الرئيسية
أقسام المكتبة
المؤلفين
القرآن
البحث 📚
شَيْخٍ عَنْ مُعَاوِيَةَ
وَاخْتَلَفُوا عَلَى يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ فِيهِ فَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أَبِي شَيْخٍ عَنْ أَخِيهِ وَرُوِيَ عَنْهُ عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ عَنْ حِمَّانَ وَرُوِيَ عَنْهُ حَدَّثَنِي حِمْرَانُ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ وَسَمَّاهُ حِمْرَانَ انْتَهَى كَلَامُهُ
4 -
(بَاب فِي الْإِقْرَانِ)
[1795]
(يَقُولُ لَبَّيْكَ عُمْرَةً وَحَجًّا) هُوَ مِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِأَنَّ حَجَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ قِرَانًا وَقَدْ رَوَاهُ عَنْ أَنَسٍ عَنْ جَمَاعَةٍ مِنَ التَّابِعِينَ مِنْهُمُ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ وَأَبُو قِلَابَةَ وَحُمَيْدُ بْنُ هِلَالٍ وَحُمَيْدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّوِيلُ وَقَتَادَةُ وَيَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ الْأَنْصَارِيُّ وَثَابِتٌ الْبَنَانِيُّ وَبَكْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْمُزَنِيُّ وَعَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ صُهَيْبٍ وَسُلَيْمَانُ وَيَحْيَى بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ وَزَيْدُ بْنُ أَسْلَمَ وَمُصْعَبُ بْنُ سُلَيْمٍ وَأَبُو قُدَامَةَ عَاصِمُ بْنُ حُسَيْنٍ وَسُوَيْدُ بْنُ حُجْرٍ الْبَاهِلِيُّ
قَالَهُ الشَّوْكَانِيُّ
وَالْحَدِيثُ يَحْتَجُّ بِهِ مَنْ يَقُولُ بِالْقِرانِ وَقَدْ قَدَّمْنَا أن الصحيح المختار في حجة النبي أَنَّهُ كَانَ فِي أَوَّلِ إِحْرَامِهِ مُفْرِدًا ثُمَّ أَدْخَلَ الْعُمْرَةَ عَلَى الْحَجِّ فَصَارَ قَارِنًا وَجَمَعْنَا بين الأحاديث أحسن جمع
فحديث بن عُمَرَ عِنْدَ مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَّلِ إحرامه وَحَدِيثُ أَنَسٍ مَحْمُولٌ عَلَى أَوَاخِرِهِ وَأَثْنَائِهِ وَكَأَنَّهُ لم يسمعه أولا ولابد مِنْ هَذَا التَّأْوِيلِ أَوْ نَحْوِهِ لِيَكُونَ رِوَايَتُهُ مُوَافِقَةً لِرِوَايَةِ الْأَكْثَرِينَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ والنسائي وبن مَاجَهْ مُطَوَّلًا وَمُخْتَصَرًا
[1796]
(بَاتَ بِهَا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ الْمَبِيتِ بِمِيقَاتِ الْإِحْرَامِ (حَتَّى أَصْبَحَ) ظَاهِرُهُ أَنَّ إِهْلَالَهُ كَانَ بَعْدَ صَلَاةِ الصُّبْحِ لَكِنْ عِنْدَ مسلم من طريق أبي حسان عن بن عباس أن النبي صَلَّى الظُّهْرَ بِذِي الْحُلَيْفَةِ ثُمَّ دَعَا بِنَاقَتِهِ فَأَشْعَرَهَا ثُمَّ رَكِبَ رَاحِلَتَهُ فَلَمَّا اسْتَوَتْ بِهِ عَلَى الْبَيْدَاءِ أَهَلَّ بِالْحَجِّ
وَلِلنَّسَائِيِّ مِنْ طَرِيقِ الحسن عن أنس أنه صلى الظهر بالبيداء ثم ركب ومجمع
بَيْنَهُمَا بِأَنَّهُ صَلَّاهَا فِي آخِرِ ذِي الْحُلَيْفَةِ وَأَوَّلِ الْبَيْدَاءِ
قَالَهُ الْحَافِظُ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (ثُمَّ رَكِبَ حَتَّى إِذَا اسْتَوَتْ) أَيْ بَعْدَ الِاسْتِوَاءِ عَلَى الدَّابَّةِ لَا حَالَ وَضْعِ الرِّجْلِ مَثَلًا فِي الرِّكَابِ (ثُمَّ أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَةٍ) فِيهِ رَدٌّ عَلَى مَنْ زَعَمَ أَنَّهُ يُكْتَفَى بِالتَّسْبِيحِ وغيره عن التلبية ووجه ذلك أنه أَتَى بِالتَّسْبِيحِ وَغَيْرِهِ ثُمَّ لَمْ يَكْتَفِ بِهِ حَتَّى لَبَّى (وَأَهَلَّ النَّاسُ بِهِمَا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ أَنْ تَكُونَ تَلْبِيَةُ النَّاسِ بَعْدَ تَلْبِيَةِ كَبِيرِ الْقَوْمِ (إِذَا كَانَ يَوْمُ التَّرْوِيَةِ) بِضَمِّ يَوْمٍ لِأَنَّ كَانَ تَامَّةٌ وَهُوَ الْيَوْمُ الثَّامِنُ مِنْ ذِي الْحِجَّةِ كَذَا فِي الْفَتْحِ (قِيَامًا) فِيهِ اسْتِحْبَابُ نَحْرِ الْإِبِلِ قَائِمَةً (تَفَرَّدَ بِهِ يَعْنِي أَنَسًا) وَتَفَرُّدُ الصَّحَابَةِ لَا يَضُرُّ فَإِنَّهُمْ كُلُّهُمْ عُدُولٌ وَزِيَادَاتُ الثِّقَاتِ الْأَثْبَاتِ مُعْتَبَرَةٌ
وَبَوَّبَ الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ بَابُ التَّحْمِيدِ وَالتَّسْبِيحِ وَالتَّكْبِيرِ قَبْلَ الْإِهْلَالِ عِنْدَ الرُّكُوبِ عَلَى الدَّابَّةِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وأخرجه البخاري بنحوه
[1797]
(ثيابا صبيغا) فعيل ها هنا بِمَعْنَى مَفْعُولٌ أَيْ مَصْبُوغَاتٍ (وَقَدْ نَضَحَتْ) بِفَتْحِ النُّونِ وَالضَّادِ الْمُعْجَمَةِ وَالْحَاءِ الْمُهْمَلَةِ (بِنَضُوحٍ) بِفَتْحِ النُّونِ وَضَمَّ الضَّادِ الْمُعْجَمَةِ بَعْدَ الْوَاوِ حَاءٌ مهملة وهي ضرب من الطيب تفوح رائحة (فقالت) ها هنا كَلَامٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ فَأَنْكَرَ عَلَيْهَا صَبْغَ ثِيَابِهَا وَنَضْحَ بَيْتِهَا بِالطِّيبِ فَقَالَتْ (قَدْ أَمَرَ أَصْحَابَهُ فَأَحَلُّوا) فِي رِوَايَةِ مُسْلِمٍ فَوَجَدَ فَاطِمَةَ مِمَّنْ حلت
وَلَبِسَتْ ثِيَابًا صَبِيغًا وَاكْتَحَلَتْ فَأَنْكَرَ ذَلِكَ عَلَيْهَا قَالَتْ أَمَرَنِي أَبِي بِهَذَا (فَقَالَ لِي انْحَرْ مِنَ الْبُدْنِ) هَكَذَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ وَلَا يَخْلُو مِنَ الْوَهْمِ وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَيِ انْحَرْ أَنْتَ عَنِّي وَعَنْ نَفْسِي مِنَ الْبُدْنِ سِتًّا وَسِتِّينَ وَانْحَرْ بَقِيَّةً مِنْ هَذَا الْعَدَدِ لِنَفْسِكَ فَعَلَى هَذَا يَكُونُ النَّحْرُ لِكُلٍّ مِنَ الْبَدَنَةِ بِيَدِ عَلِيٍّ رضي الله عنه لكن قد ثبت أنه نَحَرَ غَالِبَ الْعَدَدِ لِنَفْسِهِ بِيَدِهِ كَمَا سَيَجِيءُ أو المراد هييء لِنَحْرِي وَأَحْضِرْنِي فِي الْمَنْحَرِ لِكَيْ أَنْحَرَ هَذَا الْعَدَدَ الْمَذْكُورَ بِيَدِي وَانْحَرْ أَنْتَ هَذَا الْعَدَدَ بِيَدِكَ وَاللَّهُ أَعْلَمُ (أَوْ سِتًّا وَسِتِّينَ) وَكَانَ جُمْلَةُ الْهَدْيِ الَّذِي قَدِمَ بِهِ عَلِيٌّ مِنَ اليمين وَالَّذِي أَتَى بِهِ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم مِائَةً كَمَا فِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ
وَفِي لَفْظِ لِمُسْلِمٍ فَنَحَرَ ثَلَاثًا وَسِتِّينَ بِيَدِهِ ثُمَّ أَعْطَى عَلِيًّا فَنَحَرَ مَا غَبَرَ
