحْتَاجُ إِلَى نَقْضِ الضَّفْرِ وَأَمَّا الِامْتِشَاطُ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهِ تَسْرِيحُهَا شَعْرَهَا بِأَصَابِعِهَا بِرِفْقٍ حَتَّى لَا يَسْقُطَ مِنْهُ شَيْءٌ ثُمَّ تُضَفِّرُهُ كَمَا كَانَ انْتَهَى (بِالْبَيْتِ) مُتَعَلِّقُ طَافَ أَيْ طَوَافُ الْعُمْرَةِ (ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَرَ) هُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ (طَوَافًا وَاحِدًا) لِأَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ لِأَنَّ أفعال

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وقد احتج به بن حَزْم عَلَى أَنَّ الْمُحْرِم لَا يَحْرُم عَلَيْهِ الِامْتِشَاط وَلَمْ يَأْتِ بِتَحْرِيمِهِ نَصّ وَحَمَلَهُ الْأَكْثَرُونَ عَلَى اِمْتِشَاط رَفِيق لَا يَقْطَع الشَّعْر وَمَنْ قَالَ كَانَ بَعْد جَمْرَة الْعَقَبَة فَسِيَاق الْحَدِيث يبطل

ص: 138

الْعُمْرَةِ تَنْدَرِجُ فِي أَفْعَالِ الْحَجِّ وَهُوَ مَذْهَبُ عطاء والحسن وطاووس وَبِهِ قَالَ مَالِكٌ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو ثَوْرٍ وَدَاوُدُ وَجَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ خِلَافًا لِلْحَنَفِيَّةِ قَالُوا لَا بُدَّ لِلْقَارِنِ مِنْ طَوَافَيْنِ وَسَعْيَيْنِ لِأَنَّ الْقِرَانَ هُوَ الْجَمْعُ بَيْنَ الْعِبَادَتَيْنِ فَلَا يَتَحَقَّقُ إِلَّا بِالْإِتْيَانِ بِأَفْعَالِ كُلٍّ مِنْهُمَا وَهُوَ مَحْكِيٌّ عن أبي بكر وعمر وعلي وبن مَسْعُودٍ وَالْحَسَنِ بْنِ عَلِيٍّ وَلَا يَصِحُّ عَنْ واحد منهم واستدل العيني بحديث بن عُمَرَ عِنْدَ الدَّارَقُطْنِيِّ بِلَفْظِ أَنَّهُ جَمَعَ بَيْنَ حَجَّةٍ وَعُمْرَةٍ مَعًا وَطَافَ لَهُمَا طَوَافَيْنِ وَسَعَى لَهُمَا سَعْيَيْنِ وَقَالَ هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم صَنَعَ

وَبِحَدِيثِ عَلِيٍّ عند الدارقطني أيضا وبحديث بن مَسْعُودٍ وَحَدِيثِ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ عِنْدَهُ أَيْضًا وَكُلُّهَا مَطْعُونٌ فِيهَا لِمَا فِي رُوَاتِهَا مِنَ الضَّعْفِ الْمَانِعِ لِلِاحْتِجَاجِ بِهَا وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

[1782]

(حَتَّى إِذَا كُنَّا بِسَرِفَ) هُوَ بِفَتْحِ السِّينِ الْمُهْمَلَةِ وَكَسْرِ الرَّاءِ هُوَ مَا بَيْنَ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةِ عَلَى

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قَوْله وَمَنْ قَالَ هُوَ التَّمَشُّط بِالْأَصَابِعِ فَقَدْ أَبْعَدَ فِي التَّأْوِيل وَمَنْ قَالَ إِنَّهَا أُمِرَتْ بِتَرْكِ الْعُمْرَة رَأْسًا فَقَوْله بَاطِل لِمَا تَقَدَّمَ فَإِنَّهَا لَوْ تَرَكَتْهَا رَأْسًا لَكَانَ قَضَاؤُهَا وَاجِبًا وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم قَدْ أَخْبَرَهَا أَنَّهُ لَا عُمْرَة عَلَيْهَا وَأَنَّ طَوَافهَا يَكْفِي عَنْهُمَا وَقَوْله أَهِلِّي بِالْحَجِّ صَرِيح فِي أَنَّ إِحْرَامهَا الْأَوَّل كَانَ بِعُمْرَةٍ كَمَا أَخْبَرَتْ بِهِ عَنْ نَفْسهَا وَهُوَ يُبْطِل قَوْل مَنْ قَالَ كَانَتْ مُفْرِدَة فَأُمِرَتْ بِاسْتِدَامَةِ الْإِفْرَاد

وَفِي الْحَدِيث دَلِيل عَلَى تَعَدُّد السَّعْي عَلَى الْمُتَمَتِّع فَإِنَّ قَوْلهَا ثُمَّ طَافُوا طَوَافًا آخَر بَعْد أَنْ رَجَعُوا مِنْ مِنًى لِحَجِّهِمْ تُرِيد بِهِ الطَّوَاف بَيْن الصَّفَّا وَالْمَرْوَة وَلِهَذَا نَفَتْهُ عَنْ الْقَارِنِينَ وَلَوْ كَانَ الْمُرَاد بِهِ الطَّوَاف بِالْبَيْتِ لَكَانَ الْجَمِيع فِيهِ سَوَاء فَإِنَّ طَوَاف الْإِفَاضَة لَا يَفْتَرِق فِيهِ الْقَارِن وَالْمُتَمَتِّع

وَقَدْ خَالَفَهَا جَابِر فِي ذَلِكَ فَفِي صَحِيح مُسْلِم عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ لَمْ يَطُفْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَا أَصْحَابه بَيْن الصَّفَّا وَالْمَرْوَة إِلَّا طَوَافًا وَاحِدًا طَوَافه الْأَوَّل وَأَخَذَ الْإِمَام أَحْمَد بِحَدِيثِ جَابِر هَذَا فِي رِوَايَة اِبْنه عَبْد الله والمشهور عنه أنه لابد مِنْ طَوَافَيْنِ عَلَى حَدِيث عَائِشَة وَلَكِنَّ هَذِهِ اللَّفْظَة وَهِيَ فَطَافَ الَّذِينَ أَهَلُّوا بِالْعُمْرَةِ بِالْبَيْتِ إِلَى آخِره قَدْ قِيلَ إِنَّهَا مُدْرَجَة فِي الْحَدِيث مِنْ كَلَام عُرْوَة

ص: 139

أَمْيَالٍ مِنْهَا قِيلَ سِتَّةٌ وَقِيلَ تِسْعَةٌ وَقِيلَ عَشَرَةٌ وَقِيلَ اثْنَا عَشَرَ مِيلًا (إِنَّمَا ذَلِكَ شَيْءٌ كَتَبَهُ اللَّهُ) هَذَا تَسْلِيَةٌ لَهَا وَتَخْفِيفٌ لَهَا وَمَعْنَاهُ أَنَّكِ لَسْتِ مُخْتَصَّةً بِهِ بَلْ كُلُّ بَنَاتِ آدَمَ يَكُونُ مِنْهُنَّ هَذَا كَمَا يَكُونُ مِنْهُنَّ وَمِنَ الرِّجَالِ الْبَوْلُ وَالْغَائِطُ وَغَيْرُهُمَا

وَاسْتَدَلَّ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ فِي كِتَابِ الْحَيْضِ بِعُمُومِ هَذَا عَلَى أَنَّ الْحَيْضَ كَانَ فِي جَمِيعِ بَنَاتِ آدَمَ وَأَنْكَرَ بِهِ عَلَى مَنْ قَالَ إِنَّ الْحَيْضَ أَوَّلَ مَا أُرْسِلَ وَقَعَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ (غَيْرَ أَنْ لَا تَطُوفِي بِالْبَيْتِ) فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى الْحَائِضِ وَالنُّفَسَاءِ وَالْمُحْدِثِ وَالْجُنُبِ يَصِحُّ مِنْهُمْ جَمِيعُ أَفْعَالِ الْحَجِّ وَأَحْوَالِهِ وَهَيْئَاتِهِ إِلَّا الطَّوَافَ وَرَكْعَتَيْهِ فَيَصِحُّ الْوُقُوفُ بِعَرَفَاتٍ وَغَيْرِهِ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الطَّوَافَ لَا يَصِحُّ مِنَ الْحَائِضِ وَهَذَا مُجْمَعٌ عَلَيْهِ (وَذَبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عَنْ نِسَائِهِ الْبَقَرَ) وَاسْتَدَلَّ بِهِ مَالِكٌ فِي أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْبَقَرِ أَفْضَلُ مِنْ بَدَنَةٍ وَلَا دَلَالَةَ لَهُ فِيهِ لِأَنَّهُ لَيْسَ فِيهِ ذِكْرُ تَفْضِيلِ الْبَقَرِ وَلَا عُمُومُ لَفْظٍ إِنَّمَا قَضِيَّةُ عَيْنٍ مُحْتَمَلَةُ الْأُمُورِ فَلَا حُجَّةَ فِيهَا لِمَا قَالَهُ

وَذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَالْأَكْثَرُونَ إِلَى أَنَّ التَّضْحِيَةَ بِالْبَدَنَةِ أَفْضَلُ مِنَ الْبَقَرَةِ لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم مَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْأُولَى فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً إِلَى آخِرِهِ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (لَيْلَةُ الْبَطْحَاءِ) قَالَ الْعَيْنِيُّ وَكَانَ ابْتِدَاءُ حَيْضِهَا يَوْمَ السَّبْتِ لِثَلَاثٍ خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ بِسَرِفَ وَطَهُرَتْ يَوْمَ السَّبْتِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ وَاللَّهُ أَعْلَمُ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ

[1783]

(لَا نَرَى إِلَّا أَنَّهُ الْحَجُّ) وَفِي لَفْظٍ لِمُسْلِمٍ وَلَا نَذْكُرُ إِلَّا الْحَجَّ وَظَاهِرُ هَذَا أَنَّ عَائِشَةَ مَعَ

ص: 140

غَيْرِهَا مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا مُحْرِمِينَ بِالْحَجِّ وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْلُهَا فَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَمِنَّا مَنْ أَهَلَّ بِالْحَجِّ فَيُحْمَلُ أَنَّهَا ذَكَرَتْ مَا كَانُوا يَعْتَادُونَهُ مِنْ تَرْكِ الِاعْتِمَارِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَخَرَجُوا لَا يَعْرِفُونَ إِلَّا الْحَجَّ ثُمَّ بَيَّنَ لَهُمُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم وُجُوهَ الْإِحْرَامِ وَجَوَّزَ لَهُمُ الِاعْتِمَارَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

[1784]

(لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ) أَيْ لَوْ عَنَّ لِيَ هَذَا الرَّأْيُ الَّذِي رَأَيْتُهُ آخِرًا وَأَمَرْتُكُمْ بِهِ فِي أَوَّلِ أَمْرِي لَمَا سُقْتُ الْهَدْيَ مَعِي وَقَلَّدْتُهُ وَأَشْعَرْتُهُ فَإِنَّهُ إِذَا فَعَلَ ذَلِكَ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَهُ وَلَا يَنْحَرُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ فَلَا يَصِحُّ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ بِعُمْرَةٍ وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْيٌ فَلَا يَلْتَزِمْ هَذَا وَيَجُوزُ لَهُ فَسْخُ الْحَجِّ

وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهَذَا الْقَوْلِ تَطْيِيبَ قُلُوبِ أَصْحَابِهِ لِأَنَّهُ كَانَ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ أَنْ يَحِلُّوا وَهُوَ مُحْرِمٌ فَقَالَ لَهُمْ ذَلِكَ لِئَلَّا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ وَلِيَعْلَمُوا أَنَّ الْأَفْضَلَ لَهُمْ قَبُولُ مَا دَعَاهُمْ إِلَيْهِ وَأَنَّهُ لَوْلَا الْهَدْيُ لَفَعَلَهُ كَذَا فِي النِّهَايَةِ

قُلْتُ فَتَكُونُ دَلَالَةُ الْحَدِيثِ حِينَئِذٍ عَلَى مَعْنَى جَوَازِ التَّمَتُّعِ لَا عَلَى مَعْنَى الِاخْتِيَارِ (قَالَ مُحَمَّدُ) بْنُ يَحْيَى الذُّهْلِيُّ (أَحْسَبُهُ) أَيْ عُثْمَانَ بْنَ عُمَرَ (قَالَ) فِي رِوَايَتِهِ هَذِهِ الْجُمْلَةَ لَحَلَلْتُ إِلَخْ (قَالَ) أَيْ مُحَمَّدٌ الذُّهْلِيُّ فِي تَفْسِيرِ هَذَا الْكَلَامِ

[1785]

(بِالْحَجِّ مُفْرَدًا) اسْتَدَلَّ بِهِ مَنْ قَالَ إِنَّ حَجَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُفْرَدًا وَلَيْسَ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ لِأَنَّ غَايَةَ مَا فِيهِ أَنَّهُمْ أفردوا الحج

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَالصَّوَاب أَنَّ مَا أَحْرَمَ بِهِ صلى الله عليه وسلم كَانَ أَفْضَل وَهُوَ الْقِرَان وَلَكِنْ أَخْبَرَ أَنَّهُ لَوْ اِسْتَقْبَلَ مِنْ أَمْره مَا اِسْتَدْبَرَ لَأَحْرَمَ بِعُمْرَةٍ وَكَانَ حِينَئِذٍ مُوَافِقًا لَهُمْ فِي الْمَفْضُول تَأْلِيفًا لَهُمْ وَتَطْيِيبًا لِقُلُوبِهِمْ كَمَا تَرَكَ بِنَاء الْكَعْبَة عَلَى قَوَاعِد إِبْرَاهِيم وَإِدْخَال الْحَجَر فِيهَا وَإِلْصَاق بَابهَا بِالْأَرْضِ تَأْلِيفًا لِقُلُوبِ الصَّحَابَة الْحَدِيثِي الْعَهْد بِالْإِسْلَامِ خَشْيَة أَنْ تَنْفِر قُلُوبهمْ

وَعَلَى هَذَا فَيَكُون اللَّه تَعَالَى قَدْ جَمَعَ لَهُ الْأَمْرَيْنِ النُّسُك الْأَفْضَل الَّذِي أَحْرَمَ بِهِ وَمُوَافَقَته لِأَصْحَابِهِ بِقَوْلِهِ لَوْ اِسْتَقْبَلَتْ فَهَذَا بِفِعْلِهِ وَهَذَا بِنِيَّتِهِ وَقَوْله وَهَذَا الْأَلْيَق بِحَالِهِ صَلَوَات اللَّه وَسَلَامه عَلَيْهِ

ص: 141

مَعَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجَّ وَلَوْ سُلِّمَ أَنَّهُ يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ فَهُوَ مُؤَوَّلٌ (عَرَكَتْ) بِفَتْحِ الْعَيْنِ الْمُهْمَلَةِ وَالرَّاءِ أَيْ حَاضَتْ يُقَالُ عَرَكَتْ تَعْرُكُ عُرُوكًا كقعد تَقْعُدُ قُعُودًا (حِلَّ مَاذَا) بِكَسْرِ الْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَتَشْدِيدِ اللَّامِ وَحَذْفِ التَّنْوِينَ لِلْإِضَافَةِ وَمَا اسْتِفْهَامِيَّةٌ أَيِ الْحِلُّ مِنْ أَيِّ شَيْءٍ ذَا وَهَذَا السُّؤَالُ مِنْ جِهَةِ مَنْ جَوَّزَ أَنَّهُ حَلَّ مِنْ بَعْضِ الْأَشْيَاءِ دُونَ بَعْضٍ (الْحِلُّ كُلُّهُ) أَيِ الْحِلُّ الَّذِي لَا يَبْقَى مَعَهُ شَيْءٌ مِنْ مَمْنُوعَاتِ الْإِحْرَامِ بَعْدَ التَّحَلُّلِ الْمَأْمُورِ بِهِ (ثُمَّ أَهْلَلْنَا يَوْمَ التَّرْوِيَةِ) هُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ (فَاغْتَسِلِي) هَذَا الْغُسْلُ قِيلَ هُوَ الْغُسْلُ لِلْإِحْرَامِ وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْغُسْلُ مِنَ الْحَيْضِ (حَتَّى إِذَا طَهُرَتْ) قَالَ النَّوَوِيُّ يُسْتَنْبَطُ مِنْهُ ثَلَاثُ مَسَائِلَ حَسَنَةٌ إِحْدَاهَا أَنَّ عَائِشَةَ رضي الله عنها كَانَتْ قَارِنَةً وَلَمْ تَبْطُلْ عُمْرَتُهَا وَأَنَّ الرَّفْضَ الْمَذْكُورَ مُتَأَوَّلٌ

وَالثَّانِيَةُ أَنَّ الْقَارِنَ يَكْفِيهِ طَوَافٌ وَاحِدٌ وَسَعْيٌ وَاحِدٌ وَالثَّالِثَةُ أَنَّ السَّعْيَ بَيْنَ الصَّفَّا وَالْمَرْوَةِ يُشْتَرَطُ وُقُوعُهُ بَعْدَ طَوَافٍ صَحِيحٍ

وَمَوْضِعُ الدَّلَالَةِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَمَرَهَا أَنْ تَصْنَعَ مَا يَصْنَعُ الْحَاجُّ غَيْرَ الطَّوَافِ بِالْبَيْتِ وَلَمْ تَسْعَ كَمَا لَمْ تَطُفْ فَلَوْ لَمْ يَكُنِ السَّعْيُ مُتَوَقِّفًا عَلَى تَقَدُّمِ الطَّوَافِ عَلَيْهِ لَمَا أَخَّرَتْهُ انْتَهَى

وَاعْلَمْ أَنَّ طُهْرَ عَائِشَةَ هَذَا الْمَذْكُورَ كَانَ يَوْمَ السَّبْتِ وَهُوَ يَوْمُ النَّحْرِ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَكَانَ ابْتِدَاءُ حيضها هذا يوم السبت أيضا لثلاث خَلَوْنَ مِنْ ذِي الْحَجَّةِ سَنَةَ عَشْرٍ

ذَكَرَهُ أَبُو مُحَمَّدِ بْنُ حَزْمٍ فِي كِتَابِ حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَتَقَدَّمَ بَيَانُهُ أَيْضًا (مِنَ التَّنْعِيمِ) هُوَ مَوْضِعٌ عَلَى نَحْوِ ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ مَكَّةَ (وَذَلِكَ) أَيْ إِحْرَامُ الْعُمْرَةِ (لَيْلَةُ الْحَصْبَةِ) أَيِ اللَّيْلَةُ الَّتِي بَعْدَ لَيَالِي

