الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
طَرِيقَ الْمَدِينَةِ بِسَرِفَ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ أَتَمَّ مِنْهُ
وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَسَنٌ غَرِيبٌ وَلَا يُعْرَفُ لِمُحَرِّشٍ الْكَعْبِيِّ عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم غَيْرَ هذا الحديث
وَقَالَ أَبُو عُمَرَ النَّمَرِيُّ رُوِيَ عَنْهُ حَدِيثٌ وَاحِدٌ وَذَكَرَ هَذَا الْحَدِيثَ
2 -
(بَاب الْمَقَامِ فِي الْعُمْرَةِ)
أَيِ الْمُقَامِ بِمَكَّةَ بَعْدَ أَدَاءِ الْعُمْرَةِ
(أقام في عمرة القضاء ثلاثا) قال بن الْقَيِّمِ دَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مَكَّةَ بَعْدَ الْهِجْرَةِ خَمْسَ مَرَّاتٍ سِوَى المرة الأولى فإنه وصل إلى الحدييبة وَصُدَّ عَنِ الدُّخُولِ إِلَيْهَا ثُمَّ دَخَلَهَا الْمَرَّةَ الثَّانِيَةَ فَقَضَى عُمْرَتَهُ وَأَقَامَ بِهَا ثَلَاثًا ثُمَّ خَرَجَ ثُمَّ دَخَلَهَا الْمَرَّةَ الثَّالِثَةَ عَامَ الْفَتْحِ فِي رَمَضَانَ ثُمَّ دَخَلَهَا بِعُمْرَةٍ مِنَ الْجِعْرَانَةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَذَكَرَ الْبُخَارِيُّ نَحْوَهُ تَعْلِيقًا
وَأَخْرَجَ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ فِي صَحِيحَيْهِمَا فِي الْحَدِيثِ الطَّوِيلِ من حديث أبي إسحاق السبيعي عن البراء بن عازب رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم أَقَامَ بِمَكَّةَ فِي عُمْرَةِ الْقَضَاءِ ثَلَاثًا
3 -
(بَاب الْإِفَاضَةِ فِي الْحَجِّ)
هِيَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَهُوَ الْمَأْمُورُ بِهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى وَلْيَطَّوَّفُوا بِالْبَيْتِ العتيق
(أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ) أَيْ طَافَ بِالْبَيْتِ (ثُمَّ صَلَّى الظُّهْرَ بِمِنًى يَعْنِي رَاجِعًا) وَالَّذِي رَوَاهُ جَابِرٌ فِي الْحَدِيثِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
رَوَاهُ مُسْلِم وَقَالَتْ عَائِشَة أَفَاضَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم مِنْ آخِر يَوْمه حِين صَلَّى الظُّهْر ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَمَكَثَ بِهَا الْحَدِيث وَسَيَأْتِي
فَاخْتَلَفَ النَّاس فِي ذلك فرجحت طائفة منهم بن حَزْم وَغَيْره حَدِيث جَابِر وَأَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِمَكَّة
قَالُوا وَقَدْ وَافَقَتْهُ عَائِشَة وَاخْتِصَاصهَا بِهِ وَقُرْبهَا مِنْهُ وَاخْتِصَاص جَابِر وَحِرْصه عَلَى الِاقْتِدَاء بِهِ أَمْر لَا يُرْتَاب فِيهِ
قَالُوا وَلِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم رَمَى الْجَمْرَة وَحَلَقَ رَأْسه وَخَطَبَ النَّاس وَنَحَرَ مِائَة بَدَنَة هُوَ وَعَلِيّ وَانْتَظَرَ حَتَّى سُلِخَتْ وَأَخَذَ مِنْ كُلّ بَدَنَة بِضْعَة فَطُبِخَتْ وَأَكَلَا مِنْ لَحْمهَا