قَالَ النَّوَوِيُّ وَالْقُرْطُبِيُّ وَنَقَلَهُ الْقَاضِي عَنْ جَمِيعِ الرُّوَاةِ إِنَّ هَذَا هُوَ الصَّوَابُ لَا مَا وَقَعَ فِي رِوَايَةِ أَبِي دَاوُدَ (بَضْعَةً) بِفَتْحِ الْبَاءِ الْمُوَحَّدَةِ وَهِيَ الْقِطْعَةُ مِنَ اللَّحْمِ وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ ثُمَّ أَمَرَ مِنْ كُلِّ بَدَنَةٍ بِبَضْعَةٍ فَجُعِلَتْ فِي قِدْرٍ وَطُبِخَتْ فَأَكَلَ هُوَ وَعَلِيٌّ مِنْ لَحْمِهَا وَشَرِبَا مِنْ مَرَقِهَا
وَاسْتَدَلَّ بِهَذَا الْحَدِيثِ مَنْ قَالَ إِنَّ حَجَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ قِرَانًا وَهُوَ وَاضِحٌ لِأَنَّهُ صلى الله عليه وسلم أَعْلَمُ بِمَا كَانَ نَوَاهُ وَقَصَدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى صِحَّةِ الْإِحْرَامِ مُعَلَّقًا وَعَلَى جَوَازِ الِاشْتِرَاكِ فِي الْهَدْيِ
وَفِيهِ دَلِيلٌ عَلَى جَوَازِ أَكْلِ الْقَارِنِ وَالْمُتَمَتِّعِ مِنْ لَحْمِ هَدْيِهِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَفِي إِسْنَادِهِ يُونُسُ بْنُ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيُّ وَقَدِ احْتَجَّ بِهِ مُسْلِمٌ وَأَخْرَجَهُ جَمَاعَةٌ
وَقَالَ الْإِمَامُ أَحْمَدُ حَدِيثُهُ فِيهِ زِيَادَةٌ عَلَى حَدِيثِ النَّاسِ
وَقَالَ الْبَيْهَقِيُّ كَذَا فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ وَقَرَنْتُ وَلَيْسَ ذلك فِي حَدِيثِ جَابِرٍ وَصْفُ قُدُومِ عَلِيٍّ وَإِهْلَالِهِ وَحَدِيثُ جَابِرٍ أَصَحُّ سَنَدًا وَأَحْسَنُ سِيَاقًا وَمَعَ حَدِيثِ جَابِرٍ حَدِيثُ أَنَسٍ يُرِيدُ أَنَّ حَدِيثَ أَنَسٍ ذُكِرَ فِيهِ قُدُومُ عَلِيٍّ ذَكَرَ إِهْلَالَهُ وَلَيْسَ فِيهِ قَرَنْتُ وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَهَذِهِ القصة مذكورة في حديث جابر الطويل
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيث الْوَارِدَة فِي هَذَا الْبَاب حَقّ التَّأَمُّل جَزَمَ جَزْمًا لَا رَيْب فيه إن النبي صلى الله عليه وسلم أَحْرَمَ فِي حَجَّته قَارِنًا وَلَا تَحْتَمِل الْأَحَادِيث غَيْر ذَلِكَ بِوَجْهٍ مِنْ الْوُجُوه أَصْلًا
قَالَ الْإِمَام أَحْمَد لَا أَشُكّ أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم كَانَ قَارِنًا
تَمَّ كَلَامه
وَقَدْ رَوَى عَنْهُ ذَلِكَ خَمْسَة عَشَر مِنْ أَصْحَابه وَهُمْ عُمَر بْن الْخَطَّاب وَعَلِيّ بْن أَبِي طَالِب وَعَائِشَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ وَعَبْد اللَّه بْن عُمَر وَجَابِر بْن عَبْد اللَّه وَعَبْد اللَّه بْن عَبَّاس وَعِمْرَان بْن حُصَيْنٍ وَالْبَرَاء بْن عَازِب وَحَفْصَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنَس بن مالك
. . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . . .
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وأبو قتادة وبن أَبِي أَوْفَى فَهَؤُلَاءِ صَحَّتْ عَنْهُمْ الرِّوَايَة بِغَايَةِ الْبَيَان وَالتَّصْرِيح
وَرَوَاهُ الْهِرْمَاس بْن زِيَاد وَسُرَاقَة بْن مَالِك وَأَبُو طَلْحَة وَأُمّ سَلَمَة لَكِنْ رَوَتْ أُمّ سَلَمَة أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَمَرَ أَهْله بِالْقِرَانِ
وَهَؤُلَاءِ مِنْهُمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ لَفْظه فِي إِهْلَاله بِنُسُكِهِ أَنَّهُ قَالَ لَبَّيْكَ حَجًّا وَعُمْرَة كَأَنَسٍ
وَهُوَ مُتَّفَق عَلَى صِحَّته وَكَعَلِيِّ بْن أَبِي طَالِب فَإِنَّهُ قَالَ سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يُلَبِّي بِهِمَا جَمِيعًا وَهُوَ فِي الصَّحِيحَيْنِ وَالنَّسَائِيِّ وَسُنَن أَبِي دَاوُدَ وَلَفْظ أَصْحَاب الصَّحِيح أَنَّ عَلِيًّا أَهَلَّ بِحَجٍّ وَعُمْرَة وَقَالَ مَا كُنْت لِأَدَع سُنَّة رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لِقَوْلِ أَحَد
فَقَدْ أَخْبَرَ عَلِيّ أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَبَّى بِهِمَا جَمِيعًا وَأَهَلَّ هُوَ بِهِمَا جَمِيعًا وَأَخْبَرَ أَنَّهَا سُنَّة النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَوَافَقَهُ عُثْمَان عَلَى ذَلِكَ
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ خَبَره صلى الله عليه وسلم عَنْ نَفْسه بِأَنَّهُ كَانَ قَارِنًا وَهُمْ الْبَرَاء بْن عَازِب فَإِنَّهُ رَوَى عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم لَفْظه أَنَّهُ قَالَ لِعَلِيٍّ إِنِّي سُقْت الْهَدْي وَقَرَنْت وَهُوَ حَدِيث صَحِيح رَوَاهُ أَهْل السُّنَن
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم بِاللَّفْظِ الَّذِي أَمَرَهُ بِهِ رَبّه وَهُوَ أَنْ يَقُول عُمْرَة فِي حَجَّة كَعُمَر بْن الْخُطَّاب
وَحَمْل ذَلِكَ عَلَى أَنَّهُ أَمَرَ بِتَعْلِيمِهِ كَلَام فِي غَايَة الْبُطْلَان
وَمَنْ تَأَمَّلَ سِيَاق الْحَدِيث وَلَفْظه وَمَقْصُوده عَلِمَ بُطْلَان هَذَا التَّأْوِيل الْفَاسِد
وَقَوْلهمْ إِنَّ الرِّوَايَة الصَّحِيحَة قُلْ عُمْرَة وَحَجَّة وَأَنَّهُ فُصِلَ بَيْنهمَا بِالْوَاوِ
فَهُوَ صَرِيح فِي نَفْس الْقِرَان فَإِنَّهُ جَمَعَ بَيْنهمَا فِي إِحْرَامه وَامْتَثَلَ صلى الله عليه وسلم أَمْر رَبّه وَهُوَ أَحَقّ مَنْ اِمْتَثَلَهُ فَقَالَ لَبَّيْكَ عُمْرَة وَحَجًّا بِالْوَاوِ
وَقَوْلهمْ يَحْتَمِل أَنْ يُرِيد بِهِ أَنَّهُ يُحْرِم بِعُمْرَةٍ إِذَا فَرَغَ مِنْ حَجَّته قَبْل أَنْ يَرْجِع إِلَى مَنْزِله فَعِيَاذًا بِاَللَّهِ مِنْ تَقْلِيد يُوقِع فِي مِثْل هَذِهِ الْخَيَالَات الْبَاطِلَة فَمِنْ الْمَعْلُوم بِالضَّرُورَةِ أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَعْتَمِر بَعْد حَجَّته قَطّ هَذَا مَا لَا يَشُكّ فِيهِ مَنْ لَهُ أَدْنَى إِلْمَام بِالْعِلْمِ وَهُوَ صلى الله عليه وسلم أَحَقّ الْخَلْق بِامْتِثَالِ أَمْر رَبّه فَلَوْ كَانَ أَمَرَ أَنْ يَعْتَمِر بَعْد الْحَجّ كَانَ أَوْلَى الْخَلْق بِالْمُبَادَرَةِ إِلَى ذَلِكَ وَلَا رَيْب أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم اِعْتَمَرَ مَعَ حَجَّته فَكَانَتْ عُمْرَته مَعَ الْحَجّ لَا بَعْده قَطْعًا
وَنُصْرَة الْأَقْوَام إِذَا أَفْضَتْ بِالرَّجُلِ إِلَى هَذَا الْحَدّ ظَهَرَ قُبْحهَا وَفَسَادهَا
وَقَوْلهمْ مَحْمُول عَلَى تَحْصِيلهمَا مَعًا