ص: 142

التَّشْرِيقِ الَّتِي يَنْزِلُ الْحُجَّاجُ فِيهَا فِي الْمُحَصَّبِ

وَالْمَشْهُورُ فِي الْحَصْبَةِ بِسُكُونِ الصَّادِ وَجَاءَ فَتْحُهَا وَكَسْرُهَا وَهِيَ أَرْضٌ ذَاتُ حَصًى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ

[1787]

(لَا يُخَالِطُهُ شَيْءٌ) يَعْنِي مِنَ الْعُمْرَةِ وَلَا الْقِرَانِ وَلَا غَيْرِهِمَا (خَلَوْنَ) أَيْ مَضَيْنَ (مِنْ ذِي الْحِجَّةِ) بِكَسْرِ الْحَاءِ عَلَى الْأَفْصَحِ (أَرَأَيْتَ مُتْعَتَنَا هَذِهِ) أَيْ أَخْبِرْنِي عَنْ فَسْخِنَا الْحَجَّ إِلَى عُمْرَتِنَا هَذِهِ الَّتِي تَمَتَّعْنَا فِيهَا بِالْجِمَاعِ وَالطِّيبِ وَاللُّبْسِ (لِعَامِنَا هَذَا) أَيْ مَخْصُوصَةٌ بِهِ لَا تَجُوزُ فِي غَيْرِهِ (أَمْ لِلْأَبَدِ) أَيْ جَمِيعِ الْأَعْصَارِ

وَقَدِ اسْتَدَلَّ بِهِ مِنْ قَالَ إِنَّهُ يَجُوزُ فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ لِكُلِّ أَحَدٍ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَعِنْد النَّسَائِيِّ عَنْ سُرَاقَة تَمَتَّعَ رَسُول الله وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ فَقُلْنَا أَلَنَا خَاصَّة أَمْ لِلْأَبَدِ قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ وَهُوَ صَرِيح فِي أَنَّ الْعُمْرَة الَّتِي فَسَخُوا حَجّهمْ إِلَيْهَا لَمْ تَكُنْ مُخْتَصَّة بِهِمْ وَأَنَّهَا مَشْرُوعَة لِلْأُمَّةِ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة

وَقَوْل مَنْ قَالَ إِنَّ الْمُرَاد بِهِ السُّؤَال عَنْ الْمُتْعَة فِي أَشْهُر الْحَجّ لَا عَنْ عُمْرَة الْفَسْخ بَاطِل مِنْ وُجُوه أَحَدهَا أَنَّهُ لَمْ يَقَع السُّؤَال عَنْ ذَلِكَ وَلَا فِي اللَّفْظ مَا يَدُلّ عَلَيْهِ وَإِنَّمَا سَأَلَهُ عَنْ تَلِك الْعُمْرَة الْمُعَيَّنَة الَّتِي أُمِرُوا بِالْفَسْخِ إِلَيْهَا وَلِهَذَا أَشَارَ إِلَيْهَا بِعَيْنِهَا فَقَالَ مُتْعَتنَا هَذِهِ وَلَمْ يَقُلْ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ

الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ السَّائِل أَرَادَ ذلك فالنبي أَطْلَقَ الْجَوَاب بِأَنَّ تَلِك الْعُمْرَة مَشْرُوعَة إِلَى الْأَبَد وَمَعْلُوم أَنَّهَا مُشْتَمِلَة عَلَى وَصْفَيْنِ كَوْنهَا عُمْرَة فُسِخَ الْحَجّ إِلَيْهَا وَكَوْنهَا فِي أَشْهُر الْحَجّ

فَلَوْ كَانَ الْمُرَاد أَحَد الْأَمْرَيْنِ وَهُوَ كَوْنهَا فِي أَشْهُر الْحَجّ لَبَيَّنَهُ لِلسَّائِلِ لَا سِيَّمَا إِذَا كَانَ الْفَسْخ حَرَامًا بَاطِلًا

ص: 143

وَبِهِ قَالَ أَحْمَدُ وَطَائِفَةٌ مِنْ أَهْلِ الظَّاهِرِ وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَغَيْرُهُمْ إِنَّ فَسْخَ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ هُوَ مُخْتَصٌّ بِالصَّحَابَةِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لَا يَجُوزُ بَعْدَهَا قَالُوا وَإِنَّمَا أُمِرُوا بِهِ فِي تِلْكَ السَّنَةِ لِيُخَالِفُوا مَا كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي ذَرٍّ وَحَدِيثِ الْحَرْثِ بْنِ بِلَالٍ عَنْ أَبِيهِ وَسَيَأْتِيَانِ عند المؤلف

قالوا ومعنى قوله للأبد جواز الاعتمار في أشهر الحج أو القران فهما جائزان إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ

وَأَمَّا فَسْخُ الْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَةِ فَمُخْتَصٌّ بِتِلْكَ السَّنَةِ

وَقَدْ عَارَضَ الْمُجَوِّزُونَ لِلْفَسْخِ مَا احْتَجَّ بِهِ الْمَانِعُونَ بِأَحَادِيثَ كَثِيرَةٍ عَنْ أَرْبَعَةَ عَشَرَ مِنَ الصَّحَابَةِ قَدْ ذَكَرَ بن تَيْمِيَةَ فِي الْمُنْتَقَى مِنْهَا أَحَادِيثَ عَشَرَةٍ مِنْهُمْ وَهُمْ جَابِرٌ وَسُرَاقَةُ بْنُ مَالِكٍ وَأَبُو سَعِيدٍ وأسماء وعائشة وبن عباس وأنس وبن عُمَرَ وَالرَّبِيعُ بْنُ سَبْرَةَ وَالْبَرَاءُ وَالْأَرْبَعَةُ الْبَاقِيَةُ هُمْ حَفْصَةُ وَعَلِيٌّ وَفَاطِمَةُ بِنْتُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم وَأَبُو مُوسَى

قَالَ المنذري

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

فَكَيْفَ يُطْلَق الْجَوَاب عَمَّا يَجُوز وَيُشْرَع

وَمَا لَا يَحِلّ وَلَا يَصِحّ إِطْلَاقًا وَاحِدًا هَذَا مما ينزه عنه آحاد أمته فضلا عنه وَمَعْلُوم أَنَّ مَنْ سُئِلَ عَنْ أَمْر يَشْتَمِل عَلَى جَائِز وَمُحَرَّم وَجَبَ عَلَيْهِ أَنْ يُبَيِّن لِلسَّائِلِ جَائِزه مِنْ حَرَامه وَلَا يُطْلَق الْجَوَاز وَالْمَشْرُوعِيَّة عَلَيْهِ إِطْلَاقًا وَاحِدًا

الثَّالِث أَنَّ النَّبِيّ قَدْ اِعْتَمَرَ قَبْل ذَلِكَ ثَلَاث عُمَر كُلّهنَّ فِي أَشْهُر الْحَجّ وَقَدْ عَلِمَ ذَلِكَ الْخَاصّ وَالْعَامّ أَفَمَا كَانَ فِي ذَلِكَ مَا يَدُلّ عَلَى جَوَاز الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ الرَّابِع أن النبي قَالَ لَهُمْ عِنْد إِحْرَامهمْ مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلّ وَفِي هَذَا أَعْظَم الْبَيَان لِجَوَازِ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ

الْخَامِس أَنَّهُ خَصَّ بِذَلِكَ الْفَسْخ مَنْ لَمْ يَكُنْ مَعَهُ هَدْي وَأَمَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي فَأَمَرَهُ بِالْبَقَاءِ عَلَى إِحْرَامه وَأَنْ لَا يَفْسَخ فَلَوْ كَانَ الْمُرَاد مَا ذَكَرُوهُ لَعَمَّ الْجَمِيع بِالْفَسْخِ وَلَمْ يَكُنْ لِلْهَدْيِ أَثَر أَصْلًا فَإِنَّ سَبَب الْفَسْخ عِنْدهمْ الْإِعْلَام الْمُجَرَّد بِالْجَوَازِ وَهَذَا الْإِعْلَام لَا تَأْثِير لِلْهَدْيِ فِي الْمَنْع مِنْهُ

السَّادِس أَنَّ طُرُق الْإِعْلَام بِجَوَازِ الِاعْتِمَار فِي أَشْهُر الْحَجّ أَظْهَر وَأَبْيَن قَوْلًا وَفِعْلًا مِنْ الْفَسْخ فكيف يعدل عَنْ الْإِعْلَام بِأَقْرَب الطُّرُق وَأَبْيَنهَا وَأَسْهَلهَا وَأَدَلّهَا إِلَى الْفَسْخ الَّذِي لَيْسَ بِظَاهِرٍ فِيمَا ذَكَرَهُ مِنْ الْإِعْلَام وَالْخُرُوج مِنْ نُسُك إِلَى نُسُك وَتَعْوِيضهمْ بِسَعَةِ ذَلِكَ عَلَيْهِمْ لِمُجَرَّدِ الْإِعْلَام الْمُمْكِن الحصول بأقرب الطرق وقد بين ذَلِكَ غَايَة الْبَيَان بِقَوْلِهِ وَفِعْله فَلَمْ يُحِلّهُمْ بِالْإِعْلَامِ عَلَى الْفَسْخ