قَالَ بن حَزْم وَكَانَتْ حَجَّته فِي آذَار وَلَا يَتَّسِع النَّهَار لِفِعْلِ هَذَا جَمِيعه مَعَ الْإِفَاضَة إِلَى الْبَيْت وَالطَّوَاف وَصَلَاة الرَّكْعَتَيْنِ ثُمَّ يَرْجِع إِلَى مِنًى وَوَقْت الظُّهْر بَاقٍ
وَقَالَتْ طَائِفَة مِنْهُمْ شيخ الإسلام بن تَيْمِيَة وَغَيْره الَّذِي يُرَجِّح أَنَّهُ إِنَّمَا صَلَّى الظُّهْر بِمِنًى لِوُجُوهِ أَحَدهَا أَنَّهُ لَوْ صَلَّى الظُّهْر بِمَكَّة لَأَنَابَ عَنْهُ فِي إِمَامَة النَّاس بِمِنًى إِمَامًا يُصَلِّي بِهِمْ الظُّهْر وَلَمْ يَنْقُل ذلك أحد
ومحتال أَنْ يُصَلِّي بِالْمُسْلِمِينَ الظُّهْر بِمِنًى نَائِب لَهُ وَلَا يَنْقُلهُ أَحَد فَقَدْ نَقَلَ النَّاس نِيَابَة عَبْد الرَّحْمَن بْن عَوْف لَمَّا صَلَّى بِهِمْ الْفَجْر فِي السَّفَر وَنِيَابَة الصِّدِّيق لَمَّا خَرَجَ صلى الله عليه وسلم يُصْلِح بَيْن بَنِي عَمْرو بْن عَوْف وَنِيَابَته فِي مَرَضه وَلَا يَحْتَاج إِلَى ذِكْر مَنْ صَلَّى بِهِمْ بِمَكَّة لِأَنَّ إِمَامهمْ الرَّاتِب الَّذِي كَانَ مُسْتَمِرًّا عَلَى الصَّلَاة قَبْل ذَلِكَ وَبَعْده هُوَ الَّذِي كَانَ يُصَلِّي بِهِمْ
الثَّانِي أَنَّهُ لَوْ صَلَّى بِهِمْ بِمَكَّة لَكَانَ أَهْل مَكَّة مُقِيمِينَ فَكَانَ يَتَعَيَّن عَلَيْهِمْ الْإِتْمَام وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَتِمُّوا صَلَاتكُمْ فَإِنَّا قَوْم سَفْر كَمَا قَالَهُ فِي غُزَاة الْفَتْح
الثَّالِث أَنَّهُ يُمْكِن اِشْتِبَاه الظُّهْر الْمَقْصُورَة بِرَكْعَتَيْ الطَّوَاف وَلَا سِيَّمَا وَالنَّاس يُصَلُّونَهُمَا مَعَهُ وَيَقْتَدُونَ بِهِ فِيهِمَا فَظَنَّهُمَا الرَّائِي الظُّهْر
وَأَمَّا صَلَاته بِمِنًى وَالنَّاس خَلْفه فَهَذِهِ لَا يُمْكِن اِشْتِبَاههَا بِغَيْرِهَا أَصْلًا لَا سِيَّمَا وَهُوَ صلى الله عليه وسلم كَانَ إِمَام الْحَجّ الَّذِي لَا يُصَلِّي لَهُمْ سِوَاهُ فَكَيْف يَدَعهُمْ بِلَا إِمَام يُصَلُّونَ أَفْرَادًا وَلَا يُقِيم لَهُمْ مَنْ يُصَلِّي بِهِمْ هَذَا فِي غَايَة الْبُعْد
وَأَمَّا حَدِيث عَائِشَة فَقَدْ فَهِمَ مِنْهُ جَمَاعَة مِنْهُمْ الْمُحِبّ الطَّبَرِيُّ وَغَيْره أَنَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِمِنًى ثُمَّ أَفَاضَ إِلَى الْبَيْت بَعْد مَا صَلَّى الظُّهْر لِأَنَّهَا قَالَتْ أَفَاضَ مِنْ آخِر يَوْمه حِين صَلَّى الظُّهْر ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى
قَالُوا وَلَعَلَّهُ صَلَّى الظُّهْر بِأَصْحَابِهِ ثُمَّ جَاءَ إِلَى مَكَّة فَصَلَّى الظُّهْر بِمَنْ لَمْ يُصَلِّ كَمَا قَالَ جابر
الطَّوِيلِ وَعَائِشَةُ هُوَ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى
وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ فَمِنْهُمْ مَنْ رَجَّحَ هذا الحديث ومنهم حَدِيثَ جَابِرٍ وَعَائِشَةَ وَمِنْهُمْ مَنْ تَوَقَّفَ لِصِحَّةِ الْحَدِيثَيْنِ
كَذَا فِي فَتْحِ الْوَدُودِ