قُلْنَا أَجَل وَقَدْ حَصَّلَهُمَا صلى الله عليه وسلم جَمِيعًا بِالْقِرَانِ عَلَى الْوَجْه الَّذِي أَخْبَرَ بِهِ عَنْ نَفْسه وَتَبِعَهُ أَصْحَابه مِنْ إِهْلَاله وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ فِعْله وَهُوَ عِمْرَان بْن حُصَيْنٍ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ قَالَ جَمَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بَيْن حَجَّة وَعُمْرَة وَتَأْوِيل هَذَا بِأَنَّهُ أَمْر أَوْ إِذْن فِي غَايَة الْفَسَاد وَلِهَذَا قَالَ تَمَتَّعَ وَتَمَتَّعْنَا مَعَهُ فَأَخْبَرَ عَنْ فِعْله وَفِعْلهمْ
وَسُمِّيَ الْقِرَان تَمَتُّعًا وَهُوَ لُغَة الصَّحَابَة كَمَا سَيَأْتِي
وَمِنْهُمْ مَنْ أَخْبَرَ عَنْ إِهْلَاله بِهِمَا أَحَدهمَا بَعْد الْآخَر وَهُمْ عَبْد اللَّه بْن عُمَر وَعَائِشَة فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُمَا وَبَدَأَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَعَنْ عَائِشَة مِثْله
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم اِعْتَمَرَ أَرْبَع عُمَر الرَّابِعَة مَعَ حَجَّته وَمِنْ الْمَعْلُوم ضَرُورَة أَنَّهُ لَمْ يَعْتَمِر بَعْد الْحَجّ فَكَانَتْ عُمْرَته مَعَ حَجَّته قَطْعًا
وَفِي الصَّحِيحَيْنِ مِثْله عَنْ أنس
واتفق ستة عشرة
فِي حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
نَفْسًا مِنْ الثِّقَات عَنْ أَنَس أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِهِمَا جَمِيعًا وَهُمْ الْحَسَن الْبَصْرِيّ وَأَبُو قِلَابَةَ وَحُمَيْدُ بْن هِلَال وَحُمَيْدُ بْن عَبْد الرَّحْمَن الطَّوِيل وَقَتَادَة وَيَحْيَى بْن سَعِيد الْأَنْصَارِيّ وَثَابِت الْبُنَانِيُّ وَبَكْر بْن عَبْد اللَّه الْمُزَنِيُّ وَعَبْد الْعَزِيز بْن صُهَيْب وَسُلَيْمَان التَّيْمِيُّ وَيَحْيَى بْن أَبِي إِسْحَاق وَزَيْد بْن أَسْلَم وَمُصْعَب بْن سُلَيْمٍ وَأَبُو أَسْمَاء وَأَبُو قَدَامَة وَأَبُو قَزَعَة الْبَاهِلِيّ
وَرَوَى البزار من حديث بن أَبِي أَوْفَى قَالَ إِنَّمَا جَمَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحُجّ بَعْد عَامه ذَلِكَ
وَرَوَى أَبُو الْقَاسِم الْبَغَوِيُّ مِنْ حَدِيث سفيان بن عيينة عن بن أَبِي خَالِد أَنَّهُ سَمِعَ عَبْد اللَّه بْن أَبِي قَتَادَة يَقُول إِنَّمَا جَمَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم بن الْحَجّ وَالْعُمْرَة لِأَنَّهُ عَلِمَ أَنَّهُ لَا يَحُجّ بَعْدهَا
وَرَوَى الْإِمَام أَحْمَد فِي مُسْنَده مِنْ حَدِيث الْهِرْمَاس بْن زِيَاد أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَالْعُمْرَة
وروى بن أَبِي شَيْبَة حَدَّثَنَا شَبَّابَة حَدَّثَنَا اللَّيْث بْن سَعْد عَنْ يَزِيد بْن أَبِي حَبِيب عَنْ أَبِي عِمْرَان قَالَ دَخَلْت عَلَى أُمّ سَلَمَة أُمّ الْمُؤْمِنِينَ فَقَالَتْ سَمِعْت رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم يَقُول أَهِلُّوا يَا آل مُحَمَّد بِعُمْرَةٍ وَحَجّ
وَلَمْ يَكُنْ صلى الله عليه وسلم يَخْتَار لِآلِهِ إِلَّا أَفْضَل الْأَنْسَاك وَهُوَ الَّذِي اِخْتَارَهُ لِعَلِيٍّ وَأَخْبَرَ عَنْ نَفْسه أَنَّهُ فَعَلَهُ
فَهَذِهِ الْأَحَادِيث صَحِيحَة صَرِيحَة لَا تحتمل مطعنا في مسندها وَلَا تَأْوِيلًا يُخَالِف مَدْلُولهَا وَكُلّهَا دَالَّة عَلَى أنه صلى الله عليه وسلم كان قَارِنًا
وَاَلَّذِينَ عَلَيْهِمْ مَدَار الْإِفْرَاد أَرْبَعَة عَائِشَة وبن عمر وجابر وبن عباس وكلهم قد روى القران
أما بن عمر وعائشة ففي الصحيحين عن بن عُمَر أَنَّهُ قَالَ بَدَأَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فَأَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ ثُمَّ أَهَلَّ بِالْحَجِّ وَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ عُرْوَة أَنَّ عَائِشَة أَخْبَرَتْهُ عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم فِي تَمَتُّعه بِالْحَجِّ إِلَى الْعُمْرَة وَتَمَتَّعَ النَّاس مَعَهُ بِمِثْلِ هَذَا وَرَوَى عَبْد الرَّزَّاق حَدَّثَنَا عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر عَنْ نَافِع أن بن عُمَر قَرَنَ بَيْن الْحَجّ وَالْعُمْرَة فَطَافَ بِالْبَيْتِ لَهُمَا وَبَيْن الصَّفَا وَالْمَرْوَة طَوَافًا وَاحِدًا وَقَالَ هَكَذَا صَنَعَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَرَوَاهُ مُسْلِم عَنْ قُتَيْبَة عَنْ اللَّيْث عن نافع عن بن عُمَر
وَقَالَتْ عَائِشَة اِعْتَمَرَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم ثَلَاثًا سِوَى الَّتِي قَرَنَ بِحَجَّةِ الْوَدَاع
ذَكَرَهُ أَبُو دَاوُدَ وَسَيَأْتِي
وَرَوَى الثَّوْرِيُّ عَنْ جَعْفَر بْن مُحَمَّد عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَابِر أَنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم حَجَّ ثَلَاث حِجَج قَبْل أَنْ يُهَاجِر وَحَجَّة بَعْد مَا هَاجَرَ مَعَهَا عُمْرَة الحديث
وفي صحيح مسلم عن بن عَبَّاس أَهَلَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِعُمْرَةٍ وَأَهَلَّ أَصْحَابه بِحَجٍّ فَلَمْ يُحِلّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم وَلَا مَنْ سَاقَ الهدي من أصحابه وحل بقيتهم وَسَيَأْتِي فِي كِتَاب السُّنَن عَنْ عِكْرِمَة عَنْهُ قَالَ اِعْتَمَرَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَرْبَع عُمَر عُمْرَة الْحُدَيْبِيَة وَالثَّانِيَة حِين تواطؤوا عَلَى عُمْرَة قَابِل وَالثَّالِثَة مِنْ الْجِعِرَّانَة وَالرَّابِعَة الَّتِي قَرَنَ مَعَ حَجَّته وَهَذَا الْعُمْرَة الَّتِي قَرَنَهَا مَعَ حَجَّته هِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا أَهَلَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم بِعُمْرَةٍ رَدًّا عَلَى مَنْ قَالَ أَهَلَّ بِحَجٍّ مُفْرَد
وَلَمْ يَقُلْ أَحَد مِنْ هَؤُلَاءِ وَلَا مِنْ غيرهم
[1798]
(قَالَ الصُّبَيُّ بْنُ مَعْبَدٍ) هُوَ بِضَمِّ صَادٍ مُهْمَلَةٍ وَفَتْحِ بَاءٍ مُوَحَّدَةٍ وَتَشْدِيدِ يَاءٍ
قَالَ المنذري وأخرجه النسائي وبن مَاجَهْ
قَالَ الْبَيْهَقِيُّ وَهَذَا الْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى جَوَازِ الْقِرَانِ فَإِنَّهُ لَيْسَ بِضَلَالٍ كَمَا تَوَهَّمَهُ زَيْدُ بْنُ صُوحَانَ وَسَلْمَانُ بْنُ رَبِيعَةَ إِلَّا أَنَّهُ أَفْضَلُ مِنْ غَيْرِهِ
[1799]
(حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ قدامة) هذا الحديث في رواية بن دَاسَّةَ دُونَ اللُّؤْلُؤِيِّ (هُدَيْمُ) بِالْهَاءِ الْمَضْمُومَةِ وَفَتْحِ الدال المهملة قاله بن الْأَثِيرِ
وَقَالَ ابْنُ مَاكُولَا بِضَمِّ الْهَاءِ وَبِالذَّالِ الْمُعْجَمَةِ وَهُوَ هُذَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَلْقَمَةَ وَقَدْ جَعَلَهُ أَبُو عُمَرَ هُرَيْمُ بِالرَّاءِ (بْنُ ثُرْمُلَةَ) بِالثَّاءِ الْمُثَلَّثَةِ ثُمَّ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَطّ عَنْ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ إِنِّي أَفْرَدْت الْحَجّ كَمَا قَالَ قرنت وَلَا قَالَ سَمِعْته يَقُول لَبَّيْكَ حَجًّا كَمَا قَالَ لَبَّيْكَ حَجًّا وَعُمْرَة وَلَا هُوَ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه بِذَلِكَ وَلَا أَحَد مِنْ الصَّحَابَة أَخْبَرَ عَنْ لَفْظ إِهْلَاله بِهِ
فَأَمَّا إِخْبَاره عَنْ نَفْسه بِالْقِرَانِ وَإِخْبَار أَصْحَابه عَنْهُ بِلَفْظِهِ فَصَرِيح لَا مُعَارِض لَهُ
وَاَلَّذِينَ رَوَوْا الْإِفْرَاد قَدْ تَبَيَّنَ أَنَّهُمْ رَوَوْا الْقِرَان وَالتَّمَتُّع وَهُمْ لَا يَتَنَاقَضُونَ فِي رِوَايَاتهمْ بَلْ رِوَايَاتهمْ يُصَدِّق بَعْضهَا بَعْضًا وَإِنَّمَا وَقَعَ الْإِشْكَال حَيْثُ لَمْ تَقَع الْإِحَاطَة بِمَعْرِفَةِ مُرَاد الصَّحَابَة وَلُغَتهمْ فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُسَمُّونَ الْقِرَان تَمَتُّعًا كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ من حديث بن عُمَر وَقَدْ تَقَدَّمَ وَحَدِيث عَلِيّ أَنَّ عُثْمَان لَمَّا نَهَى عَنْ الْمُتْعَة قَالَ عَلِيّ لَبَّيْكَ بِهِمَا وَقَالَ لَمْ أَكُنْ لِأَدَع سُنَّة رَسُول اللَّه لِقَوْلِ أَحَد
وَمَنْ قَالَ أَفْرَدَ الْحَجّ لَمْ يَقُلْ أَفْرَدَ إِهْلَال الْحَجّ وَإِنَّمَا مِنْ مُرَاده أَنَّهُ اِقْتَصَرَ عَلَى أَعْمَال الْحَجّ وَدَخَلَتْ عُمْرَته فِي حَجّه
فَلَمْ يُفْرِد كُلّ وَاحِد مِنْ النُّسُكَيْنِ بِعَمَلٍ وَلِهَذَا أَخْبَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَرَنَ فَعُلِمَ أَنَّ مُرَاده بِالْإِفْرَادِ مَا ذَكَرْنَا
وَمَنْ قَالَ تَمَتَّعَ أَرَادَ بِهِ التَّمَتُّع الْعَامّ الَّذِي يَدْخُل فِيهِ الْقِرَان بِنَصِّ الْقُرْآن فِي قَوْله تَعَالَى {فَمَنْ تَمَتَّعَ بِالْعُمْرَةِ إِلَى الْحَجّ فَمَا اِسْتَيْسَرَ مِنْ الْهَدْي} وَالْقَارِن دَاخِل فِي هَذَا النَّصّ فَتَمَتَّعَ صلى الله عليه وسلم بِتَرَفُّهِهِ بِسُقُوطِ أَحَد السَّفَرَيْنِ وَقَرَنَ بِجَمْعِهِ فِي إِهْلَاله بَيْن النُّسُكَيْنِ وَأَفْرَدَ فَلَمْ يَطُفْ طَوَافَيْنِ وَلَمْ يَسْعَ سَعْيَيْنِ
وَمَنْ تَأَمَّلَ الْأَحَادِيث الصَّحِيحَة فِي هَذَا الْبَاب جَزَمَ بِهَذَا وَهَذَا فَصْل النِّزَاع وَاَللَّه أَعْلَم
الرَّاءِ الْمُهْمَلَةِ ثُمَّ الْمِيمِ هَكَذَا فِي بَعْضِ النُّسَخِ وَهُوَ غَلَطٌ فَإِنَّهُ هُدَيْمُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ كَمَا فِي رِوَايَةِ النَّسَائِيِّ وَكَذَا قَالَهُ بن ماكولا وبن الأثير والحافظ بن حجر وغيرهم (ياهناه) أي ياهذا وَأَصْلُهُ هَنُ أُلْحِقَتِ الْهَاءُ لِبَيَانِ الْحَرَكَةِ فَصَارَ ياهنه وأشبعت الحركة فصارت ألفا فقيل ياهناه بِسُكُونِ الْهَاءِ وَلَكَ ضَمُّ الْهَاءِ
قَالَ الْجَوْهَرِيُّ هذه اللفظة مختص بِالنِّدَاءِ كَذَا فِي زَهْرِ الرُّبَى (مَكْتُوبَيْنِ عَلَى) لَعَلَّهُ أَخَذَهُ مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى وَأَتِمُّوا الْحَجَّ والعمرة لله أَنَّهُمَا مَفْرُوضَانِ عَلَى الْإِنْسَانِ (الْعُذَيْبَ) تَصْغِيرُ عَذْبٍ اسْمُ مَاءٍ لِبَنِي تَمِيمٍ عَلَى مَرْحَلَةٍ مِنْ كُوفَةَ (مَا هَذَا بِأَفْقَهَ مِنْ بَعِيرِهِ) أَيْ أَنَّ عُمَرَ مَنَعَ عَنِ الجَمْعِ وَاشْتُهِرَ ذَلِكَ الْمَنْعُ وَهُوَ لَا يَدْرِي بِهِ فَهُوَ وَالْبَعِيرُ سَوَاءٌ فِي عَدَمِ الْفَهْمِ وَفِي رِوَايَةٍ لِلنَّسَائِيِّ لَأَنْتَ أَضَلُّ مِنْ جَمَلِكَ مِنْ هَذَا (هُدِيتَ) عَلَى بِنَاءِ الْمَفْعُولِ وَتَاءِ الْخِطَابِ أَيْ هَدَاكَ اللَّهُ بِوَاسِطَةِ مَنْ أَفْتَاكَ أَوْ هَدَاكَ مَنْ أَفْتَاكَ
فَإِنْ قُلْتَ كَانَ عُمَرُ يَمْنَعُ عَنِ الجَمْعِ فَكَيْفَ قَرَّرَهُ عَلَى ذَلِكَ بِأَحْسَنِ تَقْرِيرٍ قُلْتُ كَأَنَّهُ يَرَى جَوَازَ ذَلِكَ لِبَعْضِ الْمَصَالِحِ ويرى أنه جوز النبي لِذَلِكَ فَكَأَنَّهُ كَانَ يَرَى أَنَّ مَنْ عَرَضَ لَهُ مَصْلَحَةٌ اقْتَضَتِ الْجَمْعَ فِي حَقِّهِ فَالْجَمْعُ فِي حَقِّهِ سُنَّةٌ
قَالَهُ السِّنْدِيُّ وَالْحَدِيثُ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ
[1800]
(أَتَانِي اللَّيْلَةَ آتٍ) هُوَ جِبْرِيلُ كَمَا فِي الْفَتْحِ (فَقَالَ صَلِّ فِي هَذَا الْوَادِي الْمُبَارَكِ) هُوَ وَادِي
الْعَقِيقِ وَبِقُرْبِ الْعَقِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْمَدِينَةِ أَرْبَعَةُ أَمْيَالٍ
وَرَوَى الزُّبَيْرُ بْنُ بَكَّارٍ فِي أَخْبَارِ الْمَدِينَةِ أَنَّ تُبَّعًا لَمَّا انْحَدَرَ فِي مَكَانٍ عِنْدَ رُجُوعِهِ مِنَ الْمَدِينَةِ قَالَ هَذَا عَقِيقُ الْأَرْضِ فَسُمِّيَ الْعَقِيقُ (وَقَالَ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ) بِرَفْعِ عُمْرَةٍ فِي أَكْثَرِ الرِّوَايَاتِ وَبِنَصَبِهَا بِإِضْمَارِ فِعْلٍ أَيْ جَعَلْتُهَا عُمْرَةً وَهُوَ دَلِيلٌ عَلَى أن حجه كَانَ قِرَانًا
قَالَ الشَّوْكَانِيُّ وَأَبْعَدَ مَنْ قَالَ إِنَّ مَعْنَاهُ أَنَّهُ يَعْتَمِرُ فِي تِلْكَ السَّنَةِ بَعْدَ فَرَاغِ حَجِّهِ
وَظَاهِرُ حَدِيثِ عُمَرَ هَذَا أن حجه صلى الله عليه وسلم الْقِرَانَ كَانَ بِأَمْرٍ مِنَ اللَّهِ فَكَيْفَ يقول صلى الله عليه وسلم لَوِ اسْتَقْبَلْتُ مِنْ أَمْرِي مَا اسْتَدْبَرْتُ لَجَعَلْتُهَا عُمْرَةً فَيُنْظَرُ فِي هَذَا فَإِنْ أُجِيبَ أَنَّهُ إِنَّمَا قَالَ ذَلِكَ تطيبا لِخَوَاطِرِ أَصْحَابِهِ فَهُوَ تَغْرِيرٌ لَا يَلِيقُ نِسْبَةُ مِثْلِهِ إِلَى الشَّارِعِ انْتَهَى كَلَامُ الشَّوْكَانِيِّ (رَوَاهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ) وَاعْلَمْ أَنَّ هَذِهِ الْجُمْلَةَ وَرَدَتْ بِثَلَاثَةِ أَلْفَاظٍ فَقَالَ مِسْكِينٌ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قَالَ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ بِلَفْظِ قَالَ وَحَرْفُ فِي بَيْنَ عُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ
وَقَالَ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ وَعُمَرُ بْنُ عَبْدِ الْوَاحِدِ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ قُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ بِلَفْظِ قُلْ صِيغَةُ أَمْرٍ وَكَذَا رَوَاهُ عَلِيُّ بْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كَثِيرٍ بِلَفْظِ قُلْ وَحَرْفُ فِي فَهَذِهِ مُتَابَعَةٌ لِلْأَوْزَاعِيِّ وَفِي رِوَايَةٍ لِلْبُخَارِيِّ وَقُلْ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ بِحَرْفِ الْوَاوِ الْعَاطِفَةِ بَيْنَ عُمْرَةٍ وَحَجَّةٍ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَقَالَ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ وَفِي رِوَايَةٍ وَقُلْ عُمْرَةٌ فِي حَجَّةٍ وأخرجه البخاري وبن مَاجَهْ
وَفِي لَفْظِ الْبُخَارِيِّ وَقُلْ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ قَالَ بَعْضُهُمْ أَيْ قُلْ ذَلِكَ لِأَصْحَابِكَ أَيْ أَعْلِمْهُمْ أَنَّ الْقِرَانَ جَائِزٌ
وَاحْتَجَّ بِهِ مَنْ يَقُولُ إِنَّ الْقِرَانَ أَفْضَلُ وَقَالَ لِأَنَّهُ هُوَ الذي أمر به النبي وَأَحَبَّ
فَالرِّوَايَةُ الصَّحِيحَةُ وَهِيَ قَوْلُهُ عُمْرَةٌ وَحَجَّةٌ فُصِلَ بَيْنَهُمَا بِالْوَاوِ
وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ أَنْ يُحْرِمَ بِعُمْرَةٍ إِذَا فَرَغَ مِنْ حَجَّتِهِ قَبْلَ أَنْ يَرْجِعَ إِلَى مَنْزِلِهِ وَهُوَ كَأَنَّهُ قَالَ إِذَا حَجَجْتَ فَقُلْ لَبَّيْكَ بِعُمْرَةٍ وَتَكُونُ فِي حَجَّتِكَ الَّتِي حَجَجْتَ فِيهَا
وَقَالَ بَعْضُهُمْ هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى مَعْنَى تَحْصِيلِهِمَا جَمِيعًا لِأَنَّ عُمْرَةَ التَّمَتُّعِ وَاقِعَةٌ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ وَفِيهِ إِعْلَامٌ بِفَضِيلَةِ الْمَكَانِ وَالتَّبَرُّكِ بِهِ وَالصَّلَاةِ فِيهِ انْتَهَى
وَقَالَ الْحَافِظُ الْمِزِّيُّ فِي الْأَطْرَافِ حَدِيثُ عُمَرَ هَذَا أَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ فِي الْحَجِّ عَنِ الْحُمَيْدِيِّ عَنِ الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ وَبِشْرِ بْنِ بَكْرٍ
وَفِي الْمُزَارَعَةِ عَنْ إِسْحَاقَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ عَنْ شُعَيْبِ بْنِ إِسْحَاقَ ثَلَاثَتِهِمْ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ
وَفِي الِاعْتِصَامِ عَنْ سَعِيدِ بْنِ الرَّبِيعِ عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْمُبَارَكِ كِلَاهُمَا عَنْ يَحْيَى بْنِ أَبِي كثير عن عكرمة عن بن عَبَّاسٍ عَنْ عُمَرَ وَأَبُو دَاوُدَ فِي الْحَجِّ عَنِ النُّفَيْلِيِّ عَنْ مِسْكِينٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ وبن مَاجَهْ فِيهِ عَنْ دُحَيْمٍ عَنِ
الْوَلِيدِ بْنِ مُسْلِمٍ بِهِ وَعَنْ أَبِي بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُصْعَبٍ عَنِ الْأَوْزَاعِيِّ بِهِ انْتَهَى
[1801]
(اقْضِ لَنَا قَضَاءَ قَوْمٍ كَأَنَّمَا وُلِدُوا الْيَوْمَ) أَيْ بَيِّنْ لَنَا بَيَانًا وَافَيًا فِي غَايَةِ الْوُضُوحِ كَالْبَيَانِ لِمَنْ لَا يَعْلَمُ شَيْئًا قَبْلَ الْيَوْمِ (قَدْ أَدْخَلَ عَلَيْكُمْ فِي حَجِّكُمْ هَذَا عُمْرَةً) مَعْنَاهُ أَوْجَبَ عَلَيْكُمْ عُمْرَةً بِشُرُوعِكُمْ فِي الْحَجِّ
قَالَ السِّنْدِيُّ
وقال الإمام بن الْأَثِيرِ قَوْلُهُ دَخَلْتِ الْعُمْرَةُ فِي الْحَجِّ مَعْنَاهُ أَنَّهَا سَقَطَ فَرْضُهَا بِوُجُوبِ الْحَجِّ وَدَخَلَتْ فِيهِ وَهَذَا تَأْوِيلُ مَنْ لَمْ يَرَهَا وَاجِبَةً فَأَمَّا مَنْ أَوْجَبَهَا فَقَالَ مَعْنَاهُ أَنَّ عَمَلَ الْعُمْرَةِ قَدْ دَخَلَ عَمَلَ الْحَجِّ فَلَا يُرَى عَلَى الْقَارِنِ أَكْثَرُ مِنْ إِحْرَامٍ وَاحِدٍ وَطَوَافٍ وَسَعْيٍ وَقِيلَ مَعْنَاهُ أَنَّهَا قَدْ دَخَلَتْ فِي وَقْتِ الْحَجِّ وَشُهُورِهِ لِأَنَّهُمْ كَانُوا لَا يَعْتَمِرُونَ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ فَأَبْطَلَ الْإِسْلَامُ ذَلِكَ وَأَجَازَهُ انْتَهَى (فَقَدْ حَلَّ) أَيْ فَكَانَ يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَحِلَّ أَوِ الْوَاجِبُ عَلَيْهِ ذَلِكَ
[1802]
(بِمِشْقَصٍ) هُوَ بِكَسْرِ الْمِيمِ وَإِسْكَانِ الشِّينِ الْمُعْجَمَةِ وَفَتْحِ الْقَافِ قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ وَغَيْرُهُ هُوَ نَصْلُ السَّهْمِ إِذَا كَانَ طَوِيلًا لَيْسَ بِعَرِيضٍ وَقَالَ الْخَلِيلُ هو سهم فيه نصل عريض يرمى به الوحش
قال النووي وهذا الحديث محمول على أنه قصر عن النبي في عمرة الجعرانة لأن النبي فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ كَانَ قَارِنًا كَمَا سَبَقَ إيضاحه
وثبت أنه حَلَقَ بمِنًى وَفَرَّقَ أَبُو طَلْحَةَ رضي الله عنه شَعْرُهُ بَيْنَ النَّاسِ فَلَا يَجُوزُ حَمْلُ تَقْصِيرِ مُعَاوِيَةَ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَلَا يَصِحُّ حَمْلُهُ أَيْضًا عَلَى عُمْرَةِ الْقَضَاءِ الْوَاقِعَةِ سَنَةَ سَبْعٍ مِنَ الْهِجْرَةِ لِأَنَّ مُعَاوِيَةَ لَمْ يَكُنْ يَوْمَئِذٍ مُسْلِمًا إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْمَ الْفَتْحِ سَنَةَ ثَمَانٍ هَذَا هُوَ الصَّحِيحُ الْمَشْهُورُ
وَلَا يَصِحُّ قَوْلُ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى حَجَّةِ الْوَدَاعِ
وزعم أنه كَانَ مُتَمَتِّعًا لِأَنَّ هَذَا غَلَطٌ فَاحِشٌ فَقَدْ تَظَاهَرَتِ الْأَحَادِيثُ الصَّحِيحَةُ السَّابِقَةُ فِي مُسْلِمٍ وَغَيْرِهِ أن النبي قِيلَ لَهُ مَا شَأْنُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحِلَّ أَنْتَ فَقَالَ إِنِّي لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدْتُ هَدْيِي فَلَا أَحِلُّ حَتَّى أَنْحَرَ الْهَدْيَ وَفِي رِوَايَةٍ حَتَّى أَحِلَّ مِنَ الْحَجِّ (أَوْ رَأَيْتُهُ) شَكٌّ مِنَ الرَّاوِي (يُقَصَّرُ) بِصِيغَةِ الْمَجْهُولِ مِنَ التقصير (قال بن خَلَّادٍ) فِي حَدِيثِهِ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ وَلَمْ يذكر بن خلاد لفظ أخبره بل قال عن بن عَبَّاسٍ أَنَّ مُعَاوِيَةَ قَالَ قَصَّرْتُ الْحَدِيثَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1803]