السَّابِع أَنَّهُ لَوْ فُرِضَ أَنَّ الْفَسْخ لِلْإِعْلَامِ الْمَذْكُور لَكَانَ ذَلِكَ دَلِيلًا على داوم مَشْرُوعِيَّته إِلَى يَوْم

ص: 144

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

الْقِيَامَة فَإِنَّ مَا شُرِعَ فِي الْمَنَاسِك لِمُخَالَفَةِ الْمُشْرِكِينَ مَشْرُوع أَبَدًا كَالْوُقُوفِ بِعَرَفَة لِقُرَيْشٍ وَغَيْرهمْ وَالدَّفْع مِنْ مُزْدَلِفَة قَبْل طُلُوع الشَّمْس

الثَّامِن أَنَّ هَذَا الْفَسْخ وَقَعَ فِي آخِر حَيَاة النبي ولم يجيء عَنْهُ كَلِمَة قَطّ تَدُلّ عَلَى نَسْخه وَإِبْطَاله وَلَمْ تُجْمِع الْأُمَّة بَعْده عَلَى ذَلِكَ بَلْ مِنْهُمْ مَنْ يُوجِبهُ كَقَوْلِ حَبْر الْأُمَّة وَعَالِمهَا عَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَمَنْ وَافَقَهُ وَقَوْل إِسْحَاق وَهُوَ قَوْل الظَّاهِرِيَّة وَغَيْرهمْ وَمِنْهُمْ مَنْ يستحبه ويراه سنة رسول الله كَقَوْلِ إِمَام أَهْل السُّنَّة أَحْمَد بْن حَنْبَل وَقَدْ قَالَ لَهُ سَلَمَة بْن شَبِيب يَا أَبَا عَبْد اللَّه كُلّ شَيْء مِنْك حَسَن إِلَّا خَصْلَة وَاحِدَة تَقُول بِفَسْخِ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة فَقَالَ يَا سَلَمَة

كَانَ يَبْلُغنِي عَنْك أَنَّك أَحْمَق وَكُنْت أُدَافِع عَنْك وَالْآن عَلِمْت أَنَّك أَحْمَق عِنْدِي فِي ذَلِكَ بِضْعَة عَشَر حديثا صحيحه عن رسول الله أَدَعهَا لِقَوْلِك وَهُوَ قَوْل الْحَسَن وَعَطَاء وَمُجَاهِد وَعُبَيْد اللَّه بْن الْحَسَن وَكَثِير مِنْ أَهْل الْحَدِيث أَوْ أَكْثَرهمْ

التَّاسِع أَنَّ هَذَا مُوَافِق لِحَجِّ خَيْر الْأُمَّة وَأَفْضَلهَا مَعَ خَيْر الْخَلْق وأفضلهم فإنه أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ إِلَى الْمُتْعَة وَهُوَ لَا يَخْتَار لَهُمْ إِلَّا الْأَفْضَل فَكَيْفَ يَكُون مَا اِخْتَارَهُ لَهُمْ هُوَ الْمَفْضُول الْمَنْقُوص بَلْ الْبَاطِل الَّذِي لَا يَسُوغ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتَدِي بِهِمْ فِيهِ الْعَاشِر أَنَّ الصَّحَابَة رضي الله عنهم إِذَا لَمْ يَكْتَفُوا بِعَمَلِ الْعُمْرَة مَعَهُ ثَلَاثَة أَعْوَام فِي أَشْهُر الْحَجّ وَبِقَوْلِهِ لَهُمْ عِنْد الْإِحْرَام مَنْ شَاءَ أَنْ يُهِلّ بِعُمْرَةٍ فَلْيُهِلّ عَلَى جَوَاز الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ فَهُمْ أَحْرَى أَنْ يَكْتَفُوا بِالْأَمْرِ بِالْفَسْخِ فِي الْعِلْم بِجَوَازِ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ فَإِنَّهُ إِذَا لَمْ يَحْصُل لَهُمْ الْعِلْم بِالْجَوَازِ بِقَوْلِهِ وَفِعْله فَكَيْفَ يحصل بأمره لهم بالنسخ

الحادي عشر أن بن عَبَّاس الَّذِي رَوَى أَنَّهُمْ كَانُوا يَرَوْنَ الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ مِنْ أَفْجَر الْفُجُور وَأَنَّ النبي أَمَرَهُمْ لَمَّا قَدِمُوا بِالْفَسْخِ هُوَ كَانَ يَرَى وُجُوب الْفَسْخ وَلَا بُدّ بَلْ كَانَ يَقُول كُلّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ مِنْ إحرامه ما لم يكن معه هدي وبن عباس أعلم بذلك فلو كان النبي إِنَّمَا أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِلْإِعْلَامِ بِجَوَازِ الْعُمْرَة لَمْ يخف ذلك على بن عَبَّاس وَلَمْ يَقُلْ إِنَّ كُلّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ مِنْ قَارِن أَوْ حَاجّ لَا هَدْي مَعَهُ فَقَدْ حَلَّ

الثَّانِي عَشَر أَنَّهُ لَا يُظَنّ بِالصَّحَابَةِ الَّذِينَ هُمْ أَصَحّ النَّاس أَذْهَانًا وَأَفْهَامًا وَأَطْوَعهمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ أَنَّهُمْ لَمْ يَفْهَمُوا جَوَاز الْعُمْرَة فِي أَشْهُر الْحَجّ وَقَدْ عَمِلُوهَا مع رسول الله ثَلَاثَة أَعْوَام وَأَذِنَ لَهُمْ فِيهَا ثُمَّ فَهِمُوا ذَلِكَ مِنْ الْأَمْر بِالْفَسْخِ

الثَّالِث عَشَر أَنَّ النبي إِمَّا أَنْ يَكُون أَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ لِأَنَّ التَّمَتُّع أَفْضَل فَأَمَرَهُمْ بِالْفَسْخِ إِلَى أَفْضَل الْأَنْسَاك أَوْ يَكُون أَمَرَهُمْ بِهِ لِيَكُونَ نُسُكهمْ مُخَالِفًا لِلْمُشْرِكِينَ فِي التَّمَتُّع فِي أَشْهُر الْحَجّ وَعَلَى التَّقْدِيرَيْنِ فَهُوَ مَشْرُوع غَيْر مَنْسُوخ إِلَى الْأَبَد

ص: 145

. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

أَمَّا الْأَوَّل الظَّاهِر وَأَمَّا الثَّانِي فَلِأَنَّ الشَّرِيعَة قَدْ اِسْتَقَرَّتْ وَلَا سِيَّمَا فِي الْمَنَاسِك عَلَى قَصْد مُخَالَفَة الْمُشْرِكِينَ فَالنُّسُك الْمُشْتَمِل عَلَى مُخَالَفَتهمْ أَفْضَل بِلَا رَيْب وَهَذَا وَاضِح

الرَّابِع عَشَر أَنَّ السَّائِل لِلنَّبِيِّ عُمْرَتنَا هَذِهِ لِعَامِنَا أَمْ للأبد لم يرد به أنها هل تجزىء عَنْ تَلِك السَّنَة فَقَطْ أَوْ عَنْ الْعُمْر كُلّه فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُرَاده ذَلِكَ لَسَأَلَ عَنْ الْحَجّ الَّذِي هُوَ فَرْض الْإِسْلَام وَمِنْ الْمَعْلُوم أَنَّ الْعُمْرَة إِنْ كَانَتْ وَاجِبَة لَمْ تَجِب فِي الْعُمْر إِلَّا مَرَّة وَاحِدَة وَلِأَنَّهُ لَوْ أَرَادَ ذَلِكَ لَمْ يَقُلْ لَهُ النَّبِيّ بَلْ لِأَبَدِ الْأَبَد فَإِنَّ أَبَد الْأَبَد إِنَّمَا يَكُون فِي حَقّ الْأُمَّة (قَوْمًا يَعْرِفُونَ) إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَإِنَّ الْأَبَد لَا يَكُون فِي حَقّ طَائِفَة مُعَيَّنَة بَلْ هُوَ لِجَمِيعِ الْأُمَّة وَلِأَنَّهُ قَالَ فِي رِوَايَة النَّسَائِيِّ أَلَنَا خَاصَّة أَمْ لِلْأَبَدِ فَدَلَّ عَلَى أَنَّهُمْ إِنَّمَا سَأَلُوا

هَلْ يَسُوغ فِعْلهَا بَعْدك عَلَى هَذَا الْوَجْه فَأَجَابَهُمْ بِأَنَّ فِعْلهَا كَذَلِكَ سَائِغ أَبَد الْأَبَد وَفِي رِوَايَة لِلْبُخَارِيِّ أَنَّ سُرَاقَة بْن مَالِك لقي النبي فَقَالَ أَلَكُمْ هَذِهِ خَاصَّة يَا رَسُول اللَّه قَالَ بَلْ لِلْأَبَدِ

الْخَامِس عَشَر أَنَّ النَّبِيّ أَخْبَرَهُمْ فِي تِلْكَ الْحَجَّة أَنَّ كُلّ مَنْ طَافَ بِالْبَيْتِ فَقَدْ حَلَّ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ الْهَدْي فَفِي السُّنَن مِنْ حَدِيث الرَّبِيع بْن سَبْرَة عَنْ أَبِيهِ قَالَ خَرَجْنَا مَعَ رسول الله حَتَّى إِذَا كَانَ بِعُسْفَانَ قَالَ لَهُ سُرَاقَة بْن مَالِك الْمُدْلِجِيّ يَا رَسُول اللَّه اِقْضِ لَنَا قَضَاء قَوْم كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْم فَقَالَ