وَقَالَ النَّوَوِيُّ وَفِي هَذَا الْحَدِيثِ إِثْبَاتُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ وَأَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ وَأَوَّلَ النَّهَارِ وَقَدْ أَجْمَعَ الْعُلَمَاءُ عَلَى أَنَّ هَذَا الطَّوَافَ وَهُوَ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ رُكْنٌ مِنْ أَرْكَانِ الْحَجِّ لَا يَصِحُّ الْحَجُّ إِلَّا بِهِ
وَاتَّفَقُوا عَلَى أَنَّهُ يُسْتَحَبُّ فِعْلُهُ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ الرَّمْيِ وَالنَّحْرِ وَالْحَلْقِ فَإِنْ أَخَّرَهُ عَنْهُ وَفَعَلَهُ فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ أَجْزَأَهُ وَلَا دَمَ عَلَيْهِ بِالْإِجْمَاعِ فَإِنْ أَخَّرَهُ إِلَى مَا بَعْدِ أَيَّامِ التَّشْرِيقِ وَأَتَى بِهِ بَعْدَهَا أَجْزَأَهُ وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ عِنْدَنَا وَبِهِ قَالَ جُمْهُورُ الْعُلَمَاءِ
وَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ إِذَا تَطَاوَلَ لَزِمَهُ مَعَهُ دَمٌ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ وَلَفْظُ الْبُخَارِيِّ مُخْتَصَرٌ
[1999]
(عَنْ أَبِيهِ) وَهُوَ عَبْدُ اللَّهِ بْنِ زَمْعَةَ (وَعَنْ أُمِّهِ) أَيْ أُمِّ أَبِي عُبَيْدَةَ (زَيْنَبَ بِنْتِ أَبِي سَلَمَةَ) بَدَلٌ عَنْ أُمِّهِ وَهِيَ بِنْتُ أُمِّ سَلَمَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم (كَانَتْ لَيْلَتِي الَّتِي يَصِيرُ) أَيْ يَرْجِعُ (إِلَيَّ فِيهَا) أَيْ يَدْخُلُ عَلَيَّ فِيهَا (مَسَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ) أَيِ اتَّفَقَ أَنْ كَانَتْ لَيْلَةُ نَوْبَتِي مَسَاءَ يَوْمِ النَّحْرِ أَيْ مَسَاءَ لَيْلَةٍ تَلِي يَوْمَ النَّحْرِ وَهِيَ لَيْلَةُ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ وَالْمَسَاءُ يُطْلَقُ عَلَى مَا بَعْدَ الزَّوَالِ إِلَى أَنْ يَشْتَدَّ الظَّلَامُ
قَالَهُ الْحَافِظُ فِي الْفَتْحِ
ولعل المراد به ها هنا أَوَّلُ اللَّيْلِ (فَصَارَ) أَيْ رَجَعَ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
ثُمَّ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَرَأَى قَوْمًا لَمْ يصلوا فصلى بهم ثالثة كما قال بن عُمَر وَهَذِهِ حَرْفَشَة فِي الْعِلْم وَطَرِيقَة يَسْلُكهَا الْقَاصِرُونَ فِيهِ وَأَمَّا فُحُول أَهْل الْعِلْم فَيَقْطَعُونَ بِبُطْلَانِ ذَلِكَ وَيُحِيلُونَ الِاخْتِلَاف عَلَى الْوَهْم وَالنِّسْيَان الَّذِي هُوَ عُرْضَة الْبَشَر وَمَنْ لَهُ إِلْمَام بِالسُّنَّةِ وَمَعْرِفَة بِحُجَّتِهِ صلى الله عليه وسلم يقطع بأنه لم يصل الظهر فِي ذَلِكَ الْيَوْم ثَلَاث مَرَّات بِثَلَاثِ جَمَاعَات بَلْ وَلَا مَرَّتَيْنِ
وَإِنَّمَا صَلَّاهَا عَلَى عَادَته الْمُسْتَمِرَّة قَبْل ذَلِكَ الْيَوْم وَبَعْده صلى الله عليه وسلم
وفهم منه آخرون منهم بن حَزْم وَغَيْره أَنَّهُ أَفَاضَ حِين صَلَّاهَا بِمَكَّة
وَفِي نُسْخَة مِنْ نُسَخ السُّنَن أَفَاضَ حَتَّى صَلَّى الظُّهْر ثُمَّ رَجَعَ وَهَذِهِ الرِّوَايَة ظَاهِرَة فِي أَنَّهُ صَلَّاهَا بِمَكَّة كَمَا قَالَ جَابِر وَرِوَايَة حِين مُحْتَمِلَة لِلْأَمْرَيْنِ وَاَللَّه أَعْلَم
رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم (إِلَى) فِي ذَلِكَ الْمَسَاءِ أَيْ دَخَلَ عَلَيَّ فِيهِ (فَدَخَلَ عَلَيَّ) بِتَشْدِيدِ الْيَاءِ (وَهْبُ) فَاعِلُ دَخَلَ (بْنُ زَمْعَةَ) وَدَخَلَ (مَعَهُ رَجُلٌ مِنْ آلِ أَبِي أُمَيَّةَ) أَيْضًا حَالَ كَوْنِهِمَا (مُتَقَمِّصَيْنِ) أَيْ لَابِسَيِ الْقَمِيصَ (هَلْ أَفَضْتَ) أَيْ طُفْتَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ يَا (أَبَا عَبْدِ اللَّهِ) هَذِهِ كُنْيَةُ وَهْبٍ (قَالَ) الرَّاوِي (فَنَزَعَهُ) أَيْ نَزَعَ وَهْبٌ ذَلِكَ الْقَمِيصَ (مِنْ رَأْسِهِ) أَيْ قِبَلَ رَأْسِهِ (وَنَزَعَ صَاحِبُهُ) الَّذِي دَخَلَ عَلَيْهَا مَعَهُ أَيْضًا (ثُمَّ قَالَ) وَهْبٌ (وَلِمَ) أَمَرْتَنَا بِنَزْعِ الْقَمِيصِ عَنَّا (إِنَّ هَذَا) أَيْ يَوْمَ النَّحْرِ (يَوْمٌ رُخِّصَ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ (لَكُمْ إِذَا أَنْتُمْ) أَيُّهَا الْحَجِيجُ (رَمَيْتُمُ الْجَمْرَةَ) أَيْ فَرَغْتُمْ عَنْ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ (أَنْ تُحِلُّوا) مَفْعُولُ مَا لَمْ يُسَمَّ فَاعِلُهُ لِقَوْلِهِ رُخِّصَ (يَعْنِي) أَيْ يُرِيدُ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم بِقَوْلِهِ أَنْ تَحِلُّوا أَيْ أَنْ تَحِلُّوا (مِنْ كُلِّ مَا حُرِمْتُمْ مِنْهُ إِلَّا النِّسَاءَ) إلى ها هنا تَفْسِيرٌ مِنْ بَعْضِ الرُّوَاةِ (فَإِذَا أَمْسَيْتُمْ) أَيْ دَخَلْتُمْ فِي الْمَسَاءِ (قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا هَذَا الْبَيْتَ) يَوْمَ النَّحْرِ (صِرْتُمْ حُرُمًا) بِضَمَّتَيْنِ وَيَجُوزُ تَسْكِينُ الرَّاءِ أَيْضًا جَمْعُ حَرَامٍ بِمَعْنَى مُحْرِمٍ أَيْ صِرْتُمْ مُحْرِمِينَ (كَهَيْئَتِكُمْ) أَيْ كَمَا كُنْتُمْ مُحْرِمِينَ (قَبْلَ أَنْ تَرْمُوا الْجَمْرَةَ) أَيْ جَمْرَةَ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ (حَتَّى تَطُوفُوا بِهِ) أَيْ بالبيت
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله هذا الحديث يرويه بن إِسْحَاق عَنْ أَبِي عُبَيْدَة بْن عَبْد اللَّه بْن زَمْعَة عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمّه زَيْنَب بِنْت أَبِي سَلَمَة يُحَدِّثَانِهِ عَنْ أُمّ سَلَمَة وَقَالَ أَبُو عُبَيْدَة وَحَدَّثَتْنِي أُمّ قَيْس بِنْت مِحْصَن وَكَانَتْ جَارَة لَهُمْ قَالَتْ خَرَجَ مِنْ عِنْدِي عُكَّاشَة بْن مِحْصَن فِي نَفَر مِنْ بَنِي أَسَد مُتَقَمِّصًا عَشِيَّة يَوْم النَّحْر ثُمَّ رَجَعُوا إِلَيَّ عِشَاء وَقُمُصُهُمْ عَلَى أَيْدِيهمْ يَحْمِلُونَهَا فَقُلْت أَيْ عكاشة مَا لَكُمْ خَرَجْتُمْ مُتَقَمِّصِينَ ثُمَّ رَجَعْتُمْ وَقُمُصُكُمْ عَلَى أَيْدِيكُمْ تَحْمِلُونَهَا فَقَالَ أَخْبَرَتْنَا أُمّ قَيْس كَانَ هَذَا يَوْمًا رَخَّصَ فِيهِ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَنَا إِذَا نَحْنُ رَمَيْنَا الْجَمْرَة حَلَلْنَا مِنْ كُلّ مَا أَحْرَمْنَا مِنْهُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ النِّسَاء حَتَّى تَطُوف بِالْبَيْتِ فَإِذَا أَمْسَيْنَا وَلَمْ نَطُفْ جَعَلْنَا قُمُصَنَا عَلَى أَيْدِينَا وَهَذَا يَدُلّ عَلَى أَنَّ الْحَدِيث مَحْفُوظ فَإِنَّ أَبَا عُبَيْدَة رَوَاهُ عَنْ أَبِيهِ وَعَنْ أُمّه وَعَنْ أم قيس