(بِحَجَّتِهِ) قَالَ السِّنْدِيُّ لَعَلَّ مُعَاوِيَةَ عَنَى بِالْحَجَّةِ عُمْرَةَ الْجِعْرَانَةِ لِأَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ حِينَئِذٍ وَلَا يُسَوَّغُ هَذَا التَّأْوِيلُ فِي رِوَايَةِ مَنْ رَوَى أَنَّهُ كَانَ فِي ذِي الْحِجَّةِ أَوْ لَعَلَّهُ قَصَّرَ عَنْهُ بَقِيَّةَ شَعْرٍ لَمْ يَكُنِ اسْتَوْفَاهُ الْحَلَّاقُ بَعْدَهُ فَقَصَّرَهُ مُعَاوِيَةُ عَلَى الْمَرْوَةِ يَوْمَ النَّحْرِ انْتَهَى
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله بَعْد قَوْل الْمُنْذِرِيِّ وَقَدْ قَالَتْ حَفْصَة مَا بَال النَّاس حَلُّوا إِلَخْ وَاحْتَجَّ بِهَذَا مَنْ قَالَ إِنَّ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم تَمَتَّعَ فِي حَجَّة الْوَدَاع تَمَتُّعًا حَلَّ فِيهِ كَالْقَاضِي أَبِي يَعْلَى وَغَيْره
وَهَذَا غَلَط مِنْهُمْ فَإِنَّ الْمَعْلُوم مِنْ شَأْن رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ لَمْ يُحِلّ بِعُمْرَةٍ فِي حَجَّته وَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْهُ صلى الله عليه وسلم ذَلِكَ وَقَالَ لَوْلَا أَنَّ مَعِي الْهَدْي لَأَحْلَلْت وَهَذَا لَا يَسْتَرِيب فِيهِ مَنْ لَهُ عِلْم بِالْحَدِيثِ فَهَذَا لَمْ يَقَع فِي حَجَّته بِلَا رَيْب إِنَّمَا وَقَعَ فِي بَعْض عُمَره وَيَتَعَيَّن أَنْ يَكُون فِي عُمْرَة الْجِعِرَّانَة وَاَللَّه أَعْلَم لِأَنَّ مُعَاوِيَة إِنَّمَا أَسْلَمَ يَوْم الْفَتْح مَعَ أَبِيهِ فَلَمْ يُقَصِّر عَنْهُ فِي عُمْرَة الْحُدَيْبِيَة وَلَا عُمْرَة الْقَضِيَّة وَالنَّبِيّ صلى الله عليه وسلم لَمْ يَكُنْ مُحْرِمًا فِي الْفَتْح وَلَمْ يُحِلّ مِنْ إِحْرَامه فِي حَجَّة الْوَدَاع بِعُمْرَةٍ فَتَعَيَّنَ أَنْ يَكُون ذَلِكَ فِي عُمْرَة الْجِعِرَّانَة هَذَا إِنْ كَانَ الْمَحْفُوظ أَنَّهُ هُوَ الَّذِي قَصَّرَ عَنْ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم وَإِنْ كَانَ الْمَحْفُوظ هُوَ الرِّوَايَة الْأُخْرَى وَهُوَ قَوْله رَأَيْته يُقَصِّر عَنْهُ عَلَى الْمَرْوَة فَيَجُوز أَنْ يَكُون فِي عُمْرَة الْقَضِيَّة أَوْ الْجِعِرَّانَة حَسْب وَلَا يَجُوز فِي غَيْرهمَا لِمَا تَقَدَّمَ
وَاَللَّه أَعْلَم
(قَالَ الْإِمَامُ الْخَطَّابِيُّ) هَذَا صَنِيعُ مَنْ كَانَ مُتَمَتِّعًا وَذَلِكَ أَنَّ الْمُفْرِدَ وَالْقَارِنَ لَا يَحْلِقُ رَأْسَهُ وَلَا يُقَصِّرُ شَعْرَهُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ وَالْمُعْتَمِرُ يُقَصِّرُ عِنْدَ الْفَرَاغِ مِنَ السَّعْيِ
وَفِي الرِّوَايَاتِ الصَّحِيحَةِ أَنَّهُ لَمْ يَحْلِقْ وَلَمْ يُقَصِّرُ إِلَّا يَوْمَ النَّحْرِ بَعْدَ رَمْيِ الْجِمَارِ وَهِيَ أَوْلَى
وَيُشْبِهُ أَنْ يَكُونَ مَا حَكَاهُ مُعَاوِيَةُ إِنَّمَا هُوَ فِي عُمْرَةٍ اعْتَمَرَهَا رَسُولُ اللَّهِ دُونَ الْحَجَّةِ الْمَشْهُورَةِ انْتَهَى
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ وَلَيْسَ فِيهِ لِحَجَّتِهِ وَقَوْلُهُ يَعْنِي لِعُمْرَتِهِ
وَقَدْ أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ أَيْضًا وَفِيهِ فِي عُمْرَةٍ عَلَى الْمَرْوَةِ وَسَمَّى الْعُمْرَةَ حَجًّا لِأَنَّ مَعْنَاهُمَا الْقَصْدُ وَقَدْ قَالَتْ حَفْصَةُ مَا بَالُ النَّاسِ حَلُّوا وَلَمْ تَحْلِلْ أَنْتَ مِنْ عُمْرَتِكَ
قِيلَ إِنَّهَا تَعْنِي مِنْ حَجَّتِكَ انْتَهَى
[1804]
(عَنْ مُسْلِمٍ الْقُرِّيِّ) هُوَ بِقَافٍ مَضْمُومَةٍ ثُمَّ رَاءٍ مُشَدَّدَةٍ
قَالَ السَّمْعَانِيُّ هُوَ مَنْسُوبٌ إِلَى بَنِي قُرَّةَ حي من عبد القيس قال وقال بن مَاكُولَا هَذَا ثُمَّ قَالَ وَقِيلَ بَلْ لِأَنَّهُ كَانَ يَنْزِلُ قَنْطَرَةَ قُرَّةَ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
[1805]
(تَمَتَّعَ) قَالَ الْقَاضِي هُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّمَتُّعِ اللُّغَوِيِّ وَهُوَ الْقِرَانُ آخِرًا وَمَعْنَاهُ أنه أَحْرَمَ أَوَّلًا بِالْحَجِّ مُفْرَدًا ثُمَّ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ فَصَارَ قَارِنًا فِي آخِرِ أَمْرِهِ وَالْقَارِنُ هُوَ مُتَمَتِّعٌ مِنْ حَيْثُ اللُّغَةِ
وَمِنْ حَيْثُ الْمَعْنَى لِأَنَّهُ تَرَفَّهَ بِاتِّحَادِ الْمِيقَاتِ وَالْإِحْرَامِ وَالْفِعْلِ وَيَتَعَيَّنُ هَذَا التَّأْوِيلُ هُنَا لِلْجَمْعِ بَيْنَ الْأَحَادِيثِ فِي ذلك (وبدأ رسول الله إِلَخْ) فَهُوَ مَحْمُولٌ عَلَى التَّلْبِيَةِ فِي أَثْنَاءِ الْإِحْرَامِ وَلَيْسَ الْمُرَادُ أَنَّهُ أَحْرَمَ فِي أَوَّلِ أَمْرِهِ بِعُمْرَةٍ ثُمَّ أَحْرَمَ بِحَجٍّ لِأَنَّهُ يُفْضِي إِلَى مُخَالَفَةِ الْأَحَادِيثِ فَوَجَبَ تَأْوِيلُ هَذَا عَلَى مُوَافَقَتِهَا وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّأْوِيلَ (وَتَمَتَّعَ النَّاسُ إِلَخْ) وَمَعْلُومٌ أَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ أَوْ أَكْثَرَهُمْ أَحْرَمُوا بِالْحَجِّ أَوَّلًا مُفْرَدًا وَإِنَّمَا فَسَخُوهُ إِلَى الْعُمْرَةِ آخِرًا فَصَارُوا مُتَمَتِّعِينَ
فَقَوْلُهُ وَتَمَتَّعَ النَّاسُ يَعْنِي فِي آخِرِ الْأَمْرِ (وَمَنْ لَمْ يَكُنْ مِنْكُمْ أَهْدَى فَلْيَطُفْ بِالْبَيْتِ إِلَخْ) مَعْنَاهُ يَفْعَلُ الطَّوَافَ وَالسَّعْيَ وَالتَّقْصِيرَ وَقَدْ صَارَ حَلَالًا وَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ التَّقْصِيرَ أَوِ الْحَلْقَ نُسُكٌ مِنْ مَنَاسِكِ الْحَجِّ
وَهَذَا هُوَ الصَّحِيحُ فِي مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَبِهِ قَالَ جَمَاهِيرُ الْعُلَمَاءِ وَقِيلَ إِنَّهُ اسْتِبَاحَةُ مَحْظُورٍ وَلَيْسَ بِنُسُكٍ وَهَذَا ضَعِيفٌ وَإِنَّمَا أَمَرَهُ رَسُولُ اللَّهِ بِالتَّقْصِيرِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ بِالْحَلْقِ مَعَ أَنَّ الْحَلْقَ أَفْضَلُ لِيَبْقَى لَهُ شَعْرٌ يَحْلُقُهُ فِي الْحَجِّ فَإِنَّ الْحَلْقَ فِي تَحَلُّلِ الْحَجِّ أَفْضَلُ مِنْهُ في تحلل الْعُمْرَةِ (وَلْيَحْلِلْ) مَعْنَاهُ قَدْ صَارَ حَلَالًا فَلَهُ فِعْلُ مَا كَانَ مَحْظُورًا عَلَيْهِ فِي الْإِحْرَامِ مِنَ الطِّيبِ وَاللِّبَاسِ وَالنِّسَاءِ وَالصَّيْدِ وَغَيْرِ ذَلِكَ (ثُمَّ لِيُهِلَّ بِالْحَجِّ) أَيْ وَيُحْرِمْ بِهِ فِي وَقْتِ الْخُرُوجِ إِلَى عَرَفَاتٍ لَا أَنَّهُ يُهِلُّ بِهِ عَقِبَ تَحَلُّلِ الْعُمْرَةِ