إِنَّ اللَّه عز وجل قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجّكُمْ هَذَا عُمْرَة فَإِذَا قَدِمْتُمْ فَمَنْ تَطَوَّفَ بِالْبَيْتِ وَبَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة فَقَدْ حَلَّ إِلَّا مَنْ كَانَ مَعَهُ هَدْي وَسَيَأْتِي الْحَدِيث

فَهَذَا نَصّ اِنْفِسَاخه شَاءَ أَمْ أَبَى كَمَا قال بن عَبَّاس وَإِسْحَاق وَمَنْ وَافَقَهُمَا وَقَوْله اِقْضِ لَنَا قَضَاء قَوْم كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْم يُرِيد قَضَاء لَازِمًا لَا يَتَغَيَّر وَلَا يَتَبَدَّل بَلْ نَتَمَسَّك بِهِ مِنْ يَوْمنَا هَذَا إِلَى آخِر الْعُمْر

السادس عشر أن النبي لَمَّا سُئِلَ عَنْ تِلْكَ الْعُمْرَة الَّتِي فَسَخُوا إِلَيْهَا الْحَجّ وَتَمَتَّعُوا بِهَا اِبْتِدَاء فَقَالَ دَخَلَتْ الْعُمْرَة فِي الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة كَانَ هَذَا تَصْرِيحًا مِنْهُ بِأَنَّ هَذَا الْحُكْم ثَابِت أَبَدًا لَا يُنْسَخ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَمَنْ جَعَلَهُ مَنْسُوخًا فَهَذَا النَّصّ يَرُدّ قَوْله

وَحَمَلَهُ عَلَى الْعُمْرَة الْمُبْتَدَأَة الَّتِي لَمْ يُفْسَخ الْحَجّ إِلَيْهَا بَاطِل فَإِنَّ عُمْدَة الْفَسْخ سَبَب الْحَدِيث فَهِيَ مُرَادَة مِنْهُ نَصًّا وَمَا عَدَاهَا ظَاهِرًا وَإِخْرَاج مَحَلّ السَّبَب وَتَخْصِيصه مِنْ اللَّفْظ الْعَامّ لَا يَجُوز فَالتَّخْصِيص وَإِنْ تَطَرَّقَ إِلَى الْعُمُوم فَلَا يَتَطَرَّق إِلَى مَحَلّ السَّبَب

وَهَذَا بَاطِل

السَّابِع عَشَر أَنَّ مُتْعَة الْفَسْخ لَوْ كَانَتْ مَنْسُوخَة لَكَانَ ذَلِكَ مِنْ الْمَعْلُوم عِنْد الصَّحَابَة ضَرُورَة كَمَا كَانَ مِنْ الْمَعْلُوم عِنْدهمْ نَسْخ الْكَلَام فِي الصَّلَاة وَنَسْخ الْقِبْلَة وَنَسْخ تَحْرِيم الطَّعَام وَالشَّرَاب عَلَى الصَّائِم بَعْد مَا يَنَام بَلْ كَانَ بِمَنْزِلَةِ الْوُقُوف بِعَرَفَة وَالدَّفْع مِنْ مُزْدَلِفَة قَبْل طُلُوع الشَّمْس فَإِنَّ هَذَا مِنْ أُمُور الْمَنَاسِك الظَّاهِرَة الْمُشْتَرِك فِيهَا أَهْل الْإِسْلَام فَكَانَ نَسْخه لَا يَخْفَى عَلَى أَحَد

وَقَدْ كان بن عَبَّاس إِذَا سَأَلُوهُ عَنْ فُتْيَاهُ بِهَا يَقُول سُنَّة نَبِيّكُمْ وَإِنْ رَغِمْتُمْ فَلَا يُرَاجِعُونَهُ فَكَيْفَ تكون منسوخة عندهم

ص: 146

وَأَبُو مُوسَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وبن عَبَّاس يُخْبِر أَنَّهَا سُنَّة نَبِيّهمْ وَيُفْتِي بِهَا الْخَاصّ وَالْعَامّ وَهُمْ يُقِرُّونَهُ عَلَى ذَلِكَ هَذَا مِنْ أَبْطَل الْبَاطِل

الثَّامِن عَشَر أَنَّ الْفَسْخ قد رواه عن النبي أَرْبَعَة عَشَر مِنْ الصَّحَابَة وَهُمْ عَائِشَة وَحَفْصَة وعلي وفاطمة وأسماء بنت أبي بكر وجابر وأبو سعيد وأنس وأبو موسى والبراء وبن عَبَّاس وَسُرَاقَة وَسَبْرَة وَرَوَاهُ عَنْ عَائِشَة الْأَسْوَد بْن يَزِيد وَالْقَاسِم وَعُرْوَة وَعَمْرَة وَذَكْوَان مَوْلَاهَا

وَرَوَاهُ عَنْ جَابِر عَطَاء وَمُجَاهِد وَمُحَمَّد بْن عَلِيّ وَأَبُو الزُّبَيْر

وَرَوَاهُ عَنْ أَسْمَاء صَفِيَّة وَمُجَاهِد

وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي سَعِيد أَبُو نَضْرَة

وَرَوَاهُ عَنْ الْبَرَاء أَبُو إِسْحَاق

وَرَوَاهُ عَنْ بن عُمَر سَالِم اِبْنه وَبَكْر بْن عَبْد اللَّه

ورواه عَنْ أَنَس أَبُو قِلَابَةَ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي موسى طارق بن شهاب ورواه عن بن عباس طاووس وعطاء وبن سِيرِينَ وَجَابِر بْن زَيْد وَمُجَاهِد وَكُرَيْب وَأَبُو الْعَالِيَة وَمُسْلِم الْقُرَشِيّ وَأَبُو حَسَّان الْأَعْرَج وَرَوَاهُ عَنْ سَبْرَة اِبْنه

فَصَارَ نَقْل كَافَّة عَنْ كَافَّة يُوجِب الْعِلْم وَمِثْل هَذَا لَا يَجُوز دَعْوَى نَسْخه إِلَّا بِمَا يَتَرَجَّح عَلَيْهِ أَوْ يُقَاوِمهُ

فَكَيْفَ يَسُوغ دَعْوَى نَسْخه بِأَحَادِيث لَا تُقَاوِمهُ وَلَا تُدَانِيه وَلَا تُقَارِبهُ وَإِنَّمَا هِيَ بين مجهول رواتها أو ضعفاء لا مقوم بِهِمْ حُجَّة

وَمَا صَحَّ فِيهَا فَهُوَ رَأْي صَاحِب قَالَهُ بِظَنِّهِ وَاجْتِهَاده وَهُوَ أَصَحّ مَا فِيهَا وَهُوَ قَوْل أَبِي ذَرّ كَانَتْ الْمُتْعَة لَنَا خَاصَّة وَمَا عَدَاهُ فَلَيْسَ بِشَيْءٍ وَقَدْ كَفَانَا رُوَاته مُؤْنَته

فَلَوْ كَانَ مَا قَالَهُ أَبُو ذَرّ رِوَايَة صَحِيحَة ثَابِتَة مَرْفُوعَة لَكَانَ نَسْخ هَذِهِ الْأَحَادِيث الْمُتَوَاتِرَة بِهِ مُمْتَنِعًا فَكَيْفَ وَإِنَّمَا هُوَ قَوْله وَمَعَ هَذَا فَقَدْ خَالَفَهُ فِيهِ عَشَرَة مِنْ الصَّحَابَة كَابْنِ عَبَّاس وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيّ وَغَيْرهمَا

التَّاسِع عَشَر أَنَّ الْفَسْخ مُوَافِق لِلنُّصُوصِ وَالْقِيَاس

أَمَّا مُوَافَقَته لِلنُّصُوصِ فَلَا رَيْب فِيهِ كَمَا تَقَدَّمَ

وَأَمَّا مُوَافَقَته لِلْقِيَاسِ فَإِنَّ الْمُحْرِم إِذَا اِلْتَزَمَ أَكْثَر مِمَّا كَانَ اِلْتَزَمَهُ جَازَ بِالِاتِّفَاقِ فَلَوْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجّ جَازَ اِتِّفَاقًا وَعَكْسه لَا يَجُوز عِنْد الْأَكْثَرِينَ وَأَبُو حَنِيفَة يُجَوِّزهُ عَلَى أَصْله فَإِنَّ الْقَارِن يَطُوف طَوَافَيْنِ وَيَسْعَى سَعْيَيْنِ فَإِذَا أَدْخَلَ الْعُمْرَة عَلَى الْحَجّ جَازَ عِنْده لِالْتِزَامِهِ طَوَافًا ثَانِيًا وَسَعْيًا وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَالْمُحْرِم بِالْحَجِّ لَمْ يَلْتَزِم إِلَّا الْحَجّ إِذَا صَارَ مُتَمَتِّعًا صَارَ مُلْتَزِمًا لِعُمْرَةٍ وَحَجّ فَكَانَ مَا اِلْتَزَمَهُ بِالْفَسْخِ أَكْثَر مِمَّا كَانَ عَلَيْهِ فَجَازَ ذَلِكَ بَلْ اُسْتُحِبَّ لَهُ لِأَنَّهُ أَفْضَل وَأَكْثَر مِمَّا اِلْتَزَمَهُ أَوَّلًا