وَالْحَاصِلُ أَنَّ هَذَا التَّرْخِيصَ لَكُمْ إِنَّمَا هُوَ بِشَرْطِ أَنْ تَطُوفُوا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ تَدْخُلُوا فِي مَسَاءِ ذَلِكَ الْيَوْمِ وَأَمَّا إِذَا فَاتَ هَذَا الشَّرْطُ بِأَنْ أَمْسَيْتُمْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ أَنْ تَطُوفُوا طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فَلَيْسَ لَكُمْ هَذَا التَّرْخِيصُ وَإِنْ رَمَيْتُمْ وَذَبَحْتُمْ وَحَلَقْتُمْ بَلْ بَقِيتُمْ مُحْرِمِينَ كَمَا كُنْتُمْ مُحْرِمِينَ قَبْلَ الرَّمْيِ
وَفِقْهُ الْحَدِيثِ أَنَّ مَنْ أَفَاضَ يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ قَبْلَ مَسَاءِ يَوْمِ النَّحْرِ رُخِّصَ لَهُ التَّحَلُّلُ عَنِ الْإِحْرَامِ وَحَلَّ لَهُ كُلُّ شَيْءٍ كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ مَا خَلَا النِّسَاءَ وَأَنَّ مَنْ لَمْ يُفِضْ يَوْمَ النَّحْرِ قَبْلَ مَسَائِهِ بَلْ دَخَلَتْ لَيْلَةُ الْحَادِيَ عَشَرَ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ قَبْلَ إِفَاضَتِهِ لَمْ يُرَخَّصْ لَهُ التَّحْلِيلُ بَلْ بَقِيَ حَرَامًا كَمَا كَانَ وَلَمْ يَحِلَّ لَهُ شَيْءٌ مِمَّا كَانَ حَرَامًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ كَالتَّقَمُّصِ وَغَيْرِهِ بَلْ بَقِيَ حَرَامًا كَمَا كَانَ وَإِنْ كَانَ رَمَى وَذَبَحَ وَحَلَقَ وَأَنَّ مَنْ لَبِسَ الْقَمِيصَ فِي الْإِحْرَامِ جَاهِلًا أَوْ نَاسِيًا وَجَبَ عَلَيْهِ أن ينزعه بعد ما عَلِمَهُ أَوْ ذَكَرَهُ وَأَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ نَزْعُهُ مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَإِنْ لَزِمَ مِنْهُ تَغْطِيَةُ رَأْسِهِ
وَقَدْ وَقَعَ حَدِيثُ يَعْلَى عِنْدَ أَبِي دَاوُدَ بِلَفْظِ اخْلَعْ عَنْكَ الْجُبَّةَ فَخَلَعَهَا مِنْ قِبَلِ رَأْسِهِ وَأَمَّا مَا رُوِيَ عَنْ جَابِرٍ رضي الله عنه قَالَ كُنْتُ عِنْدَ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْمَسْجِدِ فَقَدْ شَقَّ قَمِيصَهُ مِنْ جَيْبِهِ حَتَّى أَخْرَجَهُ مِنْ رِجْلَيْهِ فَنَظَرَ الْقَوْمُ إِلَيْهِ فَقَالَ إِنِّي أَمَرْتُ بِبُدْنِي الَّتِي بَعَثْتُ بِهَا أَنْ تُقَلَّدَ الْيَوْمَ وَتُشْعَرَ فَلَبِسْتُ قَمِيصِي وَنَسِيتُ فَلَمْ أَكُنْ لِأُخْرِجَ قَمِيصِي مِنْ رَأْسِي أَخْرَجَهُ الطَّحَاوِيُّ فَفِيهِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَطَاءٍ وَهُوَ ضَعِيفٌ لَا يُحْتَجُّ بِمَا انْفَرَدَ بِهِ فَكَيْفَ إِذَا خَالَفَهُ مَنْ هُوَ أَثْبَتُ مِنْهُ