وَلِهَذَا قَالَ ثُمَّ لِيُهِلَّ فَأَتَى بِثُمَّ الَّتِي هِيَ لِلتَّرَاخِي وَالْمُهْلَةِ (وليهد) والمراد بِهِ هَدْيُ التَّمَتُّعِ فَهُوَ وَاجِبٌ بِشُرُوطٍ الْأَوَّلُ أَنْ يُحْرِمَ بِالْعُمْرَةِ فِي أَشْهُرِ الْحَجِّ الثَّانِي أَنْ يَحُجَّ مِنْ عَامِهِ الثَّالِثُ أَنْ يَكُونَ أُفُقِيًّا لَا مِنْ حَاضِرِي الْمَسْجِدِ وَحَاضِرُوهُ أَهْلُ الْحَرَمِ وَمَنْ كَانَ مِنْهُ عَلَى مَسَافَةٍ لَا تُقْصَرُ فِيهَا الصَّلَاةُ الرَّابِعُ أَنْ لَا يَعُودَ إِلَى الْمِيقَاتِ لِإِحْرَامِ الْحَجِّ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (فَمَنْ لَمْ يَجِدْ هَدْيًا) فَالْمُرَادُ لَمْ يَجِدْهُ هُنَاكَ إِمَّا لِعَدَمِ الْهَدْيِ أَوْ لِعَدَمِ ثَمَنِهِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ يُبَاعُ بِأَكْثَرَ مِنَ الْمِثْلِ وَإِمَّا لِكَوْنِهِ مَوْجُودًا لَكِنَّهُ لَا يَبِيعُهُ صَاحِبُهُ فَفِي كُلِّ هَذِهِ الصُّوَرِ يَكُونُ عَادِمًا لِلْهَدْيِ فَيَنْتَقِلُ إِلَى الصَّوْمِ سَوَاءً كَانَ وَاجِدًا لِثَمَنِهِ فِي بَلَدِهِ أَمْ لَا (فَلْيَصُمْ ثَلَاثَةَ أَيَّامٍ فِي الْحَجِّ) هو موافق
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله بَعْد قَوْل الْمُنْذِرِيِّ وَفِي لَفْظ مُسْلِم لَبَّى بِالْحَجِّ وَحْده إِلَخْ الَّذِينَ قَالُوا قَرَنَ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّته اِخْتَلَفَتْ طُرُقهمْ فِي كَيْفِيَّة قِرَانه فَطَائِفَة قَالَتْ أَحْرَمَ بِالْعُمْرَةِ أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ عَلَيْهَا الْحَجّ وهذا ظاهر حديث بن عُمَر وَعَائِشَة كَمَا تَقَدَّمَ وَهِيَ طَرِيقَة أَبِي حَاتِم بْن حِبَّانَ فِي صَحِيحه
قَالَ هَذِهِ الْأَخْبَار الَّتِي ذَكَرْنَا فِي إِفْرَاد النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم مِمَّا تَنَازَعَ الْأَئِمَّة فِيهَا مِنْ زَمَان إِلَى زَمَاننَا هَذَا وَشَنَّعَ بِهَا الْمُعَطِّلَة وَأَهْل الْبِدَع عَلَى أَئِمَّتنَا وَقَالُوا رَوَيْتُمْ ثَلَاثَة أَحَادِيث مُتَضَادَّة فِي فِعْل وَاحِد وَرَجُل وَاحِد وَحَالَة وَاحِدَة وَزَعَمْتُمْ أَنَّهَا ثَلَاثَتهَا صِحَاح مِنْ جِهَة النَّقْل وَالْعَقْل يَدْفَع مَا قُلْتُمْ إِذْ مُحَال أَنْ يَكُون النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم فِي حَجَّة الْوَدَاع كَانَ مُفْرِدًا قَارِنًا مُتَمَتِّعًا إِلَى أَنْ قَالَ وَلَوْ تَوَجَّهَ قَائِل هَذَا فِي الْخَلْوَة إِلَى الْبَارِي وَسَأَلَهُ التَّوْفِيق لِإِصَابَةِ الْحَقّ وَالْهِدَايَة لِطَلَبِ الرُّشْد فِي الْجَمْع بَيْن الْأَخْبَار وَنَفْي التَّضَادّ عَنْ الْآثَار لَعَلِمَ بِتَوْفِيقِ الْوَاحِد الْقَهَّار أَنَّ أَخْبَار الْمُصْطَفَى لَا تَتَضَادّ وَلَا تَهَاتَر وَلَا يُكَذِّب بَعْضهَا بَعْضًا إِذَا صَحَّتْ مِنْ جِهَة النَّقْل
لِنَصِّ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى وَيَجِبُ صَوْمُ هَذِهِ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَيَجُوزُ صَوْمُ يَوْمِ عَرَفَةَ مِنْهَا لَكِنِ الْأَوْلَى أَنْ يَصُومَ الثَّلَاثَةَ قَبْلَهُ وَالْأَفْضَلُ أَنْ لَا يَصُومَهَا حَتَّى يُحْرِمَ بِالْحَجِّ بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ فَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ فَرَاغِهِ مِنَ الْعُمْرَةِ وَقَبْلَ الْإِحْرَامِ بِالْحَجِّ أَجْزَأَهُ وَإِنْ صَامَهَا بَعْدَ الْإِحْرَامِ بِالْعُمْرَةِ وَقَبْلَ فَرَاغِهَا لَمْ يُجْزِئْهُ عَلَى الصَّحِيحِ فَإِنْ لَمْ يَصُمْهَا قَبْلَ يَوْمِ النَّحْرِ وَأَرَادَ صَوْمَهَا فِي أَيَّامِ التَّشْرِيقِ فَفِي صِحَّتِهِ قَوْلَانِ مَشْهُورَانِ لِلشَّافِعِيِّ أَصَحُّهُمَا مِنْ حَيْثُ الدَّلِيلِ جَوَازُهُ
هَذَا تَفْضِيلُ مَذْهَبِ الشَّافِعِيِّ وَوَافَقَهُ أَصْحَابُ مَالِكٍ فِي أَنَّهُ لَا يَجُوزُ صَوْمُ الثَّلَاثَةِ قَبْلَ الْفَرَاغِ مِنَ الْعُمْرَةِ وَجَوَّزَهُ الثَّوْرِيُّ وَأَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ تَرَكَ صِيَامَهَا حَتَّى مُضِيِّ الْعِيدِ وَالتَّشْرِيقِ لَزِمَهُ قَضَاؤُهَا عِنْدَ الشَّافِعِيِّ
وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ يَفُوتُ صِيَامُهَا وَيَلْزَمُهُ الْهَدْيُ إِذَا اسْتَطَاعَهُ
وَأَمَّا صَوْمُ السَّبْعَةِ فَيَجِبُ إِذَا رَجَعَ وَفِي الْمُرَادِ بِالرُّجُوعِ خِلَافٌ
وَالصَّحِيحُ أَنَّهُ إِذَا رَجَعَ إِلَى أَهْلِهِ وَهَذَا هُوَ الصَّوَابُ لِهَذَا الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ الصَّرِيحِ وَالثَّانِي إِذَا فَرَغَ مِنَ الْحَجِّ وَرَجَعَ إِلَى مَكَّةَ مِنْ مِنًى وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لِلشَّافِعِيِّ وَمَالِكٍ وَبِالثَّانِي قَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَلَوْ لَمْ يَصُمِ الثَّلَاثَةَ وَلَا السَّبْعَةَ حَتَّى عَادَ إِلَى وَطَنِهِ لَزِمَهُ صَوْمُ عَشَرَةِ أَيَّامٍ قَالَهُ النَّوَوِيُّ (وَطَافَ رَسُولُ الله حِينَ قَدِمَ مَكَّةَ إِلَخْ) فِيهِ إِثْبَاتُ طَوَافِ الْقُدُومِ وَاسْتِحْبَابُ الرَّمَلِ فِيهِ هُوَ الْخَبَبُ وَأَنَّهُ يُصَلِّي رَكْعَتَيِ الطَّوَافِ وَأَنَّهُمَا يُسْتَحَبَّانِ خَلْفَ الْمَقَامِ
قَالَ الْمُنْذِرِيُّ وَأَخْرَجَهُ الْبُخَارِيُّ وَمُسْلِمٌ وَالنَّسَائِيُّ
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قَالَ وَالْفَصْل بَيْن الْجَمْع فِي هَذِهِ الْأَخْبَار أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَهَلَّ بِالْعُمْرَةِ حَيْثُ أَحْرَمَ كَذَلِكَ قَالَهُ مَالِك عَنْ الزُّهْرِيِّ عَنْ عُرْوَة عَنْ عَائِشَة فَخَرَجَ وَهُوَ مُهِلّ بِالْعُمْرَةِ وَحْدهَا حَتَّى إِذَا بَلَغَ سَرِف أَمَرَ أَصْحَابه بِمَا ذَكَرْنَا فِي خَبَر أَفْلَح بْن حُمَيْدٍ يَعْنِي بِالْفَسْخِ إِلَى الْعُمْرَة فَمِنْهُمْ مَنْ أَفْرَدَ وَمِنْهُمْ مَنْ أَقَامَ عَلَى عُمْرَته وَأَمَّا مَنْ سَاقَ الْهَدْي مِنْهُمْ فَأَدْخَلَ الْحَجّ عَلَى عُمْرَته وَلَمْ يُحِلّ فَأَهَلَّ صلى الله عليه وسلم بِهِمَا مَعًا حِينَئِذٍ إِلَى أَنْ دَخَلَ مَكَّة
وَكَذَلِكَ أَصْحَابه الَّذِينَ سَاقُوا الْهَدْي