وَإِنَّمَا يَتَوَهَّم الْإِشْكَال مَنْ يَتَوَهَّم أَنَّهُ فَسْخ حَجّ إِلَى عُمْرَة وَلَيْسَ كَذَلِكَ فَإِنَّهُ لَوْ أَرَادَ أَنْ يَفْسَخ الْحَجّ إِلَى عُمْرَة مُفْرَدَة لَمْ يَجُزْ عِنْد أَحَد وَإِنَّمَا يَجُوز الْفَسْخ لِمَنْ نِيَّته أَنْ يَحُجّ بَعْد مُتْعَته مِنْ عَامه وَالْمُتَمَتِّع مِنْ حِين يُحْرِم بِالْعُمْرَةِ دَخَلَ فِي الْحَجّ كَمَا قال النبي دَخَلَتْ الْعُمْرَة فِي الْحَجّ فَهَذِهِ الْمُتْعَة الَّتِي فَسَخَ إِلَيْهَا هِيَ جُزْء مِنْ الْحَجّ لَيْسَتْ عُمْرَة مُفْرَدَة وَهِيَ مِنْ الْحَجّ بِمَنْزِلَةِ الْوُضُوء مِنْ غُسْل الْجَنَابَة فَهِيَ عِبَادَة وَاحِدَة قَدْ تَخَلَّلَهَا الرُّخْصَة بِالْإِحْلَالِ وَهَذَا لَا يَمْنَع أَنْ تَكُون وَاحِدَة كَطَوَافِ الْإِفَاضَة فَإِنَّهُ مِنْ

ص: 147

وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي وبن مَاجَهْ

[1788]

(اجْعَلُوهَا عُمْرَةً) خِطَابٌ لِمَنْ كَانَ أَهَلَّ بِالْحَجِّ مُفْرَدًا لِأَنَّهُمْ كَانُوا ثَلَاثَ فِرَقٍ قَالَهُ الْعَيْنِيُّ أَيِ افْسَخُوهُ إِلَى الْعُمْرَةِ لِبَيَانِ مُخَالَفَةِ كَانَتْ عَلَيْهِ الْجَاهِلِيَّةُ مِنْ تَحْرِيمِ الْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ مُخْتَصَرًا وَمُطَوَّلًا

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

تَمَام الْحَجّ وَلَا يُفْعَل إِلَّا بَعْد التَّحَلُّل الْأَوَّل وَكَذَلِكَ رَمْي الْجِمَار أَيَّام مِنًى مِنْ تَمَام الْحَجّ وَهُوَ يُفْعَل بَعْد التَّحَلُّل التَّامّ

وقول النبي مَنْ حَجَّ هَذَا الْبَيْت فَلَمْ يَرْفُث وَلَمْ يَفْسُق يَتَنَاوَل مَنْ حَجَّ حَجَّة تَمَتَّعَ فِيهَا بِالْعُمْرَةِ وَإِنْ تَحَلَّلَ مِنْ إِحْرَامه وَلَمْ تَكُنْ حجته مكية إذ لا ينقلهم الرؤوف الرَّحِيم بِهِمْ مِنْ الْفَاضِل الرَّاجِح إِلَى الْمَفْضُول النَّاقِص بَلْ إِنَّمَا نَقَلَهُمْ مِنْ الْمَفْضُول إِلَى الْفَاضِل الْكَامِل لَا يَجُوز غَيْر هَذَا الْبَتَّة

الْعِشْرُونَ أَنَّ الْقِيَاس أَنَّهُ إِذَا اِجْتَمَعَتْ عِبَادَتَانِ كُبْرَى وَصُغْرَى فَالسُّنَّة تَقْدِيم الصُّغْرَى عَلَى الْكُبْرَى منهما ولهذا كان النبي يَبْدَأ فِي غُسْل الْجَنَابَة الْوُضُوء أَوَّلًا ثُمَّ يُتْبِعهُ الْغُسْل وَقَالَ فِي غُسْل اِبْنَته اِبْدَأْنَ بِمَيَامِنِهَا وَمَوَاضِع الْوُضُوء مِنْهَا فَنَسْخ الْحَجّ إِلَى الْعُمْرَة يَتَضَمَّن مُوَافَقَة هَذِهِ السُّنَّة

فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُ مُوَافِق لِلنُّصُوصِ وَالْقِيَاس وَلِحَجِّ خِيَار الْأُمَّة مع نبيها وَلَوْ لَمْ يُمْكِن فِيهِ نَصّ لَكَانَ الْقِيَاس يَدُلّ عَلَى جَوَازه مِنْ الْوُجُوه الَّتِي ذَكَرْنَا وَغَيْرهَا وَلَوْ تَتَبَّعْنَا أَدِلَّة جَوَازه لَطَالَتْ

وَفِي هَذَا كِفَايَة وَالْحَمْد لِلَّهِ

قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدين بن الْقَيِّم رحمه الله وَفِيهِ اِكْتِفَاء الْمُتَمَتِّع بِسَعْيٍ وَاحِد كَمَا تَقَدَّمَ

وَاَللَّه أَعْلَم

ص: 148

[1789]

(ثُمَّ يُقَصِّرُوا) لَمْ يَأْمُرْهُمْ بِالْحَلْقِ لِيَتَوَفَّرَ الشَّعْرُ يَوْمَ الْحَلْقِ لِأَنَّهُمْ يُحِلُّونَ بَعْدَ قَلِيلٍ بِالْحَجِّ لِأَنَّ بَيْنَ دُخُولِهِمْ مَكَّةَ وَبَيْنَ يَوْمِ التَّرْوِيَةِ أَرْبَعَةُ أَيَّامٍ فَقَطْ (أَنَنْطَلِقُ إِلَى مِنًى) بِالْهَمْزَةِ لِلِاسْتِفْهَامِ التَّعَجُّبِيِّ (وَذُكُورُنَا تَقْطُرُ) هُوَ بَابُ الْمُبَالَغَةِ أَيْ نُفْضِي إِلَى مُجَامَعَةِ النِّسَاءِ ثُمَّ نُحْرِمُ بِالْحَجِّ عَقِبَ ذَلِكَ فَنَخْرُجُ وَذَكَرُ أَحَدِنَا لِقُرْبِهِ بِالْجِمَاعِ يَقْطُرُ مَنِيًّا وَحَالَةُ الْحَجِّ تُنَافِي التَّرَفُّهَ وَتُنَاسِبُ الشَّعَثَ فَكَيْفَ يَكُونُ ذَلِكَ (فَبَلَغَ ذَلِكَ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم يَعْنِي بَلَغَ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَوْلُهُمْ هَذَا وَأَنَّهُمْ تَمَتَّعُوا بِهِ وَقُلُوبُهُمْ لَا تَطِيبُ بِهِ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم غَيْرُ مُتَمَتِّعٍ وَكَانُوا يُحِبُّونَ مُوَافَقَتَهُ صلى الله عليه وسلم

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ عَقْدَ الْإِحْرَامِ مُبْهَمًا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ جَائِزٌ وَصَاحِبَهُ بِالْخِيَارِ إِنْ شَاءَ صَرَفَهُ إِلَى الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ وَإِنْ شَاءَ إِلَى أَحَدِهِمَا

[1790]

(هَذِهِ عَمْرَةٌ اسْتَمْتَعْنَا بِهَا) قَالَ الْخَطَّابِيُّ يَحْتَجُّ مَنْ ذَهَبَ إِلَى أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ مُتَمَتِّعًا وَتَأَوَّلَهُ مَنْ ذَهَبَ إِلَى خِلَافِهِ عَلَى أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ مَنْ تَمَتَّعَ بِهِ مِنْ أَصْحَابِهِ فَقَدْ كَانَ فِيهِمُ الْمُتَمَتِّعُ وَالْقَارِنُ وَالْمُفْرِدُ وَهَذَا كَمَا يَقُولُ الرَّجُلُ الرَّئِيسُ مِنْ قَوْمِهِ فَعَلْنَا كَذَا وَصَنَعْنَا كَذَا وَلَوْ لَمْ تُبَاشِرْ نَفْسُهُ فِعْلَ شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ وَإِنَّمَا هُوَ حِكَايَةٌ عَنْ فِعْلِ أَصْحَابِهِ يُضِيفُهَا إِلَى نَفْسِهِ عَلَى مَعْنَى أَفْعَالُهُمْ صَادِرَةٌ عَنْ رَأْيِهِ مُنْصَرِفَةٌ إِلَى إِذْنِهِ (وَقَدْ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَوْله دَخَلَتْ الْعُمْرَة فِي الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة لَا رَيْب فِي أَنَّهُ مِنْ كَلَام رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ولم