وَقَدْ تَرَكَهُ مَالِكٌ وَهُوَ جَارُهُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ فِي فَتْحِ الْوَدُودِ وَلَعَلَّ مَنْ لَا يَقُولُ بِهِ يَحْمِلُهُ عَلَى التَّغْلِيطِ وَالتَّشْدِيدِ فِي تَأْخِيرِ الطَّوَافِ مِنْ يَوْمِ النَّحْرِ وَالتَّأْكِيدِ فِي إِتْيَانِهِ فِي يَوْمِ النَّحْرِ وَظَاهِرُ الْحَدِيثِ يَأْبَى مِثْلَ هَذَا الْحَمْلِ جِدًّا وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ فِي إِسْنَادِهِ مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهِ
[2000]
(أَخَّرَ طَوَافَ يَوْمِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وَقَدْ اِسْتَشْكَلَهُ النَّاس قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا حُكْم لَا أَعْلَم أَحَدًا مِنْ الْفُقَهَاء يَقُول بِهِ
تَمَّ كَلَامه
وَقَدْ رَوَى أَبُو دَاوُدَ عَنْ عقبة عن أبي الزبير عن عائشة وبن عباس أن النبي صلى الله عليه وسلم أَخَّرَ طَوَاف يَوْم النَّحْر إِلَى اللَّيْل
وَأَخْرَجَهُ الترمذي والنسائي وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيّ حَدِيث حَسَن وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيّ تَعْلِيقًا
وَكَأَنَّ رِوَايَة أَبِي دَاوُدَ لَهُ عَقِب حَدِيث أُمّ سَلَمَة اِسْتِدْلَال مِنْهُ عَلَى أَنَّهُ أَوْلَى مِنْ حَدِيث أُمّ سَلَمَة لِأَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حَلَّ قَبْل طَوَافه بِالْبَيْتِ ثُمَّ أَخَّرَهُ إِلَى اللَّيْل
لَكِنَّ هَذَا الْحَدِيث وَهْم فَإِنَّ الْمَعْلُوم مِنْ فِعْله صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ إِنَّمَا طَافَ طَوَاف الْإِفَاضَة نَهَارًا بَعْد الزَّوَال كَمَا قَالَهُ جَابِر وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَعَائِشَة وَهَذَا أَمْر لَا يَرْتَاب فِيهِ أَهْل الْعِلْم وَالْحَدِيث وَقَدْ تَقَدَّمَ قَوْل عَائِشَة أَفَاضَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حِين صَلَّى الظُّهْر مِنْ رِوَايَة أَبِي سَلَمَة وَالْقَاسِم عَنْهَا قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَحَدِيث أَبِي سَلَمَة عَنْ عَائِشَة أَصَحّ
وَقَالَ الْبُخَارِيّ فِي سَمَاع أَبِي الزُّبَيْر مِنْ عائشة نظر وقد سمع من بن عباس
النَّحْرِ إِلَى اللَّيْلِ) قِيلَ فِي مَعْنَاهُ إِنَّهُ رُخِّصَ لِطَوَافِ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ لِأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَطُفْ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ فِي اللَّيْلِ
وَفِي زَادِ الْمَعَادِ أَفَاضَ صلى الله عليه وسلم إِلَى مَكَّةَ قَبْلَ الظُّهْرِ رَاكِبًا فَطَافَ طَوَافَ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ طَوَافُ الزِّيَارَةِ وَالصَّدْرِ وَلَمْ يَطُفْ غَيْرَهُ وَلَمْ يُسْمَعْ مَعَهُ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ وَطَائِفَةٌ زَعَمَتْ أَنَّهُ لَمْ يَطُفْ فِي ذَلِكَ الْيَوْمِ وَإِنَّمَا أَخَّرَ طواف الزيارة إلى الليل وهو قول طاووس وَمُجَاهِدٍ وَعُرْوَةَ وَاسْتَدَلُّوا بِحَدِيثِ أَبِي الزُّبَيْرِ الْمَكِّيِّ عَنْ عَائِشَةَ الْمُخَرَّجِ فِي سُنَنِ أَبِي دَاوُدَ وَالتِّرْمِذِيِّ
قَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ وَهَذَا الْحَدِيثُ غَلَطٌ بَيِّنٌ خِلَافُ الْمَعْلُومِ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أهل العلم بحجته صلى الله عليه وسلم
وَقَالَ أَبُو الْحَسَنِ الْقَطَّانُ عِنْدِي أَنَّ هَذَا الْحَدِيثَ لَيْسَ بِصَحِيحٍ إِنَّمَا طَافَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَوْمَئِذٍ نَهَارًا وَإِنَّمَا اخْتَلَفُوا هَلْ هُوَ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ أَوْ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى الظُّهْرَ بِهَا بَعْدَ أَنْ فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ فَابْنُ عُمَرَ يَقُولُ إِنَّهُ رَجَعَ إِلَى مِنًى فَصَلَّى الظُّهْرَ بِهَا وَجَابِرٌ يَقُولُ إِنَّهُ صَلَّى الظُّهْرَ بِمَكَّةَ وَهُوَ ظَاهِرُ حَدِيثِ عَائِشَةَ مِنْ غَيْرِ رِوَايَةِ أَبِي الزُّبَيْرِ هَذِهِ الَّتِي فِيهَا أَنَّهُ أَخَّرَ الطَّوَافَ إِلَى اللَّيْلِ وَهَذَا شَيْءٌ لَمْ يُرْوَ إِلَّا مِنْ هَذَا الطَّرِيقِ
وَأَبُو الزُّبَيْرِ مُدَلِّسٌ لَمْ يَذْكُرْ ها هنا سَمَاعًا عَنْ عَائِشَةَ انْتَهَى
وَقَالَ السِّنْدِيُّ الْمَعْلُومُ الثَّابِتُ مِنْ فِعْلِهِ صلى الله عليه وسلم هُوَ أَنَّهُ طَوَافُ الْإِفَاضَةِ وَهُوَ الطَّوَافُ الْفَرْضُ قَبْلَ اللَّيْلِ فَلَعَلَّ الْمُرَادَ بِهَذَا الْحَدِيثِ أَنَّهُ رَخَّصَ فِي تَأْخِيرِهِ إِلَى اللَّيْلِ أَوِ الْمُرَادَ بِطَوَافِ الزِّيَارَةِ غَيْرُ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ أَيْ إِنَّهُ كَانَ يَقْصِدُ زِيَارَةَ الْبَيْتِ أَيَّامَ مِنًى بَعْدَ طَوَافِ الْإِفَاضَةِ فَإِذَا زَارَ طَافَ أَيْضًا وَكَانَ يُؤَخِّرُ طَوَافَ تِلْكَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ بِتَأْخِيرِ تِلْكَ الزِّيَارَةِ إِلَى اللَّيْلِ وَلَا يَذْهَبُ إِلَى مَكَّةَ لِأَجْلِ تِلْكَ الزِّيَارَةِ فِي النَّهَارِ بَعْدَ الْعَصْرِ مَثَلًا وَاللَّهُ أَعْلَمُ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ التِّرْمِذِيُّ وَالنَّسَائِيُّ وبن مَاجَهْ وَقَالَ التِّرْمِذِيُّ حَدِيثٌ حَسَنٌ
وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ تَعْلِيقًا وَقَدْ تَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَى حَدِيثِ عَائِشَةَ هَذَا مُسْتَوْفًى
[2001]
(لَمْ يَرْمُلْ) مِنْ بَابِ نَصَرَ (أَفَاضَ فِيهِ) أَيْ فِي طَوَافِ الْإِفَاضَةِ
قَالَ المنذري وأخرجه النسائي وبن ماجه
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَيُمْكِن أَنْ يُحْمَل قَوْلهَا أَخَّرَ طَوَاف يَوْم النَّحْر إِلَى اللَّيْل عَلَى أَنَّهُ أَذِنَ فِي ذَلِكَ فَنُسِبَ إِلَيْهِ وَلَهُ نَظَائِر