فَكُلّ خَبَر رُوِيَ فِي قِرَان النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم إِنَّمَا كَانَ ذَلِكَ حَيْثُ رَأَوْهُ يُهِلّ بِهِمَا بَعْد إِدْخَاله الْحَجّ عَلَى الْعُمْرَة إِلَى أَنْ دَخَلَ مَكَّة فَطَافَ وَسَعَى وَأَمَرَ ثَانِيًا مَنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْي وَكَانَ قَدْ أَهَلَّ بِعُمْرَةٍ أَنْ يَتَمَتَّع وَيُحِلّ وَكَانَ يَتَلَهَّف عَلَى مَا فَاتَهُ مِنْ الْإِهْلَال حَيْثُ كَانَ سَاقَ الْهَدْي حَتَّى إِنَّ بَعْض الصَّحَابَة مِمَّنْ لَمْ يَكُنْ سَاقَ الْهَدْي لَمْ يُحِلُّوا حَيْثُ رَأَوْهُ صلى الله عليه وسلم لَمْ يُحِلّ حَتَّى كَانَ مِنْ أَمْره مَا وَصَفْنَا مِنْ دُخُوله صلى الله عليه وسلم عَلَى عَائِشَة وَهُوَ مُغْضَب فَلَمَّا كَانَ يَوْم التَّرَوِّيَة وَأَحْرَمَ الْمُتَمَتِّعُونَ خَرَجَ رَسُول اللَّه صلى الله عليه وسلم إِلَى مِنًى وَهُوَ يُهِلّ بِالْحَجِّ مُفْرِدًا إِذْ الْعُمْرَة الَّتِي قَدْ أَهَلَّ بِهَا فِي أَوَّل الْأَمْر قَدْ اِنْقَضَتْ عِنْد دُخُوله مَكَّة بِطَوَافِهِ بِالْبَيْتِ
وأخرجه البخاري ومسلم والنسائي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
وسعيه بين الصفا والمروة
فحكى بن عُمَر وَعَائِشَة أَنَّ النَّبِيّ صلى الله عليه وسلم أَفْرَدَ الْحَجّ أَرَادَا خُرُوجه إِلَى مِنَى مِنْ مَكَّة مِنْ غَيْر أَنْ يَكُون بَيْن هَذِهِ الْأَخْبَار تَضَادّ أَوْ تَهَاتُر وَفَّقَنَا اللَّه لِمَا يُحِبّهُ مِنْ الْخُضُوع عِنْد وُرُود السُّنَن إِذَا صَحَّتْ وَالِانْقِيَاد لِقَبُولِهَا وَاتِّهَام الْأَنْفُس وَإِلْزَاق الْخَطَأ بِهَا إِذَا لَمْ يُوَفَّق لِإِدْرَاكِ حَقِيقَة الصَّوَاب دُون الْقَدْح فِي السُّنَن وَالتَّعْرِيج عَلَى الآراء المنكوسة والمقاييس المعكوسة إنه خير مسؤول تَمَّ كَلَامه
وَطَائِفَة قَالَتْ كَانَ مُفْرِدًا أَوَّلًا ثُمَّ أَدْخَلَ الْعُمْرَة عَلَى الْحَجّ فَصَارَ قَارِنًا فَظَنُّوا أَنَّ ذَلِكَ مِنْ خَصَائِصه وَأَنَّهُمْ يَجْمَعُونَ بِذَلِكَ بَيْن الْأَحَادِيث
وَهَذَا مَعَ أَنَّ الْأَكْثَر لَا يُجَوِّزُونَهُ فَلَمْ تَأْتِ لَفْظَة وَاحِدَة تَدُلّ عَلَيْهِ بِخِلَافِ الْأَوَّل فَإِنَّهُ قَدْ قَالَهُ طَائِفَة وَفِيهِ أَحَادِيث صِحَاح
وَطَائِفَة قَالَتْ قَرَنَ اِبْتِدَاءً مِنْ حِين أَحْرَمَ وَهُوَ أَصَحّ الْأَقْوَال لِحَدِيثِ عُمَر وَأَنَس وَغَيْرهمَا وَقَدْ تَقَدَّمَا
وَاَلَّذِينَ قَالُوا أَفْرَدَ طَائِفَتَانِ طَائِفَة ظَنَّتْ أَنَّهُ أَفْرَدَ إِفْرَادًا اِعْتَمَرَ عَقِبه مِنْ التَّنْعِيم
وَهَذَا غَلَط بِلَا رَيْب لَمْ يُنْقَل قَطّ بِإِسْنَادٍ صَحِيح وَلَا ضَعِيف وَلَا قَالَهُ أَحَد مِنْ الصَّحَابَة وَهُوَ خِلَاف الْمُتَوَاتِر الْمَعْلُوم مِنْ فِعْله صلى الله عليه وسلم
وَطَائِفَة قَالَتْ أَفْرَدَ إِفْرَادًا اِقْتَصَرَ فِيهِ عَلَى الْحَجّ وَلَمْ يَعْتَمِر
وَالْأَحَادِيث الثَّابِتَة الَّتِي اِتَّفَقَ أَئِمَّة الْحَدِيث عَلَى صِحَّتهَا صَرِيحَة فِي أَنَّهُ اِعْتَمَرَ عَقِبه فَهُوَ بَاطِل قَطْعًا وَإِنْ كَانَ إِفْرَادًا مُجَرَّدًا عَنْ الْعُمْرَة فَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَدُلّ عَلَى خِلَافه
وَاَلَّذِينَ قَالُوا تَمَتَّعَ
طَائِفَتَانِ طَائِفَة قَالَتْ تَمَتَّعَ تَمَتُّعًا حَلَّ مِنْهُ
وَهَذَا بَاطِل قَطْعًا كَمَا تَقَدَّمَ
وَطَائِفَة قَالَتْ تَمَتَّعَ تَمَتُّعًا لَمْ يُحِلّ مِنْهُ لِأَجْلِ الْهَدْي
وَهَذَا وَإِنْ كَانَ أَقَلّ خَطَأ مِنْ الَّذِي قَبْله فَالْأَحَادِيث الصَّحِيحَة تَدُلّ عَلَى أَنَّهُ قَرَنَ إِلَّا أَنْ يُرِيدُوا بِالتَّمَتُّعِ الْقِرَان فَهَذَا حَقّ
وَطَائِفَة قَالَتْ أَحْرَمَ إِحْرَامًا مُطْلَقًا ثُمَّ عَيَّنَهُ بِالْإِفْرَادِ وَهَذَا أَيْضًا يَكْفِي فِي رَدّه الْأَحَادِيث الثَّابِتَة الصَّرِيحَة
وَطَائِفَة قَالَتْ قَرَنَ وَطَافَ طَوَافَيْنِ وَسَعَى سَعْيَيْنِ
وَالْأَحَادِيث الثَّابِتَة الَّتِي لَا مَطْعَن فِيهَا تُبْطِل ذَلِكَ وَاَللَّه أَعْلَم
[1806]
(أنها قالت يارسول اللَّهِ مَا شَأْنُ النَّاسِ) هَذَا دَلِيلٌ لِلْمَذْهَبِ الصحيح المختار أن النبي كَانَ قَارِنًا فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ (مِنْ عُمْرَتِكَ) أَيِ الْعُمْرَةِ الْمَضْمُومَةِ إِلَى الْحَجِّ وَفِيهِ أَنَّ الْقَارِنَ لَا يَتَحَلَّلُ بِالطَّوَافِ وَالسَّعْيِ وَلَا بُدَّ لَهُ فِي تَحَلُّلِهِ مِنَ الْوُقُوفِ بِعَرَفَاتٍ وَالرَّمْيِ وَالْحَلْقِ وَالطَّوَافِ كَمَا فِي الْحَجِّ الْمُفْرَدِ (لَبَّدْتُ رَأْسِي وَقَلَّدَتُ هَدْيِي) فِيهِ اسْتِحْبَابُ التَّلْبِيدِ وَتَقْلِيدِ الهدي
ــ
[حاشية ابن القيم، تهذيب السنن]
قال الحافظ شمس الدين بن القيم رحمه الله وَقَدْ تَأْتِي مِنْ بِمَعْنَى الْبَاء كَقَوْلِهِ {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْر اللَّه} أَيّ بِأَمْرِهِ تُرِيد وَلَمْ تُحِلّ أَنْتَ بِعُمْرَةٍ
وَقَالَتْ طَائِفَة مَعْنَاهُ لَمْ تُحِلّ مِنْ الْعُمْرَة الَّتِي أَمَرْت النَّاس بِهَا
وَقَالَتْ طَائِفَة هَذِهِ اللَّفْظَة غَيْر مَحْفُوظَة فَإِنَّ عُبَيْد اللَّه بْن عُمَر لَمْ يَذْكُرهَا في حديثه حكاهما بن حَزْم
وَقَالَتْ طَائِفَة هِيَ مَرْوِيَّة بِالْمَعْنَى وَالْحَدِيث وَلَمْ تُحِلّ أَنْتَ مِنْ حَجّك فَأَبْدَلَ لَفْظ الْحَجّ بِالْعُمْرَةِ
وَقَالَتْ طَائِفَة الْحَدِيث إِنَّمَا فِيهِ إِقْرَاره لَهَا عَلَى أَنَّهُ فِي عُمْرَة وَلَيْسَ فِيهِ أَنَّهَا عُمْرَة مُفْرَدَة لَا حَجَّة مَعَهَا
وَقَدْ أَخْبَرَ عَنْ نَفْسه بِأَنَّهُ قَرَنَ فَهُوَ إِذَنْ فِي حَجّ وَعُمْرَة وَمَنْ كَانَ فِي حَجّ وَعُمْرَة فَهُوَ فِي عُمْرَة قَطْعًا
وَهَذِهِ الْوُجُوه بَعْضهَا وَاهٍ وَبَعْضهَا مُقَارِب
فَقَوْل مَنْ قَالَ الْمُرَاد بِهِ مِنْ حَجَّتك بَعِيد جِدًّا إِذْ لَا يُعَبَّر بِالْعُمْرَةِ عَنْ الْحَجّ وَلَيْسَ هَذَا عُرْف الشَّرْع وَلَا يُطْلَق ذَلِكَ إِلَّا إطلاقا مقيدا فيقال هِيَ الْحَجّ الْأَصْغَر
وَقَوْل مَنْ قَالَ إِنَّهَا ظَنَّتْ أَنَّهُ صلى الله عليه وسلم كَانَ فَسَخَ الْعُمْرَة كَمَا أَمَرَ أَصْحَابه وَلَمْ يُحِلّ كَمَا أَحَلُّوا فَبَعِيد جِدًّا فَإِنَّ هَذَا الظَّنّ إنما كان يظهر بإحلاله فبه يَكُون مُعْتَمِرًا فَكَيْفَ تَظُنّ أَنَّهُ قَدْ فَسَخَ بِعُمْرَةٍ وَهِيَ تَرَاهُ لَمْ يَحِلّ وَأَمَّا قَوْل من قال معناه لم تحل بعمرة ومن بِمَعْنَى الْبَاء فَتَعَسُّف ظَاهِر وَإِضَافَة الْعُمْرَة إِلَيْهِ تَدُلّ عَلَى أَنَّهَا عُمْرَة مُخْتَصَّة بِهِ هُوَ فيها