ص: 149

مُخْتَلَفٌ فِي تَأْوِيلِهِ يَتَنَازَعُهُ الْفَرِيقَانِ مُوجِبُوهَا وَنَافُوهَا فَرْضًا فَمَنْ قَالَ إِنَّهَا وَاجِبَةٌ كَوُجُوبِ الْحَجِّ عمر وبن عباس وبه قال عطاء وطاووس ومجاهد والحسن وبن سيرين والشعبي وسعيد بن جبير وإلى إيجابها ذَهَبَ الشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ وَإِسْحَاقُ وَأَبُو عُبَيْدٍ وَقَالَ الثَّوْرِيُّ فِي الْعُمْرَةِ سَمِعْنَا أَنَّهَا وَاجِبَةٌ قُلْتُ فَوَجْهُ الِاسْتِدْلَالِ مِنْ قَوْلِهِ دَخَلَتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ لِمَنْ لَا يَرَاهَا وَاجِبَةً أَنَّ فَرْضَهَا سَاقِطٌ بِالْحَجِّ وَهُوَ مَعْنَى دُخُولِهَا فِيهِ وَمَنْ أَوْجَبَهَا يَتَأَوَّلُ عَلَى وَجْهَيْنِ أَحَدُهُمَا أَنَّ عَمَلَ الْعُمْرَةِ قَدْ دَخَلَ فِي عَمَلِ الْحَجِّ فَلَا يُرَى عَلَى الْقَارِنِ أَكْثَرَ مِنْ طَوَافٍ وَاحِدٍ وَسَعْيٍ وَاحِدٍ كَمَا لَا يَرَى عَلَيْهِ أَكْثَرَ مِنْ إِحْرَامٍ وَاحِدٍ وَالْوَجْهُ الْآخَرُ أَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَشُهُورِهِ وَكَانَ أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ لَا يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَبْطَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ لِهَذَا الْقَوْلِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ (هَذَا مُنْكَرٌ) أَيْ رَفْعُ هَذَا الْحَدِيثِ مُنْكَرٌ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَفِيمَا قَالَهُ أَبُو دَاوُدَ نَظَرٌ وَذَلِكَ أَنَّهُ قَدْ رَوَاهُ الْإِمَامُ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَمُحَمَّدُ بْنُ الْمُثَنَّى وَمُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ وَعُثْمَانُ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرٍ عَنْ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا وَرَوَاهُ أَيْضًا يَزِيدُ بْنُ هَارُونَ وَمُعَاذٌ الْعَنْبَرِيُّ وَأَبُو دَاوُدَ الطَّيَالِسِيُّ وَعُمَرُ بْنُ مَرْزُوقٍ عَنْ شُعْبَةَ مَرْفُوعًا وَتَقْصِيرُ مَنْ يَقْصُرُ بِهِ مِنَ الرُّوَاةِ لَا يُؤَثِّرُ فِيمَا أَثْبَتَهُ الْحُفَّاظُ انْتَهَى

[1791]

(عَنِ النَّهَّاسِ) بِفَتْحِ النُّونِ وَتَشْدِيدِ الْهَاءِ قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِ الْحَدِيثِ النَّهَّاسُ بْنُ قَهْمٍ أَبُو الْخَطَّابِ الْبَصْرِيُّ لَا يُحْتَجُّ بِحَدِيثِهِ انْتَهَى

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

يقل أحد أنه من قول بن عَبَّاس وَكَذَلِكَ قَوْله هَذِهِ عُمْرَة تَمَتَّعْنَا بِهَا وَهَذَا لَا يَشُكّ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى خِبْرَة بِالْحَدِيثِ

وَاَللَّه أَعْلَم

قَالَ الْحَافِظ شَمْس الدين بن الْقَيِّم رحمه الله وَالتَّعْلِيل الَّذِي تَقَدَّمَ لِأَبِي دَاوُدَ فِي قَوْله هَذَا حَدِيث مُنْكَر إِنَّمَا هو لحديث عطاء هذا عن بن عَبَّاس يَرْفَعهُ إِذَا أَهَلَّ الرَّجُل بِالْحَجِّ فَإِنَّ هذا قول بن عَبَّاس الثَّابِت عَنْهُ بِلَا رَيْب رَوَاهُ عَنْهُ أَبُو الشَّعْثَاء وَعَطَاء وَأَنَس بْن سَلِيم وَغَيْرهمْ مِنْ كَلَامه فَانْقَلَبَ عَلَى النَّاسِخ فَنَقَلَهُ إِلَى حديث مجاهد عن بن عَبَّاس وَهُوَ إِلَى جَانِبه وَهُوَ حَدِيث صَحِيح لَا مَطْعَن فِيهِ وَلَا عِلَّة وَلَا يُعَلِّل أَبُو دَاوُدَ مِثْله وَلَا

ص: 150

[1792]

(وَلَمْ يَحِلَّ مِنْ أَجْلِ الْهَدْيِ) فِيهِ أَنَّ مَنْ سَاقَ الْهَدْيَ لَا يَتَحَلَّلُ مِنْ عَمَلِ الْعُمْرَةِ حَتَّى يُهِلَّ بِالْحَجِّ وَيَفْرُغَ مِنْهُ وَفِيهِ أَنَّهُ لَا يَحِلُّ حَتَّى يَنْحَرَ هَدْيَهُ وَهُوَ قَوْلُ أَبِي حَنِيفَةَ رحمه الله وَأَحْمَدَ رحمه الله وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارِنًا قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ يَزِيدُ بْنُ أَبِي زِيَادٍ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ الْكُوفِيُّ تَكَلَّمَ فِيهِ غَيْرُ وَاحِدٍ وَأَخْرَجَ لَهُ مُسْلِمٌ فِي الشَّوَاهِدِ

[1793]

(يَنْهَى عَنِ الْعُمْرَةِ قَبْلَ الْحَجِّ) قَالَ الْخَطَّابِيُّ فِي إِسْنَادِ هَذَا الْحَدِيثِ مَقَالٌ وَقَدِ اعْتَمَرَ

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

مَنْ هُوَ دُون أَبِي دَاوُدَ وَقَدْ اِتَّفَقَ الْأَئِمَّة الْأَثْبَات عَلَى رَفْعه وَالْمُنْذِرِيُّ رحمه الله رَأَى ذَلِكَ فِي السُّنَن فَنَقَلَهُ كَمَا وَجَدَهُ وَالْأَمْر كَمَا ذَكَرْنَا

وَاَللَّه أَعْلَم

قَالَ الْحَافِظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وهذا الْحَدِيث بَاطِل وَلَا يَحْتَاج تَعْلِيله إِلَى عَدَم سماع بن المسيب من عمر فإن بن المسيب إذا قَالَ قَالَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَهُوَ حُجَّة

قَالَ الْإِمَام أَحْمَد إِذَا لَمْ يُقْبَل سَعِيد بْن الْمُسَيِّب عَنْ عُمَر فَمَنْ يُقْبَل وَقَالَ أَبُو مُحَمَّد بْن حَزْم هَذَا حَدِيث فِي غَايَة الْوَهْي وَالسُّقُوط لِأَنَّهُ مُرْسَل عَمَّنْ لَمْ يُسَمَّ وَفِيهِ أَيْضًا ثَلَاثَة مجهولون أبو عيسى الخرساني وَعَبْد اللَّه بْن الْقَاسِم وَأَبُوهُ فَفِيهِ خَمْسَة عُيُوب وَهُوَ سَاقِط لَا يَحْتَجّ بِهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى عِلْم وَقَالَ عَبْد الْحَقّ هَذَا مُنْقَطِع ضَعِيف الْإِسْنَاد

ص: 151

رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم عُمْرَتَيْنِ قَبْلَ حَجِّهِ وَالْأَمْرُ الثَّابِتُ الْمَعْلُومُ لَا يُتْرَكُ بِالْأَمْرِ الْمَظْنُونِ وَجَوَازُ ذَلِكَ إِجْمَاعٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ لَمْ يُذْكَرُ فِيهِ خِلَافٌ وَقَدْ يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ النَّهْيُ عَنْهُ اخْتِيَارًا وَاسْتِحْبَابًا وَأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ بِتَقْدِيمِ الْحَجِّ لِأَنَّهُ أَعْظَمُ الْأَمْرَيْنِ وَأَهَمُّهُمَا وَوَقْتُهُ مَحْصُورٌ وَالْعُمْرَةُ لَيْسَ لَهَا وَقْتٌ مُؤَقَّتٌ وَأَيَّامُ السَّنَةِ كُلُّهَا تَتَّسِعُ لِذَلِكَ وَقَدَّمَ اللَّهُ اسْمَ الْحَجِّ عَلَيْهَا فَقَالَ وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله انْتَهَى قَالَ الْمُنْذِرِيُّ سَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ لَمْ يَصِحَّ سَمَاعُهُ مِنْ عُمَرَ بْنِ الْخَطَّابِ

[1794]

(خَيْوَانِ) بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ وَيُقَالُ بِالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ وَالْهُنَائِيُّ بِضَمِّ الْهَاءِ وَتَخْفِيفِ النُّونِ كَذَا فِي التَّقْرِيبِ (مِمَّنْ قَرَأَ) الْقُرْآنَ وَغَيْرَ ذَلِكَ عَلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ الصَّحَابِيِّ فَأَبُو شَيْخٍ يَرْوِي عَنْ أَبِي مُوسَى وَمُعَاوِيَةَ بْنِ أَبِي سُفْيَانَ (مِنْ أَهْلِ الْبَصْرَةِ) هَذِهِ صِفَةٌ لِأَبِي شَيْخٍ أَيْ هُوَ بَصْرِيٌّ (جُلُودِ النُّمُورِ) جَمْعُ نِمْرٍ بِكَسْرِ النُّونِ وَسُكُونِ الْمِيمِ وَهُوَ سَبُعٌ أَخْبَثُ وَأَجْرَأُ مِنَ الْأَسَدِ (أَمَّا هَذَا) أَيِ النَّهْيُ عَنِ الْقِرَانِ (فَقَالَ) مُعَاوِيَةُ (أَمَا) حَرْفُ التَّنْبِيهِ (إِنَّهَا) أَيِ الْعُمْرَةُ مَعَ الْحَجِّ وَهُوَ الْقِرَانُ (مَعَهُنَّ) أَيْ مَعَ هَذِهِ الْأُمُورِ الْمَذْكُورَةِ فِي النَّهْيِ

قَالَ الْخَطَّابِيُّ جَوَازُ الْفَرْقِ بَيْنَ الْحَجِّ وَالْعُمْرَةِ إِجْمَاعٌ من الأمة

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَالَ عَبْد الْحَقّ لَمْ يَسْمَع أَبُو شَيْخ مِنْ مُعَاوِيَة هَذَا الْحَدِيث وَإِنَّمَا سَمِعَ مِنْهُ النَّهْي عَنْ رُكُوب جُلُود النُّمُور فَأَمَّا النَّهْي عَنْ الْقِرَان فَسَمِعَهُ مِنْ أَبِي حَسَّان عَنْ مُعَاوِيَة بْن مُرَّة يَقُول عَنْ أَخِيهِ حِمَّان وَمَرَّة يَقُول جِمَّان وَهُمْ مَجْهُولُونَ وَقَالَ بن الْقَطَّانِ يَرْوِيه عَنْ أَبِي شَيْخ رَجُلَانِ قَتَادَة وَمُطَرِّف لَا يَجْعَلَانِ بَيْن أَبِي شَيْخ وَبَيْن مُعَاوِيَة أَحَدًا وَرَوَاهُ عَنْهُ بَيْهَس بْن فَهْدَان فَذَكَرَ سَمَاعه مِنْ مُعَاوِيَة لَفْظ النَّهْي عَنْ رُكُوب جُلُود النُّمُور خَاصَّة

قَالَ النَّسَائِيُّ وَرَوَاهُ عَنْ أَبِي شَيْخ يَحْيَى بْن أَبِي كَثِير فَأَدْخَلَ بَيْنه وَبَيْن مُعَاوِيَة رَجُلًا اِخْتَلَفُوا فِي ضَبْطه

فَقِيلَ أَبُو حَمَّاز وَقِيلَ حِمَّان وَهُوَ أَخُو أَبِي شَيْخ

وَقَالَ الدَّارَقُطْنِيُّ الْقَوْل قَوْل مَنْ لَمْ يُدْخِل بَيْن أَبِي شَيْخ وَمُعَاوِيَة فِيهِ أَحَدًا يَعْنِي قَتَادَة وَمُطَرِّفًا وَبَيْهَس بْن فهدان

ص: 152

وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَتَّفِقُوا عَلَى جَوَازِ شَيْءٍ مَنْهِيٍّ عَنْهُ وَلَمْ يُوَافِقِ الصَّحَابَةُ مُعَاوِيَةَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَلَمْ يُسَاعِدُوهُ عَلَيْهَا وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ ذَهَبَ فِي ذَلِكَ إِلَى تَأْوِيلِ قَوْلِهِ حِينَ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فِي حَجَّتِهِ بِالْإِحْلَالِ فَشَقَّ عَلَيْهِمْ لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ مَا سُقْتُ الْهَدْيَ وَكَانَ قَارِنًا فِيمَا دَلَّتْ عَلَيْهِ هَذِهِ الْقِصَّةُ فَحَمَلَ مُعَاوِيَةُ هَذَا الْكَلَامَ مِنْهُ عَلَى الْهَدْيِ انْتَهَى

قَالَ السِّنْدِيُّ لَمْ يُوَافِقِ الصَّحَابَةُ مُعَاوِيَةَ عَلَى هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَإِنْ ثَبَتَ يُحْمَلُ عَلَى الْأَفْضَلِ لِأَنَّ الْإِفْرَادَ أَفْضَلُ مِنَ الْقِرَانِ أَيْ عَلَى بَعْضِ الْمَذَاهِبِ انْتَهَى

قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ مُخْتَصَرًا

وَقَدِ اخْتُلِفَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ اخْتِلَافًا كَثِيرًا فَرُوِيَ كَمَا ذَكَرْنَا وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أَبِي شَيْخٍ عَنْ أَخِيهِ حِمَّانَ وَيُقَالُ أَبُو حِمَّانَ عَنْ مُعَاوِيَةَ وَرُوِيَ عَنْ بَيْهَسِ بْنِ فَهْدَانَ عَنْ أَبِي شَيْخٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ بَيْهَسٍ عَنْ أَبِي

ــ

[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]

وَقَالَ غَيْره أَبُو شَيْخ هَذَا لَمْ نَعْلَم عَدَالَته وَحِفْظه وَلَوْ كَانَ حَافِظًا لَكَانَ حَدِيثه هَذَا مَعْلُوم الْبُطْلَان إِذْ هُوَ خِلَاف الْمُتَوَاتِر عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ فِعْله وَقَوْله فَإِنَّهُ أَحْرَمَ قَارِنًا رَوَاهُ عَنْهُ سِتَّة عَشَر نَفْسًا مِنْ أَصْحَابه وَخَيَّرَ أَصْحَابه بَيْن الْقِرَان وَالْإِفْرَاد وَالتَّمَتُّع وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَى جَوَازه

وَلَوْ فُرِضَ صِحَّة هَذَا عَنْ مُعَاوِيَة فَقَدْ أَنْكَرَ الصَّحَابَة عَلَيْهِ أَنْ يَكُون رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم نَهَى عَنْهُ فَلَعَلَّهُ وَهِمَ أَوْ اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ نَهْيه عَنْ مُتْعَة النِّسَاء بِمُتْعَةِ الْحَجّ كَمَا اِشْتَبَهَ عَلَى غَيْره

وَالْقِرَان دَاخِل عِنْدهمْ فِي اِسْم الْمُتْعَة وَكَمَا اِشْتَبَهَ عَلَيْهِ تَقْصِيره عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي بَعْض عُمَره بِأَنَّ ذَلِكَ فِي حَجَّته وَكَمَا اِشْتَبَهَ على بن عَبَّاس نِكَاح رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لِمَيْمُونَةَ فَظَنَّ أَنَّهُ نَكَحَهَا مُحْرِمًا وَكَانَ قَدْ أَرْسَلَ أَبَا رَافِع إِلَيْهَا وَنَكَحَهَا وَهُوَ حلال فاشتبه الأمر على بن عَبَّاس

وَهَذَا كَثِير

وَوَقَعَ فِي بَعْض نُسَخ سُنَن أَبِي دَاوُدَ نَهَى أَنْ يُفَرَّق بَيْن الحج والعمرة بالفاء والقاف

قال بن حَزْم هَكَذَا رِوَايَتِي عَنْ عَبْد اللَّه بْن رَبِيع وَهَكَذَا فِي كِتَابه وَهُوَ وَاَللَّه أَعْلَم وَهْم وَالْمَحْفُوظ يُقْرَن فِي هَذَا الْحَدِيث

تَمَّ كَلَامه

وَقَدْ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ فِي سُنَنه قَالَ حَدَّثَنَا أَبُو دَاوُدَ أَخْبَرَنَا يَزِيد بْن هَارُون أَخْبَرَنَا شَرِيك بْن أَبِي فَرْوَة عَنْ الْحَسَن قَالَ خَطَبَ مُعَاوِيَة النَّاس فَقَالَ إِنِّي مُحَدِّثكُمْ بِحَدِيثٍ سَمِعْته مِنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فصدقوني سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول لَا تَلْبَسُوا الذَّهَب إِلَّا مُقَطَّعًا قَالُوا سَمِعْنَا قَالَ وَسَمِعْته يَقُول مَنْ رَكِبَ جُلُود النُّمُور لَمْ تَصْحَبهُ الْمَلَائِكَة قَالُوا سَمِعْنَا قَالَ وَسَمِعْته يَنْهَى عَنْ الْمُتْعَة قَالُوا لَمْ نَسْمَع

فَقَالَ بَلَى وَإِلَّا فَصَمْتًا فَهَذَا أَصَحّ مِنْ حَدِيث أَبِي شَيْخ

وَإِنَّمَا فِيهِ النَّهْي عَنْ الْمُتْعَة وَهِيَ وَاَللَّه أَعْلَم مُتْعَة النِّسَاء فَظَنَّ مَنْ ظَنَّ أَنَّهَا مُتْعَة الْحَجّ وَالْقِرَان مُتْعَة فَرَوَاهُ بِالْمَعْنَى فَأَخْطَأَ خَطَأ فَاحِشًا

وَعَلَى كُلّ حَال فَلَيْسَ أَبُو شَيْخ مِمَّنْ يُعَارَض بِهِ كِبَار الصَّحَابَة الَّذِينَ رَوَوْا الْقِرَان عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَإِخْبَاره أَنَّ الْعُمْرَة دَخَلَتْ فِي الْحَجّ إِلَى يَوْم الْقِيَامَة وَأَجْمَعَتْ الْأُمَّة عَلَيْهِ

وَاَللَّه أَعْلَم

ص: 153